على مدى أكثر من 60 عاماً يتم استخدام طريقة كشف مستحلب المسارات في الفيزياء التجريبية والتي تبقى حتى الآن الأفضل من ناحية دقة قياس مسارات الجسيمات الأولية.
يشار إلى أن النشاط الذي يمارس ضمن التعاون الدولي بمشاركة العلماء الروس، بما في ذلك الباحثين من الجامعة الوطنية للأبحاث التكنولوجية "ميسيس"، يفتح آفاقاً جديدة تماماً لتطبيق هذه الطريقة.
مبدأ عمل الطريقة
يمكن وصف طريقة عمل كشف مستحلب المسار على النحو التالي: عندما يمر الجسيم المشحون عبر سماكة المستحلب، يقوم بتنشيط بلورات بروميد الفضية على طول طريقه، وهذه البلورات تتحول خلال عملية الإظهار إلى جسيمات نانوية (حبيبات من الفضة المعدنية).
تم تطبيق هذه الطريقة لأول مرة في الفيزياء النووية من قبل أنطوان بيكيريل، الذي اكتشف عام 1896 نشاطاً إشعاعياً لأملاح اليورانيوم التي تظهر بسبب سواد اللوحة الفوتوغرافية.
بشكل عام تم الاعتراف بطريقة كشف مستحلب المسار بعد اكتشاف الميزون في عام 1947. حيث ساعد في تحقيق أهم الاكتشافات في فيزياء الجسميات الأولية: الكشف عن التفاعلات النووية π-- وميزون К، وتقدير عمر حياة π0، والكشف عن تحلل جسيمات الميزون К إلى ثلاثة بيونات، وأول ملاحظة للجسميات "الساحرة" وانحلال الجزيئات الجميلة إلى جزيئات "ساحرة"، وأول ملاحظة لولادة الجسيمات "الساحرة" في تفاعلات النيوترينو.
إن المشكلة الرئيسية لطريقة كشف مستحلب المسار هي صعوبة قياس إحداثيات الجسيمات النانوية التي تشكل مسار الجسيمات، باستخدام المجاهر الضوئية، علماً أنه تم إجراء هذه التغييرات على مدى عقود من الزمن يدوياُ. ولقد أتاحت عملية الأتمتة بمساعدة المجاهر الآلية، الاستغناء عن العمل البشري الشاق وسمحت بفتح آفاق جديدة متطورة لتطبيق طريقة كشف مستحلب المسار في تجارب DONUT وOPERA.
DONUT كانت تجربة Fermilab لدى البحث عن تفاعلات تاو نيوترونات. ولقد عمل الكاشف خلال صيف عام 1997 واكتشف بنجاح تاو نيوترونات، الذي يعتبر الجزيء الوحيد من النموذج القياسي الذي لم يكن متاحاً للمراقبة المباشرة.
أما فيما يتعلق بالهدف الرئيسي من تجربة OPERA فقد كان يكمن في تسجيل تاو نيوترونات المتولدة من الميون نيوترونات نتيجة لتذبذبات النيوترينو. يشار إلى أنه تم إنتاج شعاع الميون نيوترونات في مدينة سيرن السويسرية، وتم إرساله إلى مختبرات غران ساسو الإيطالية. ومن خلال عبوره تحت الأرض 732 كم فقد وصل الشعاع إلى موقع OPERA حيث تم تسجيله بواسطة كاشف مستحلب.
في عام 2010 تم الحصول على أول أدلة مباشرة على أن الميونات النيوترونية يمكن أن تتحول إلى تاو النيوترونات، وهذا يؤكد فرضية التذبذبات النيوترونية.
المجاهر الروبوت الحديثة
تستخدم حالياً الملايين من شرائط المستحلب في أجهزة الكشف عن المسارات التي تزن عدة أطنان، ويتم استخدام المجهر الآلي من أجل القيام بعملية المسح الضوئي لهذه الأشرطة.
وبما أن سرعة عمل مجاهر الروبوت هذه تحد من قابلية تطبيق كاشفات المستحلب، فإن العلماء يبحثون بشكل مكثف عن طرق لجعلها أسرع وتصميم ربوتات من الجيل المتطور.
المجهر الآلي من الجيل الجديد هو عبارة عن روبوت مجهز بمعدات ميكانيكية عالية الدقة وأجهزة بصرية عالية الجودة وكاميرا فيديو عالية السرعة، إذ أن هذه المجاهر تعمل بشكل أسرع بملايين المرات من المجهر البشري، ويمكن أن تواصل عملها 24 ساعة في اليوم دون تعب.
في مجلة Scientific Reports أشار الخبراء من جامعة "ميسيس" ومن المعهد الوطني للفيزياء النووية من نابولي-إيطاليا إلى أنهم قاموا بتصميم تقنية بسيطة ومجدية اقتصادياً تتيح من زيادة سرعة عمل المجاهر الآلية بمئة مرة.
وتابع الباحث أندريه ألكسندروف من جامعة "ميسيس" والمعهد الوطني للفيزياء النووية أثناء مقابلة مع وكالة "سبوتنيك" قائلاً:
"نحن نعتزم تصميم واختبار نموذج أولي للجيل الجديد استخدام تقنية دوران المستوى البؤري، التي نقوم بتطبيقها في الجامعة. وبالتالي فإن زيادة سرعة المجاهر بنسبة 100 مرة سوف تسمح بزيادة كبيرة لحجم المعلومات المعالجة وتقليل زمن تحليلها دون تكاليف مالية".
إن زيادة سرعة المجاهر سوف يساعد العلماء في العديد من القطاعات، بما في ذلك في الطب والفيزياء النووية والفيزياء الفلكية وفيزياء النيوترونات وعلم الآثار والجيولوجيا وعلم البراكين. إن المزيد من التطور لتقنية المسح الضوئي المؤتمتة بالكامل والمجاهر الآلية من الجيل الجديد ستعمل على توسيع حدود قابلية تطبيق طريقة كشف مستحلب المسار وتصميم كواشف تحتوي على عشرات الملايين من أشرطة مستحلب الصور النووية. وفي هذا الصدد صرح الباحث أندريه ألكسندروف قائلاً: "أعتقد أن الجيل الجديد من المجاهر الآلية ستكون حتماً متعددة الكاميرات وسوف تستخدم مستوى تركيز العدسة. لقد بدأنا بالفعل دراسة إمكانية استخدام مصادر الضوء الليزرية ومبادئ التصوير المجسم من أجل إنشاء أجيال جديدة من المجاهر الآلية فائقة السرعة. حالياً تم في جامعة ناغويا في اليابان بتصنيع مجهر فريد من نوعه Hyper Track Selector مزود بـ 72 كاميرا فيديو وعدسة كبيرة للغاية، ولكن باستخدام تقنية المسح العادية. ومع استخدام تقنياتنا يمكن تحقيق السرعة نفسها باستخدام 14 فيديو كاميرا وعدسة عادية جداً، وهذا يعني أرخص بكثير من العرض السابق".
مستقبل الكاشفات: من المادة المظلمة وحتى الأورام
في المستقبل سوف تبحث التجارب العلمية مع مثل هذه الكواشف عن جزيئات المادة المظلمة وتدرس فيزياء النيوترونات وتدرس عملية تجزئة الأيونات احتياجات علاج سرطان الهادرون وحماية أطقم المركبات الفضائية من الأشعة الكونية.
بالفعل يوجد كاشف لملايين أشرطة المستحلب النووي، على سبيل المثال لدى الكاشف أوبرا حوالي 9 ملايين شريطاً أي ما يعادل حوالي 110 آلاف متر مربع سطحي. الرقم القياسي التالي سيكون بعد عشر سنوات من خلال تجربة البحث عن المادة المظلمة.
NEWSdm (Nuclear Emulsions for WIMP Search with directional measurement)
هذه هي التجربة الأولى والوحيدة حتى الآن للبحث عن جزيئات المادة المظلمة والتي تستخدم أشرطة مستحلب النانو لتسجيل تجاه نواة الارتداد المولودة أثناء تصادمات مع جسميات المادة المظلمة (في حين أن كواشف التجارب المثيلة الأخرى مليئة بالغاز عند ضغط منخفض).
التحدي الحقيقي هنا يكمن في الحاجة لمعالجة عشرات الاطنان من مسارات المستحلبات النانوية وتحديد اتجاهات هذه المسارات، التي يكون طولها أقصر من حد الحيود للمجاهر الحديثة. وسوف يساعد ذلك على التوصل إلى المجاهر الآلية السريعة بسبب التكنولوجيا المبتكرة ذات الدقة العالية، التي تم تصميمها من قبل الباحثين.
الأمثلة الأخرى من تجارب الغد — FOOT (Fragmentation Of Target) SHiP (Search for Hidden Particles)
FOOT — تدرس تفاعل البروتونات وأيونات الكربون عند مرور الحزم في أنسجة المريض. ومن الضروري هنا معرفة مؤشرات تجزئة الأيونات من أجل تحسين أنظمة التخطيط لعلاج السرطان بالهدرون ولتطوير طرق جديدة لحماية أطقم المركبات الفضائية من الاشعة الكونية في المستقبل.
سوف يستخدم كاشف النيوترونات في تجربة SHiP عدداً كبيراً من أشرطة المستحلب لدراسة فيزياء تاو نيوترونات والبحث عن جزيئات المادة المظلمة الخفيفة المولودة من خلال تفاعلات البروتونات مع طاقم قدرها 400 غيغا الكترون فولت.