إن إنشاء صور فنية للتقاليد الدينية وأحداث عاشوراء موجودة منذ زمن طويل في لوحات محبي وموالي ال بيت النبوة الاطهار، فكثير منهم من روى احداث يوم عاشوراء وجاء بها على شكل حكايات شكلية قدمت للجمهور في اماكن متنوعة فمنها ما جاء على شكل جداريات ومنها ما نفذ على لوحات صغيرة ومنها ما رسم على قطع من الورق او القماش، ومنها ما جاء متلازما مع سرد الروايات جنبًا إلى جنب ليكون مصدرًا لخلق أنواع مختلفة من الفنون البصرية في أوقات مختلفة، كما في فنون القهوة خانة ، التي يتم من خلالها تصوير هذه الروايات للجمهور البالغ في شكل ملصقات ولوحات إعلانية حضرية بمفهوم عام للصراع الازلي بين الخير والشر.
اللوحة اعلاه من ابداع الرسام الايراني رحيم زاده ، عرضت في معرض يوم عاشوراء التوضيحي الذي اقيم برعاية بلدية طهران عام 2015 ،ويجسد هذا العمل رواية استشهاد المولى أبي الفضل العباس عليه السلام، وقد مثله الفنان بمركز سيادي كشخصية رئيسية في منتصف اللوحة مباشرة ، وقد مثل الرسام اللوحة وهي تشرق الشمس من أعلى الصورة دون خلق ظلال للاشكال مع مراعاة اسلوب التسطيح الشكلي، وقد صور الرسام شخص العباس عليه السلام بقوة وثبات على جواده بعيد عن أي ضعف أو ألم، ويقف جنود يزيد على جانبي اللوحة العلويين ولديهم خوف من الاقتراب رغم عددهم الكبير، وقد عمد الرسام على وضع الشخصية الرئيسية بطريقة ما في مكعب مستطيل ، لقدسيته وتمييزه عن الاشخاص الاخرين في اللوحة .
نفذ العمل بتقنية الزيت على القماش بمزيج متناغم سلس من الالوان الحارة ةالباردة، ويظهر جلياً للمشاهد سعي الفنان للمزج بين ذاته وموضوع الرسمة من خلال تكريس خبرته الجمالية التي اكتسبها بسعة اطلاعه على تأريخ الواقعة وثقافته الفنية المتراكمة، حيث اظهر حالة معينة من الاندماج بين اجزاء اللوحة تشد القارئ وتدفعه للغور في لحظة استشهاد ابي الفضل والتأثر بها بشكل لا أرادي، حيث حاول زادة استحضار كل مفرداته الممكنة للتوسيم ألزماني والمكاني للحدث المنشود من اللوحة ، فالمشهد إقرار كامل للمرجعية الواقعية فالكف المقطوع وقربة الماء دليل على ذلك فهي علامات لازمة في استكمال المحاكاة الواقعية لشخصية ابي الفضل عليه السلام ، فعملت الانطباعية هنا دورها كأساس للتعبير واختيار الزمن حتى تتيح فرصة كاملة للألوان والخطوط أن تمثل مشهداً جماليا حاضناً للعنصر الأساسي للمشهد مع العلامات المجاورة التي استكملت طريقة بناء رمزه بشكل او بآخر.
تم تشييد التكوين الجمالي وفق مستوى شكلي وآخر دلالي ، والشكلي جعل من خلاله الرسام تكويناً مفتوحاً حاضناً لكل العلاقات اللونية والخطية والتنظيمية لإنتاج أشكالاً تقترب من فكرة الموضوع الأساسية، اما الدلالي فأتى الرسام من خلال إرساله لمجموعة من العلامات المدركة جمعياً في الذهن (الراية، القربة، الماء ، القلنسوة الكف المقطوع ، والتي يستدل من خلالها إلى شخصية المشبه له بغض النظر عن البحث في عملية التطابق أن صحت أم لم تصح، ولذلك أصبحت هذه العلامات من اللوازم عند استحضار شخصية المولى أبي الفضل العباس ، ومن المهم ان نلاحظ كما هو امام المشاهد بأن أدوات التعبير الأساسية المتمثلة بالخطوط والالوان لا يمكن لها أن تبني شكلاً دون الرجوع إلى مرجعياته فهي سمة اختصت بها الرسوم المعبرة عن واقعة ألطف عمن سواها، ولذلك حاول الرسام أن يمثل الجمال الطبيعي في أشكاله الفارس والفرس من تحته، فكانت اللوحة جميعها عنصراً رئيساً سيادياً، فهي كل الموضوع، وبدأت العملية التنظيمية والتنسيقية في بناء اشكال اللوحة بطريقة نحتية تسطيحية حولت فرشاة الرسام إلى أزميل نحت يصوغ بناء شكله عبر الاعتناء بخطه وحدود الاشكال والوانها.
أشتغل الرسام البناء اللوني في اللوحة وفق نظام التضاد اللوني، حتى يتم الوصول للجمال، فحاول الرسام أن يظهر جمال الشخصية الذي بالغ فيها تطابقا لسماته، اذ أحاطه بغطاء الرأس الذي يظهر أناقته وأحاطته بمكعب خطي كبديل عن الهالة النورانية المتبعة في هكذا نوع من الرسوم، وكان ذلك في عملية لونية منظمة لا تبتعد عن مدلولات رمزية قصدية في اختيار اللون، فالأصفر هو لون ضياء الشمس ولون رمال الصحراء ، وكذلك الزي المميز بالبني والرمادي والذهبي مندمجا مع لون السماء وارضية اللوحة والذي اتى تعبيراً عن مكانة شخصية ابي الفضل المقدسة.
ومن ذلك نرى ان الانفعال العاطفي والوجداني وضواغط العقيدة جعلت من رسام اللوحة أن يبدع صورة جمالية تعكس فكره وجهده في التعبير والتأثير، فالأشكال كانت وما زالت تنبض بحيويتها، فضلاً عن جمال المنظر لينقل المتلقي من خلالها إلى حب وعشق يبعده عن الإحساس بجو معركة الطف، فغاية الرسام أن يمثل الشخصية بروحها ومنزلتها الدينية أما حضور عدتها ما هي إلا ضرورة توصيلية لأدراك معنى العمل وفكرته الأساسية فحقق الشكل جماله وقبوله .