أكّدت الهيأة العُليا لإحياء التراث التابعة للعتبة العبّاسية المقدّسة، أنّ كتاب الصلاة يُعدّ من أوسع المصنّفات الاستدلالية في استعراض الآراء. جاء ذلك في كلمة معاون مدير مركز إحياء التراث التابع للهيأة الشيخ ضياء الكربلائي، خلال الندوة العلمية الموسومة (الميرزا أبو الحسن المشكيني وإرثه الفقهي: كتاب الصلاة أنموذجًا)، والتي أُقِيمت بحضور المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة السيد أحمد الصافي، وعددٍ من أعضاء مجلس إدراتها ومسؤوليها، وطلبة العلوم الدينية وأساتذة في الحوزة العلميّة من محافظة النجف الأشرف.
وأدناه نصّ الكلمة: إن من أعظم النعم الإلهية على المرء سلوكه طريق طلب العلم وتحصيل المعارف الإلهية، ونشرها بين البريّة، فتكون ستراً له وصدقةً جارية، ينتفع بها في حياته ومماته، وعندها يلازم ذلك الأثر والعطاء الربّاني العجز عن أداء حقّ الشكر. وبحمد الله تعالى وبركة مولانا أبي الفضل العبّاس بن علي(عليهما السلام)، وبرعاية وإشراف ومتابعة المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسيّة المقدّسة سماحة العلّامة الحجّة السيد أحمد الصافي دام عزّه، نجتمع اليوم لتزيح الستار عن سِفْرٍ عظيم في موضوعه ومحتواه؛ تناول بيان ما يتعلّق بعمود الدين، ومعراج المؤمن، وخير موضوع، سطّره يراع العالم الجليل والفقيه الكبير الميرزا أبي الحسن المشكيني المولود في العقد الأوّل من القرن الرابع عشر الهجري، والذي حلّ برحله إلى كعبة طلّاب العلم النجف الغريّ عام 1328هـ، بعد أن أكمل المقدّمات والسطوح وحضر لمدّة سنتين درس الخارج في مدينة أردبيل. فأدرك عند قدومه مدينة باب علم المدينة دَرسَ الشيخ محمّد كاظم الآخوند الخراساني ت 1329هـ، ولازم بعد وفاته تلميذه العلّامة الشيخ علي القوجاني ت 1333هـ، وحضر أيضاً عند شيخ الشريعة الإصفهاني ت 1339هـ، وانتقل بعد وفاة الشيخ القوجاني إلى مدينة كربلاء المقدّسة ليحضر عند الميرزا محمد تقي الشيرازي ت 1338هـ، وبعد وفاة الميرزا التقي الحائري رجع إلى النجف الأشرف مشتغلاً بالتدريس والتأليف، وقد قال السيد على النقوي عن نشاطه العلمي: فإنّه مع اشتغاله بالتصنيف يُلقي كلّ يوم أربعة دروس، اثنان منها خارجاً، وهما الفقه والأصول، وآخران سطحاً في المكاسب والكفاية، وقبل شطرٍ من الزمان كان له بحث خامس، وهو في الرسائل، وهو في كلّ ذلك يؤدّي الفرض والنفل، ويؤتي كلّاً حقّه، حتّى إن سطحه - بكثرة ما يُلقيه من الإشكالات والمطالب الخارجية المرتبطة بالكتاب- يوزن بخارج بعض آخرين، بل يزيد عليه في البسط والإتقان، وقد جذب بأسلوبه في التدريس وطريقته الحسنة عدداً من الطلبة حوله لينهلوا من نميره العذب، كما أنّه مُنِحَ إجازات اجتهادٍ وروايةٍ من أساطين علماء وفقهاء عصره، فكان بحقّ عالماً عاملاً باذلاً عمره كلّه في تحصيل العلوم الدينية، وكان دأبه على هذا حتّى وافته المنية في مدينة الكاظمية المقدّسة، يوم الاثنين السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1358هـ، وقد ناهز عمره ثلاثةً وخمسين عاماً. وقد ترك الشيخ خلفه مؤلَّفاتٍ قيّمة كان أبرزها الحاشية على كفاية الأصول، ووجيزة الرجال، وكتاب الصلاة الذي نجتمع لأجله، والذي يُعدّ من أوسع المصنّفات الاستدلالية في هذا الفرع العظيم، من حيث استعراض الآراء والروايات ومناقشتها والجمع بينها، فضلاً عن التطرّق لجزئيات المسائل ودقائقها، وبعض الآراء المنقولة عن معاصري الشيخ كان الكتاب مصدراً لها؛ حيث إنّه نقله عن مجلس درس المعاصر أو كان نتيجة مباحثة معه أو جلسة خاصّة به، ويلاحظ بشكلٍ واضح الدقّة في تقسيم المطالب وتبويبها بشكلٍ لافت للانتباه، وضمّ الكتاب بين دفّتيه تطبيقات لمطالب أصولية ورجالية وفلسفية وقواعد فقهية وغيرها، وتعمل إدارة مركز إحياء التراث على إصدار عددٍ من مقاليد التراث خاصٍّ بالميرزا المشكيني، يتناول تلك البحوث العلمية في تراث الشيخ. وقد تمّ تحقيق الكتاب على نسختين، أولاهما بخطّ الشيخ المؤلِّف والأخرى مستنسخة عنها بخطّ تلميذه السيّد مرتضى الخلخالي، وقد قرأ السيّد ما استنسخه على أستاذه وصحّح الموارد المغلوطة أو الساقطة، كما أشار إلى موارد التأمّل من الأستاذ بكلمة (فتأمّل) بحاشية النسخة. ولاحظنا خلال العمل أنّ الشيخ المؤلّف كان نظره في الكتاب مستمرّاً؛ حيث إنّا وجدنا في جملة من المواضع ضرباً على بعض المطالب وتعديلها في الحاشية، إمّا بالإضافة أو تغيير عبارة أو حتى تغيير مبنى فقهيّ في مسألة ما، وهذا النظر والتغيير كان بعد استنساخ السيد الخلخالي للنسخة، وقد أثبتنا ما كان بقلم المؤلِّف أخيراً مَتناً وما كان أولاً هامشاً. وقد قسمنا الكتاب حسب مطالبه العلميّة إلى عشرة مجلّدات، كان في الأوّل منها مباحث: أعداد الصلاة والوقت، والقبلة، وفي الثاني لباس المصلّي، وفي الثالث: مكان المصلّي، وما يُسجد عليه، والأذان والإقامة، وفي الرابع النيّة، وتكبيرة الإحرام، والقيام، والقراءة، وفي الخامس: الركوع والسجود، والتشهّد والتسليم، وفي السادس قواطع الصلاة، وسائر الصلوات، وفي السابع أحكام الخلل، وفي الثامن تكملة أحكام الخلل، والقضاء، وفي التاسع: صلاة الجماعة، وأحكام المساجد، وفي العاشر: صلاة الخوف والمطاردة، وصلاة المسافر. وقد تظافرت وتكاتفت جهود الإخوة الأعزّاء في مركز إحياء التراث ومركز الشيخ الطوسيّ على إتمام العمل على الكتاب وإكماله على أفضل وجهٍ ممكن، ليخرج إلينا بعد تلك الجهود المضنية بحلّةٍ قشيبة تسرّ الناظرين إن شاء الله تعالى.