انطلق وفي رحاب الصحن الحيدري الشريف حفل افتتاح فعاليات مهرجان الغدير السنوي بحضور رئيس ديوان الوقف الشيعي سماحة السيد علاء الدين الموسوي ومساعديه، والأمين العام للعتبة العلوية المقدسة سماحة السيد نزار هاشم حبل المتين والأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة الأستاذ الدكتور جمال الدباغ ومعاون الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة سماحة السيد جعفر الموسوي، ومعاون الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة السيد أفضل الشامي، وأمين عام العتبة المقدسة السابق سماحة الشيخ ضياء الدين زين الدين وأمين عام مسجد الكوفة المعظم والمزارات الملحقة به السيد موسى الخلخالي، وممثلين عن مكاتب مراجع الدين العظام، ورئيس جامعة الكوفة الأستاذ الدكتور عقيل عبد ياسين وعدد من عمداء كليات الجامعة، وقيادات الحشد الشعبي والقوى الأمنية ، ومحافظ النجف الأشرف السيد لؤي الياسري، وعدد من الوزراء والمسؤولين المحليين والقنصلين البحريني والإيراني في محافظة النجف الاشرف ونخبة من الإعلاميين والأكاديميين والمثقفين ومنظمات المجتمع المدني وجمع غفير من الزائرين الكرام.
وقد بدأ الحفل بتلاوة عطرة من القرآن الكريم بصوت القارئ أحمد جاسم النجفي.
بعدها وقف الجميع لقراءة سورة الفاتحة المباركة على أرواح شهداء العراق .
وافتتح الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة سماحة السيد نزار هاشم حبل المتين بكلمة قيمة ، جاء في نصها :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أولا وآخراً، ونشكره على سوابغ آلاءه، وتمام نعمائه ..
ونصلي ونسلم، على خاتم أنبيائه ، وأفضل أصفيائه ، محمد وآله الطيبين الطاهرين.
باسم الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة ، نرحب بالسادة الحضور الكرام ، مع حفظ الألقاب والمقامات .
سلامٌ من بقعة السلام ... وذكوات العصمة ..
سلامٌ عليكم أيها الأحبة ، وأنتم في رحاب الحكمة والبطولة والعلم والفصاحة ..
سلامٌ عليكم ونحن نغترف من نمير غدير الحب والسلام. نروي بها ظمأ نفوسنا ، وعطش أرواحنا لتبتل بها العروق ومشاعرنا، في يوم هو يوم الإنسانية ، وعيد الله الأكبر ، فيه كمال وإتمام ورضى.
إنه اليوم الذي اقترن بعليٍّ ( عليه السلام)، بتنصيبه السماوي ، إماماً لهذه الأمة المرحومة.
فعليٌ أمةٌ، وهو إمام أمة ..، أمةٌ في أي الميادين سبرت غوره تجده منتهى الكمال الإنساني، وهو الأتقى والأكمل بعد رسول الإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على امتداد سلسلة الوجود البشري.
فهو البطل، الذي حمل السيف بيمناه، يدفع به عن رسالة الله ووحي السماء، .. يدفع الكرب عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو الفارس الذي ما انهزم في واقع ولا عثر في موضع، بل كانت أعلام النصر تخفق بين يديه.
وهو عيبة العلم، ومنبع الحكمة، وأمير البلاغة، أفصح الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وباب مدينة علم الرسول ، إليه ألقت الشريعة مقاليدها فأعطت عن يديه الخيرات والبركات.
فكم من الشبهات قد دفع ، وكم من المعضلات قد جلى !! انك إذ تقف أمام كلماته ، تجدها فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق.
وان جئت الى كرمه، فهو سيد الكرام ، وإمام الاسخياء، قدم نفسه في سبيل الله فأنزل الله فيه :( ومن الناس من يشري نفسه إبتغاء مرضات الله ).
وقدم طعامه فأنزل الله فيه، وفي أهل بيته :( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا).
وتصدق بخاتمه في صلاته فأنزل فيه :( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).
وإن توضأت بساحِ عدله فهو الإمام الذي قوله فصل، وحكمه عدل ، تولى الخلاقة فأعاد الحق إلى نصابه .. قسم بالسوية ، وعدل في الرعية ،قال بعد أن عوتب على التسوية بالعطاء :( أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور فيمن وُلّيتُ عليه .. فلو كان المال لي لسوّيت بينهم ، فكيف والمال مال الله ).
لا أريد أن أعدد فضائل من لا تحصى فضائله ، ولا تحد مناقبه ، ولكنها إشارات وومضات ، تنير دربنا المظلم، وطريقنا المعتم.
إن أتباع أهل البيت ( عليهم السلام)، لم تأخذ علياً إماما لأجل هوى يدفعها ، أو انحراف في السلوك، أو أخطا في التفكير، بل إن قيام الأدلة بكافة أنواعها من نقلية وعقلية وما اجتمعت فيه من صفات ذاتية وأخرى اكتسابية جعلته أفضل الخلق بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله) فهو الملتقى لجميع الصفات السامية ، والمجمع لكل الكمالات الإنسانية العالية ، وهذا بنفسه دليلُ إمامته.
إننا اليوم أيها الأحبة ، ونحن نرتشف من عذب غديره ، ما أحوجنا إلى السير على هداه، واقتفاء أثره ، ومنه نستمد الصفات التي يجب أن تتوفر في القيادة الصالحة، لتولي أمور الناس، وهي الصفات التي حددها الإمام (عليه السلام) : إذ قال ( إن أحق الناس بهذا الأمر، أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه ..).
وفي الختام ..نقف وقفة إجلالٍ وإكرام ، لمن لبّى نداء المرجعية العليا ، صانها الله من كل مكروه، وأن يحشر شهدائنا الإبرار من الحشد الشعبي والقوى الأمنية في أعلى عليين، ويمنَّ على الجرحى منهم بالشفاء العاجل ، ويسدد خطى المرابطين في سوح الجهاد، ويمنَّ على العراق وأهله وسائر بلاد المسلمين بالأمن والأمان، وأن يوفقنا للسير بهدى عليٍ.. كما أشكر حضروكم ، وتجشمكم عناء السفر، للتشرف برحاب إمام المتقين ، أمير المؤمنين عليٍ ( عليه السلام)، وأنتم ونحن نستذكر من رحابه الطاهر، بيعة يوم الغدير وما تحمله من معاني الإنسانية والكمال ، والسعادة في الدارين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
بعدها كانت كلمة رئيس ديوان الوقف الشيعي سماحة السيد علاء الدين الموسوي، والتي أكد فيها " أن واقعة الغدير مما اتفق عليه المسلمون وتاريخهم وهي متواترة ، ومعنى التواتر أن الحادثة رويت بعدد من الرواية في كل طبقة من طبقات التاريخ، وهذا العدد كثير بحيث لا يمكن تكذيبها وتؤدي إلى القطع .
وأشار السيد الموسوي ان عدد الرواة بلغ (120) راوياً من الصحابة وغيرهم من التابعين وتابعي التابعين ويندر ان تكون هناك واقعة في الإسلام ، رويت مثل هذا العدد وبالرغم من ذلك تواردت السلطات على كتمها وعدم وروايتها . كان الموقف في يوم الغدير حضره ما يقدر ب(120) ألف مسلم على مشهدهم ومسمعهم، ولكن لم يروها الا واحد من الألف بالرغم من أن الرواة المائة والعشرون هو حد أعلى من التواتر وبالرغم من ذلك نقول ان حديث الغدير مظلوم لان الحاضرين في الواقعة كان (120 ) ألف والحقيقة ان حديث الغدير قد حورب بمعناه ومحتواه ومنذ أن صدر عن النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله) هذا الحديث في نفس تلك الليلة هناك فئة من المسلمين لم يرضهم هذا الحديث وقاموا بصنع المؤامرات ضد عليٍ ( عليه السلام). ولكن يأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
هذه الحرب المستمرة على هذا الحديث واجهها علماء الأمة بالجهد والعمل المتواصل حتى تصل الحقيقة الناصعة إلى الأجيال وهذا تم عبر دماء الشهداء من العلماء وهذه الأمانة أصبحت الآن في أيدينا فينبغي أن نسلمها إلى الجيل التالي بكل صدق ووضوح ، وينبغي علينا أن نربط جيلنا الجديد بها لنسد أبواب الضلال أمام المتصيدين الذين يحاولون أن يحرفوا هذا الحديث المبارك .
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا على هذه المسؤولية تجاه أنفسنا وتجاه إمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكلٌ يتحمل مسؤوليته في إحياء هذه المناسبة . ومما يسر قلوبنا هو إقامة احتفالية الغدير في صحن أمير المؤمنين ( عليه السلام).
شكر الله سعي الأمانة العامة والعاملين معها في تهيئة أسباب هذا الاحتفال المبارك وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والرسل محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ثم كانت الكلمة للأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة الأستاذ الدكتور جمال الدباغ بكلمة عن يوم الغدير الأغر، قدم في بدايتها كلمته شكره إلى أمانة العتبة العلوية المقدسة على توجيه الدعوة له في هذا الحفل.
وقال الأستاذ الدكتور الدباغ في مجمل من كلمته " من المؤكد أن هناك أكثر من سبب يجعل المتحدث محرجا فالأمر ليس بهين أمام عظمة المكين والمكان .
إن الأمم والشعوب دأبت على أن تجعل لها أعياداً ومناسبات تشير بصورة وأخرى إلى حدث مهم في حياة تلك الأمة أو ذلك الشعب ليكون ذلك العيد مقياسا لمدى وعي الأمة وعمق تفكيرها ونوع عقيدتها ولا يرتاب احد بأن أفضل الأعياد ما كان له ارتباط بالخالق عز وجل وشرع من قبله سبحانه . ومن هذا المنطلق كانت أعيادنا الإسلامية قد امتازت بهذه المزية الشريفة .
إن أهمية عيد الغدير تكمن في تعيين الولاية الإلهية وانتخاب الشخصية المثلى والوجود المقدس والأسوة الكاملة للمجتمع الإنساني ومثالا يحتذى به .
إن علياً عليه السلام هو الذي أضفى على الغدير قيمة وشرفا لان مقامه السامي كان السبب الرئيس في اختيار السماء له .
أننا لا نحتفي بالغدير من اجل قيمته العقائدية فحسب بل من اجل أن نعرف كيفية الاقتداء بمنهج أمير المؤمنين عليه السلام وان علينا في نفس الوقت أن لا ننسى أن أمير المؤمنين (عليه السلام) يريد منّا أن نكون على قدر من المسؤولية التي تحتم مراعاة القيم والمعايير التي تريدها السماء .
بعد ذلك كانت قصيدة ولائية للشاعر عبد الحسين حمد تغنت بيوم الغدير وصاحب اليوم الأغر أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، بعد ذلك قدمت الهيئة العليا لمواكب النجف ممثلة بمسؤولها السيد زكي جريو هدية للعتبة العلوية المقدسة تسلمها الامين العام السيد نزار حبل المتين. تلاها هيئة المرتضى للانشاد التابعة للعتبة المقدسة لتتحف الحفل بأناشيد ولائية تغنت بيوم الغدير الأغر وبأمير المؤمنين ( عليه السلام).
ثم كان مسك ختام الافتتاح بتكريم أمناء العتبات المقدسة ومسؤولي المزارات الشيعية وممثلي المؤسسات والشخصيات الحاضرة في الحفل.