بزغ فجر جديد ليزف للبشرية جمعاء إشراقتين عظيمتين، نقشت في صفحات التاريخ الإنساني أبهى صور الإيمان وأصدق معاني الرسالة، وحملت عبء المسؤولية ورسمت بخطواتها الأبعاد الحقيقية للنهج القويم، وتيمناً بهاتين الولادتين المباركتين، وبرعاية مباركة من قبل الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة، خادم الإمامين الكاظمين الجوادين الدكتور حيدر حسن الشمّري، أقامت العتبة الكاظمية المقدسة، حفلها المركزي البهيج في رواق سيدنا عبد الله بن عبد المطلب "عليه السلام" في الصحن الكاظمي الشريف لمناسبة ذكرى ولادة وليّ الله الأعظم، أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، وحفيده تاسع الأئمة الأطهار باب المراد الإمام محمد الجواد "عليهما السلام"، بحضور كوكبة من الشخصيات الدينية والنُخب المجتمعية إلى جانب جمع غفير من زائري الإمامين الجوادين "عليهما السلام" الذين جاءوا للتشرّف بإحياء هذا الحفل المبارك مجددين التزامهم بالنهج الرسالي، وترسيخ الولاء الخالد لأهل بيت النبوة "عليهم السلام".
استهل الحفل بتلاوة آيٍ من كتاب الله العزيز شنّف بها أسماع الحاضرين القارئ علي فيصل، تلتها كلمة الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة، وألقاها أمينها العام قدم فيها التهاني والتبريكات إلى الأمة الإسلامية بهذه المناسبات المباركة، وبيّن قائلاً: (نحتفل اليوم بذكرى ميلاد نورين من أنوار الهداية، وسيدين من سادات الولاية، الإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام" وحفيده الزكي الإمام محمد الجواد "عليه السلام".. فعيدٌ مبارك عليكم، وذكرى عطرة نستلهم من سيرتهما دروساً في العبادة والتقوى والجهاد في سبيل الله ولكي نربط هاتين المناسبتين المباركتين بواقعنا المعاصر يتطلب منا اتباع المبادئ والقيم التي جسّداها "عليهما السلام" في حياتهما، ثم إسقاطها على التحديات التي تواجهنا اليوم على المستوى الفردي والمجتمعي ومنها:
1. مفهوم القيادة العادلة والمسؤولية الاجتماعية: حيث كان الإمام علي "عليه السلام" مثالاً للقيادة الحكيمة التي ترتكز على العدل وخدمة الناس دون تمييز.. في ظل ما يشهده العالم من أزمات قيادية ومجتمعية، يمكن استلهام منهجه في تعزيز العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد وترسيخ قيم المساواة واحترام حقوق الإنسان.
2. العلم والعمل ودور الشباب: حيث كان الإمام الجواد "عليه السلام"، رغم صغر سنه مثالاً للعالم المسؤول الذي يتصدى للتحديات بعلمه وحكمته، وعمل دائما على تقويم الأفكار المنحرفة وإصلاح المجتمع وهذا يدعونا اليوم إلى التركيز على تمكين الشباب علميًا وفكريًا، وتشجيعهم على تولي المسؤولية في بناء مستقبل أفضل.
3. التسامح والحوار: فإن سيرة أمير المؤمنين وحفيده الإمام الجواد "عليهما السلام" مليئة بمواقف التسامح والرحمة، ويمكن استلهام تلك المفاهيم لعلاج واقعنا الذي يشهد تزايد النزاعات والخلافات، فنحن بحاجة إلى نشر ثقافة الحوار والتسامح، وحل النزاعات بأساليب سلمية مستمدة من أخلاق أهل البيت "عليهم السلام".
4. التمسك بالقيم في مواجهة التحديات: لأن الإمام علي، والإمام الجواد "عليهما السلام" عاشا في أوقات مليئة بالصعوبات، لكنهما تمسكا بمبادئ الحق والصبر.. وهذا يعلّمنا مواجهة التحديات في عالمنا اليوم، سواء كانت اقتصادية، أو اجتماعية، أو أخلاقية، بروح الإيمان والعمل الجاد.
5. العطاء وخدمة المجتمع: فإن أهل البيت "عليهم السلام" كانوا أنموذجًا في العطاء والبذل لخدمة الناس من دون انتظار كلمة شكر وهم الذين كانوا وما زالوا امتدادا لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، ومن هنا.. علينا استلهام ذلك في تحفيز التكافل الاجتماعي لمواجهة الفقر والجهل والحرمان والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بمجتمعاتنا اليوم .. ولنكن رحمة لبعضنا فعن رسول الله محمد "صلى الله عليه وآله وسلم" قال: (الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).. وعن الإمام علي عليه السلام: (إرحم من دونك، يرحمك من فوقك، وقس سهوه بسهوك ومعصيته لك بمعصيتك لربك وفقره إلى رحمتك بفقرك إلى رحمة ربك وعنه "عليه السلام": (عجبت لمن يرجو رحمة من فوقه كيف لا يرحم من دونه).
وأضاف: نحن في العتبة الكاظمية المقدسة ومن مسؤوليتنا الشرعية والأخلاقية أولينا أهمية كبرى لخدمة الزائرين الكرام استكمالاً لأعمال الأمانات العامة للعتبة الكاظمية المقدسة الكريمة السابقة وعلى جميع المستويات لذلك تشاهدون حملات الأعمار والتأهيل والتطوير في أكثر من اتجاه داخل الصحن الشريف وخارجه وفي مقتربات العتبة المقدسة والطرق المؤدية إليها لإضافة مساحات عبادية وتوسعة الصحون وإكسائها وإظهار الصحن الشريف بما يليق بمكانة الإمامين الكاظمين الجوادين "عليهما السلام" وزائريهم وبما يتناسب وراحة الزائرين الوافدين الكرام، فضلا عن الحفاظ على الموروث الكاظمي وإحياء تراث المدينة المقدسة ليبقى نبراسا للأجيال القادمة لذلك سيتم قريباً إن شاء الله تعالى بالتزامن مع هاتين الولادتين العطرتين افتتاح المرحلة الأولى من مشروع متحف العتبة الكاظمية المقدسة، وافتتاح مشروع صحن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام" هذا الصحن الذي اكتسى حلة جديدة من المرمر والتسقيف وأماكن جلوس لراحة العوائل الوافدة للزيارة وإنشاء بيئة عصرية متعددة الخدمات والوظائف بعد أن اختلطت مع البناء التراثي بصورة منسجمة لإضفاء مشاهد الجمال والبهاء من أول دخولهم وحتى وصولهم إلى الحرم الشريف المقدس..).
كما شهد الحفل مشاركة لفرقة إنشاد الجوادين في قصيدة رائعة بعنوان: (ما بين النورين) أضفوا خلالها بصماتهم الإبداعية، وكذلك إطلالة متميزة للشاعر الأديب السيد نبيل أبو العيس الكاظمي، أجاد بقصيدة عن أمير المؤمنين "عليه السلام" بعنوان (عرش الخلود) مطلعها:
من مثلُ حيدرَ نالَ عرش السؤدد *** في الكعبةِ الغرّاء فجر مولدِ
وكانت هناك قصيدة أخرى عن إمامنا الجواد "عليه السلام" قال فيها:
ولد الجواد وشَعَ في أفق السما *** نور الإمامة من بني الزهراءِ
نور تجلى للإمام فأشرقت *** فيه الدُنا في سائر الأرجاءِ
واختتم الحفل بتألق المُنشد الحُسيني علي الكناني بروائع الكلمات والأهازيج الجميلة معبّراً عن الولاء المُطلق لصاحبي الذكرى "عليهما السلام" وارتقى خلالها بالحضور إلى أسمى مراتب الولاء والإيمان.