المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2749 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

استحباب تربيع الجنازة
23-12-2015
Affinity Electrophoresis
29-11-2015
الأنواع الرئيسية للنقل - النقل المائي
22-4-2019
معنى كلمة بطن‌
21-1-2016
Golden Gnomon
16-2-2020
قصة نجاح شركة شوكولاتة باتشي
1-12-2016


أثر الأمية في دلالة الألفاظ  
  
870   01:20 مساءً   التاريخ: 21-4-2018
المؤلف : د. ابراهيم انيس
الكتاب أو المصدر : دلالة الألفاظ
الجزء والصفحة : ص165- 171
القسم : علوم اللغة العربية / علم الدلالة / قضايا دلالية اخرى /

 

أثر الأمية في دلالة الألفاظ

الأصل في الألفاظ أن يختص كل لفظ بمعني معين، بهذا جرت الكثرة الغالبة من ألفاظ اللغات في العالم، غير أنا تعرف أن أمور الحياة الدنيا متداخلة متشابكة تكون في مجموعها نظاما متماسك الأطراف، ولا غرابة إذن أن نرى معني يقترب من آخر، أو أن نرى جزءاً من معني يشترك في عدة ألفاظ. ومع ذلك تتجه معظم اللغات الى تخصيص اللفظ بمعني معين، صبح له بمثابة العلامة متي طرقت السمع أثارت في الذهن دلالة معينة يشترك في فهمها أفراد البيئة اللغوية.

ولا شك أن الألفاظ العربية في بدء نشأتها، ولا لدري متي كانت هذه النشأة، قد قصد بها أن يعبر كل لفظ عن معني معين، وأن تكون له دلالته المستقلة. ومهما قيل عن نشأة الألفاظ في لغة الإنسان الأول، لا نستطيع أن نتصور أنها يمكن أن توجد في عصورنا التاريخية إلا حين تدعو الحاجة إليها، بعد أن استقرت اللغة الإنسانية، وأصبحت مهمتها الأساسية أن تتخذ وسيلة التفاهم بين أفراد المجتمع.

ثم كان أن اشتدت عناية العرب القدماء بالألفاظ وموسيقاها، فشغلتهم هذه الموسيقية اللفظية عن ملاحظة الفروق بين الدلالات، مما أدى إلى أن كثيراً من الألفاظ التي كانت تعبر عن معان متقاربة، قد ازدادت قربا واختلط بعضها ببعض، ونسيت تلك الفروق أو تنوسيت، وأصبح العربي صاحب الأذن الموسيقية يضحي بتلك الفروق في الدلالات حتى بتمكن من نظم ...وافيه وتنسيق أسجاعه.

وهكذا رأينا أن الأدب الجاهلي والإسلامي قد شغلت موسيقاه أصحاب هذا الأدب عن تلك الدقة في معني الألفاظ، ولم تعد الألفاظ محددة الدلالة في غالب الأحيان، وعدت الألفاظ بعضها على بعض، مما ترتب عليه تلك الظاهرة التي لا تعرف لها نظيراً في لغة أخرى وهي كثرة الألفاظ المترادفة. ولست أريد هنا أن أثير جدلا أو نقاشا حول هذه الظاهرة، وما إذا كافت تعد ميزة للغة العربية أو عقمة في تمييز الدلالات، فقد تختلف وجهات النظر في هذا، وإنما الذي أهدف الى توضيحه أن ظاهرة كثرة الترادف قد أصبحت خاصية للغتنا العربية، ولا تكاد تشركها في هذا لغة أخرى.

ص165

واللغوي الحديث لا يحاول تفضيل لغة على أخرى، بل يعجب بكل لغة، ولا ينظر الى ما اتصفت به إلا على أنه خصائص لهذه اللغة، عليه أن يدرسها وأن يبحث عن سرها.

ومهما حاول بعض الاشتقاقيين من علماء اللغة كابن دريد وابن فارس وأمثالهما، أو بعض الأدباء من أصحاب الخيال الخصب الذين يلتمسون من ظلال المعاني فروقا بين مدلولات الألفاظ، أقول مهما حاول هؤلاء أو هؤلاء إبكار وقوع الترادف في ألفاظ اللغة العربية فليس يغير هذا من الحقيقة الواقعة شيئاً. فالترادف قد اعترف به معظم القدماء، وشهدت له النصوص، وإن كان بعض الذين قالوا به قد غالوا فيه. فمنهم من يقول لنا إن للأسد نحو 500 كلمة، وللشعبان نحو 200 كلمة، وللداهية نحو 400 كلمة، وللعسل نحو 80 كلمة، وللسيف نحو 50 كلمة ...الخ (1) .

والأصل في كل اللغات أن يعبر اللفظ الواحد عن المعني الواحد، ومع هذا فقد نري في النادر من الأحيان أن لغة ما تقبل أكثر من لفظ للدلالة على أمر واحد، وهو ما يسمى بالترادف وقد تقبل لفظا واحداً للدلالة على أمرين مختلفين اختلافا بهنا. وهو ما يسمى بالمشترك اللفظي يقع مثل هذا في كل اللغات دون إسراف فيه، ودون أن يتجاوز ذلك عدداً ضئيلا جداً من ألفاظ اللغة.

أما الذي حدث في لغتنا العربية فهو أن مجموعة كبيرة جداً من ألفاظها قد تنازعها هذان الأمران الترادف والمشترك اللفظي، وألفت فيهما الكتب المستقلة كما سنري.

وكثرة الترادف في اللغة العربية أمر مفهوم نستطيع تفسيره، فقد شغلت موسيقى الكلام أصحاب اللغة عن رعاية الفروق بين الدلالات فأهملوها أو تناسوها، واختلطت الألفاظ بعضها ببعض، او تراكمت في محيط واحد كسرب من النحل يجتمع في خلية واحدة. أي أن الدلالة لم تصمد ولم تكن عصية على التطور والتغير، بل اقتصت من أطرافها، فالتقت الألفاظ المتعددة على المعنى الواحد. وهذا هو ما عبر عنه بعض القدماء يقولهم فقدان الوصفية حين كان للسيف اسم واحد وله خمسون وصف الكل وصف دلالته المتميزة: كالهندي الذي عرف بأنه سيف حاد رقيق في صلبه مرونة وكان يصنع في بلاد الهند، واليماني الذي كان يصنع في بلاد المين مقوس النصل بعض التقويس وله فرند و نقوش، والمشرفي الذي كان يصنع في دمشق

ص166

على شكل خاص متميز عن سابقيه وهكذا.

ومع هذا فحين استعمل عنترة أمثال هذه الأوصاف في شعره لا نكاد نلحظ تلك الفروق، بل كل الذي يستبين من كلامه أنه عني سيفا جيدا، وقد ألزمته القافية أو نظام المقاطع أن يستعمل الهندي في موضع، واليماني في موضع آخر، والمشرفي في موضع ثالث.

فحرصه على موسيقى شعره ونظام قوافيه قد جعله يتناسى تلك الفروق، إن صح أنها كانت راعي في وقت من الأوقات.

أما الذي قد يصعب تفسيره فهو صعود معنى اللفظ في مثل هذه البيئة الأمية، وإباؤه التغير أو التطور، حتى يكون له نظير في الصورة، كالذي حدث فيما يسمى بالمشترك اللفظي. ولكن الألفاظ التي تعد من المشترك اللفظي قليلة جداً إذا قبست بالألفاظ المترادفة، مما يرجح ما تنادي به هنا من أن العناية قد وجهت كلها للأصوات دون المدلولات. وأن المعاني في أغلب الحالات لم تصمد أمام عوامل التطور بل تغيرت أو انكمشت وتنوسيت الفروق التي ينها.

وللمقارنة بين عدد الألفاظ المترادفة في اللغة العربية، وعدد تلك التي تسمى بالمشترك اللفظي، يجدر بالباحث أن يقوم بإحصاء هذه وإحصاء تلك من نصوص اللغة، كأن تحصي في كل نصوص الأدب الجاهلي مثلا.

ولاتصلح المعاجم التي بين أيدينا للقيام بمثل هذه المقارنة، وذلك لأن ألفاظ المعاجم بمثابة الجثث الهامدة، ولا يبعث فيها الحياة إلا النص واستعمالها فيه فالحكم على دلالة اللفظ في نص ما أدق وأوثق مما لو استقيناه من المعاجم وحدها.

فإذا دلت نصوص اللغة على أن بين الألفاظ المختلفة الصورة فروقا في الدلالة مهما كانت تلك الفروق طفيفة، لا يصح أن تعد من المترادفات، لأن شرط الترادف الحقيقي هو الاتحاد التام في المعنى. والحكم في هذا مرجعه اولا واخيرا الى الاستعمال، لا الى مايتكهن به بعض أصحاب المعاجم. كذلك إذا ثبت لنا من نصوص أن اللفظ الواحد قد يعبر عن معنيين متباينين كل التباين سمينا هذا بالمشترك اللفظي، أما إذا اتضح أن أحد المعنيين هو الأصل وأن الآخر مجاز له، فلا يصح أن نعد مثل هذا من المشترك اللفظي في حقيقة أمره.

وقد كان ابن درستويه محقا حين أنكر معظم تلك الألفاظ التي عدت من المشترك اللفظي، واعترها من المجاز. فكلمة الهلال حين تعبر عن هلال السماء،

ص167

وعن حديدة الصيد التي تشبه في شكلها الهلال، وعن قلامة الظفر التي تشبه في شكلها الهلال، وعن هلال النعل الذي يشبه في شكله الهلال، لايصح إذن أن تعد من المشترك اللفظي لأن المعنى واحد في كل هذا. وقد لعب المجاز دوره في كل هذه الاستعمالات.

ذلك لأن المشترك اللفظي الحقيقي إنما يكون حين لا نلمح أي بين المعنيين، كأن يقال لنا مثلا إن الأرض هي الكرة الأرضية وهي أيضا الزكام!! وكأن يقال لنا إن الخال هو أخو الأم، وهو الشامة في الوجه، وهو الأكمة الصغيرة.

ومثل هذه الألفاظ التي اختلف فيها المعني اختلافا بينا قبيلة جد بل نادرة ولا تكاد تجاوز أصابع اليد عداً.

أما الكلمات التي تسمى بالأضداد فيقحمها بعض اللغويين في هذا المشترك اللفظي رغم ما يري بينها من صلة الضدية، وهي صلة وثيقة بين الدلالات . فلسنا نذكر الأبيض إلا ذكرنا معه الأسود، ولسنا نذكر الغبي إلا ذكرنا معه الذكي، وقد لعب التفاؤل والتطير دوراً هاماً في نشأة تلك الأضداد.

ومع هذا فحين نسلم جدلا بأن الألفاظ التي وضحت الصلة بين معانيها يمكن أن تعد من المشترك اللفظي نراها قليلة العدد إذا قيست بالمترادفات، فهي لاتكاد تجاوز العشرات، في حين أن المترادفات قد جاوزت المئات.

ولسنا نعرف من الكتب القديمة التي ألفت في هذا المشترك اللفظي سوى كتاب «الأجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى» لأبي عبيد المتوفى 224 هـ، وهو كتيب صغير يشتمل على نحو 300 كلمة كلها مقتبسة من كتاب أبي عبيد نفسه المسمى بالغريب المصنف، والذي لايزال مخطوطاً حتى الآن.

وتروى كتب التراجم أن للأصمعي مؤلفاً يسمى «ما اتفق لفظه واختلف معناه»، ولا ندري أين هذا الكتاب!؟

أما الأضداد فقد ألف فيها الأصمعي وابن السكيت وأبو حاتم السجستاني، ثم جاء بعدهم ابن الأنباري وجمع أقوالهم في كتابه المشهور المسمى بالأضداد. ويعرض هؤلاء اللغويون في كتبهم المختلفة الى نفس المجموعة من الألفاظ التي يقال إن كلا منها كان يعبر عن المعنى وضده.

وقد تبين لبعض الباحثين من المحدثين أن مثل هذه المجموعة لو غربلت وبحثت بحثا علميا صحيحا لانتهى الأمر الى أن ما يصح أن يسمى منها بالأصداد لا يكاد يعدو عشرين كلمة (2)

ص168

أما ماوقع في القرآن الكريم من ذلك المشترك اللفظي فقليل جدا، وجله إن لم يكن كله ، مما نلحظ فيه الصلة المجازية كالعين للباصرة ولعيون الأرض، ويندر أن تصادفنا كلمة مثل «أمة» التي استعملت في القرآن بمعنى جماعة من الناس. وبمعنى الحين في قوله تعالى {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} . وبمعنى الدين في قوله {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}.

في حين أن كلمة مثل «الحال» التي اشتهر أمرها في كتب المشترك اللفظي لم يرد لها إلا معنى قرآني واحد، وكلمة الإنسان رغم استعمالها في القرآن نحو 65 مرة ليس لها إلا معنى قرآني واحد، وكلمة الأرض التي تذكر دائماً في المشترك اللفظي وردت في القرآن أكثر من 500 مرة بالمعنى المألوف وحده.

أما الترادف فقد وفع بكثرة في ألفاظ القرآن رغم محاولة بعض المفسرين أن يلتمسوا فروقا خيالية لا وجود لها إلا في أذهانهم للتفرقة بين تلك الألفاظ القرآنية المترادفة. وعلى كل حال نري أن الكتب التي ألفت في المترادفات أو التي اشتملت على كثير من الألفاظ المترادفة أكثر عددا وأوفر مادة ...، بدئت بتلك الكتيبات التي جمعت فيها الألفاظ الخاصة بموضوع معين أو مجال من القول محدد كرسائل الأصمعي وأبي زيد الأنصاري.

وانتهت كتب الترادف بكتاب نسمع عنه وإن لم نره لرجل أغرم بالمترادفات وشغف بها كل الشغف وهو الفيروزآبادي وعنوان الكتاب (الروض المسلوف فيما له اسمان الى ألوف)!!

وليس كل ماورد في هذه الكتب من المترادفات، وإنما هي كتب تجمع في ثناياها مجموعة كبيرة جدا من تلك الألفاظ المترادفة، بوصفها كتبا مرتبة على حسب الموضوعات أو الدلالات وليس يتصور أن يضم كتاب مستقل كل الكلمات الخاصة «بالمطر» مثلا دون أن يكون بين هذه الكلمات عدد من المترادفات، كما لا يعقل أن كتاباً يخصص لألفاظ «اللين» دون أن يتضمن قدراً من الترادف. وأوسع هذه الكتب وأشملها هو كتاب المخصص لابن سيده، فهو سبعة عشر مجلدا تضم بين ثناياها أكبر مجموعة من تلك الكلمات المترادفة.

على أن مؤلفي هذه الكتب كانوا يختلفون في نظرتهم لدلالة الألفاظ. فمنهم

ص169

من كان يورد عدة ألفاظ للمعني الواحد، ومنهم من حاول في القليل من الأحيان أن يلتمس فروقاً طفيفة بين معاني هذه الألفاظ، كأن يرتبها ترتيباً تصاعدياً، أو تنازلياً، فيدعي الثعالبي مثلا في كتابه فقه اللغة أن مراتب الصمم هي: في أذنيه وقر، ثم الصمم، ثم الطرش، ثم الصلخ!!

ويبدو من الاستعمال القرآني أن معنى {فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} لا يختلف مطلقاً عن معنى «الأصم» في قوته أو ضعفه مما يجعلنا نتشكك في كثير من تلك الفروق التي ساقها هؤلاء المؤلفون.

ولا نكاد نرى في كتب هؤلاء العلماء شواهد أو نصوصاً قديمة نستدلي منها على ما يمكن أن يكون بين الدلالات من فروق، وأغلب الظن أن ما التمسوه من تلك الفروق لم يكن إلا من وحي خيالهم، أو لعلهم قد عز عليهم أن يروا تلك الكثرة من الألفاظ المترادفة في اللغة العربية، وحسبوها مما يشوه اللغة، أو يوقع فيها الليس والإبهام، فعمدوا إلى بعضها وفرقوا بين دلالاتها دون أن يكون لهم فيما صنعوه أي سند من نصوص اللغة واستعمالاتها. وكان هذا بعد أن استقرت الدولة العربية، وارتقت العقول، وبدأ المفكرون يعنون بدقة المعاني وإحكامها.

ومن الغريب أن يرى ناقداً من النقاد القدماء مثل أبي هلال العسكري وهو من عرف بعنايته بمذهب اللفظية يقول (إن الأثر الأدبي قد يسمو باللفظ وحده إذا كان سامياً، وحسب المعنى أن يكون متوسطا)، فهو مع هذا أو برغم هذا يؤلف لنا كتابا سنعرض لأمثلة منه فيما بعد بسميه «الفروق اللغوية»، وفيه يحاول جهده أن يلتمس فروة دقيقة بين مدلولات بعض الألفاظ المترادفة دون سند من نصوص أو شواهد. وليس عمله في هذا الكتاب إلا عمل الأديب صاحب الخيال الخصيب الذي يري في الأمور ما لا يراه غيره، ويلتمس من ضلال المعاني مالم يخطر على ذهن أصحاب اللغة من القدماء.

فإذا نحن ضممنا الألفاظ التي اعترف بترادفها في تلك الكتب مع مجموعة أخرى من تلك التي التمسوا فيها فروقاً ما أنزل الله بها من سلطان، وجدنا أنفسنا أمام قدر كبير من الكلمات التي انكمشت دلالتها، واقتص من أطرافها فتجمعت في خلية واحدة أو معنى واحد.

وهناك مجموعة صغيرة من الكتب عني فيها مؤلفوها بصيغ الكلمات وبالفروق التي ترجع الى اختلاف الحركات، كمثلثات قطرب التي منها الغَمر=

الماء

ص170

الكثير، الغُمر= الحقد في الصدر، الغِمر= الجاهل. وكذلك كتاب الإعلام بمثلث الكلام لابن مالك وهو مثل مثلثات قطرب، وأيضا بعض ما جاء في كتاب إصلاح المنطق لابن السكيت، وأدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب فعلت وأفعلت للزجاج.. الخ.

وليس يعنينا من هذه الكتب تلك الكلمات التي اختلفت معانيها لاختلاف صيغها «كالغمر» التي وردت في مثلثات قطرب، لأن هذا هو الأصل في الألفاظ، ومثلها هنا مثل كل الكلمات التي لكل منها معنى واحد.

أما التي اختلفت صيغها ومع هذا اتحدّت معانيها كأحزنه وحزنه، أو مثل فخِذ فِخِذ وفخذ وفَخذ، فهذه كلها وليدة التطور الصوتي. ولعل من بين عوامل التطور الصوتي هنا مايمكن إرجاعه الى الأمية أيضاً، والى العناية باللفظ تلك العناية التي يترتب عليها كثرة الشيوع، وكثرة الشيوع والتداول قد يوقع في مثل هذا الانحراف اللفظي، فمثلها مثل العملة الفضية كلما كثر تداولها ساعد ذلك على التغيير في ملامحها. بل قد تتطلب القوافي والأسجاع صورة معينة للكلمة أو حركات خاصة بها، ولا يرى الشاعر أو الناطق بأساً من ذلك التغيير الطفيف في الحركات حرصا على موسيقاه، ورعاية لأنغامه؛ ولم يجد رؤية بأساً في أن يغير «العالم» الى «العألم» ولا الضيق الى «الضيْق»، ولا «الولْق» الى «الولَق» ، حين وقع له مثل هذا في أرجازه، وإن أخذه عليه ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء.

من هذا كله نرى أن العناية بمسموع اللفظ قد أثر في كثير من الدلالات، وأفقدها الدقة والإحكام، والوقوف عند حدودها الأولى، بل لانغالي حين نقول إن العناية بموسيقى الكلام قد سلب معظم الدلالات تلك الدقة وذلك الإحكام حتى في تلك الكلمات التي لها مدلول واحد، وأصبحنا نرى الشعراء يستعملون اللفظ في معني يحوطه بعض الغموض، فلا نكاد تدرك له حدوداً، مما يمكن أن يوصف معه بميوعة الدلالة أو عدم استقرارها.

ص171

_________________

(1) انظر كتاب «اللهجات العربية» ص 162- 203.

(2) ج 2 من مجلة لمجمع اللغوي ص 288.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.