أكّدت العتبةُ العبّاسيةُ المقدّسة أنّها ستكون داعمةً للطالبات الخرّيجات اعتزازاً منها بهنّ، وبرغبتهنّ في إحياء مراسيم تخرّجهنّ في حواضنها، وبادرةٌ طيّبة للتواصل معهنّ في حياتهنّ المُقبِلة، في كلّ ما يخدمُ العراقَ وأهلَه.
جاء ذلك على لسان عضو مجلس إدارتها ورئيسُ هيأة التربية والتعليم العالي فيها الأستاذ الدكتور عبّاس رشيد الموسويّ، خلال الكلمة التي ألقاها نيابةً عن أمانتها في حفل التخرّج المركزيّ لطالبات الجامعات العراقيّة، الذي أقامته شعبةُ مدارس الكفيل الدينيّة النسويّة صباح هذا اليوم الجمعة (24 جمادى الآخرة 1443هـ) الموافق لـ(28 كانون الثاني 2022م).
وأضاف "مثلما يترقّب زارعُ البذرة اللّحظةَ التي يجني فيها ثمارَ غرسِه، فإنّ طالب العلم يرنو إلى موسم تخرّجه، ومثلما تتفاوتُ حظوظُ الزراعين من زروعهم، فإنّ لكلّ طالبٍ مجتهد نصيباً من جدّه وسعيه، وفي الأحوال كلّها تكونُ تلك اللحظةُ فارقةً في عمر الزمن، فهي واحدةٌ لا تتكرّر، وإنْ تكرّرت في سلّم العلم والارتقاء المعرفيّ فإنّ طَعْمَ الأولى ليس كطعم سابقتها، لأنّ الأمور تمضي كما تمضي مياهُ النهر، فلا تعود إلى مجاريها مرّتَيْن، كما قِيل في فجر الفلسفة الإنسانيّة".
واوضح"علينا أن نُعِدَّ العُدّةَ لهذه اللّحظة، وأن نجعلها ترجمانَ ذواتِنا، وأن نجعلها تُحاكي قِيَمنا الموروثة وتترجم تربيتَنا وتعكس صورة ديننا الحنيف، ونحرص كلّ الحرص على أن تكون ممّا نعتزّ به راهناً، وحين تكون ماضياً نتذكّره فنفخر به، وقبل ذلك نحرص على أن تكون على مقاس حلم آبائنا وأمّهاتنا وإخواننا، نقول هذا لأنّ عصرنا الحديث أرانا ما لم نكُنْ نتوقّعه من طالب علم، أقلّ ما كان يُوصَفُ به أنّه سلك درباً يؤدّي به إلى الجنّة".
وتابع الموسوي "صرنا نرى الطالب في موسم تخرّجه يفاجِئُنا بضروبٍ شتّى من الفقرات، أقلّ ما يُقال أنّها مُستَهجَنةٌ مُستَقبَحَةٌ مَذمومة، وأنّها من لوازم بيئاتٍ وأوساطٍ هي والعلمُ نقيضان لا يجتمعان! ناهيكم عن نهي الشارع المقدَّس عنها للمسلم في كلّ مكان، فكيف بها في مكانٍ يُوصف بتفاخر أنّه حَرمٌ جامعيّ".
وبين"الذي نتوقّعُه من الإنسان -أيّ إنسان- إذا ما وفّقه اللهُ في دربه، وأوصلَه إلى حافّته، فالأَوْلى به أن يشكرَ الخالق، فبالشكرِ وحدَه تدومُ النِّعَم، وأن يحمده لا أن يعصيه ويجحدَه بما يصدر عنه من سلوكيّاتٍ وتصرّفاتٍ منهيٍّ عنها، سواءً في المنظومة الدينيّة أو القِيَميّة التي نشأنا عليها".
واكمل الموسوي حديثه "كلّ هذا يحدث في لحظةٍ يُراد فيها من الطالب أن يحمد الله على جزيل نعمائه وكرمه، ففيها يَهبُ الله هذا الطالب نعمةً حُرِمَ منها الكثيرون؛ فكم من إنسانٍ استفحَلَ الفقرُ عليه فحال دون وصوله إلى هذه اللحظة، وكم من إنسانٍ أصابَه المرضُ في مقتلٍ فأقعَدَه، فإذا هو طريح الفراش أو قعيد الدار، فلم يعِشْ هذه اللحظة، وكم من إنسانٍ حُرِمَ نعمة وجود أبيه فتصدّى للكسب والعمل وكدَحَ كي يعيّشَ غيرَه، فترَكَ مقاعدَ الدرس، وكم من إنسانٍ ابتُلِي بظرفٍ قاهر، جعله يحلم بحياةٍ طبيعيّة تجودُ عليه بفُرصة الدراسة، وكم من إنسانٍ تَبعَ هواه فأضاع نفسه وضيّع مستقبله، ونأى بنفسه عن نعيم هذه اللحظة، أليس يجدرُ بنا أن نحمده جلّت قدرته، لأنّنا لَمْ نكنْ من ضمن هؤلاء، أليس حريّاً بنِعَمِهِ أن تُحمدَ، وآلائِه أن تُشكر؟!".
واستدرك "فالحمدُ لله حمداً يوازي نعماءه التي أفاء بها علينا، ويوافي ضروب آلائه، التي مكّننا بها من مواصلة الدراسة، وسهّل لنا دروبها لنصل إلى هذه اللحظة الفارقة".
وأكّد أنّه "انطلاقاً من هذه الرؤية وتحت سمائها، سعت العتبةُ العبّاسية المقدّسة إلى أن تحتضن بناتها الخرّيجات، اعتزازاً منها بهنّ وبرغبتهنّ في إحياء مراسيم تخرّجهنّ في حواضنها، وبادرةٌ طيّبة للتواصل معهنّ في حياتهنّ المُقبِلة، في كلّ ما يخدم العراقَ وأهلَه".
وخاطَبَ الموسويّ الطالبات المتخرّجات "إليكنّ بناتنا الخرّيجات، وأنتُنّ تجسِّدْنَ معنى أن تكون الطالبةُ الجامعيّة قدوةً لغيرها، وأنتُنّ تؤسّسن لسُنّةٍ حسنةٍ لكنّ أجرُها وأجرُ مَنْ عمل بها مِن بعد، إليكُنّ وأنتُنّ تكافِئنَ تعَبَ الآباء والأمّهات بسجدَةِ شُكرٍ في البيوت التي أَذِنَ اللهُ لها أنْ تُرفعَ وَيُذكر فيها اسمُه، إليكنّ وأنتُنّ تترجمنَ الفرَحَ مراسيمَ ومناسِكَ تُرضي العُرفَ والدِّين، لتكونَ رصيداً يعتزّ به الوالدان والوُلدان، وذخيرة إن استعادتها الذاكرةُ في المستقبل، فإنّها ممّا يَفخَرُ به المرءُ شابّاً وكهلاً.
إليكُنّ وقد عزفتُنَّ عن بهرج الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَزُخْرُفِها وَزِبْرجِها، وتوجّهتُنّ صوب بيوت الله، ودور عبادتِهِ ونعيمِها المُقيمِ الذي لا زَوالَ لَهُ وَلاَ اضْمِحْلالَ، إليكنّ لهذا ولغيره، مزيداً من التقدير وطوبى لكُنّ وحسن مآب".
واختتم "ندعو الله جلّ وعلا، من هذه المشاهد المباركة والعتبات المقدّسة، بحياةٍ عمليّة متوّجة بالطموح، ومكلّلة بالفلاح، ومُثمِرة بكلّ ما يُرضي اللهَ ورسولَه".