المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

العطف على عاملين
2024-09-15
دعاء للرعاف.
4-1-2023
إنتاج مثبط تخثر الدم Hirudin
20-9-2016
محمد بن علي بن محمد بن جُهيم
7-8-2016
الخصائص المعمارية لمدينة سامراء
2024-07-31
رعمسيس (عمال الجبانة الملكية)
2024-08-22


تفسير الاية (29-50) من سورة المرسلات  
  
4326   10:43 صباحاً   التاريخ: 15-2-2018
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة المرسلات /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-2-2018 4327
التاريخ: 15-2-2018 11034

قال تعالى : {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [المرسلات: 29 - 50].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

بين سبحانه ما يقال لهم جزاء على تكذيبهم فقال {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} أي تقول لهم الخزنة اذهبوا وسيروا إلى النار التي كنتم تجحدونها وتكذبون بها ولا تعترفون بصحتها في الدنيا والانطلاق الانتقال من مكان إلى مكان من غير مكث ثم ذكر الموضع الذي أمرهم بالانطلاق إليه فقال {انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب} أي نار لها ثلاث شعب سماها ظلا لسواد نار جهنم وقيل هو دخان جهنم له ثلاث شعب تحيط بالكافر شعبة تكون فوقه وشعبة عن يمينه وشعبة عن شماله وسمي الدخان ظلا كما قال أحاط بهم سرادقها أي من الدخان الآخر بالأنفاث عن مجاهد وقتادة وقيل يخرج من النار لسان فيحيط بالكافر كالسرادق فيتشعب ثلاث شعب فيكون فيها حتى يفرغ من الحساب.

 ثم وصف سبحانه ذلك الظل فقال {لا ظليل} أي غير مانع من الأذى بستره عنه ومثله الكنين فالظليل من الظلة وهي السترة والكنين من الكن فظل هذا الدخان لا يغني الكفار شيئا من حر النار وهو قوله {ولا يغني من اللهب} واللهب ما يعلو على النار إذا اضطرمت من أحمر وأصفر وأخضر يعني أنهم إذا استظلوا بذلك الظل لم يدفع عنهم حر اللهب ثم وصف سبحانه النار فقال {إنها ترمي بشرر} وهوما يتطاير من النار في الجهات {كالقصر} أي مثله في عظمه وتخويفه تتطاير على الكافرين من كل جهة نعوذ بالله منه وهو واحد القصور من البنيان عن ابن عباس ومجاهد والعرب تشبه الإبل بالقصور قال الأخطل :

كأنه برج رومي يشيده *** لز بجص وآجر وأحجار(2)

قال عنترة :

فوقفت فيها ناقتي وكأنها **** فدن لأقضي حاجة المتلوم(3)

والفدن القصر وقيل كالقصر أي كأصول الشجر العظام عن قتادة والضحاك وسعيد بن جبير ثم شبهه في لونه بالجمالات الصفر فقال {كأنه جمالت صفر} أي كأنها أينق سود لما يعتري سوادها من الصفرة عن الحسن وقتادة قال الفراء لا ترى أسود من الإبل إلا وهو مشرب صفرة ولذلك سمت العرب سود الإبل صفراء وقيل هومن الصفرة لأن النار تكون صفراء عن الجبائي {ويل يومئذ للمكذبين} بنار هذه صفتها.

{هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون} قيل في معناه قولان {أحدهما} أنهم لا ينطقون بنطق ينتفعون به فكأنهم لم ينطقوا {والثاني} أن في القيامة مواقف ففي بعضها يختصمون ويتكلمون وفي بعضها يختم على أفواههم ولا يتكلمون وعن قتادة قال جاء رجل إلى عكرمة قال أ رأيت قول الله تعالى {هذا يوم لا ينطقون} وقوله ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون فقال إنها مواقف فأما موقف منها فتكلموا واختصموا ثم ختم على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم فحينئذ لا ينطقون وأجاز النحويون {هذا يوم لا ينطقون} بالنصب على أنه يشير إلى الجزاء ولا يشير إلى اليوم وقوله {فيعتذرون} رفع عطفا على قوله {ولا يؤذن لهم} تقديره فلا يعتذرون ولو قيل فلا يعتذروا فنصب لكان المعنى أن الإذن سبب لعذرهم ولكن المعنى لا يؤذن لهم في الاعتذار فهم لا يعتذرون.

 {ويل يومئذ للمكذبين} بهذا الخبر {هذا يوم الفصل} بين أهل الجنة والنار وقيل هذا يوم الحكم والقضاء بين الخلق والانتصاف للمظلوم من الظالم وفصل القضاء يكون في الآخرة على ظاهر الأمر وباطنه بخلاف الدنيا لأن القاضي يحكم على ظاهر الأمر في الدنيا ولا يعرف البواطن {جمعناكم والأولين} يعني مكذبي هذه الأمة مع مكذبي الأمم قبلها يجمع الله سبحانه الخلائق في يوم واحد وفي صعيد واحد {فإن كان لكم كيد فكيدون} أي إن كانت لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم وقيل إن هذا توبيخ من الله تعالى للكفار وتقريع لهم وإظهار لعجزهم عن الدفع عن أنفسكم فضلا عن أن يكيدوا غيرهم وإنما هو على أنكم كنتم تعملون في دار الدنيا ما يغضبني فالآن عجزتم عن ذلك وحصلتم على وبال ما عملتم {ويل يومئذ للمكذبين} بهذا .

وقوله تعالى : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فى ظِلَل وعُيُون(41) وفَوَكِهَ مِمَّا يَشتهُونَ(42) كلُوا واشرَبُوا هَنِيئَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(43) إِنَّا كَذَلِك نجْزِى المُْحْسِنِينَ(44) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(45) كلُوا وتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكم مجْرِمُونَ(46) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(47) وإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ(48) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(49) فَبِأَى حَدِيثِ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}

ثم ذكر سبحانه المؤمنين فقال {إن المتقين} الذين اتقوا الشرك والفواحش {في ظلال} من أشجار الجنة {وعيون} جارية بين أيديهم في غير أخدود لأن ذلك أمتع لهم بما يرونه من حسن مياهها وصفائها وقيل عيون أي ينابيع بما يجري خلال الأشجار {وفواكه} جمع فاكهة وهي ثمار الأشجار {مما يشتهون} أي من جنس ما يشتهونه والشهوة معنى في القلب إذا صادف المشتهى كان لذة وضدها النفار ثم يقال لهم {كلوا واشربوا} صورته صورة الأمر والمراد الإباحة وقيل إنه أمر على الحقيقة وهو سبحانه يريد منهم الأكل والشرب في الجنة فإنهم إذا أعلموا ذلك ازداد سرورهم فلا يكون إرادته لذلك عبثا {هنيئا بما كنتم تعملون} في دار الدنيا أي خالصا من التكدير والهنيء النفع الخالص من شائب الأذى وقيل هو الأذى الذي لا أذى يتبعه.

 {إنا كذلك نجزي المحسنين} هذا ابتداء الإخبار من الله تعالى ويقال لهم ذلك أيضا {ويل يومئذ للمكذبين} بهذا الوعد ، ثم عاد الكلام إلى ذكر المكذبين فقال سبحانه {كلوا} أي يقال لهم كلوا {وتمتعوا} في الدنيا {قليلا} أي تمتعا قليلا أو زمانا قليلا فإن الموت كائن لا محالة {إنكم مجرمون} أي مشركون مستحقون للعقاب {ويل يومئذ للمكذبين} بهذا الوعيد.

 {وإذا قيل لهم اركعوا} أي صلوا {لا يركعون} أي لا يصلون قال مقاتل نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله بالصلاة فقالوا لا ننحني والرواية لا نحني فإن ذلك سبة علينا فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا خير في دين ليس فيه ركوع وسجود وقيل إن المراد بذلك يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون عن ابن عباس {ويل يومئذ للمكذبين} بوجوب الصلاة والعبادات {فبأي حديث بعده يؤمنون} أي فبأي كتاب بعد القرآن يصدقون ولم يصدقوا به مع إعجازه وحسن نظمه فإن من لم يؤمن به مع ما فيه من الحجة الظاهرة والآية الباهرة لا يؤمن بغيره .

_____________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص234-236.

2- از الشيء بالشيء . شده والصقه.

3- التلوم: الانتظار .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} . كذبوا بعذاب اللَّه ، بل سخروا منه وممن توعدهم به . . وغدا تقول لهم زبانية جهنم في سخرية وتهكم تماما كما تهكموا من قبل برسلهم ، تقول لهم : اذهبوا الآن إلى ما كنتم تهزؤون {انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} من دخان جهنم : شعبة تظللهم من فوق رؤوسهم ، وثانية عن يمينهم ، وثالثة عن شمالهم {لا ظَلِيلٍ ولا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} . هو ظل ، ولكنه لا يقي المستظلين به من عذاب الحريق ، بل يزيدهم عذابا على عذاب ، ومثله {وظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بارِدٍ ولا كَرِيمٍ} - 44 الواقعة . {إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَةٌ صُفْرٌ} . ضمير انها يعود إلى جهنم ، وجمالة جمع جمل ، والمعنى ان شرر جهنم يتطاير ويملأ الفضاء ، وكل شرارة كالقصر حجما ، والجمل الأصفر لونا .

{هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ ولا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} . الضمير للمجرمين . . وللعباد يوم القيامة مواقف يؤذن لهم بالكلام في بعضها دون بعض . انظر تفسير الآية 65 من سورة يس ج 6 ص 421 . وقيل في معنى الآية : ان المجرمين لا ينطقون بما ينفعهم ، ولا عذر لهم عند اللَّه {هذا يَوْمُ الْفَصْلِ} يفصل فيه بالحق بين الخلائق {جَمَعْناكُمْ والأَوَّلِينَ} من المجرمين أمثالكم وحشرناكم جميعا في موقف واحد لنقاش يوم الحساب . ثم تساقون إلى مقر واحد هو جهنم وبئس القرار {فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} . هذه هي نهايتكم ، فان كان لديكم حيلة أو وسيلة تمتنعون بها من العذاب فأتوا بها . . . وفيه تقريع وتوبيخ على مكرهم وخداعهم في الحياة الدنيا .

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وعُيُونٍ وفَواكِهً مِمَّا يَشْتَهُونَ} . هذا على عادة القرآن الكريم ، يقرن عذاب المجرمين بثواب المتقين لغرض الترغيب والترهيب . .

فللمجرمين ظلال من دخان جهنم ، وللمتقين ظلال من نعيم الجنة ، وعيون جارية وفواكه متنوعة مع الكرامة والمهابة من العلي الأعلى ، من ذلك قول الملائكة لهم :

{كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . تقدم مثله بالحرف الواحد في الآية 19 من سورة الطور {كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} . هذه هي سنتنا في الخلق {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} - 30 الكهف .

{كُلُوا وتَمَتَّعُوا قَلِيلًا} . الخطاب للمجرمين ، والمراد به التهديد والوعيد ، ومعناه تمتعوا في حطام الدنيا كما تشاؤن ، فما هي إلا أيام قلائل ، ثم تزول المتعة كما يزول السراب {إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} وسنّة اللَّه في المجرمين ان يمهلهم قليلا ثم يذيقهم عذاب السعير {وإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} . إذا أمرهم الرسول بالخشوع والتواضع للَّه أصروا على الزهو والكبرياء . قال الشيخ عبد القادر المغربي عند تفسير هذه الآية : {روي ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) سأل هند زوجة أبي سفيان بعد أن أسلمت يوم الفتح : كيف رأيت الإسلام ؟ قالت : حسن لولا ثلاث . قال :

وما هنّ ؟ قالت : التجبية - أي الركوع والسجود في الصلاة - والخمار ، ورقيّ هذا العبد الأسود على الكعبة - تريد بلالا وأذانه من على الكعبة - فأجابها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) بقوله : أما التجبية فلا صلاة من دونه ، وأما الخمار فهو أحسن ستر ، وأما الأسود فنعم العبد هو} .

{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} . ان عظمة اللَّه سبحانه تتجلى في القرآن تماما كما تتجلى في الكون ، فمن لم يقتنع وينتفع بالقرآن فلا يقنعه شيء . وتقدم بالحرف الواحد في الآية 185 من سورة الأعراف ج 3 ص 429 .

____________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص491-493.

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} حكاية لما يقال لهم يوم الفصل والقائل هو الله سبحانه بقرينة قوله في آخر الآيات: {إن كان لكم كيد فكيدون} والمراد بما كانوا به يكذبون: جهنم، والانطلاق الانتقال من مكان إلى مكان من غير مكث، والمعنى يقال لهم: انتقلوا من المحشر من غير مكث إلى النار التي كنتم تكذبون به.

قوله تعالى: {انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب} ذكروا أن المراد بهذا الظل ظل دخان نار جهنم قال تعالى: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ } [الواقعة: 43].

وذكروا أن في ذكر انشعابه إلى ثلاث شعب إشارة إلى عظم الدخان فإن الدخان العظيم يتفرق تفرق الذوائب.

قوله تعالى: {لا ظليل ولا يغني من اللهب} الظل الظليل هو المانع من الحر والأذى بستره على المستظل فكون الظل غير ظليل كونه لا يمنع ذلك، واللهب ما يعلو على النار من أحمر وأصفر وأخضر.

قوله تعالى: {إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر} ضمير أنها للنار المعلومة من السياق، والشرر ما يتطاير من النار، والقصر معروف، والجمالة جمع جمل وهو البعير.

والمعنى ظاهر.

قوله تعالى: {هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون} الإشارة إلى يوم الفصل، والمراد بالإذن الإذن في النطق أوفي الاعتذار.

وقوله: {فيعتذرون} معطوف على {يؤذن} منتظم معه في سلك النفي، والمعنى هذا اليوم يوم لا ينطقون فيه أي أهل المحشر من الناس ولا يؤذن لهم في النطق أوفي الاعتذار فلا يعتذرون، ولا ينافي نفي النطق هاهنا إثباته في آيات أخر لأن اليوم ذو مواقف كثيرة مختلفة يسألون في بعضها فينطقون ويختم على أفواههم في آخر فلا ينطقون.

وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [هود: 105] فليراجع.

قوله تعالى: {هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون} سمي يوم الفصل لما أن الله تعالى يفصل ويميز فيه بين أهل الحق وأهل الباطل بالقضاء بينهم قال تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [السجدة: 25] ، وقال: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: 93].

والخطاب في قوله: {جمعناكم والأولين} لمكذبي هذه الأمة بما أنهم من الآخرين ولذا قوبلوا بالأولين قال تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ } [هود: 103] وقال {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف: 47].

وقوله: {فإن كان لكم كيد فكيدون} أي إن كانت لكم حيلة تحتالون بي في دفع عذابي عن أنفسكم فاحتالوا، وهذا خطاب تعجيزي منبىء عن انسلاب القوة والقدرة عنهم يومئذ بالكلية بظهور أن لا قوة إلا لله عز اسمه قال تعالى: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ } [البقرة: 165، 166].

والآية أعني قوله: {إن كان لكم كيد فكيدون} أوسع مدلولا من قوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33] لاختصاصه بنفي القدرة على الفرار بخلاف الآية التي نحن فيها وفي قوله: {فكيدون} التفات من التكلم مع الغير إلى التكلم وحده والنكتة فيه أن متعلق هذا الأمر التعجيزي إنما هو الكيد لمن له القوة والقدرة فحسب وهو الله وحده ولو قيل: فكيدونا فأت الإشعار بالتوحد.

قوله تعالى: {إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون - إلى قوله - المحسنين} الظلال والعيون ظلال الجنة وعيونها التي يتنعمون بالاستظلال بها وشربها، والفواكه جمع فاكهة وهي الثمرة.

وقوله: {كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون} مفاده الإذن والإباحة، وكان الأكل والشرب كناية عن مطلق التنعم بنعم الجنة والتصرف فيها وإن لم يكن بالأكل والشرب، وهو شائع كما يطلق أكل المال على مطلق التصرف فيه.

وقوله: {إنا كذلك نجزي المحسنين} تسجيل لسعادتهم.

قوله تعالى: {كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون} الخطاب من قبيل قولهم: افعل ما شئت فإنه لا ينفعك، وهذا النوع من الأمر إياس للمخاطب أن ينتفع بما يأتي به من الفعل للحصول على ما يريده، ومنه قوله: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } [طه: 72] ، وقوله: { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40] .

فقوله: {كلوا وتمتعوا قليلا} أي تمتعا قليلا أو زمانا قليلا إياس لهم من أن ينتفعوا بمثل الأكل والتمتع في دفع العذاب عن أنفسهم فليأكلوا وليتمتعوا قليلا فليس يدفع عنهم شيئا.

وإنما ذكر الأكل والتمتع لأن منكري المعاد لا يرون من السعادة إلا سعادة الحياة الدنيا ولا يرون لها من السعادة إلا الفوز بالأكل والتمتع كالحيوان العجم قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ } [محمد: 12].

وقوله: {إنكم مجرمون} تعليل لما يستفاد من الجملة السابقة المشتملة على الأمر أي لا ينفعكم الأكل والتمتع قليلا لأنكم مجرمون بتكذيبكم بيوم الفصل وجزاء المكذبين به النار لا محالة.

قوله تعالى: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} المراد بالركوع الصلاة كما قيل ولعل ذلك باعتبار اشتمالها على الركوع.

وقيل: المراد بالركوع المأمور به الخشوع والخضوع والتواضع له تعالى باستجابة دعوته وقبول كلامه واتباع دينه، وعبادته.

وقيل: المراد بالركوع ما يؤمرون بالسجود يوم القيامة كما يشير إليه قوله تعالى {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] والوجهان لا يخلوان من بعد.

ووجه اتصال الآية بما قبلها أن الكلام كان مسوقا لتهديد المكذبين بيوم الفصل وبيان تبعة تكذيبهم به وتمم ذلك في هذه الآية بأنهم لا يعبدون الله إذا دعوا إلى عبادته كما ينكرون ذلك اليوم فلا معنى للعبادة مع نفي الجزاء، وليكون كالتوطئة لقوله الآتي: {فبأي حديث بعده يؤمنون}.

ونسب إلى الزمخشري أن الآية متصلة بقوله في الآية السابقة: {للمكذبين} كأنه قيل: ويل يومئذ للذين كذبوا والذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون.

وفي الآية التفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله: {وإذا قيل لهم} إلخ وجهه الإعراض عن مخاطبتهم بعد تركهم وأنفسهم يفعلون ما يشاءون بقوله: {كلوا وتمتعوا}.

قوله تعالى: {فبأي حديث بعده يؤمنون} أي إذا لم يؤمنوا بالقرآن وهو آية معجزة إلهية، وقد بين لهم أن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأن أمامهم يوم الفصل بأوضح البيان وساطع البرهان فبأي كلام بعد القرآن يؤمنون.

وهذا إيئاس من إيمانهم بالله ورسوله واليوم الآخر وكالتنبيه على أن رفع اليد عن دعوتهم إلى الإيمان بإلقاء قوله: {كلوا وتمتعوا} إليهم في محله فليسوا بمؤمنين ولا فائدة في دعوتهم غير أن فيها إتماما للحجة.

____________________
1- الميزان ، الطبرسي ، ج20 ، ص134-137.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لا قدرة لهم للدفاع ولا طريقاً للفرار

في هذه الآيات تبيان لمصير المكذبين بيوم القيامة، والمنكرين لتلك المحكمة الإلهية العادلة، تبيان يدخل الرعب والرهبة في قلب الإنسان، ويوضح أبعاد الفاجعة، يقول تعالى: {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون}، انطلقوا إلى جهنّم التي طالما كنتم تستهزئون بها، توجهوا إلى أنواع العذاب التي هيئتموها بأعمالكم السيئة.

(انطلقوا): من مادة (إنطلاق) وهو الإنتقال من غير مكث، ويظهر منه كذلك الحرية المطلقة، وهذا في الحقيقة توضيح لحالهم في عرصة المحشر إذ يوقفوهم للحساب مدّة طويلة، ثمّ يتركونهم ويقال لهم: انطلقوا إلى جهنّم من غير مكث أو توقف. ومن الممكن أن يكون المتكلم هنا هو الله تعالى، أو ملائكة العذاب، وعلى كلّ حال فإنّه سياق ممزوج بالتوبيخ الشديد الذي يعتبر بحدّ ذاته عذاباً مؤلماً.

ثمّ يعمد إلى مزيد من التوضيح حول هذا العذاب، فيقول سبحانه:{انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب}: توجهوا نحو ظلّ من دخان خانق له ثلاث شعب: شعبة من الاعلى، وشعبة من الجهة اليمنى، وشعبة من الجهة اليسرى، وعلى هذا الأساس فإنّ دخان النّار المميت هذا يحيط بهم من كل جانب ويحاصرهم.

ثمّ يقول تعالى: {لا ظليل ولا يغني من اللهب} فليس في هذا الظل راحة، ولا يمنع من الإحتراق بالنّار لأنّه نابع من النّار.

وربّما كان التعبير بـ (ظل) سبباً لتصور وجود الظل الذي يخفف من حرارة النّار، ولكنّ هذه الآية تنفي هذا التصور وتقول: ليس هذا الظل كما تتصورون، أنّه ظل محرق وخانق، وناتج من دخان النّار الغليظ الذي يعكس حرارة اللهب بصورة كاملة (2) ويشهد على هذا الحديث قوله تعالى في سورة الواقعة حول أصحاب الشمال: {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ } [الواقعة: 42 - 44]

وقيل: إنّ هذه الشعب الثلاث هي انعكاس للتكذيبات الثلاثة لأساس الدين، وهي التوحيد والنبوّة والمعاد، لأنّ تكذيب المعاد لا ينفصل عن التكذيب بالنبوّة والتوحيد، وقيل، إنّها إشارة إلى مبادىء الذنوب الثلاثة: القوّة الغضبية والشهوية والوهمية، نعم، إنّ ذلك الدخان المظلم تجسيد لظلمات الشهوات.

ثمّ يضيف وصفاً آخر لتلك النار المحرقة: {إنّها ترمي بشرر كالقصر}(3)ليس كشرر نار هذه الدنيا التي لا تكون أحياناً إلاّ بمقدار رأس الإبرة، التعبير بـ «القصر» هنا تعبير مليء بالمعنى، وربّما يتوهّم أحد أنّه لوقيل شررٌ كالجبل كان أنسب، ولكن لا ينبغي نسيان أنّ الجبال كما أُشير إليها في الآيات السابقة هي أساس أنواع البركات وعيون المياه العذبة والسائغة، ولكن قصور الظالمين هي التي تكون منشأ للنيران المحرقة والشرر المتطاير منها(4).

ثمّ ينتهي في الآية الأُخرى إلى وصف آخر من أوصاف هذه النّار المحرقة، فيقول تعالى: {كأنّه جمالت صفر}(5).

«جماله»: جمع «جمل»، وهو البعير(مثل الحجر والحجارة) و«صفر» ـ على وزن قفل ـ جمع أصفر ويطلق أحياناً على اللون الداكن المائل إلى الأسود، ولكنّ الأوّل يبدو أنسب، لأنّ شرر النّار يكون أصفر مائلاً إلى الحمرة، وفي الآية السابقة شبّه حجم الشرر بالقصر الكبير، وفي هذه الآية من حيث الكثرة واللون والسرعة والحركة والتفرق لجميع الجهات شبهها بمجموعة من الجمال الصفر المتجهة إلى كل صوب.

وإذا كان الشرر هكذا، فكيف بنفس النّار المحرقة، وما جعل من العذاب الأليم في تلك النّار؟!

ويعود مرة أُخرى في آخر قسم من الآيات لينبّه بذلك التنبيه المكرر، فيقول: {ويل يومئذ للمكذبين}.

ثمّ يبدأ فصلاً آخر من علامات ذلك اليوم المهول، فيضيف تعالى: {هذا يوم لا ينطقون}(6).

نعم إنّ الله يختم في ذلك اليوم على أفواه المجرمين والمذنبين كقوله في الآية (65) من سورة يس: {اليوم نختم على أفواههم}، وكذلك ما ورد في آخرها: {فتكلمنا أيديهم وأرجلهم} وطبقاً لآيات أُخر فإنّ جلودهم تبدأ بالتكلم وتكشف عن جميع الخفايا.

ثمّ يضيف تعالى في القول:{ولا يؤذن لهم فيعتذرون}(7) ليس لهم الرخصة في الكلام، ولا في الإعتذار والدفاع عن أنفسهم، لأنّ الحقائق واضحة هناك، وليس لديهم ما يقولوه، نعم يجب أن يعاقب هذا اللسان الذي أساء الإستفادة من الحرية وسعى في تكذيب الأنبياء، والإستهزاء بالأولياء، وإبطال الحق وإحقاق الباطل.. يجب أن يعاقب على أعماله بالإقفال والختم، لإبطال مفعوله، وهذا عذاب شديد وأليم بحدّ ذاته أن لا يتمكن الإنسان هناك من الدفاع عن نفسه أو الإعتذار.

روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «الله أجل وأعدل وأعظم من أن يكون لعبده عذر ولا يدعه يعتذر به، لكنه فلج فلم يكن له عذر»(8).

وبالطبع يستفاد من بعض الآيات القرآنية أنّ المجرمين يتحدثون أحياناً في يوم القيامة، وقد ذكرنا السبب فيما سبق أنّ ذلك لتعدد المواقف في يوم القيامة، ففي بعض المواقف يتوقف اللسان ويبدأ دور الأعضاء بالشهادة، وأحياناً أُخرى ينطق اللسان بكلمات الحسرة والندم والأسف الشديد.

ثمّ يكرر تعالى في نهاية هذا المقطع قوله: {ويل يومئذ للمكذّبين}.

في المقطع الآخر يوجه الخطاب إلى المجرمين ليحكي عمّا يجري في ذلك اليوم فيقول تعالى: (هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين) جمعنا في هذا اليوم جميع البشر من دون استثناء للحساب، وفصل الخصام في هذه العرصة والمحكمة العظمى.

ويقول: والآن إذا كان لكم قدرة على الفرار من العقاب فاعملوا ما بدا لكم: {فإن كان لكم كيدٌ فكيدون}(9).

هل يمكنكم الهرب من دائرة نفوذ حكومتي؟

أوهل يمكنكم التغلّب على قدرتي؟

أوهل تستطيعون دفع الفدية لتتحرروا؟

أو أنّ لكم القدرة على أن تخدعوا الملائكة الموكلين بكم وبحسابكم؟

اعملوا ما بدا لكم ولكن اعلموا أنّكم لا تستطيعون!!

في الحقيقة إنّه أمرٌ تعجيزي، أي أنّ الإنسان يعجز أمام هذا الأمر، كالذي جاء في شأن القرآن المجيد حيث يقول تعالى: {إن كنتم في ريب ممّا نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله}.

(كيد): على وزن (صيد) يقول الراغب في مفرداته: هو نوع من الإحتيال، ويكون أحياناً مذموماً، وأحياناً ممدوحاً، وإن كان الغالب استعماله في الذم (كما هو الحال في الآية محل بحثنا).

ومن الطبيعي أنّهم لم يستطيعوا شيئاً في ذلك اليوم، لأنّ ذلك اليوم تنقطع فيه جميع الأسباب والوسائل أمام الإنسان، كما ورد في الآية (166) من سورة البقرة: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: 166].

والملاحظ أنّه يقول من جهة: ذلك اليوم (يوم الفصل) ومن جهة أُخرى يقول: ذلك اليوم (يوم الجمع) وكلاهما يتحققان في وقت واحد، فيجمعون أوّلاً في تلك المحكمة العظيمة، ثمّ يفصلون كل حسب عقيدته وعمله في صفوف مختلفة، حتى الذين ينطلقون إلى الجنان فإنّ لهم صفوفاً ودرجات، والمتوجهون جهنّم أيضاً لهم صفوف ودركات مختلفة، نعم إنّ ذلك اليوم هو يوم فصل الحق عن الباطل، والظالم عن المظلوم.

ثمّ أنّه تعالى أعاد تلك الجملة المهددة والمنبّهة مرّة أُخرى، وقال: {ويل يومئذ للمكذبين}.

وقوله تعالى :{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى ظِلَل وَعُيُون(41) وفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42)كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ(44) وَيْلٌ يَوْمَئِذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(45) كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ(46) وَيْلٌ يَوْمَئِذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ(48) وَيْلٌ يَوْمَئِذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(49) فَبِأىِّ حَدِيث بَعْدَه يُؤْمِنُونَ}

إن لم يؤمنوا بالقرآن فبأيّ حديث يؤمنون؟!

من المعلوم في منهج القرآن أنّه يمزج الإنذار بالبشارة، والتهديد بالترغيب، وكذلك يذكر مصير المؤمنين في مقابل مصير المجرمين لفهم المسائل بصورة أكثر بقرينة المقابلة، وعلى أساس هذه السنّة المتّبعة في القرآن، فإنّ هذه الآيات وبعد بيان العقوبات المختلفة للمجرمين في القيامة، أشارت بصورة مختصرة وبليغة إلى وضع المتقين في ذلك اليوم فيقول تعالى: {إنّ المتقين في ظلال وعيون}.

والحال أنّ المجرمين كما علم من الآيات السابقة هم في ظل الشرر وحرقة الدخان المميت.

(ظلال): جمع «ظل» سواء كان ظلاً كظل الأشجار في النهار، أو الظل الحاصل من ظلام الليل، والحال أنّ «الفيء» يقال فقط للظل الحاصل من النور، كظل الأشجار المقابل للشمس.

ثمّ يضيف: {وفواكه ممّا يشتهون}.

من الواضح أنّ ذكر «الفواكه» و«الظلال» و«العيون» إشارة إلى جانب من المواهب الإلهية العظيمة المعطاة إلى أهل الجنان.. جانب يمكن بيانه ورسمه بلسان أهل الدنيا، وأمّا ما لا يمكن حصره بالبيان، ولم يخطر ببال أهل الدنيا فهو أعلى من هذه المراتب وأفضل.

والظريف أنّهم في هذا المضيف الإلهي يستضافون بأحسن الوجوه، كما هو الحال في الآية التالية إذ يقول لهم: {كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون} هذه الجملة سواء كانت خطاباً من الله بشكل مباشر، أو بوسيلة الملائكة تقال لهم مشفوعة باللطف والمحبّة التي هي غذاء لروحهم.

وعبارة (بما كنتم تعملون) إشارة إلى أنّ هذه المواهب لا تعطى لأيّ كان من دون عمل، ولا يمكن حصولها بالإِدعاء والتخيل والتصور، وإنّما يمكن نيلها والحصول عليها بالأعمال الصالحة فقط.

(هنيء): على وزن (صبيح) ويقول الراغب في مفرداته: هو كل شيء ليست فيه مشقة ولا يستتبعه قلق، ولذا يقال للماء والغذاء السائغ (هنيء)، ويطلق أحياناً على الحياة السعيدة.

وهذا إشارة إلى أنّ فواكه الجنّة وأغذيتها وأشربتها ليست كأغذية الدنيا وأشربتها التي تترك أحياناً آثاراً سيئة في البدن، أو تترك أعراضاً غير مُرْضية.

وهناك اختلاف بين المفسّرين في أنّ هذه الآية تبيان لإباحة الإستفادة من هذه النعم، أم أنّه أمرٌ من الله تعالى؟ ولكن يجب أن يلاحظ أنّ مثل هذه الأوامر التي تقال عند الإستقبال هو نوع من الطلب للشخص المضيّف، وأنّها تقال لتعظيم الضيوف واحترامهم، والمضيّف يحب أن يُؤكل طعامه أكثر لإكرام ضيفه أكثر.

ثمّ تؤكد الآية الأُخرى على مسألة النعم وأنّها لا تمنح اعتباطاً فيضيف: {إنا كذلك نجزي المحسنين}.

الظريف أنّ في الآية الأُولى تأكيد على «التقوى»، وفي الآية التي تليها تأكيد على «العمل»، وأمّا في هذه الآية فقد أكّد على «الإحسان».

(التقوى): هي اتّقاء واجتناب الذنوب والفساد والشرك والكفر، و«الإحسان» هو أداء كل عمل حسن، و«العمل» يتعلق بالأعمال الصالحة، ليتضح أنّ منهج النعم الإلهية مرتبط بهذه الجماعة فقط، وليس بمن يدعي الإيمان الكاذب، والملوثين بأنواع الفساد، وإن كانوا في الظاهر من أهل الإيمان.

وفي نهاية هذا المقطع يعيد تلك الآية: {ويل يومئذ للمكذبين} الويل لمن يُحْرَم من كل هذه النعم والألطاف، إذ أنّ عذاب حسرات هذا الحرمان ليس بأقل من نيران الجحيم المحرقة!

وبما أنّ إحدى عوامل إنكار المعاد الإهتمام بلذّات الدنيا الزائلة والميل إلى الحرية المطلقة للإنتفاع بهذه اللذّات، ويتوجه بالحديث في الآية التالية إلى المجرمين بلحن تهديدي فيقول: كلوا وتمتعوا بالملذات الدنيوية في هذه الأيّام القلائل، ولكن اعلموا أن العذاب الإلهي ينتظركم، لأنّكم مجرمون: {كلوا وتمتعوا قليلاً إنّكم مجرمون}.

وقد يكون التعبير بـ (قليلاً) إشارة إلى مدّة عمر الإنسان القصيرة في الدنيا، وكذا المواهب الدنيوية التافهة مقابل النعم الأُخروية اللامتناهية، إلاّ أنّ بعض المفسّرين يرى أنّ هذا الخطاب هو للمجرمين في الآخرة، ولكن الإلتفات إلى أنّ الآخرة ليس فيها متع من مواهب الحياة للمجرمين ليتمتعوا بها، فينبغي القول بأنّ هذا الخطاب موجّه لهم في الدنيا.

في الحقيقة أنّ المتقين يستضافون في الآخرة بكامل الإحترام والتقدير، ويخاطبون بهذه الجملة المليئة باللطف والحنان: {كلوا واشربوا هنيئاً} وأمّا عبيد الدنيا فإنّهم يخاطبون بجملة تهديدية في هذه الدنيا: {كلوا وتمتعوا قليلاً}.

يقول للمتقين: (بما كنتم تعملون) ويقول لهؤلاء أيضاً: {إنّكم مجرمون}(10).

وعلى كل حال فإنّها تشير إلى أنّ مصدر العذاب الإلهي هو عمل الإنسان وذنبه، الناشيء من عدم الإيمان أو الأسر في قبضة الشهوات.

ثمّ يكرر التهديد بجملة: {ويل يومئذ للمكذّبين} هم أُولئك الذين غُرّروا وخدعوا بزخارف الدنيا ولذاتها وشهواتها واشتروا عذاب الله.

وأشار في الآية الأُخرى إلى عامل آخر من عوامل الإنحراف والتعاسة والتلوث، وقال: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون}.

قال كثير من المفسّرين: إنّ هذه الآية نزلت في «ثقيف» حين أمرهم النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلاة فقالوا: لا ننحني فإنّ ذلك سبّة علينا، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «لا خير في دين ليس فيه ركوع وسجود»(11).

إنّهم لم يأبوا الركوع والسجود فحسب، بل إنّ روح الغرور والكِبَر هذه كانت منعكسة على جميع أفكارهم وحياتهم، فما كانوا يسلّمون لله، ولا لأوامر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يقرّون بحقوق الناس، ولا يتواضعون لله تعالى وللناس.

في الحقيقة أنّ هذين العاملين (الغرور وحب الشهوة) من أهم عوامل هذا الخطاب موجّه لهم في الدنيا.

في الحقيقة أنّ المتقين يستضافون في الآخرة بكامل الإحترام والتقدير، ويخاطبون بهذه الجملة المليئة باللطف والحنان: {كلوا واشربوا هنيئا} وأمّا عبيد الدنيا فإنّهم يخاطبون بجملة تهديدية في هذه الدنيا: {كلوا وتمتعوا قليلاً}.

يقول للمتقين: (بما كنتم تعملون) ويقول لهؤلاء أيضاً: {إنّكم مجرمون}(12).

وعلى كل حال فإنّها تشير إلى أنّ مصدر العذاب الإلهي هو عمل الإنسان وذنبه، الناشيء من عدم الإيمان أو الأسر في قبضة الشهوات.

ثمّ يكرر التهديد بجملة: {ويل يومئذ للمكذّبين} هم أُولئك الذين غُرّروا وخدعوا بزخارف الدنيا ولذاتها وشهواتها واشتروا عذاب الله.

وأشار في الآية الأُخرى إلى عامل آخر من عوامل الإنحراف والتعاسة والتلوث، وقال: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون}.

قال كثير من المفسّرين: إنّ هذه الآية نزلت في «ثقيف» حين أمرهم النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلاة فقالوا: لا ننحني فإنّ ذلك سبّة علينا، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «لا خير في دين ليس فيه ركوع وسجود»(13).

إنّهم لم يأبوا الركوع والسجود فحسب، بل إنّ روح الغرور والكِبَر هذه كانت منعكسة على جميع أفكارهم وحياتهم، فما كانوا يسلّمون لله، ولا لأوامر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يقرّون بحقوق الناس، ولا يتواضعون لله تعالى وللناس.

في الحقيقة أنّ هذين العاملين (الغرور وحب الشهوة) من أهم عوامل الإجرام والذنب والكفر والظلم والطغيان.

_________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص660-668.

2 ـ (لا ظليل): صفة لـ (ظل) ولهذا جاء مجروراً.

3 ـ (شرر): على وزن (ضرر) جمع شرارة، وهوما يتطاير من النّار، وأخذت من مادة (الشر).

4 ـ نقل بعض المفسّرين كالفخر الرازي عن ابن عباس في تفسير «القصر» فقال: أعواد في الصحراء كانوا يقطعونها ثمّ يجمعوها ويضعوها فوق بعض للشتاء (لا يستبعد هذا التفسير أيضاً وذلك لما كانوا يشبهون الأعواد المجموعة والمتراصة بالقصر العالي).

5 ـ لعلّ ضمير (كان) يعود على (قصر) أو إلى (الشرر) وبما أنّ (شرر) بصيغة الجمع فلا يمكن ذلك من دون تأويل إلاّ أن نجعل (شرر) اسم جمع.

6 ـ يجب الإلتفات إلى أن (يوم) هنا غير مُنَوَّن، لأنه أُضيف إلى مفهوم الجملة (لا ينطقون).

7 ـ قد يتساءل عن السبب في كون جملة (فيعتذرون) مرفوعة في حين أن القاعدة تنص على النصب وحذف النون، قيل: أنّهم تركوا الإعتذار، لأنّهم لا عذر لهم وليس لعدم الإذن الإلهي.

8 ـ تفسير نور الثقلين، ج 5، ص 490، الحديث 22.

9 ـ النون في (فكيدون) مكسورة وجاءت الكسرة محل ياء المتكلم، وأصلها (فكيدوني) فحذفت الياء وبقيت الكسرة لتدل على الياء، وضمير المتكلم يعود إلى ذات الله المقدّسة طبقاً لظاهر الآيات، واحتمال رجوعه إلى شخص النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بعيد جدّاً.

10 ـ لهذه الآية حذف وتقديره على قول مجمع البيان: (كلوا وتمتعوا قليلاً فإن الموت كائن لا محالة) ولكن يبدو أن التقدير الأنسب هو(كلوا وتمتعوا قليلاً وانتظروا العذاب فإنّكم مجرمون).

11 ـ مجمع البيان، ج 10، ص 419 ونقل هذا المعنى أيضاً الآلوسي في روح المعاني والقرطبي في تفسيره والزمخشري في الكشّاف وروح البيان ذيل الآية التي هي مورد البحث.

12 ـ لهذه الآية حذف وتقديره على قول مجمع البيان: (كلوا وتمتعوا قليلاً فإن الموت كائن لا محالة) ولكن يبدو أن التقدير الأنسب هو(كلوا وتمتعوا قليلاً وانتظروا العذاب فإنّكم مجرمون).

13 ـ مجمع البيان، ج 10، ص 419 ونقل هذا المعنى أيضاً الآلوسي في روح المعاني والقرطبي في تفسيره والزمخشري في الكشّاف وروح البيان ذيل الآية التي هي مورد البحث.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .