النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
تعدد الزوجات بعد فاطمة (عليها السلام)
المؤلف: السيد زهير الاعرجي
المصدر: السيرة الاجتماعية للامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
الجزء والصفحة: 316-322.
17-2-2019
4673
لاحظنا ونحن ندرس الحياة العائلية للامام (عليه السلام) انه تزوج بعد استشهاد فاطمة الزهراء (عليها السلام) بالعديد من الإماء والارامل وغيرهنّ من النساء، فما مغزى التزوج بهذا العدد من الإماء او ملك اليمين؟ وما مغزى تزوج الامام (عليه السلام) من الارامل؟ وما مغزى التعدد بشكله العام؟ بحيث يكون عدد زوجاته اثنتين وعشرين زوجة: أربع زوجات وثماني عشرة ملك يمين. نتحدث اولاً عن زواج الإماء ومعنى العبودية والتحرر. ثم نتحدث بعد ذلك عن تعدد الزوجات.
1- تزوّج الإماء:
يعدّ التزوج من الإماء، انسب الطرق لتربية تلك الشريحة من الافراد التي اُريد لها الدخول في المجتمع الاسلامي والاندماج في عقائده وافكاره. ومع ان صورة الرق تبدو موحشة للوهلة الاولى، الا ان آثارها في كشف رحمة الاسلام للعبد أو الاَمة هي التي جعلت الإماء والعبيد من اكثر الناس تعلّقاً بالاسلام.
أ- معنى العبودية والتحرر:
يمكن تعريف العبودية او الرقيّة بأنها وضع يكون فيه الانسان تحت سلطنة ونظر انسان آخر أقوى، خلافاً لطبيعة الاشياء القاضية بحرية كل فرد. ويسمى الاول بـ «العبد» أو «الأمة»، ويسمى الثاني بـ «السيد». ويكون السيد مالكاً للعبد والأمة فهما «ملك يمين». ذلك لان العبودية تبطل حقوق الانسان القانونية او التشريعية في الحرية والاختيار. وبذلك يكون العبد مسلوب الاختيار والارادة تماماً فيما يتعلّق بالاشياء الخارجية غير القلبية. فهو مجرد ملك بيد انسان آخر أقوى. وسلب الشخصية الحقوقية من الانسان تفقد العبد او الأمة حرية اختيار الزوج، الا انها تُبقي الحياة الروحية منفتحة للتأثر والتغيير من اجل تحقيق الهدف الذي شُرّعت من اجله عملية الرقّ.
ولكن في البداية لابد لنا من معرفة حقيقة مهمّة وهي ان الرقيق كانوا محاربين منهزمين اوتي بهم وبمتعلّقيهم من خارج حدود المجتمع الاسلامي خلال المعارك التي كانوا يخوضونها ضدّ الاسلام والمسلمين. والاسترقاق في الاسلام يعدّ محاولة جادة لقطع جذور الثقافة الوثنية والاجتماعية التي يحملها المحارب ضدّ الاسلام رجلاً كان او امرأة. ولذلك فان الغاء الشخصية الحقوقية للعبد او الأمة هو الغاء للشخصية الوثنية او العلمانية التي يحملانها. ومن هذا المنظار فان تزويج الأمة عبر التملك هو افضل الطرق وانسبها لقطع جذور الالحاد والكفر والوثنية. بينما لا يمكن سلب الشخصية الحقوقية بالاسترقاق للفرد المنحرف المسلم داخل المجتمع الاسلامي لان هناك طرقاً اخرى للتعامل مع المنحرفين لا تقل جدية وحسماً مثل القصاص والقتل والقطع والتعزير.
ولاشك ان ألم انقطاع المرأة الكافرة خلال عملية الاسترقاق عن اقاربها وعشيرتها ينجبر بالعلاقة العائلية الجديدة التي يحاول ان ينشأها سيدها وعائلته. وقد كان امير المؤمنين (عليه السلام) مثالاً رائعاً لمدى احترام المرأة التي كانت تمرّ بتلك العملية الانتقالية الشاقة حتى تنال الحرية الحقيقية بقبولها الاسلام.
ولذلك فقد جعل (عليه السلام) يبته مدرسة لتربية الإماء على الاخلاق الرفيعة. فهنا لا ينبغي ملاحظة عدد الإماء بدون ملاحظة وظيفة الامام علي (عليه السلام) في تربيتهنّ، خصوصاً وان بلاد الاسلام كانت تتوسع في تلك الفترة ويدخل في الدين الحنيف افواج من مختلف الشعوب والملل والمذاهب. ومن هذا اللحاظ يمكن اعتبار بيت الامام (عليه السلام) مدرسة للتقوى والزهد والتعبد لا مجتمعاً للعبيد والإماء والشهوات.
ولا شك ان للاسلام اهدافاً سامية في عملية الرقّ، ولذلك شجّع على تحرير الرقاب المؤمنة، بل مطلق الرقاب. ففي قتل الخطأ أمر تعالى بكفّارة عتق رقبة فقال: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92]، {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]. وفي حنث اليمين المعقودة او الممضاة كفارة عتقرقبة مخيرة ضمن امور ثلاثة، فقال تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]، وفي حكم الظهار كفارة تحرير رقبة، قال تعالى{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3].
وفي استحباب نشر الرحمة والاحسان للمبتلين بنوائب الدهر، قال تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد: 11، 12]، وهو يبيّن كمال عناية الدين بفكّ الرقاب، وفيه ايضاً قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177]، وجعل فكّ الرقاب من العتق ضمن موارد صرف الصدقات، فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60].
وبكلمة، فان الرقية في الاسلام لها اهداف اخلاقية سامية، ولا يمكن اخذها بنفس المنظار الذي سارت عليه اوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين حيث كانت العبودية العرقية من ابشع ما شهده الانسان من علاقات انسانية ظالمة بين الاقوياء والضعفاء. ولاهمية الموضوع وارتباطه بحياة الامام (عليه السلام)، كان لابد من الاسهاب في مناقشته.
ب- الفوارق بين الرق في الاسلام والعبودية الحديثة:
هناك فوارق جوهرية بين الرق في الاسلام والعبودية الحديثة التي مارسها الرجل الاوروبي الابيض خلال القرنين الماضيين. ودراسة دقيقة لتلك الفوارق تبين لنا التباين الاخلاقي بين تعاليم السماء وقانون الانسان الظالم. وعندها نفهم مغزى تزوج علي (عليه السلام) بذاك العدد من النساء.
1- ان الاصل في الرقية في الاسلام هو ان يتخلص الانسان الذي يمر بتلك العملية، من آثار الشرك ويتهيأ للدخول في الاسلام باعتباره دين الحرية والتحرر من الظلم وعبودية الانسان للانسان. بينما كان الاصل في العبودية التي مارسها الرجل الغربي الابيض هو اعتصار الجهد البدني للعبد اعتصاراً كاملاً في الزراعة والصناعة، رجلاً كان او امرأة، كبيراً كان او صغيراً. خصوصاً عندما افتَقَدَ اصحاب رأس المال القوة العاملة الرخيصة، عندئذٍ اتجهوا نحو استرقاقالعبيد من افريقيا السوداء. فالعبودية الاوروبية كانت من اجل استغلال الانسان لاهداف غير نبيلة.
والذي يؤيد ان الرقية في الاسلام هي عملية اخلاقية للتخلص من آثار الشرك ان الفرد الذي يولد مسلماً لا يمكن ان يختبر عملية الاسترقاق، بل ان هناك طرقاً اخرى لمعالجة الانحراف عند المسلم اذا انحرف عن الجادة كالعقوبات او الغرامات او المقاطعة الاجتماعية في الحبس كما ذكرنا ذلك آنفاً
2- ان الرقية في الاسلام لا علاقة لها بلون البشرة، فقد يكون العبد ابيضَ وقد يكون أسودَ وقد يكون أصفرَ. فالمهم ان يمر الانسان المشرك بمرحلة انتقالية الى الاسلام، وتلك المرحلة تسمى رقّاً. اما العبودية التي قام بها الرجل الاوروبي الابيض فقد كانت مقيدة بلون البشرة وموجهة بالخصوص الى الأفارقة لان لون بشرتهم كان اغمق من لون بشرة الرجل الوروبي الابيض . فالعبودية الاوروبية كانت عبودية عرقية بالدرجة الاولى.
3- ان عملية الرق في الاسلام يمكن ان تفهم على اساس انها عملية مؤقتة لان الاسلام شجّع على عتق الرقاب ككفارة في قتل العمد، والافطار العمدي لاحد ايام شهر رمضان، وحنث اليمين، وظهار الزوج لزوجته. بينما تستمر عملية العبودية عند الرجل الاوروبي الابيض بصورة دائمة ؛ فليس هناك امد محدود لانتهاء الرقية. وتلك الفكرة تدعم رأينا في ان للاسلام اهدافاً نبيلة من استحداث عملية الاسترقاق في الحروب، كما لمسنا في الآيات القرآنية الكريمة التي قرأنها للتوّ.
4- ان الاَمة في الاسلام اذا قاربها سيدها وولدت له ولداً، تصبح اُماً من الناحية القانونية تسمّى «أم ولد» ويلحلق الولد بالاب . وبعد استرداد حريتها تبقى العلاقات النسبية والسببية واضحة ومعترفاً بها. بينما يختلف الاسترقاق عند الرجل الاوروبي الابيض، فاذا قارب السيد امته فان المولود يكون وليداً غير شرعي. ويترتب على ذلك ان الوليد لا يمكن الحاقه بالاب. وهذا هو مغزى تسمية داعية الحقوق المدنية الاسود «مالكوم اكس» اسمه بهذا الاسم، لان حرف اكس بالانكليزية يعني مجهولية الانتساب. فأطلق على نفسه هذا الاسم من اجل ادانة العبودية الحديثة والتظلم بأنه لا يعرف اباه الذي قارب تلك المرأة التي ولدته وهي في العبودية.
5- ان الرقية في الاسلام تعني ان الاَمة تعيش في بيت سيدها كأي امرأة اُخرى لها شخصيتها الانسانية، حتى تتعلم من افراد الاسرة العلاقات الشرعية وأخلاق الدين واحكام الشريعة بينما يعيش العبيد الذين استرقّهم الرجل الاوروبي الابيض خارج بيت السيد، وعلى الاغلب في مرابض الحيوانات والاصطبلات.
6- ان استمرار العبودية الاوروبية كان يؤدي الى معاناة جسدية ونفسية تؤدي احياناً الى التمرد والثورة والكفر بمعتقدات «السيد» الذي سبب تلك المعاناة للعبيد. واهم ثوراة العبيد هي ثورة سنة 1793 م في سانت دومنيكو «هايتي» حالياً، والشعور السلبي الذي يحسّ به السود في بلدان الغرب اليوم.
بينما يؤدي الرق في الاسلام في اغلب الاحيان _ وخصوصاً عند ائمة الهدى (عليه السلام)_ الى حالة عاطفية من الارتباط بين السيد والعبد كما نجد ذلك عندما كان الامام (عليه السلام) يقوم بتحرير الرقاب، او عندما تصدر هفوة من عبدٍ فيقول له (عليه السلام): انت حُر لوجه الله ونحوها.
ولم يرد في المتون التأريخية ان العبيد والاَماء في الاسلام قد قاموا بتمرّد او ثورة ضدّ الدين بل ان الذي حصل هو العكس تماماً. فقد آمنوا بالدين بعد انعتاقهم من الرقية، واحتلوا مكانهم الطبيعي في المجتمع، ورجعت اليهم شخصياتهم الحقوقية بعد ان سلبت مؤقتاً في المرحلة الانتقالية.
7- ان العبودية الاوروبية كانت تقتضي حرمان العبد من ثمار جهده البدني، وحرمانه ايضاً من براءة ذريته من العبودية فالاولاد الذين يولدن للعبيد تكتب عليهم العبودية منذ رؤيتهم نور هذا العالم الواسع الفسيح. وهكذا فان العبودية التي مارسها الرجل الاوروبي الابيض ضدّ الأفارقة كانت عبودية أجيال لا عبودية جيل واحد. اما الرق في الاسلام فقد كان منحصراً في تغيير الجيل الكافر، وكان الجيل الثاني مسلماً على الاغلب. فلم تكن رقية الاسلام رقية اجيال، بل ان هدفها تصحيح مسار الجيل المشرك حتى تؤمن بقية الاجيال بالواحد القهار عزّ وجلّ.
8- بينما كان الاسلام يحاول جاهداً التخلّص من الرقية عبر عتق الرقاب بشتى الوسائل من قبل المؤمنين ، كانت العبودية الاوروبية لا ترى نهاية لذلك النفق المظلم. فكان امداد العبيد _ كيد عاملة مجانية _ يأتي عن طريق الغارات على القبائل الافريقية. وكانت تجارة الرقيق اول مصادر الامداد. بينما كان المصدر الثاني اجبار العبيد على المخالطة ذكوراً واناثاً من اجل الانجاب. وكان الوليد من أب أو من أبوين من العبيد يُستعبد مباشرة بعد الولادة. اجمالاً،فقد كان الطفل يستلم مقعد امه في الحياة. فان كانت مستعبَدة فانه يصبح عبداً. وبذلك فقد كان الطفل البريء يحاكي وضع امه القانوني في كل الاحوال.
9- يقوم العبيد في المجتمع الاوروبي الابيض بتنشيط الاقتصاد لانهم اُجراء دون مقابل في الزراعة والصناعة ونحوها. فالعملية اذن لها اهداف اقتصادية راسمالية بالدرجة الاولى. اما الرقية في الاسلام فهي عملية لا تنظر للهدف الاقتصادي، بل تنظر للمصلحة العليا للانسان في التهيئة للانعتاق من الشرك والعبودية لغير الله سبحانه.
10- ان الولاء القلبي عند العبد تجاه سيده في العبودية الاوروبية يكاد يكون معدوماً، فالعبد لا يتعاون مع سيده الا تحت الاكراه الشديد. ولو انتهت فترة العبودية _ افتراضاً _ فان الكره المتبادل سيستمر ونراه موجوداً لحدّ اليوم في المجتمعات الغربية. بينما لم نلحظ ذلك في عملية الاسترقاق في التاريخ الاسلامي. فقد اعتنق اغلب الرقيق الاسلام، خصوصاً اولئك الذين عاشوا في كنف ائمة الهدى (عليه السلام).
وهنا كانت الاَمة في بيت الامام (عليه السلام) تتخلّص من آثار الشرك والوثنية، وتتهيأ للدخول في الاسلام باعتباره دين الفضائل والقيم الاخلاقية المثلى. خصوصاً وانها كانت تعيش في بيت سيدها كأي امرأة اُخرى لها شخصيتها الانسانية، تتعلم من افراد اسرة الامام (عليه السلام) العلاقات الشرعية واخلاق الدين واحكام الشريعة. ولا شك ان الولاء القلبي من قبل الاماء الثماني عشرة في بيت الامام قبل استشهاده (عليه السلام) كان محرزاً. ومن المؤكد تأريخياً انهنّ جميعاً اعتنقن الاسلام.
2- مغزى تعدد الزوجات:
يقول تعالى بشأن تعدد الزوجات {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]. فقد اعلن القران الكريم شرعية تعدد الزوجات، أربع كحد أقصى على شرط:
1- ان تتملك الزوجات حقوقاً متساوية على الاصعدة الشخصية والمعاشية وعلى صعيد العلاقة الخاصة. اما الميول القلبية الداخلية من الزوج تجاه أيٍ من الزوجات، فليس لها اعتبار على المسرح الحقوقي.
2- ان يكون لكل زوجة شخصية حقوقية مستقلة من قبيل ان لكل زوجة استقلالية ذاتية في قضايا تربية الاولاد ونمط الحياة ضمن اطار قيمومة الرجل وطاعته شرعاً.
3- ان يكونن من انساب مختلفة، فلا يجوز الجمع بين الاختين مثلاً.
ومن هنا نلحظ ان تعدد الزوجات في الاسلام يصبّ لصالح المرأة لانه ينظر الى القضية الحقوقية التي حُرمت منها. خصوصاً وان التعدد ينشأ غالباً من التزوج بالنساء الارامل أو الثيّبات او المطلقات او اللآتي خانهن التوفيق في زواج واحد ناجح. فالتعدد اذن أمرٌ اُريد منه معالجة مشكلة اجتماعية تخصّ المرأة، ولم يُرد منه حل مشكلة الرجل. وإن كان للرجل مشكلة وتمّ حلها بهذا الطريق فأمر مستطاب، ولكن اُريد من ذلك حل مشكلة المرأة بالخصوص. ولو أردنا البحث عن علّة تعدد الزوجات لوجدنا ان هناك اسباباً وجيهةً نلخصها بالنقاط التالية:
1- ان الحروب التي كانت مستعرة في ذلك الزمان، وفي كل زمان، تقتضي ان تزيد نسبة الرجال على النساء نسبة قليلة. بسبب مقتل العديد من الرجال في كل معركة. خُذ على سبيل المثال: معارك الجمل وصفين والنهروان حيث قُتل فيها عشرات الألوف. والحروب الضخمة في التأريخ حيث قُتل الملايين فيها. والحروب العالمية الحديثة حصدت ارواح عشرات الملايين من الرجال. فزيادة عدد النساء وقلّة الرجال يستدعي حكم التعدد.
2- ان الزواج في ظروف كتلك يُعيد الأمل الى المرأة بامكانية الحصول على حياة هانئة مع زوج يعترف به المجتمع. وذلك الأمل يبني تماسكاً في الحياة الاجتماعية الكلية للمجتمع الاسلامي.
3- ان شروط الحياة الاجتماعية وكميّة الغذاء المستهلك وشروط الحياة الصحية والنفسية ستكون افضل في اسرة كبيرة تجمع عدداً أكبر من الافراد، خصوصاً اذا كان على رأسها ولي مدبّر حكيم كالامام (عليه السلام).فالايتام يشعرون بأن لهم من يقوم مقام الاب، والارملة تشعر ان لديها زوجاً، والمطلقة تشعر ان شخصيتها المعنوية قد عادت الى وضعها الطبيعي، وهكذا.
4- ان التعاون المفترض بين الزوجات لاداء الاعمال البيتية يرفع كاهل تلك الاعمال عن كتف واحد ويوزّعها على عدّة نساء. وعندها يكون توزيع الاعمال والتربية المنـزلية عملية جماعية وليست عملية فردية يعجز عنها الفرد. وقد لاحظنا احتياج فاطمة الزهراء (عليها السلام) الى من يخدمها لان الاعمال المنـزلية كانت شاقّة، خصوصاً وان وسائل الخدمات كانت وسائل بدائية بالمقارنة معها اليوم. فكانوا ينقلون الماء بالقربة من النهر، وكانوا يجمعون الحطب للطهي والتدفئة، وكانوا يطحنون الشعير ويعجنونه لخبزه، وهكذا.
5- ان مشكلة وجود الارامل والمطلقات اللاتي شخونهن الحظ في الزواج من رجل اعزب مشكلة اجتماعية تسبب قهراً واحباطاً نفسياً للمرأة. مع ان هناك حاجات لا يقضيها الا الرجل. فتعدد الزوجات يحل تلك المشكلة حلاًجذرياً.
أ- الاقتداء برسول الله (صلى الله عليه واله):
وقد جمع رسول الله (صلى الله عليه واله) عدداً من الزوجات. ولابد من المرور على موضوع زيجات النبي (صلى الله عليه واله) من اجل فهم مغزى تعدد الزوجات عند علي (عليه السلام).
لقد تزوج رسول الله (صلى الله عليه واله) بخديجة (رض) وعاش معها نيفاً وعشرين سنة ، منها ثلاث عشرة سنة بعد نبوته قبل الهجرة من مكة الى المدينة.
وبعد الهجرة الى المدينة تزوج بعددٍ من النساء منهن البكر ومنهن الثيب، ومنهن اليافعة ومنهن العجوز. فقد بنى بالثيب مثل ام سلمة بعد ان تزوج بكراً مثل عائشة . وبنى بالعجوز مثل زينب بنت جحش وسنها يومئذٍ يربو على الخمسين بعد ان تزوج شابة مثل ام حبيبة.
وتذكر كتب السيرة انه تزوج بعضاً منهن للقوة والعضد، وبعضاً لاستمالة القلوب والتوقي من الشر، وبعضاً للانفاق عليهن وادارة معاشهن حتى تكون سنة جارية بين المؤمنين في حفظ الارامل والمطلقات والمسنات من الفقر والحاجة والمسكنة، وبعضاً لتثبيت حكم شرعي مثل تزوّجه بزينب بنت جحش حيث كانت زوجة لزيد بن حارثة الذي كان يدعى ابن رسول الله (صلى الله عليه واله) على نحو التبني فطلقها زيد وتزوجها النبي (صلى الله عليه واله) من اجل ابطال حكم جاهلي يقول بأن زوجة المدعو ابناً عندهم كزوجة الابن من الصلب.
وتزوج النبي (صلى الله عليه واله) لاول مرة بعد وفاة خديجة بسودة بنت زمعة وقد توفي عنها زوجها بعد رجوعه من الحبشة. ولو رجعت سودة _ وكانت مؤمنة مهاجرة _ الى اهلها وهم يومئذٍ كفار لفتنوها بالكفر.
وتزوج بزينب بنت خزيمة _ وكانت تسمى بأم المساكين لكثرة برّها بالفقراء _ بعد مقتل زوجها عبد الله بن جحش في اُحد. فكان زواجه اياها تكريماً لها وحفظاً لماء وجهها.
وتزوج بأم سلمة زوجة عبد الله ابي سلمة ابن عمة النبي (صلى الله عليه واله) وأخيه من الرضاعة، وهو اول من هاجر الى الحبشة. وكانت ذات دين وزهد وفضل، وكانت كبيرة في السن وذات ايتام. فلما توفي عنها زوجها تزوجها النبي (صلى الله عليه واله).
وتزوج بصفية بنت حييّ بن اخطب سيد بني النضير قُتل زوجها يوم خيبر وقُتل أبوها مع بني قريظة. وقد اصطفاها رسول الله (صلى الله عليه واله) من سبايا خيبر وأعتقها وتزوجها فوصل سببه ببني اسرائيل.
وتزوج بجويرية «برّة بنت الحارث» سيد بني المصطلق بعد غزوة بني المصطلق. وقد اسّر المسلمون منهم مائتي بيت من النساء والذراري. وعندما تزوجها رسول الله (صلى الله عليه واله) قال المسلمون هؤلاء أصهار رسول الله (صلى الله عليه واله) لا ينبغي اسرهم واعتقوهم جميعاً. فأسلم بنو المصطلق بذلك. وكان لذلك تأثير عظيم على العرب.
ثمّ تزوج بميمونة «برّة بنت الحارث الهلالية» وهي التي وهبت نفسها للنبي (صلى الله عليه واله) بعد وفاة زوجها الثاني. وقد نزل فيها القرآن.
وتزوج بأم حبيبة «رملة بنت ابي سفيان» وكانت زوجة عبيد الله بن جحش الذي هاجر معها الى الحبشة وتنصّر هناك بينما ثبتت هي على الاسلام. وكان ابوها أبو سفيان يؤلّب الناس على النبي (صلى الله عليه واله) ويجيّش الجيوش على الاسلام. فتزوّجها النبي (صلى الله عليه واله) وأحصنها.
وتزوّج بحفصة بنت عمر بعد مقتل زوجها خنيس بن حذاقة ببدر، وبقيت ارملة. ثمّ تزوج بعائشة بنت ابي بكر وهي بكر.
وقد خيّر (صلى الله عليه واله) نسائه بين التمتيع والسراح الجميل «وهو الطلاق» إن كنّ يردن الدنيا وزينتها، وبيّن الزهد في الدنيا وترك التزيين ان كنّ يردن الله ورسوله والدار الآخرة كما ورد في القرآن الحكيم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29].
وهكذا كان لتعدد الزوجات بُعد اجتماعي وديني عظيم. وقد سار امير المؤمنين (عليه السلام) على منهجٍ مشابه لمنهج رسول الله (صلى الله عليه واله). فتزوج الاماء والاربع.
ب- زوجات امير المؤمنين (عليه السلام):
تزوج امير المؤمنين (عليه السلام) بنساء شتّى أغلبهنّ من الارامل والمطلقات، أمثال: أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي، وأم حبيبة بنت ربيعة، وخولة بنت جعفر بن قيس الحنفية، وأم البنين بنت حزام بن خالد الكلابية، وليلى بنت مسعود الدارمية، وأسماء بنت عميس الخثعمية، وأُمامة بنت ابي العاص.
ومن ملاحظة تلك الاسماء نلمس مصداقية امير المؤمنين (عليه السلام) حيث يقول: أنا أبو الارامل والايتام. وقد تأسّى برسول الله (صلى الله عليه واله)، من حيث تثبيت السبب الزوجي بين القبائل. ولكن المؤسف ان التأريخ لم يحتفظ لنا بلائحة تفصيلية عن وضع زوجاته (عليه السلام) فيما يتعلّق بالفقر والاملاق، كما احتفظ بزوجات رسول الله (صلى الله عليه واله).