x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
التوحيد
النظر و المعرفة
اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته
صفات الله تعالى
الصفات الثبوتية
القدرة و الاختيار
العلم و الحكمة
الحياة و الادراك
الارادة
السمع و البصر
التكلم و الصدق
الأزلية و الأبدية
الصفات الجلالية ( السلبية )
الصفات - مواضيع عامة
معنى التوحيد و مراتبه
العدل
البداء
التكليف
الجبر و التفويض
الحسن و القبح
القضاء و القدر
اللطف الالهي
مواضيع عامة
النبوة
اثبات النبوة
الانبياء
العصمة
الغرض من بعثة الانبياء
المعجزة
صفات النبي
النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
الامامة
الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
صفات الأئمة وفضائلهم
العصمة
امامة الامام علي عليه السلام
إمامة الأئمة الأثني عشر
الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
الرجعة
المعاد
تعريف المعاد و الدليل عليه
المعاد الجسماني
الموت و القبر و البرزخ
القيامة
الثواب و العقاب
الجنة و النار
الشفاعة
التوبة
فرق و أديان
علم الملل و النحل ومصنفاته
علل تكون الفرق و المذاهب
الفرق بين الفرق
الشيعة الاثنا عشرية
أهل السنة و الجماعة
أهل الحديث و الحشوية
الخوارج
المعتزلة
الزيدية
الاشاعرة
الاسماعيلية
الاباضية
القدرية
المرجئة
الماتريدية
الظاهرية
الجبرية
المفوضة
المجسمة
الجهمية
الصوفية
الكرامية
الغلو
الدروز
القاديانيّة
الشيخية
النصيرية
الحنابلة
السلفية
الوهابية
شبهات و ردود
التوحيـــــــد
العـــــــدل
النبـــــــوة
الامامـــــــة
المعـــاد
القرآن الكريم
الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)
الزهراء (عليها السلام)
الامام الحسين (عليه السلام) و كربلاء
الامام المهدي (عليه السلام)
إمامة الائمـــــــة الاثني عشر
العصمـــــــة
الغلـــــــو
التقية
الشفاعة والدعاء والتوسل والاستغاثة
الاسلام والمسلمين
الشيعة والتشيع
اديان و مذاهب و فرق
الصحابة
ابو بكر و عمر و عثمان و مشروعية خلافتهم
نساء النبي (صلى الله عليه واله و سلم)
البكاء على الميت و احياء ذكرى الصاحين
التبرك و الزيارة و البناء على القبور
الفقه
سيرة و تاريخ
مواضيع عامة
مقالات عقائدية
مصطلحات عقائدية
أسئلة وأجوبة عقائدية
التوحيد
اثبات الصانع ونفي الشريك عنه
اسماء وصفات الباري تعالى
التجسيم والتشبيه
النظر والمعرفة
رؤية الله تعالى
مواضيع عامة
النبوة والأنبياء
الإمامة
العدل الإلهي
المعاد
القرآن الكريم
القرآن
آيات القرآن العقائدية
تحريف القرآن
النبي محمد صلى الله عليه وآله
فاطمة الزهراء عليها السلام
الاسلام والمسلمين
الصحابة
الأئمة الإثنا عشر
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
أدلة إمامة إمير المؤمنين
الإمام الحسن عليه السلام
الإمام الحسين عليه السلام
الإمام السجاد عليه السلام
الإمام الباقر عليه السلام
الإمام الصادق عليه السلام
الإمام الكاظم عليه السلام
الإمام الرضا عليه السلام
الإمام الجواد عليه السلام
الإمام الهادي عليه السلام
الإمام العسكري عليه السلام
الإمام المهدي عليه السلام
إمامة الأئمة الإثنا عشر
الشيعة والتشيع
العصمة
الموالات والتبري واللعن
أهل البيت عليهم السلام
علم المعصوم
أديان وفرق ومذاهب
الإسماعيلية
الأصولية والاخبارية والشيخية
الخوارج والأباضية
السبئية وعبد الله بن سبأ
الصوفية والتصوف
العلويين
الغلاة
النواصب
الفرقة الناجية
المعتزلة والاشاعرة
الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب
أهل السنة
أهل الكتاب
زيد بن علي والزيدية
مواضيع عامة
البكاء والعزاء وإحياء المناسبات
احاديث وروايات
حديث اثنا عشر خليفة
حديث الغدير
حديث الثقلين
حديث الدار
حديث السفينة
حديث المنزلة
حديث المؤاخاة
حديث رد الشمس
حديث مدينة العلم
حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه
احاديث متنوعة
التوسل والاستغاثة بالاولياء
الجبر والاختيار والقضاء والقدر
الجنة والنار
الخلق والخليقة
الدعاء والذكر والاستخارة
الذنب والابتلاء والتوبة
الشفاعة
الفقه
القبور
المرأة
الملائكة
أولياء وخلفاء وشخصيات
أبو الفضل العباس عليه السلام
زينب الكبرى عليها السلام
مريم عليها السلام
ابو طالب
ابن عباس
المختار الثقفي
ابن تيمية
أبو هريرة
أبو بكر
عثمان بن عفان
عمر بن الخطاب
محمد بن الحنفية
خالد بن الوليد
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
عمر بن عبد العزيز
شخصيات متفرقة
زوجات النبي صلى الله عليه وآله
زيارة المعصوم
سيرة وتاريخ
علم الحديث والرجال
كتب ومؤلفات
مفاهيم ومصطلحات
اسئلة عامة
أصول الدين وفروعه
الاسراء والمعراج
الرجعة
الحوزة العلمية
الولاية التكوينية والتشريعية
تزويج عمر من ام كلثوم
الشيطان
فتوحات وثورات وغزوات
عالم الذر
البدعة
التقية
البيعة
رزية يوم الخميس
نهج البلاغة
مواضيع مختلفة
الحوار العقائدي
* التوحيد
* العدل
* النبوة
* الإمامة
* المعاد
* الرجعة
* القرآن الكريم
* النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
* أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
* فضائل النبي وآله
* الإمام علي (عليه السلام)
* فاطمة الزهراء (عليها السلام)
* الإمام الحسين (عليه السلام) وكربلاء
* الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
* زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)
* الخلفاء والملوك بعد الرسول ومشروعية سلطتهم
* العـصمة
* التقيــة
* الملائكة
* الأولياء والصالحين
* فرق وأديان
* الشيعة والتشيع
* التوسل وبناء القبور وزيارتها
* العلم والعلماء
* سيرة وتاريخ
* أحاديث وروايات
* طُرف الحوارات
* آداب وأخلاق
* الفقه والأصول والشرائع
* مواضيع عامة
ليس وراء محمّد وحيٌ إلهي ولا تنزيل سماوي
المؤلف: الشيخ فؤاد كاظم المقدادي
المصدر: الإسلام و شبهات المستشرقين
الجزء والصفحة: 313- 346
15-1-2019
1901
[نص الشبهة] : ادّعاء محمّد [للإسلام] وابتكاره واصطناعه وتأثره بمَن حوله وبعبارة أُخرى أنّه ليس وراء محمّد وحيٌ إلهي ولا تنزيل سماوي .
فمثلاً تصوّر [هذه الشبهة] بعث النبيّ لجيش أُسامة على أنّها لأجل الثأر لأبيه زيد ، وليس لها بُعد رسالي كما أُعطيَت إليه فيما بعد ، وتجد ذلك تحت مادّة ( أسامة ) حيث يقول ( V. Vacca ) : ( بعث النبيّ أسامة على رأس جيش ليثأر لأبيه زيد الذي قُتِل في غزوة مؤتة . وبالرغم من الطعن بحداثة سنّه...) (1) .
وتصوّر التشريعات الإسلاميّة على أنّها بدوافع ماديّة كان النبيّ محمّد يخضع لها ، منها ما جاء تحت مادّة ( أُصول ) والتي يقول فيها ( يوسف شاخت Joseph Schacht ) : (.. ولم يكن قصد محمّد خلق نظام يضبط به حياة أتباعه ، أو وضع أُصول هذا النظام على الأقل ، بل ظل القانون العرفي العربي القديم الذي تضمّن كثيراً من العناصر الدخيلة من روميّة إقليمية وبابلية ويمنيّة، يسير في الإسلام سيره الطبيعي ، ودخلت عليه بعض التغييرات لتلائم بينه وبين الظروف الإقليميّة للبدو وأهل مكّة وهي مدينة تجاريّة ، وأهل المدينة وهي مركز زراعي ، وكان همُّ محمّد في التشريع قاصراً على تصحيح بعض المسائل مدفوعاً إلى ذلك باعتبارات دينيّة ؛ وذلك لأنّ الأحكام التي تمسّ الحياة الاجتماعيّة تقوم أيضاً على أساس ديني . وفي مثل هذه المسائل كانت الحوادث الخارجيّة هي الدافع إلى معالجة أكثرها ) (2) .
وأنّه كان يبتكر ويقع تأثير عوامل مختلفة ، منّها ما قاله ( ماكدونالد D. B. Macdonald ) تحت مادّة ( الله ) (هـ ـ صلة الله بالإنسان ) : (... وكان محمّد في وقت ما يستعمل صفة (الرحمن) كاسم علم مرادف للكلمة ( الله ) . واعتبر أهل مكّة ذلك من مبتكراته ( انظر خبر صلح الحديبيّة وما جاء فيه من أنّ أهل مكّة رفضوا الصيغة التي تضمّنت الرحمن الرحيم ، وتمسّكوا بالصيغة المكيّة القديمة ( باسمك اللهم )... ويظهر أنّ محمّداً قد أخذ هذه الصيغة عن جنوبي بلاد العرب )(3) .
وتحت مادّة ( أهل الكتاب ) يقول ( جولد صيهر Gold Ziher) : ( يسمّي محمّد اليهود والنصارى بهذا الاسم تمييزاً لهم عن عبَدة الأوثان... على أنّه رغم نزعة التعصّب التي كان يعبّر عنها بعبارات شديدة...)(4) .
وتحت مادّة ( جبرائيل ) يقول ( كارادي فو Carrade Vaux ) : ( ولجبرائيل شأنٌ هام في القرآن . وقد اصطنع النبيّ القصّة التي تقول بأنّ هذا الرسول السماوي يتحدّث إلى الأنبياء ، واعتقد أنّه تلقّى رسالته ووحيه منه )(5) .
ويقول أيضاً تحت مادّة ( الجنّة ) : ( وقد ذُكرت مرّة واحدة في القرآن بالاسم الفارسي ( فردوس )... وقد عرف أنّ فكرة محمّد عن الجنّة مادّة حسيّة ، وقد صُوّرت هذه الفكرة في سور كثيرة تتّصل بالفترة الأولى من دعوته ، مثال ذلك ( سورة محمّد ، الآيات 16، 17 )(6) .
ويُحاول الطعن في بلاغة القرآن جهلاً منه بأُصولها فيقول تحت نفس المادّة : ( وفي سورة الرحمن ، الآية 55 ، وهي السورة التي صيغت في قالب أُنشودة لها لازمة ، يتحدّث محمّد عن الجنّتين... وهو يذكر في السورة نفسها ( الآيات 16 ـ 19) المشرقين والمغربين والبحرين . وليس تفسير هذه الإثنينيّة يسيراً إلاّ إذا كانت من أجل البحرين ، وقد يُقال إنّ النبيّ قد التزم في هذا المقام صيغة المثنى لأنّها أوقع في السمع )(7) .
وتحت مادّة ( جهنّم ) يقول ( كارادي فو B. Carrade Vaux ) : ( ولم يكن لدى النبيّ محمّد إلاّ فكرة أوليّة عن بناء جهنّم ، فهو يتحدّث عن أبوابها ويحدّد عددها بسبعة ( سورة لقمان ، الآية 71، سورة الحجر ، الآيتان 43 ، 44 )(8) .
وتحت مادّة ( الحديبيّة ) يقول ( لامنس H. Lammen ) : ( ولم يستطع النبيّ أنْ يعدَّ نفسه قابضاً على ناصية الحال ، إلاّ في الشهور الأخيرة من العام السادس للهجرة ، بعد أنْ قضى على العشائر اليهوديّة وأذلّ المنافقين في المدينة ، ومن ثمّ رأى أنّ الوقت قد حان للتظاهر ضدّ مكّة ردّاً على حصار الخندق ، وهو الحصار الذي حاولته قريش ، وقد اتّخذ النبيّ كلّ الأهبة لهذا التظاهر بفضل السياسة التي التزمها ، ولم يحد عنها ، فقد دأب على تركيز اهتمام قومه بمكّة أم البلاد ، فكان تغييره للقبلة واصطناعه لأُسطورة إبراهيم ، وتصويره بأنّه باني الكعبة ، وفرضه الحجّ وإيجابه في ذلك الوقت على كافّة المسلمين ، يخدم هذا الغرض دون سواه . ويبدو أنّ النبيّ فكّر أوّل الأمر في القيام بمظاهرة عسكريّة ، فقد كان المفروض أنْ يسير في عدد يتفاوت بين 1400 و1600 من الرجال المسلمين ، ولكنّه عدّل خطته وأعلن أنّه انتوى العمرة ، وما كان الهدي الذي أخذه معه إلاّ استكمالاً للخدعة )(9) .
وتحت مادّة ( سارق ) يقول ( هيفيننك Heffening ) : ( السرقة وجزاؤها قطع اليد بنص القرآن ( سورة المائدة ، الآية 38)، وكان هذا الجزاء من ابتكار الرسول ، إلاّ أنّه ورد في أدب الأوائل أنّ وليد بن المغيرة ابتدعه أيّام الجاهلية ، وقد يكون هذا النوع من العقوبة من أصل فارسي )(10) .
وتحت مادّة ( السفينة ) يقول ( كندرمان H. Kindermann ) : ( والشيء الذي أثار هذه المسألة في بادئ الأمر ، هي الأوصاف التي ذكرها القرآن عن البحر . فقد تساءل ( بار تولد W. Barthold ) بحقٍّ ، كيف تأتّت للنبيّ محمّد هذه الصوَر الواضحة عن البحر وعواصفه ومن أين استقاها )(11) .
ويستمر تحت نفس المادّة قائلاً : (على أنّ لامنس يعترف بأنّ الإشارات الكثيرة في القرآن والسيرة إلى الملاحة تُوحي بأنّ العرب كانوا على دراية وثيقةٍ بالبحر...)(12).
وتحت مادّة ( شيطان ) يقول ( ترتون A. S. Tritton ) : ( وكلمة شيطان شائعة في القرآن ، ولكنّها لا ترد في سور العهد المكّي إلاّ مرّة منكّرة بصيغة المفرد فحسب ، ولم ترد في صيغتها المحدّدة إلاّ في العهد الثاني ، موحيةً أنّ النبيّ قد وجد أو تذكّر فكرة أُخرى عن الشيطان )(13).
وتحت مادّة ( صالح ) يقول ( بول Fr. Buhl ) : (... ولكنّنا لا نستطيع أنْ نتحقّق من المصدر الذي استقى منه محمّد اسم صالح وقصّة الناقة )(14) .
وعن دعوى وقوع النبيّ محمّد تحت تأثير عوامل ماديّة مختلفة عند تشريعه للأحكام أو اتّخاذه للقرارات يقول ( شاخت J. Schaht ) : ( أمّا فيما يتعلّق بالمصادر الماديّة للشريعة الإسلاميّة ، فإنّ عناصر كثيرة مختلفة جدّاً في أصلها ( من آراءٍ عربيّةٍ قديمة وبدويّة : قانون التعامل بمدينة مكّة التي كانت مدينة تجاريّة ، وقانون الملكيّة في واحة المدينة ، والقانون العرفي الذي كان في البلاد المفتوحة ، وهو قانون روماني إقليمي إلى حدٍّ ما ، وقانون هندي ) قد احتفظ بها الاسلام وأخذ بها من غير تحرّج، لكنها بعد ذلك أُخضعت لذلك التقييم الديني الذي شمل كل شيء وأنتج من جانبه أيضاً عدداً كبيراً من المبتكرات الفقهية)(15) .
وتحت مادّة ( زيد بن حارثة ) يقول ( فكا V. Vacca ) : ( وكان زيد يصغر محمّداً بنحو عشر سنوات ، وهو من السابقين إلى الإسلام ، إنْ لم يكن أوّلهم جميعاً ، وزيد ينحدر من قبيلةٍ كانت تضرب قرب دومة الجندل ، وكان عدد المُعتنقين النصرانيّة هناك كثيراً ، كما كان أثر اليهوديّة واضحاً ، وربما كان أثر زيد في تطوّر تفكير النبيّ كبيراً )(16) .
ويضيف ( فنسنك ) إلى تأثير العوامل الماديّة المختلفة على النبيّ محمّد في تشريعه للأحكام واتّخاذه للقرارات أنّه كان يقع تحت طائلة الخدعة ، فيقول تحت مادّة ( الحج ) : ( وقد ثار اهتمام النبيّ بالحجّ أوّل مرّة في المدينة ، ويرجع اهتمامه إلى عدّة أسباب بيّنها Mekkandns في كتابه Shouck Hargrnonye Chefeest، فقد دعاه نجاحه الباهر في غزوة بدر إلى التفكير في فتح مكّة ، وطبيعي أنّ التجهّز لهذا الفتح يكون أكثر توفيقاً إذا أثار النبيّ اهتمام صحابته بالأمور الدينيّة والدنيويّة جميعاً ، فقد خدع النبيّ فيما كان يعقده من آمال على جماعة اليهود بالمدينة ، وأدّت خلافاته معهم إلى قيام شِقاق ديني بينه وبينهم لم يكن عنه محيص ، والى هذا العهد يرد أصل نظريّة دين إبراهيم )(17) .
وعن دعوى أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان يقع في أخطاءٍ في مواقفه ، وإبهامٍ في آرائه يقول ( بول Fr. Buhl ) تحت مادّة ( تحريف ) : (... والذي حدا بالمسلمين إلى الاشتغال بهذه الفكرة [التحريف] هو ما جاء بالقرآن من آيات ، اتّهم فيها محمّد اليهود بتغيير ما أُنزل إليهم من كتب وبخاصّة ( التوراة ) مستعملاً التعبير ( حرّفوا ) ( انظر مادّة القرآن ) .
وكان هذا الاتّهام في الواقع الطريقة الوحيدة لإخراج محمّد من مأزقٍ خطير ، حين احتكّ في المدينة باليهود . فقد سعى مُنذ بدء رسالته إلى الحصول على تأييد أهل الكتاب يهوداً ونصارى ؛ لاقتناعه بأنّ ما جاء في العَهدَين القديم والجديد يتّفق وما دعا إليه ممّا أُنزل عليه . ولكن عرضه للوقائع والشرائع التي جاءت في التوراة انطوى على إدراكٍ خاطئ ، أثار عليه النقد والسخرية من جانب اليهود ، فكان في نظرهم مبُطلاً . ولو أنّ ما استعرضه مِن الآراء كان مناقضاً لما أُنزل في الكتب المقدّسة القديمة لانتفت دعواه فيما يؤكّد مِن أنّه صاحب رسالة إلهيّة .
ولماّ كان اعتقاده أنّه رسول مُوحى إليه قويّاً لا يتزعزع لم يبقَ له غير مَخرجٍ واحد ، ذلك أنّ اليهود عمدوا آثمين إلى تحريف الكتاب ، وأنّه هو الذي أتى بالنص الصحيح ؛ وهي دعوى جريئة يسّرها عليه أنّ هذه الكتب كانت مجهولة تماماً من أتباعه المؤمنين بصدق كلماته )(18).
ويضيف ( بول ) أيضاً تحت نفس المادّة : ( وكان من نتيجة الطريقة المبهمة التي تحدّث بها محمّد في القرآن ، عن تحريف الذين أُوتوا الكتاب ، للتوراة والإنجيل أنْ ذهب علماء المسلمين مذاهب شتّى في تقديرهم للحقائق التي يقوم عليها هذا الاتّهام )(19) .
[جواب الشبهة] : إنّ هذه الصياغة لمقولات الطعن بإلهيّة القرآن الكريم ، ورسالة النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالإسلام تبرز لنا شبهة الإنكار الإلهي من خلال نماذج مفرداتها ، التي سُقناها بصراحةٍ ووضوحٍ اشدّ من الصياغات السابقة .
هذه الشبهة التي طالما بذل الكثير من المستشرقين وأمثالهم الجهد الكبير لتركيزها ، وإطلاق الادعاءات وسَوق الأدلّة المتكلّفة لإثباتها .
وعليه لابدّ لنا من أنْ نعقد بحثاً يَستوعب أبلغ ما يُمكن استلاله من جُملة مفردات أدلّتهم ودعواتهم المختلفة ، التي ذكرت في المقام ليكون جواباً شاملاً وشافياً لجميع ما استقصيناه في هذه الصياغة والصياغات الأُخرى ، أو لم نستقصِه من مفردات هذه الشبهة .
على أنّنا نجد أنّ منهج تناولهم لهذه الشبهة سلَك طريقين : الطريق الأوّل شبهات حول إعجاز القرآن ، والطريق الثاني شبهات حول الوحي الإلهي للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
وللترابط الموضوعي الوثيق بين إعجاز القرآن والوحي الإلهي ، سنتناول كلا هذين الطريقين بالبيان والرد كالآتي :
الطريق الأوّل : شبهات حول إعجاز القرآن الكريم : وتقوم هذه الشبهات على تأكيد بشريّة القرآن الكريم ، ولكون الأُسلوب البلاغي للقرآن الكريم هو أحد الأسرار الأساسيّة لإثبات إعجازه وكونه وحياً إلهيّاً تحدّى البشر بأنْ يأتوا بمثله أو بعشرِ سوَر مثله بل بسورةٍ من مثله ، وأنْ يدعوا مَن استطاعوا لذلك من دون الله إنْ كانوا صادقين ، كان مطعنهم الأوّل موجّه لها لنفيها كأساس لذلك الإعجاز ، وبتتبّعٍ تفصيليٍّ لمفردات هذه الشبهات يمكننا أنْ نقسّمها إلى قسمين : قسمُ يُحاول أنْ يبرز نقصاً أو خطأً في الأُسلوب البلاغي والمحتوى البياني للقرآن الكريم ، ويُمكننا ملاحظة النماذج التي سُقناها سابقاً في هذا السياق ، ولا نجد حاجةً لتتبّع المزيد من تفصيلات ذلك مفردةً بعد أُخرى والردّ عليها على ضوء القواعد العربيّة ؛ لاستلزامه الإطالة من جهة ، ولوجود من كفانا مؤنتها من جهة أُخرى(20) .
وقسمٌ آخر يُحاول أنْ يقيم الدليل على كون القرآن الكريم ليس بمعجزة في جانبه البلاغي لقدرة البشر على أنْ يأتوا بمثله وهذا القسم يشتمل على ما يلي :
الشبهة الأُولى : لمّا كانت الفصاحة والبلاغة القرآنيّة هي الأساس الأوّل في الإعجاز القرآني ، ولمّا كان للعرب قواعد وأُسُس لتلك الفصاحة والبلاغة ، تشكّل المقياس الرئيسي لديهم في تمييز ما هو بليغ وفصيح عن غيره ، نجد أنّ بعض آيات القرآن الكريم تأتي خلافاً لتلك القواعد ، أو لا تنطبق عليها تمام الانطباق ، وعليه فإنّ القرآن الكريم يفتقد لنهج الفصاحة والبلاغة على الأُصول والقواعد العربيّة ، فهو إذن ليس معجزاً ببلاغته .
وهنا سوف نكتفي بمناقشة أصل الفكرة والأساس الذي تقوم عليه هذه الشبهة ، ونفي إمكان الاعتماد على هذا الأساس في الطعن بإعجاز القرآن فنقول :
1 ـ من خلال مراجعة تاريخ تأسيس قواعد اللغة العربيّة نجد أنّها ظهرت في زمن لاحق لنزول القرآن الكريم ، وذلك عندما بدرت الحاجة إلى هذه القواعد خوفاً على اللغة العربيّة والنص القرآني الذي نزل على نسَقِها ، من الاختلاط والضياع نتيجة اتّساع نطاق الدعوة الإسلاميّة ، وامتداد رقعة دولتها ، وتداخل العرب بغيرهم من الشعوب الأعجميّة . ولم يُثبِت لنا التاريخ مبادرةً قبل مبادرةِ أبي الأسود الدؤلي تحت إشراف وإرشاد الإمام عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) أيّام خلافته .
على أنّ عمليّة وضع قواعد اللغة العربيّة كانت عبارة عن اكتشاف قام به بعض المهتمّين بشؤون اللغة العربيّة ، على أساس ما كان يتّبعه العرب من أساليبٍ في البيان والنطق خلال كلامهم ، وليس اختراعاً أوّليّاً من قِبل واضعي اللغة العربيّة . إذاً فكلام العربي الأصيل هو المصدر الأساسي في بناء القاعدة اللغويّة وصياغة تفصيلاتها ، والقرآن الكريم كان في مقدّمة تلك المصادر المعبّرة عن الكلام العربي الأصيل ، بل أوثقه وأبلغه على الإطلاق . لذا نجد أنّ جميع ما وصلنا من صياغات لقواعد اللغة العربيّة كانت تجعل القرآن الكريم مقياساً يحكم عليها بالصحّة أو الخطأ . وهذا هو الذي يجب أنْ ننحوه في لحاظ قواعد اللغة العربيّة وليس العكس .
2 ـ يُضاف إلى ذلك أنّنا لم نجد ما بين نزول القرآن الكريم وحتّى اكتشاف وتدوين قواعد اللغة العربيّة أنّ التاريخ قد نقل لنا نقداً أو مطعناً في بلاغة القرآن وبيانه صدر من العرب المعاصرين لنزوله ، وهم أهل البلاغة والفصاحة وذوو الخبرة والمعرفة المحيطة باللغة العربيّة ، رغم شدّة عداء العديد منهم للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وتكذيبهم لنزول الوحي الإلهي عليه بالقرآن الكريم .
بل نجدهم على العكس من ذلك ، فقد أذعنوا لعظمة بلاغة القرآن الكريم واستسلموا لجمال بيانه الساحر ، حتّى وصفه بعضهم لشدّة تأثّره به بأنّه سِحر ، كنايةً عن مدى إيمانه بدقّة انسيابه البياني وانسياقه التعبيري ، بشكلٍ يفوق مطلقاً ما هو مألوف لديهم من صيَغ البلاغة والبيان والتعبير .
الشبهة الثانية : إنّ المتميّزين والعارفين من أهل اللغة العربيّة قادرون على الإتيان بمثل الكلمات القرآنيّة أو بعضها . وهذا يعني أنّهم قادرون على الإتيان بكلمات قرآنيّة ؛ لأنّ حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد ، وهكذا يصبح من المعقول ـ بل المجزوم به ـ أنّ هذه القدرة يمكنها أنْ تمتد للإتيان بسورة أو بعدّة سور أو قل بمثل القرآن كلّه .
وفي معرض ردّ هذه الشبهة نقول : إنّ الإعجاز القرآني لا يكمن في كلمات متناثرة ومستقلّة بعضها عن البعض الآخر ، إنّما هو في التركيب البياني بين الكلمات والأُسلوب الصياغي لها ، وفي المحتوى والمضمون للمعاني والأفكار التي يُعبّر عنها ذلك التركيب والأسلوب في سياقات متعانقة الصلة منسجمة الحلقات .
فشتّان بين افتراض القدرة على الإتيان بكلمات متناثرة مهما كان عددها ، وبين القدرة على نظمها على نَسَقِ الصياغات البلاغيّة في تركيب جمالي معبّر ، ولا يحتاج هذا التمييز بين القدرتين إلى برهان ، فهو أمرٌ وجداني يحسّه كلُّ عاقل ملتفت ، حيثُ نجد أنّ الكثيرين قد يملكون قابليّة النطق بكلمات عربيّة عديدة ولكنهم لا يستطيعون أنْ ينظموا منها شعراً أو مقطوعة أدبيّة بليغة ، أو يصوغوا منها خطاباً فصيحاً شأنَهم في ذلك شأن مَن يقوم بتوفير المواد الإنشائيّة وإنجاز أعمال محدودة وبسيطة منها ، إلاّ أنّهم لا يستطيعون أنْ يشيّدوا أبنيةً ومشاريعَ هندسيّة دقيقة وضخمة رغم اشتمالها على تلك الأعمال المحدودة والبسيطة .
ونفس الكلام يأتي في المحتوى والمضمون ، فمن نتصّور فيه القدرة على تقديم فكرة أو فكرتين ، لا نتصوّر فيه القدرة على تقديم هذا الكم الكبير والمتناسق من الأفكار المتنوعة والمفاهيم المترابطة ، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار نفس الظروف الموضوعيّة والذاتيّة التي نزل فيها القرآن الكريم والتحدّي الذي كان فيها .
الشبهة الثالثة : إنّ تحدّي القرآن للعرب عدّة مرّات قد اكتنفته عوامل وظروف منعت العرب آنذاك من معارضة القرآن وإظهار قدرتهم على الإتيان بمثله ، فهم لم يعارضوه لأنّه معجز بل بسبب تلك العوامل والظروف المانعة . ويمكن تحديد مرحلتين تاريخيّتين تميّزت كل مرحلة منهما بعوامل وظروف مانعة اختصّت بها وهما :
المرحلة الأولى : مرحلة التنزيل القرآني ، حيث اتسمت بسيطرة المسلمين وسطوتهم على الواقع السياسي والاجتماعي للحاضرة العربيّة ، ومحاربتهم لكل من يظهر العِداء للإسلام أو يتحدّاه ، ممّا أبرز عوامل الخوف والرهبة في نفوس العرب المعاصرين ، فأحجموا عن المعارضة والتحدّي للقرآن حفاظاً على أنفسهم وأموالهم من سطوة المسلمين .
المرحلة الثانية : مرحلة الخلافة الأُمويّة وممّا بعدها والتي أعقبت سلطة الخلفاء الأربعة الأُوّل .
وقد عرف عن الأُمويّين أنّ خلافتهم لم تقم على أساس الحفاظ على الإسلام والالتزام به والدعوة إليه ، فكان من الممكن إظهار المعارضة والتحدّي للقرآن ، إلاّ أنّ الأُنس الذهني بمعانيه المتينة والألفة النفسيّة لألفاظه الجميلة جعلته من المرتكزات التي يتوارثونها جيلاً بعد آخر ، فانصرفوا نفسيّاً وذهنيّاً عن التفكير بمعارضته وتحدّيه .
وردّ هذه الشبهة يكمن بملاحظة ما يلي :
1 ـ إنّ أوّل تحدٍّ بالقرآن الكريم للمشركين وطلب معارضته ولو بسورة مِن مثله جاء في سورتَي يونُس وهود ، وهما مكيّتان ، أي في أوّل مراحل الدعوة الإسلاميّة حين كان المسلمون مضطهدين ومطاردين ، وكان المشركون في أوج قدرتهم ، ومع كلّ ذلك لم يستطع أيٌّ من بلغائهم أن يقابل التحدّي بالمعارضة ، مع العلم أنّ شوكة وسلطة المسلمين لم تظهر إلاّ بعد الهجرة إلى المدينة المنورة ، وانحصرت بحدودها إلى إنْ تمَّ النصر بفتح مكّة أو آخر عهد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
2 ـ أنّ ظهور شوكة المسلمين وامتداد سلطانهم في الجزيرة العربيّة أواخر عصر النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وعصر الخلفاء الأربعة بعده ، لم يلغِ وجود الكفّار ، ولم يمنعهم من إظهار كفرهم ، خصوصاً إذا كان على مستوى الاحتجاج وقبول التحدّي بالمعارضة ، والدليل على ذلك بقاء مجموعات عديدة من المشركين على دياناتهم كما هو شأن أهل الكتاب ، وقد أقرّهم الإسلام على ذلك ، ورعى مصالحهم الإنسانيّة والاجتماعيّة في ظلّ الدولة الإسلاميّة ، شأنهم في ذلك شأن المسلمين ، ومع كلّ ذلك لم نجد مَن تصدّى لمعارضة القرآن الكريم وادّعى القدرة على الإتيان بمثله ، رغم أنّهم كانوا يحاولون الاجتهاد بمحاجَجات مختلفة أُخرى انتصاراً لدياناتهم على الإسلام .
3 ـ لو سلّمنا أنّ فرضيّة وجود الخوف من معارضة القرآن الكريم بسبب السيطرة الإسلاميّة ، إنّما منعت المشركين من إظهار هذه المعارضة والتجاهر بها ، إلاّ أنّ معارضتهم السريّة كانت مُمكنة في إطار تجمّعاتهم الخاصّة ، ولو ثبتت مثل هذه المعارضة لأظهروها في الفرَص السانحة ، ولنُقلَت الينا كما نقلت نصوص أهل الكتاب الدينيّة فيما بعد وخصوصاً قصص العهديَن الخرافيّة المعارضة للقرآن الكريم .
4 ـ من الطبيعي فيما عُهِد في الكلام البليغ وإنْ علت رتبته ، أنّه يفقد رونقه ويتضاءل وقعه الجميل على الحسّ البشري كلّما تكرّر على المسامع ، ويتحوّل بالتدريج إلى كلام عادي في شدّه وتحريكه البلاغي . فنرى الجديد من المقطوعات الأدبيّة أو القصائد البليغة يشدّ ويحرّك السامع أكثر من المكرّر وإنْ كان أقلّ منه بلاغةً وبياناً ، ويتركّز هذا الحس كلّما تعدّد التكرار ، ولو طبّقنا هذا الأمر على القرآن الكريم لوجدناه على العكس من ذلك ، حيث يُجمِع أهل اللغة وأرباب البلاغة العربيّة أنّ حسّهم وتذوّقهم لبلاغة القرآن الكريم ومعانيه الجميلة المتناسقة تزداد شدّةً وحسناً كلّما أكثروا من قراءته وترديد آياته ، ثمّ إنّنا لا نجد ذلك منحصراً بهم ، بل يعمّ عادة الناطقين باللغة العربيّة على اختلاف مستوياتهم وحسّهم الأدبي . وهذا يؤكّد الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم لا أنْ يكون نقصاً عليه .
ولو سلّمنا وافترضنا أنّ التكرار يُوجب الأُنس الذهني والأُلفة النفسيّة بالقرآن وبالتالي الانصراف عن معارضته ، فهذا إنّما يتمّ عند المسلمين المؤمنين به والتالين له بشوقٍ وعقيدة ، أمّا غيرهم مِن بُلغاء العرب وفصحائهم فليسوا كذلك ، فهم مترّبصون به ، وبإمكانهم قَبول التحدّي ومعارضته لو استطاعوا إلى ذلك سبيلاً .
الشبهة الرابعة : من خلال عقد مقارنة بين ما جاء في القرآن من قصص الأنبياء ، وما جاء في كتب العهدين المتداولة ( التوراة والإنجيل ) نجد أنّ ما جاء في القرآن يختلف كثيراً في تفصيلات الحوادث ونسبتها إلى الأنبياء وأُممهم السالفة عمّا جاء في تلك الكتب . ولمّا كانت هذه الكتب ممّا يعترف القرآن بها أنّها من الوحي الإلهي ، وكان هو وحيَاً إلهيّاً أيضاً فكيف يُخالفها في ذلك ؟ وهل يُمكن أنْ يناقض الوحي الإلهي نفسه في الإخبار عن الأحداث والوقائع التاريخيّة؟
ثمّ إنّ القرآن جاء في مجتمعٍ وأُمّةٍ منفصلة عن تاريخ أنبياء تلك الكتب السماويّة وأُممهم ، في حين أنّ تلك الكتب بَقِيَت متداولة جيلاً بعد آخر في أُمم هؤلاء الأنبياء ، وهذا يعني أنّهم أدقّ معرفةً واطلاعاً بأوضاع هؤلاء الأنبياء وما جرى لهم مع آبائهم وأجدادهم ، فيكون ذلك دليلاً على صِدق ما جاء في كتب العهدَين دون ما جاء في القرآن ، وعليه يدلّ القرآن على صِدق نبوّة مَنْ جاء به .
ودفع هذه الشبهة يتمّ بلحاظ ما يلي :
1 ـ إنّ ادعاء بقاء كتب العهدَين متداولة ، كما أُنزلت على أنبيائها في أُممهم جيلاً بعد آخر هو أوّل الكلام ، إذ أنّ الصلة بين أجيال تلك الأمم لا تشكّل دليلاً على بقاء تلك الكتب سليمةً وبعيدةً عن يدِ التحريف والتزوير ، خصوصاً إذا عرفنا أنّ انفصالاً تاريخيّاً قد وقع بين تلك الأُمم وأنبيائهم ، ممّا أفقد تلك الأُمم القدرة على الاحتفاظ بأُصول كتب العهدَين كما أُنزلت على هؤلاءِ الأنبياء ، فكثُرت في نصوصها الاجتهادات وطالتْها يد التحريف والتزوير جيلاً بعد آخر ، ويؤكّد القرآن الكريم هذه الحقيقة في معرض بيانه لواقع أُمم هؤلاء الأنبياء التي نزلت فيهم تلك الكتب(21) .
2 ـ إنّ عقد المقارنة بين ما جاء في القرآن الكريم من قصص الأنبياء ، وما جاء في كتب العهدَين المتداولة ، والتعرّف على مواطن الاختلاف ، يدعو بنفسه إلى تصديق القرآن الكريم دون كتب العهدَين وليس العكس ؛ وذلك لأنّ تفاصيل قصص هؤلاء الأنبياء في القرآن الكريم ، جاءت دقيقة ومتطابقة تمام الانطباق مع الأصول العقليّة والثوابت العقائديّة لواقع الأنبياء وصفاتهم الأساسيّة ، في حين أنّنا نجد خلاف ذلك في التوراة والإنجيل ، فهما يذكران العديد من الخرافات والأباطيل ، وينسبان إلى أنبياء تلك الفترة مواقف لا تتّفق والصفات الواقعيّة للأنبياء وسلوكيّات لا تليق برُسُل الله وأُمنائه على أرضه ودينه (22) . بل إنّها تتنافى مع صفات أصل الصلاح والإصلاح من عامّة الناس .
وعليه فإنّ العرض القرآني لقصص الأنبياء ووقائعهم ، يظهر لنا جانباً مهمّاً من إعجاز القرآن الكريم ؛ لانسجامه وائتلافه مع طبيعة الصفات الواقعيّة للأنبياء والرُسُل التي أرشدت إليها العقول وأقرّتها العقائد الدينيّة ، ويؤكّد يقيننا بأنّ مصدرها الوحي الإلهي ، وليس كتب العهدَين وأمثالها كما يدّعون .
هذه خلاصة لِما يرد على ما استلَلْناه من شُبهاتٍ مبثوثة ، إجمالاً وتفصيلاً في طيّات دسِّ وتشويه المستشرقين ، خصوصاً في دائرة المعارف الإسلاميّة ، على أنّنا أجبْنا عن غير هذه الشُبهات سلفاً(23) .
الطريق الثاني : شبهات حول الوحي الإلهي للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ويُمكن عموماً إرجاع هذه الشبهات إلى شبهةٍ أساسيّة ، هي أنّ الوحي القرآني لا علاقة له بالسماء ، إنّما هو وحي نفسي نابع من ذات محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . على أنّ أُصول بعض هذه الشبهات ليس جديداً في موضوعه ، فلطالما أثارها المعاندون من أهل الكتاب وأمثالهم بعد بعثة محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ونزول الوحي القرآني عليه ، وما فعله بعض المستشرقين فيما بعد هو مجرد ترديد لتلك الشبهات وتطوير لها ، وإضافة بعض الجديد عليها ، وإخراجه بطابع البحث العلمي وشكلية الدراسة الموضوعية، ولقد أشار القرآن الكريم إلى مجموعة من هذه الشبهات في موارد مختلفة من آياته الكريمة، منها قوله تعالى : {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} [الدخان: 13، 14] ،
وقوله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 4، 5] ،
وقوله تعالى : {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103]،
وقوله تعالى : {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} [الأنبياء: 5].
وفي الردّ على هذه الشبهات سوف نكتفي بمناقشة الشبهة الأساسيّة التي أشرنا إلى أنّها مرجع كلّ تلك الشبهات ، ونمهّد لذلك ببيان معنى الوحي بشكلٍ واضح ليتسنّى لنا تحديد موضوع الشبهة بدقّةٍ أكثر .
ولتحديد معنى الوحي الإلهي اصطلاحاً نجده لا يخرج من جوهره عن المعنى اللغوي لكلمة الوحي ، وهو الإعلام في خفاء(24) . وهو أصلٌ يدلّ على إلقاء علمٍ في إخفاء أو غيره ، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك حتّى عَلِمَهُ فهو وحيٌ كيف كان(25) .
فهو على ضوء ذلك مركّب ينحلّ إلى معرفةٍ تُدرك ، وإدراكٌ عقليٌّ لها ، وواسطة تنقلها ، ومصدر تصدر عنه .
وفي ما نحن فيه معنى الوحي الإلهي ، الذي اختصّ به الله سبحانه أنبياءه ورُسُلَه من بني الإنسان ، وكان القرآن الكريم أبرز مصاديقه ، نجد أنّ شعور الإنسان المدرِك يختلف تجاه مصدر أفكاره وواسطة إيصالها إليه ، ويُمكننا حصر أنحاء شعوره هذا في ثلاثة :
1 ـ شعوره بأنّ هذه المعرفة هي من بنات تفكيره الخاص ، فهي نابعة من ذاته ، وحصيلةَ جُهده الفكري الخاص وتعقّله الشخصي ، وهذا ما يتعلّق عادةً بأفكارنا ومعارفنا العاديّة ، ونحسه في حالات الإدراك الاعتياديّة ، وهو يحصل لمطلق الإنسان العاقل ، غاية الأمر أنّ المؤمن بالله سبحانه وتعالى يعتقد بأنّ جميع أفكاره تنتهي إلى الله الخالق الواهب المدبّر ، المهيمن على جميع عوالم الوجود ، بما في ذلك قدرتنا على التفكير والإدراك ، فهو يعتقد بأنّ هذه الأفكار والمعارف العاديّة هي ثمرة تلك القدرة العقليّة التي وهبها الله له ، ومكّنه من تفعيلها في ذات نفسه فكانت واسطته في تحصيلها .
2 ـ أنْ يشعر الإنسان بأنّ الفكرة أو المعرفة التي وعاها بإدراكه العقلي جاءته وخطرت إليه من خارج ذاته ونفسه ، ويشعر بوضوحٍ كامل أنّها أُلقيت إليه من ذاتٍ عُليا منفصلةً عن ذاته تمام الانفصال ، إلاّ أنّه لا يحسّ إحساساً واضحاً بالواسطة والطريقة ، التي تحقّقت فيها عمليّة الإلقاء والإخطار في نفسه ، من تلك الذات العليا ، وهذا النحو من الشعور والإحساس تجاه الفكرة أو المعرفة المدرَكة هو الذي يحصل ، فيما يُسمّى عند المؤمنين بالله سبحانه بحالة الإلهام الإلهي .
3 ـ أنْ يقترن بالشعور الحسّي تجاه الفكرة أو المعرفة المُشار إليها في الفقرة الثانية أعلاه ، شعورٌ حسّيٌّ آخر بالواسطة والطريقة التي تقوم بعمليّة الإلقاء والإخطار ، وتشكّل همزة الوصل بين الذات العليا المُلقية وذات الإنسان المُتلقّي ، ويكون هذا الشعور والإحساس واضحاً جليّاً وضوح إحساسنا وإدراكنا للأشياء بحواسّنا العاديّة . وهذا ما يُسمّيه المؤمنون بالله سبحانه بالوحي الإلهي ، وهذا الوحي مختص بالأنبياء ، وهو الذي حدث في وحي القرآن الكريم إلى نبيّنا محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
وعليه فإنّ هناك ثلاث صور من الإدراك يُمكن أنْ تحصل للإنسان بشروطٍ معيّنة يختلف أحدها عن الآخر ، فالإدراك نتيجة الموهبة غيره في الإلهام وغيرهما في الوحي .
شُبهة المستشرقين حول الوحي :
لقد أصبح واضحاً لدينا ، بعد معالجة أهمّ الشبهات التي أثيرت حول إعجاز القرآن ، أنّ القرآن ليس ظاهرةً بشريّة وليس من إبداعات محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، بل إنّه ، ومن خلال جوانب إعجازه ، التي تحدّى بها كلّ البشر ، مرتبطٌ بالغيب المُطلق وهو وحيٌ من الله سبحانه وتعالى إلى نبيّه .
وهنا تأتي شبهة المستشرقين ومَن تأثّر بهم حول مدى صدق الوحي الإلهي بالقرآن الكريم إلى محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فينكرون الوحي الإلهي إليه ، ويرجعونه إلى نوعٍ من الإدراك الوهمي الذي جعل من محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتخيّل ، بسبب صفاء نفسه وصدقه وأمانته وتوقّده الذهني ، أنّه يُوحى إليه من الله سبحانه ، وهو في اعتقاد المستشرقين ليس إلاّ وحياً نفسيّاً يتفرّد به مَن يملك تلك الصفات ، التي امتاز بها محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
ولإحكام صورة هذه الشبهة يذهب المستشرقون إلى تصوير العوامل التي أثّرت في محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأذكت فطرته الزكيّة ودفعته للتفكير في إنقاذ قومه من ذلك الواقع المرير والعقائد الفاسدة ، وتطهيرهم من الفواحش والمنكرات .
وكان أبلغ ما جاء به مُحرّرو دائرة المعارف الإسلاميّة ، في تأسيس هذه الشبهة قد استقي ممّا كتبه ( أميل درمنغام ) الذي فصّل ما أجمله ( مونتيه ) في مقدّمات عشرة ، وخلاصة ذلك أنّهم استعرضوا ما كان عليه العرب من الشرك بالله ، وعبادة الأصنام والظلم الاجتماعي والفقر الاقتصادي ، وارتكاب الفواحش والانغماس في الشهوات وأكل المال بالباطل ، وتفشي المفاسد كشرب الخمر والزنى وغيرها من القبائح .
ثمّ يدعون أنّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أدرك ، كما أدرك أفراد آخرون من قومه بقوّة عقولهم الذاتيّة ، هذا الواقع الفاسد ، إلاّ أنّ تميّزه عن الآخرين بشدّة نقائه وصفائه الروحي والنفسي ، وتوقّد ذهنه وقوّة عقله وطول تفكيره وتأمّله وسعيه الحثيث من أجل إنقاذ قومه ممّا هُم فيه من الشرك والظلم ، وتزكيتهم من المفاسد والشهوات وتطهيرهم من الفواحش والمنكرات ، هو الذي أوجد له مثل هذا الوحي النفسي .
ويذهب المستشرقون أكثر من ذلك في دسّهم وتشويههم ، فيدّعون ـ كما أسلفنا بنماذج منه ـ أن محمداً قد استقى من اليهود والنصارى خلال لقاءاته بهم في أسفاره إلى الشام ، أو ممّن كان منهم في مكّة الكثير من قصص الأنبياء والرسُل ، وخصوصاً أنبياء بني إسرائيل ورسلهم ، ولاعتقاده بأنّ البِدَع قد طالت العديد من المعارف والمعلومات التي حصل عليها من هؤلاء اليهود والنصارى ، واندساس الكثير من الانحرافات والأفكار الوثنيّة فيها كالقول بأُلوهيّة المسيح وأُمّه ، فقد رفض الكثير من تلك المعارف والمعلومات .
كما أنّه عرف من تلك اللقاءات أنّ بعض الأنبياء ومنهم نبيّ الله عيسى ( عليه السلام ) ، قد بشّروا ببعثة نبيٍّ مثلهم من عرب الحجاز ، فخلقت هذه المعرفة في نفس محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أملاً كبيراً ورجاءً شديداً في أنْ يكون ذلك النبيّ الموعود ، وأنّ بعثته قد حان أوانها ، فانقطع إلى مناجاة الله وعبادته ، واختلى لذلك في غار حِراء سعياً منه إلى تحقيق هذا الأمل الذي استقطب كلّ وجوده .
وباستمراره في خلواته العباديّة هذه تأصّل إيمانه وقَوِيَ يقينه وتسامت نفسه ، فتألّق تفكيره واشتدّ نور بصيرته ، فاستشرف بعقله الكبير آياتٍ ودلائل وبيّنات ربّه في السماوات والأرض .
واهتدى إلى وحدانيّة الله سبحانه في الخلق والتدبير ، فتأهّل بذلك لمهمّة دعوة الناس وهدايتهم الى الحقّ واليقين ، والنور الذي اهتدى إليه .
وامتزج تفكيره وتأمّله بالمعاناة التي يعيشها في قومه والآمال التي تنشأ في نفسه ، فارتكز لديه اليقين بأنّه هو النبيّ الموعود ، الذي بشّر الأنبياء السابقون بأنّ الله سيبعثه لهداية الناس .
وتجلّت عقيدته هذه في الرؤى التي تكرّرت لديه في المنام وقوِيت الى الدرجة التي تحوّلت الى اعتقاد بأنّه قد بُعث نبيّاً لهذه الأُمّة وأنّ ملَكاً أخذ يتمثّل له ويلقّنه الوحي في اليقظة كما يوحي له في المنام .
أمّا مصدر المعلومات التي نسجها له هذا الوحي ، فهي مستقاة في الأصل ممّا حصل عليه من اليهود والنصارى ، وأعمل فيه عقله وتفكيره ، فاهتدى إلى التميّيز بين ما يصحّ منها وما لا يصح ، كلّ ذلك كان يتجلّى له وكأنّه وحي الله له وخطابه إليه يأتيه بواسطة ( الناموس الأكبر ) ، الذي نزل على موسى بن عمران وعيسى بن مريم وغيرهما من الأنبياء ( عليهم السلام ).
إنّ مراجعة نقديةّ لهذه الدعوى ( نظريّة الوحي النفسي ) نجدها تتهافت في أدلّتها وتتداعى قوائمها ، ولا تصمد أمام المناقشة العلميّة. ويمكننا الإجهاز عليها من جوانبٍ ثلاثة :
الجانب الأوّل : الأدلّة والوقائع التاريخيّة تناقض نظريّة الوحي النفسي .
وخلاصة هذا الجانب يُمكننا حصرها في ما يلي :
أ ـ إنّ أغلب الأدلّة التاريخيّة التي اتخذت مقدّمات للقول بالوحي النفسي وأُسّست النظريّة على أساسها ، ليس لها واقع في التاريخ الصحيح المنقول إلينا ، إنّما جاءت وفق منهجٍ معكوس ، حيثُ افترضوا رؤيةً مسبقة تقول : إنّ الوحي القرآني ليس وحياً منفصلاً عن ذات محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ثمّ ساقوا حوادثَ وأخباراً نسجتها خيالاتهم الخصبة أو اختلقتها ذهنيّات جهلهم المركّب في تأويل بعض الوقائع التاريخيّة ، وتشويه حقيقتها بالدسّ والتحميل بما لا تتحمّل لتكتمل لديهم حلقات وأجزاء الصورة المفترضة .
ومن أمثلة ذلك : ادّعاؤهم أنّ خبر غلب الفرس وانتصارهم على الروم ، وأنّ الروم سيغلبون الفرس بعد ذلك ، الوارد في سورة مريم ، قد سمِعه محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من نصارى الشام . وهذا ممّا تكذّبه الوقائع التاريخيّة المنقولة الينا ، حيثُ إنّ غلَبَة الفرس على الروم كانت في سنة ( 610م ) ، أي بعد رحلة محمّد الأخيرة الى الشام بأربع عشرة سنة وقبل بدء الوحي الإلهي بسنة ، ثمّ إنّ التاريخ يحدّثنا أنّ إمبراطوريّة الروم آنذاك كانت مُتداعية الأركان خائرة القُوى ، فطبيعة الأشياء ومنطق الظواهر يحكي لنا عدم قدرتهم على الظهور والانتصار على الفرس ، حتّى إنّ أهل مكّة عندما سمعوا ما قرأه عليهم الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، من الخبر في القرآن الكريم هزئوا به .
ومن الأمثلة أيضاً افتراضهم أحاديثَ دينيّة معضلة وفلسفيّة معقّدة فيما زعموه من لقاء الراهب بُحيرى مع محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وهو بصحبة عمّه أبي طالب ، ولم ينقل لنا التاريخ مثل هذه الأحاديث ، ممّا يؤكّد لنا أنّهم نسجوا واختلقوا ذلك لدعم رؤيتهم المسبقة في الوحي النفسي .
ويدّعون أيضاً في مسألة إحاطة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بأخبار عادٍ وثمود وتفاصيلها ، أنّه حصل عليها وعرفها عند مروره بأرض الأحقاف ، على أنّ التاريخ لم ينبئنا أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان قد مرَّ بتلك الأرض ، خصوصاً وأنّ هذه الأرض لا تقع على الطريق المتعارف لمرور القوافل التجاريّة .
ب ـ لو كان زعمهم أنّ النبيّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد تعلّم من نصارى الشام ومن غيرهم صحيحاً ، لاحتجّ به المشركون وأعلنوه ، ولَما وقعوا في الحيرة والتردّد مِن أمر الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ودعوته ، خصوصاً وأنّهم كانوا يتتبّعون أخباره ويرصدون تحركّاته ومواقفه ، ولم يتركوا شيئاً من سفراته ورحلاته وغيرها من شؤون حياته العامّة إلاّ وأحاطوا بها ، فكيف تفوتهم مثل هذه اللقاءات والعلاقات المهمّة لو كانت واقعاً ؟
رغم أنّهم بذلوا الكثير في سبيل اختلاق التهم وإطلاق الأباطيل والأراجيف حول الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ودعوته، كما في اتّهامهم إيّاه أنّه تعلّم وتلقّى ما يدّعيه وحياً مِن أشخاص تعرّف عليهم ، كالحدّاد الرومي صانع السيوف في مكّة . هذه التهمة التي نزل في ردّها وتكذيبها قوله تعالى : {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } [النحل: 103].
ج ـ لم ينقل لنا التاريخ أيّ شاهد على أن الرسول محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان يأمل أنْ يكون النبيّ المنتظر ويترقّب الوحي في أيّة لحظة... لينمو هذا الأمل ـ وفق زعمهم ـ ويتكامل في نفسه ، ويشتدّ ترقّبه للوحي ويستحكم ليخلق ذلك الواقع النفسي المفترض . ونحن نعلم أنّ كتب السيرة النبويّة الشريفة قد نقلت لنا أدقّ الأحداث والوقائع واستقصّت تفصيلات الحياة الشخصيّة للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ولم تشر لنا من قريب أو بعيد الى مثل هذا الزعم .
د ـ إنّ من مفروضات هذه النظريّة أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، تدرّج في تكامله العقلي والنفسي ضمن مراحل طويلة مليئة بالمعاناة من واقع قومه الفاسد ، والتفكير المتواصل بعقائدهم الباطلة في الشرك بالله وعبادة الأصنام ، والتأمّل في طريقة إنقاذهم من ذلك ومن الظلم الاجتماعي الذي رزحوا فيه ، وأنّه لم يعلن نبوّته إلاّ في مرحلة عُليا مِن هذا التكامل وتلك المعاناة وذلك التفكير..
فهو إذن في أعلى درجات الفهم والإدراك ، لما يجب أنْ يطرحه من مفاهيم وأفكار ومناهج عن الكون وجميع جوانب الحياة والإنسان ، وهذا يعني أنّ أُطروحة دعوته في خطواتها الأُولى ولحظاتها الأوليّة يجب أنْ تشتمل على تلك المفاهيم والأفكار والمناهج.. في حين أنّ التاريخ يؤكّد لنا خلاف ذلك . فالبداية تخلّلها اضطراب وخوف ثمّ جاءه الوحي بآيات التوحيد متدرّجاً في بيان أدلّته ، واستئصال جذور الشرك وتسخيف عبادة الأوثان ، والردّ على أباطيل المنحرفين والضالّين من أهل الأديان السابقة ، مذكّراً بالعِبَر وضارباً الأمثال بسُنن الله في الماضين من الأنبياء والرسُل . ثمّ انقطع الوحي ثلاث سنين لم يحدّثنا التاريخ أنّ الرسول ادّعى شيئاً جديداً من الوحي فيها ، ليعود بعد ذلك الانقطاع فيوحي للنبيّ الكريم آيات ربّه الأخرى.. ومن الواضح أن هذا يناقض القول بتكامل مفاهيم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأفكاره واستعداده العقلي والنفسي لطرحها في أولى مراحل إعلان نبوّته .
الجانب الثاني : نظريّة الوحي النفسي تناقض محتوى الوحي القرآني :
وفي هذا الجانب يقف الناقد الموضوعي إزاء نظرية الوحي النفسي موقف التشكيك بل الرد والرفض، لأنه لا يستطيع التوفيق إطلاقا بين ما تفترضه هذه النظرية من مصادر في طبيعتها ومحدوديتها وبين السعة والشمولية التي اتسم بها المحتوى الداخلي للوحي القرآني.
ويمكننا توضيح ذلك من خلال ملاحظة الأُمور التالية :
أ ـ إنّ موقف الوحي القرآني من الأديان السماويّة السابقة ، وخصوصاً الديانتَين اليهوديّة والمسيحيّة ، له صورتان : الصورة الأُولى ، هي التصديق بأصل هاتَين الديانتين ، والإقرار بأنّ الله تعالى قد بعث رُسُلاً بهما مُبشّرين ومنذرين . والصورة الثانية، هي اتّخاذه موقع المهيمن عليهما جملةً وتفصيلاً ، فهو حاكم على تشريعاتها نَسخاً وإمضاءً ، ورقيباً على ما طرأ عليها من انحرافات ، وما دُسَّ فيها من ضَلالات ليظهر الحقّ ويدحض الباطل .
وذلك في قوله تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] ، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ * ... مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } [النساء: 44-45] وقوله أيضاً : {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ * ... وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } [المائدة: 13-14].
واتّصفت هذه الرقابة بالشموليّة والدقّة التامّة ، فقد استوعبت كلّ المفاهيم والأحكام والوقائع التاريخيّة ، وجعلت للصحيح منها مقياساً أظهرت فيه الحقّ وردّت الباطل . وهو مفاد قوله تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [المائدة: 15، 16] .
فمع هذه الرقابة الشاملة والدقيقة ، والتصريح القاطع بكلّ يقينٍ ورسوخٍ بجهل أهل الكتاب ونسيانهم وتحريفهم الكلِم وتبديله ، كيف يُمكننا القبول بدعوى أخذ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عن أهل الكتاب ؟ وبماذا نفسّر هذا التتبّع الدقيق والشامل لتفاصيل ما اختلفوا فيه ، أو خالفوا ما نزل عليهم من الدين الصحيح ، والبيان المُحكم لِما هو الحقّ والصواب منه بلا تناقض ولا تخلّف ولا اختلافٍ فيه ؟ وليس للمنطق جواب إلاّ التصديق بأنّ كلّ ذلك قد تلقّاه الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وحياً إلهيّاً ، مصدّقا لما بين يديه من الكتب ومهيمناً عليه .
ب ـ لو كان ما يزعمون من الوحي النفسي صحيحاً وأنّ مصادره التي استقى منها الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هما التوراة والإنجيل ، لكان الأَولى أنْ يُجمل في كثير من الموارد أو يغض الطرف عنها أو عن بعضها ، لئلاّ يقع مثل هذا التعارض والاصطدام بهما ، إلاّ أنّنا نجد العكس من ذلك ، فقد جاء محتوى الوحي القرآني بلسان التأكيد والإصرار على بيان الحقائق بكلّ قوّة ، وإظهار مخالفته للتوراة والإنجيل في بعض الوقائع التاريخيّة بكلّ وضوح ودون أي تردّد أو إجمال .
ومن نماذج ذلك ما في قصّة موسى ، حيث يُخالف القرآن الكريم ما جاء في سِفر الخروج من أنّ التي كفلت موسى هي ابنة فرعون ، في حين يؤكّد القرآن أنّها كانت امرأته في قوله تعالى : {قَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص: 9] ، وفي نموذج آخر نجد التوراة تذكر غرَق فرعون بإجمال وإبهام ، في حين نجد القرآن الكريم يشير الى غرق فرعون ، وكيّفيّته بشكلٍ دقيقٍ وواضح ، بما في ذلك بيان مسألة نجاة بدَن فرعون من الغرق رغم موته وهلاكه ، وكذلك بيان الحكمة من ذلك ، وهو قوله تعالى : {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: 92] .
ومثال آخر هو عزو التوراة صنع العجل الذي عبده بنو إسرائيل الى هارون ( عليه السلام ) ، في حين يصرّح القرآن خلاف ذلك ويعزوه الى السامري ، ويثبت إنكار هارون ( عليه السلام ) عليهم في ذلك ، ونفس الأمر يرد في قصّة ولادة مريم للمسيح ( عليهما السلام ) ، وغيرها من القضايا .
وعليه فلا نتصوّر في محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، الذي يعترفون بحقّه أنّه الصادق الأمين الفطِن أنْ يأتي بمثل هذه التفاصيل ويُعارض بها التوراة والإنجيل ، دون أنّ يكون ذلك قد تلقّاه من لَدُن العليم الخبير عن طريق وحيه الأمين ، ويتحمّل الكثير من أذى أهل الكتاب في الثبات عليها وعدم مخالفتها .
ج ـ إنّ استيعاب الوحي القرآني في جانب كبير من محتواه الداخلي لتفاصيل التشريع الإسلامي بكلّ دقّةٍ وعمق ، وبشموليّة وسِعَتْ كافّة مجالات الحياة المختلفة وجوانب الإنسان ووجوده ، لا تجد فيما بينها إلاّ الانسجام التام والتناسق الفريد، ليس إلاّ برهاناً ساطعاً على تلقيه كل ذلك عن طريق الوحي الإلهي ، ولا يُمكننا أنْ نتصوّر معه أنّ إنساناً كمحمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وهو الأُمّي الذي كان يعيش ذلك العصر المُظلم بالجهل والخرافات ، والذي قضى أغلب أدوار حياته الرساليّة في خوضِ صراعٍ اجتماعيٍّ مرير ، أنْ يقع له ما يزعمونه من الوحي النفسي ، ويحقّق عن طريقه ذلك الكمال الإعجازي في مسائل التشريع الإسلامي .
الجانب الثالث : سُلوك النبيّ تجاه الوحي القرآني يأبى نظريّة الوحي النفسي :
قبل أنْ ندخل في تفاصيل طبيعة سُلوك النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، تجاه الوحي القرآني الذي يكشف عن إدراكه الواضح للانفصام التام ، بين ذاته المُتلقّية والذات الإلهيّة المُلقية مِن عليائها بواسطة الوحي ، نُشير باختصار الى أنحاء هذا الوحي الرسالي الذي تلقّاه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، والذي يثبت حقيقته وإدراكه الكامل له ، وهي في قوله تعالى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى: 51] ، أي إلهاماً وإلقاماً وإلقاءً في روعه يدركه المُوحَى إليه ويحسّه وكأنّما قد كُتِب في صفحة ضميره بوضوحٍ وجلاء ، أو رؤيا في منام , وهذا هو النحو الأوّل للوحي الرسالي .
والنحو الآخر في قوله تعالى : {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } [الشورى: 51] ، أي يكلّمه تكليماً يسمع صوته وهو محتجبٌ عنه لعلوّه تعالى شأنه وكماله ، وتدنّي المُوحَى إليه ونقصِه ، وذلك بخلق الصوت المتضمّن للكلام في الفضاء المُحيط بالمخاطب فيخرق مسامعه ، ويأتيه من كلّ مكان حوله ، كما كلّم موسى ( عليه السلام ) وكلّم نبيّنا محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ليلة المعراج .
أمّا النحو الثالث فهو في قوله تعالى : { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: 51] ، أي ملكاً مِن الملائكة يتمثّل على شكل رجل : {فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ * وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الشورى: 51-52] وقد بيّن الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ذلك للمسلمين تكراراً وفي مناسبات عديدة ، منها قوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إشارةً الى الوحي القرآني : ( أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرَس وهو أشدّه علي فينفصم عني وقد وعيت ما قال. وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول )(2) .
أمّا طبيعة سُلوك النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، الذي يأبى مقولة وحيه النفسي ، ويعكس وعيه الكامل وإدراكه التام بالانفصال في الوحي القرآني بين الذات العُليا المُلقِية للخطاب وذاته الخاضعة المُتلقّية ، فله حالات عديدة نشير الى ثلاث صور منها هي :
الصورة الأُولى : وهي التي يتمثّل سُلوك النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيها تجاه الوحي القرآني كعبدٍ ضعيف مفتقر الى الله تعالى ، يتخضّع بين يَدَي ربّه ، ويبتهل إليه ، ويخشى أنْ يحول بينه وبين قلبه ، فيستمدّ منه العون والهداية ، ويطلب منه المغفرة والرحمة ، ويتمثِل أوامره ونواهيه ويصدع بها ، ويتلقّى منه بكلّ خشوع مختلف درجات العتاب وأنواعه .
ولقد طفحت آياتٌ قرآنيّة عديدة بوصف النبيّ الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، إنّه ذلك العبد المطيع الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً إلاّ بإذن ربّه ، يخافه إنْ هو عصاه ، ويرجو رحمته ، ولا يخرج عن حدوده التي رسمها له ، فهو لله وهو إليه يرجع ، ولا حول ولا قوّة له إلاّ به سبحانه ، فهو مُقِرٌّ بالعجز المطلق أمام أمر الله وإرادته ، وليس بقادرٍ على أنْ يُبدّل حرفاً واحداً مِن القرآن الكريم .
ومِن أمثلة تلك الآيات الكريمة قوله تعالى : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يونس: 15، 16].
وقوله تعالى : {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } [الأعراف: 188] .
ثُمّ تُؤكّد وتكرّر آيات قرآنيّة أُخرى الفارق بين صفات الذات الإلهيّة الملقيّة وصِفات الذات المحمّديّة المتلقّية من أنّه بشرٌ مثل سائر البشر ، ليس عليه إلاّ البلاغ ، ولا يملك خزائن الله ولا يعلم الغيب ، ولا يزعم أنّه مَلَك ، بل هو مخلوقٌ يتّبع ما يُوحى إليه من ربّه .
ومِن تلك الآيات قوله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] .
وقوله تعالى : {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50] .
ومن المعاني اللطيفة في البلاغة القرآنيّة هو مدلول عبارة ( قل ) ، التي تُؤكّد على معنى المغايرة بين المُلقي والمتلقّي ، وأنّ الخطاب الإلهي كان يُلقى على الرسول إلقاءً ، وأنّه كان يُعلَّم ما ينبغي له أنْ يقوله ، تصديقاً لامتثال ما يوحى إليه وعدم نطقه عن هواه ، لهذا نجد أنّ عبارة ( قل ) قد تكرّرت في القرآن الكريم أكثر مِن ثلاثمِئة مرّة ليدرك مَنْ يقرأ القرآن أنّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مُخاطَب يُلقى إليه الخطاب إلقاءً ، وليس متكلّماً ينطق به عن هواه وما يجول في نفسه .
كما نجد أنّ الفرق يتجلّى أكثر ويزداد وضوحاً بين ذات الله وصفاته ، كونه المُتكلّم والمنزِّل للوحي وبين ذات نبيّه وصفاته كونه المخاطَب والمتلقّي للوحي ، وذلك في آيات العتاب الإلهي لرسوله وإنذاره وتهديده ، وتختلف درجات هذا العتاب والإنذار ، فمنه ما يكون خفيفاً مشوباً بالعفو والغفران على تفويته الأَوْلى ، كما في قوله تعالى لرسوله في شأن مَن أذِن لهم بالعفو عن القتال في غزوة تبوك : {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ } [التوبة: 43].
وكذلك قوله تعالى : {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: 1، 2] .
ومنه الشديد الذي يكون بلسان التوجيه لرسوله مقترناً بالإنذار والتهديد وبمستويات تختلف في الشدّة ، فمن درجاته الأولية قوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] ، ويشتدّ أكثر في قوله تعالى : {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } [الإسراء: 73 - 75] .
ويبلغ الإنذار أعلى درجاته لتتضاءل أمامه كلّ صوَر التهديد والوعيد الأُخرى ، وذلك في قوله تعالى : {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44 - 47].
وهكذا نجد أنّ آيات التأديب والعتاب وآيات الوعيد والإنذار تكشف لنا أنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، كان يتمثّل صفة المخلوق الضعيف الخاضع لربّه الخالق القادر القاهر ذي القوّة المتين ، الذي لا معقّب لحكمه وإرادته ، وفي نفس الوقت تكشف لنا الآيات الكريمة عن كامل وعي الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وإدراكه للفرق بين ذاته المأمورة وذات الله الآمرة ، والذي يجعله مستحضراً بوضوح الفرق بين الوحي القرآني الذي ينزل عليه ، وبين الإلهام الإلهي في حديثه النبويّ الخاص .
وهذا هو الذي جعله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ينهى في أوّل عهد نزول الوحي القرآني عن تدوين شيء عنه سوى القرآن الكريم ، حفظاً لصفته الربّانيّة الخالصة من أنْ تختلط بشيءٍ غيره ، لهذا كان يدعو كتّاب الوحي فور نزول شيء من القرآن الكريم لتدوينه ، حتّى لو كان آيةً أو بعضَ آية .
الصورة الثانية : وهي التي تُبدي لنا موقف النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) تجاه الوحي القرآني ، وهو مستسلم لأمر الله فيه لا يملك أيّ اختيار وإرادة في نزوله عليه أو انقطاعه عنه ، فهو يدرك تماماً أنّ التنزيل القرآني منسلخٌ عن الطبيعة البشريّة وإرادتها انسلاخاً تامّاً . فتارة يتتابع الوحي القرآني ويحمى حتّى يشعر أنّه يكثر عليه ، وتارةً وبدون سابق إنذار يفتر عنه وهو في أشدّ الحاجة إليه .
وممّا يؤكّد ذلك أيضاً هو أنّ الوحي القرآني ينزل على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في أحوال مختلفة ، منها : ما يكون في منامه ، فما يكاد يغفو إغفاءةً حتّى ينهض ويرفع رأسه مُبتسماً وقد أوحيَت إليه سورة الكوثر . ومنها ما يكون وهو وادع في بيته وقد بقي من الليل ثلثه ، فتنزل عليه آية التوبة في الثلاثة الذين خافوا ، وهي قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [التوبة: 118] .
وهكذا نجد أنّ الوحي القرآني ينزل على قلب النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في ليلٍ دامس أو ضُحى النهار ، وفي البرد القارس أو حرّ الهجير ، وفي استجمام الحضر أو وعثاء السَفَر ، وفي هدأة السوق أو وطيس الحرب... وهو تعبيرٌ واضح عن تمام الانسلاخ وفقدان اختيار النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في نزول الوحي أو انقطاعه .
ونجد أنّ ذلك يتجسّد أكثر في انقطاع الوحي القرآني تماماً عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في الوقت الذي كان في أشدّ الشوق والطلب له ، بعد أنْ نزل عليه الروح الأمين بأوائل سورة العلق : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ ) ، ثمّ فتر ثلاث سنوات فحزن فيها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، بعدها حمي الوحي وتوالى عليه فاستبشر النبيّ به وغمرته فرحة الوصال .
ويتجسّد ذلك أيضاً حين أبطأ الوحي بعد حديث الإفك الذي رمى به المنافقون زوج النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وشهّروا به إمعاناً في فضحها ، حتّى عصف هذا الأمر بقلب الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وثَقُل عليه عدم نزول الوحي . وقد تصرّمت على الحادثة مدّة من الزمن كانت عليه أثقل من سنين متمادية بعد أنْ خاض المنافقون في زوجه خوضاً باطلاً .
فما بال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لا يستنجد بالوحي النفسي المزعوم ، أو يسرع الى استنزال الأمر الإلهي على طريقة الرهبان وأهل التعاويذ والأسجاع فيبرّئ زوجه من قذف المنافقين ؟
كما ونجد أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد حزَّ في نفسه غمز اليهود له ، فظلّ يقلب وجهه في السماء ستّة عشر شهراً أو أكثر تحرّقاً وشوقاً إلى تحويل القبلة مِن المسجد الأقصى إلى الكعبة المشرّفة ، يترقّب الوحي علّه ينزل عليه بهذا التحويل ، فلِم لم يُعالج النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هذا الأمر بالوحي النفسي المزعوم أو باستنزالٍ عاجل للوحي يزيل عنه همّه ويحقّق له ما يتمنّاه ؟ إلاّ أنّه ظلّ خاضعاً مترقّباً قرابة العام ونصف العام حتّى نزل عليه الوحي بالآية القرآنيّة الكريمة : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } [البقرة: 144] .
ممّا سبق نعلم أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان على يقينٍ تام ، أنّه لا يملك حولاً ولا قوّةً أمام الوحي القرآني ، فهو مستقلٌ عن ذاته وقلبه ، فقد يستعصي عليه رغم شوقه وحاجته إليه ، وقد يحمى ويتتابع حتّى ليكثر عليه ، ففؤاده مطمئن ، وضميره واعٍ ، وقلبه منطوٍ على اعتقادٍ راسخ بأنّ منشأ هذا الوحي ومصدره هو الله علاّم الغيوب .
الصورة الثالثة : وفيها يُظهر النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حرصه الشديد على القرآن الكريم وخشيته مِن نسيان بعض آيات التنزيل القرآني وضياعها ، فيعمد إلى التعجيل في قراءة القرآن قبل أنْ يُقضى إليه وحيه ، فيجتهد في ترديده ويبذل من نفسه وفكره الجهد الكبير لئلاّ يفوته شيءٌ منه . إلاّ أنّ الله تعالى ينهاه عن ذلك في قوله تعالى : {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] .
ويرشده الله إلى عدم حاجته إلى تمرين ذاكرته لحفظ آيات القرآن النازلة ، ويؤكّد له أنّ عليه سُبحانه جمعه وقرآنه ، وذلك في قوله تعالى : {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16 - 19]. ويضمن له عدم نسيانه في قوله تعالى : {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6] .
كلّ ذلك يؤكّد لنا أنّ الإرادة والاختيار النبويّ ليس دخيلاً ، بأيّ شكلٍ من الأشكال ، في الوحي القرآني لا في مضمونه ولا في طريقة وزمان ومكان نزوله ، وحتّى في حفظه وجمعه وقرآنه وبيانه . أو لا يشكّل ذلك نقضاً تامّاً لمقولة الوحي النفسي ، ودليلاً حاسماً وبرهاناً ساطعاً على ثبوت الوحي الإلهي للنبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأنّه كان يعي تمام الوعي الفرق الكامل بين ذاته الخاضعة لأمر الله في تنزيله القرآني ، وبين ذات الله القاهرة بأمرها وتنزيلها ، وهو لا يملك إزاء ذلك مِن أمر نفسه شيئاً ؟ (26) .
وبضمّ هذه الصوَر الثلاث بلحاظاتها المختلفة إلى الجانبين الأوّلين لا نجد لنظريّة الوحي النفسي أيّ أساس تقوم عليه ، بل ونحكم ببطلانها وبطلان ما هو في سياقها مِن شُبهات حول الوحي الإلهي للنبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وتثبت حقيقته ثبوتاً قطعيّاً لا مجال للتردّد فيه.
___________
(1) دائرة المعارف الإسلاميّة 2 : 77 .
(2) دائرة المعارف الإسلاميّة 2 : 274 ـ 275 .
(3) المصدر السابق 2 : 565 ـ 566 .
(4) المصدر السابق 3 : 106 ـ 107 .
(5) المصدر السابق 6: 276.
(6) المصدر السابق 7 : 140 ـ 141 .
(7) المصدر السابق 7 : 142 ـ 143 .
(8) المصدر السابق 7 : 197 .
(9) المصدر السابق 7 : 308 .
(10) المصدر السابق 11 : 41 .
(11) المصدر السابق 11 : 457 .
(12) المصدر السابق 11 : 458 .
(13) المصدر السابق 14 : 47 .
(14) المصدر السابق 14 : 107 .
(15) المصدر السابق 14 : 246 .
(16) المصدر الساق 11 : 10 .
(17) المصدر السابق 7 : 302 ـ 303 .
(18) المصدر السابق 4 : 603 .
(19) المصدر السابق 4 : 607 .
(20) راجع : الشيخ البلاغي ، جواد ، الهدى إلى دين المصطفى 1 : 330 فما فوق .
(21) كقوله تعالى في تحريف بني إسرائيل للتوراة : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75].
وكذلك قوله تعالى {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} [المائدة: 13] . وغيرهما من الآيات الشريفة.
(22) للوقوف على نماذج من ذلك يُمكن الرجوع إلى كتاب الهدى إلى دين المصطفى للعلاّمة البلاغي ، الجزء الثاني .
(23) لمزيد من التفصيل يمكن مراجعة ما يلي :
أ ـ الشيخ البلاغي ، محمّد جواد ، الهدى إلى دين المصطفى ، الجزأين الأوّل والثاني .
ب ـ السيّد الخوئي ، أبو القاسم ، البيان في تفسير القرآن .
ج ـ الشيخ معرفة ، محمّد هادي ، التمهيد في علوم القرآن الجزء الرابع .
(24) لسان العرب : مادّة وحي .
(25) معجم مقاييس اللغة 6 : 93 .
(26) لمزيد مِن التفصيل في مسألة الوحي ومناقشة الشُبهات الواردة حولها راجع : رضا ، محمّد رشيد ـ الوحي المحمّدي ، والدكتور الصالح ، صبحي ـ مباحث علوم القرآن ، والحكيم ، محمّد باقر ـ علوم القرآن . ومعرفة ، محمّد هادي ـ التمهيد في علوم القرآن ج1 .