على هامش الورشة العلمية التي عقدت صباح يوم الأحد الموافق (16/6/2019م) في العاصمة الألمانية برلين وتحت شعار (دور الاديان في نشر السلام)، ألقى ممثل العتبة العباسية المقدسة في اوروبا السيد أحمد الراضي كلمة في فعاليات أسبوع أبي الفضل العباس(عليه السلام) الفكري الثاني، التي تحدث فيها: ابعث السلام إلى الأحبة والأعزاء الذين اسعدونا بحضورهم قائلا لهم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... ها نحن اقتطعنا من وقتكم الثمين قطعة زمنية فشكرا لمشاركتكم، جئنا من العراق بلد الشرائع والأديان ومن كربلاء مدينة الإخاء والفداء والآثار حيث المرقد الطاهر لأبي الفضل العباس صلوات الله عليه جئنا نحمل سلام الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة ومنتسبيها وفي مقدمتهم المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة آية الله السيد أحمد الصافي (دام عزّه).
أدت الأديان دورًا أساسيًا في تحقيق السلام بين الأديان من جهة وبين الأمم والحضارات من جهة أخرى، فالأديان هي الرافعة الحقيقية لنشر السلام، ولعلنا هنا نتساءل أين يقع السلام في قلب الأديان؟
أيها الإخوة والأخوات الكرام نحتاج إلى حديث واقعي عن السلام وأثر الأديان في نشر السلام، فالشرائع والأديان وتعليمات الأنبياء (عليهم السلام) من قبيل المراحل الدراسية المختلفة تشترك جميعها في الأصول والمبادئ والقيم الأساسية إلا أنها تختلف بالعمق والتطبيقات المختلفة فعندما يرتقي الإنسان إلى مرحلة أسمى يبقى احترامه وتقديسه للمرحلة السابقة، وإن اختلاف المحطات لا يستوجب اختلاف الهدف والغاية بل اختلاف الألوان يعطي جمالا للّوحة، من هنا اقول لابد أن نذكر الحقيقة، وهي أن الأديان متهمة بالتشدد والعنف والإرهاب، والواقع الذي نعيشه اليوم يفرض علينا العناية بدراسة الأديان في سياق مكاسب العقل والعلم والمعرفة.
مضيفا: فالأديان التي قُدّر لها أن تشهد امتدادًا تاريخيًا لم تحقق ذلك بالعنف والقوة والقهر وإنما بالسماحة والمروءة والامانة، من هنا اقول" معرفة الناس للتعايش معهم لا لتغييرهم"، -أيها الإخوة والأخوات- "الأديان لديها قوة مؤثرة من أجل السلام، ولا يمكن أن يكون سلام بين الشعوب ما دام لا يكون سلام بين الأديان، ولا يمكن أن يكون سلام بين الأديان مادام لم يكن سلام بين رجال الدين، لأن الناس يتبعون علماء دينهم ويسيرون على خطاهم، فلابد أولا من صنع السلام بين رجال الأديان".
وتابع: من هنا تتطلب دراسة الاديان والمذاهب أن يتعاطى الدارس مع النصوص المقدسة والتراث الديني بمنطق الباحث، ولا أظن أن هناك جدوى من دراسة الأديان إذا كان الباحث مولعا بالتبشير بمعتقده والحرص على إدخال الآخر فيه، لذلك أخطر شيء يهدد السلام هو التبشير بين الأديان والتبشير داخل الدين الواحد والمذهب الواحد، "ابحث عن صوابي فالخطأ مني طبيعي".
موضحاً: من هنا اقول بأن مدرسة الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) تدعو إلى التعارف بين الأديان وأرى أن التعارف أشمل وأرقى من الحوار {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
أيها الإخوة والأخوات الكرام، لا يولد السلام بين الأديان في فضاء الاعتقاد، بل يولد السلام بين الأديان في فضاء الإيمان، لأن المؤمنين في كل الأديان يستقون إيمانهم من منبع واحد مشترك هو الله جل وعلا وهو الحق، لأنه في الايمان تلتقي الأديان وتتعايش وتأتلف، لأنها تتكلم لغة روحية واحدة مشتركة التي يتحاورون بها وان كانت في الاعتقاد تتكلم لغات شتى.
أيها الإخوة والأخوات الكرام، الاعتقاد يرسم جغرافيا الأديان ويضع حدودًا صارمة لها، ولا تقبل ما هو خارج فضائها، لذلك نرى ما يسوغ الأفعال المتشددة ضد الآخر المختلف.
من هنا تأتي الحاجة لتحديث آليات الفكر الديني، من اجل تحرير فهم الدين من التعصب الأعمى والكراهية وبعث الإيمان وحماية الاعتقاد من الاستغلال فيما يدمر الحياة، الأديان عائلة إيمانية واحدة، لأنها تؤمن معا بالله، وتتوحد في رسالة كونية مشتركة، وتقوم على قيم أخلاقية وإنسانية واحدة، وتستقي من منبع إلهي واحد، لذلك علينا الانتقال من (انا) و(انت) إلى (نحن)، وانظر للجانب الإيجابي من شخصيتي، اقبلني كما أنا حتى أقبلك كما أنت.
لذلك ادعو إلى التفتيش عن محطات للتلاقي والبناء عليها، وترك ما يختبئ من ظلامات وكراهية في متون هذه الاديان وكتبها.
وأختتم: الشكر لدعم المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة العلّامة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) والشكر للإخوة في الجمعية الأوروبية لتعارف الأديان والشكر موصول إلى وزارة الخارجية الألمانية والسفارة الألمانية في بغداد لتعاونهم، وكل الشكر والتقدير للدبلوماسية العراقية وأخص بالذكر سعادة سفير جمهورية العراق في المانيا الدكتور ضياء الدباس وسفير جمهورية العراق في بلجيكا الأستاذ صادق الركابي وسفير جمهورية العراق في هولندا الدكتور هشام العلوي وللجالية الكريمة العراقية والعربية والإسلامية لما قدموه من دعم في فعاليات الاسبوع الفكري الثاني لابي الفضل العباس (صلوات الله عليه) في اوروبا بثلاثة دول الذي يحمل شعار (الاغتراب ثروة وطن) على أمل ان نستمع إلى نصائحهم وتوجيهاتهم لتطوير العمل لما فيه خير لبلدنا والمغتربين، سائلين المولى عز وجل أن يعم الأمن والأمان لبلدنا الحبيب العراق، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.