قال تعالى : {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات: 1 - 11].
{والعاديات ضبحا} قيل هي الخيل في الغزو تعدوفي سبيل الله عن ابن عباس وعطاء وعكرمة والحسن ومجاهد وقتادة والربيع قالوا أقسم الله بالخيل العادية لغزو الكفار وهي تضبح ضبحا وضبحها صوت أجوافها إذا عدت ليس بصهيل ولا حمحمة ولكنه صوت نفس وقيل هي الإبل حين ذهبت إلى غزوة بدر تمد أعناقها في السير فهي تضبح أي تضبع روي ذلك عن علي (عليه السلام) وابن مسعود والسدي وروي أيضا أنها إبل الحاج تعدو من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى قالت صفية بنت عبد المطلب :
ألا والعاديات غداة جمع *** بأيديها إذا سطع الغبار
واختلفت الروايات فيه فروي عن أبي صالح أنه قال قاولت فيه عكرمة فقال عكرمة قال ابن عباس هي الخيل في القتال فقلت أنا قال علي (عليه السلام) هي الإبل في الحج وقلت مولاي أعلم من مولاك وفي رواية أخرى أن ابن عباس قال : هي الخيل أ لا تراه يقول {فأثرن به نقعا} فهل تثيره إلا بحوافرها وهل تضبح الإبل إنما تضبح الخيل قال علي (عليه السلام) ليس كما قلت لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلا فرس أبلق للمقداد بن الأسود وفي رواية أخرى لمرثد بن أبي مرثد الغنوي وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال بينما أنا في الحجرة جالس إذ أتاني رجل فسأل عن العاديات ضبحا فقلت له الخيل حين تغير في سبيل الله ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم فانفتل عني وذهب إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو تحت سقاية زمزم فسأله عن العاديات ضبحا فقال سألت عنها أحدا قبلي قال نعم سألت عنها ابن عباس فقال الخيل حين تغير في سبيل الله قال فاذهب فادعه لي فلما وقف على رأسه قال تفتي الناس بما لا علم لك به والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام بدر وما كانت معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود فكيف تكون العاديات الخيل بل العاديات ضبحا الإبل من عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى قال ابن عباس فرغبت عن قولي ورجعت إلى الذي قاله علي (عليه السلام).
{فالموريات قدحا} هي الخيل توري النار بحوافرها إذا صارت في الحجارة والأرض المحصبة عن عكرمة والضحاك وقال مقاتل : يقدحن بحوافرهن النار في الحجارة قال ابن عباس : يريد ضرب الخيل بحوافرها الجبل فأورت منه النار مثل الزناد إذا قدح وقال مجاهد : يريد مكر الرجال في الحروب تقول العرب إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه أما والله لأورين لك بزند وار ولأقدحن لك وخالف المصدر فيها صدر الكلام ومجازه فالقادحات قدحا وقيل هي النيران بجمع عن محمد بن كعب وقيل هي ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به عن عكرمة {فالمغيرات صبحا} يريد الخيل تغير بفرسانها على العدو وقت الصبح وإنما ذكر وقت الصبح لأنهم كانوا يسيرون إلى العدو ليلا فيأتونهم صبحا هذا قول الأكثرين وقيل يريد الإبل ترتفع بركبانها يوم النحر من جمع إلى منى والسنة أن لا ترتفع بركبانها حتى تصيح والإغارة سرعة السير ومنه قولهم ((أشرق ثبير كيما نغير))(2) عن محمد بن كعب {فأثرن به نقعا} يقال ثار الغبار والدخان وأثرته أي هيجته والهاء في به عائد إلى معلوم يعني بالمكان أو بالوادي المعنى فهيجن بمكان عدوهن غبارا.
{فوسطن به جمعا} أي صرن بعدوهن أو بذلك المكان وسط جمع العدو وهم الكتيبة وقال محمد بن كعب : يريد جمع منى {إن الإنسان لربه لكنود} هذا جواب القسم والكنود الكفور الجحود لنعم الله عن ابن عباس وقتادة والحسن ومجاهد وقيل هو بلسان كندة وحضرموت العاصي وبلسان مضر وربيعة وقضاعة الكفور عن الكلبي وقيل هو الذي يعد المصائب وينسى النعم عن الحسن أخذه بعض الشعراء فقال :
يا أيها الظالم في فعله *** والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى *** تشكو المصيبات وتنسى النعم
وروى أبو أمامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال أ تدرون من الكنود قالوا الله ورسوله أعلم قال ((الكنود الذي يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبده)) وقيل الكنود الذي لا يعطي في النائبة مع قومه عن عطاء وقيل هو القليل الخير عن أبي عبيدة {وإنه على ذلك لشهيد} معناه وإن الله على كفره لشهيد عن ابن عباس وقتادة وعطاء وقيل أن الهاء تعود إلى الإنسان والمعنى أن الإنسان شاهد على نفسه يوم القيامة بكنوده أوفي الدنيا فإنك لو سألته عن النعمة لم يذكر أكثرها ويذكر جميع مصائبه وهو معنى قول الحسن {وإنه} يعني الإنسان {لحب الخير لشديد} أي لأجل حب الخير الذي هو المال أي من أجله لبخيل شحيح يمنع منه حق الله تعالى عن الحسن يقال للبخيل شديد ومتشدد قال طرفة :
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي *** عقيلة مال الفاحش المتشدد(3)
وقيل معناه وإنه لشديد الحب للخير أي المال عن الفراء وقال ابن زيد : سمى الله سبحانه المال خيرا وعسى أن يكون خبيثا وحراما ولكن لأن الناس يعدونه خيرا فكذلك سمي الجهاد سوءا فقال لم يمسسهم سوء أي قتال وليس هو عند الله بسوء لأن الناس يسمونه سوءا وقال سبحانه على وجه التذكير والوعيد {أ فلا يعلم} هذا الإنسان الذي وصفناه {إذا بعثر ما في القبور} أي بعث الموتى ونشروا وأخرجوا ومثله بحثر {وحصل ما في الصدور} أي ميزوا بين ما فيها من الخير والشر وقيل معناه وأظهر ما أخفته الصدور ليجازي على السر كما يجازي على العلانية.
{إن ربهم بهم يومئذ لخبير} قال الزجاج : الله سبحانه خبير بهم في ذلك اليوم وفي غيره ولكن المعنى أن الله يجازيهم على كفرهم في ذلك اليوم وليس يجازيهم إلا بعلمه بأحوالهم وأعمالهم ومثله قوله أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ومعناه أولئك الذين لا يترك الله مجازاتهم وفي هذا إشارة إلى الزجر والوعيد فإن الإنسان متى علم أن خالقه يرى جميع أعماله ويعلم سائر أفعاله ويحقق ذلك لا بد أن ينزجر عن المعاصي .
________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص423-425.
2- كانوا لا يفيضون من المشعر حتى تطلع الشمس . وثبير : جبل بمكة ، ومعناه على ما في (اللسان) : ادخل ايها الجبل في الشروق ، وهو ضوء الشمس ، كيما نسرع . وفي بعض النسخ : ((كما يغير)).
3- اعتام الشيء : اختاره . والعقيلة : الخيار من كل شيء . يقول : ارى الموت يختار كرام الناس ، وصفوه مال البخلاء اي انه يأخذ النفيس الذي يضن به ، كما يأخذ الحقير ، فلا يترك شيئا.
جاء في مجمع البيان وغيره ان رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) أرسل سرية إلى حي من بني كنانة ، فأبطأت عليه ، فقال المنافقون : ان رجالها قتلوا ، فنزلت هذه السورة تخبر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بسلامتهم وتكذب المرجفين .
{والْعادِياتِ ضَبْحاً} . العاديات جمع العادية من العدو، وهو الجري بسرعة ، والمراد بالعاديات هنا الخيل ، وقيل الإبل ، والضبح صوت أنفاسها عند العدو{فَالْمُورِياتِ قَدْحاً} . الموريات من قولهم : أورى النار إذا أوقدها ، والقدح الضرب لإخراج النار ، والمعنى ان الخيل عند عدوها تضرب الحجارة بحوافرها فيتطاير منها الشرر ، {فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً} أغارت الخيل على العدو وقت الصبح لتأخذه على غفلة منه {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} . أثرن حركن ، والضمير في به يعود إلى وقت الصبح ، والباء ظرفية أي فيه ، والنقع الغبار {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} .
وسطن توسطن ، وأيضا ضمير به يعود إلى وقت الصبح ، والمراد بالجمع هنا جمع العدو، والمعنى هاجمت الخيل العدو وقت الصباح .
أقسم سبحانه بخيل المعركة ، وبالأحرى أقسم بالقوة وإعداد العدة ليحث المؤمنين على الجهاد في سبيل اللَّه ، والتسلَّح بالقوة لردع أعداء اللَّه والإنسانية . . ومن تتبع آي الذكر الحكيم يجد ان اللَّه سبحانه قد حث المؤمنين في العديد من آياته وبشتى الأساليب أن يكون لديهم أمضى سلاح يرهبون به الطغاة المعتدين الذين لا يفهمون إلا بلغة القوة . . من ذلك قوله تعالى : {وأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ومِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُو اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ} - 60 الأنفال . وقوله :
{وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَو تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ} - 102 النساء وقوله {ولا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ} - 92 النحل . إلى غير ذلك من الآيات التي تأمر بكل ما من شأنه أن يجعل كلمة الحق هي العليا ، وكلمة الباطل هي السفلى .
وبهذا يتبين معنا ان ذكر الخيل وضبحها ، وقدحها ونقعها انما هو كناية عن إعداد العدة لصيانة الحق والدفاع عن أهله ، وكنى سبحانه بالخيل عن القوة لأنها كانت آنذاك من أبرز مظاهرها .
وقال الشيخ محمد عبده ، وهو يفسر هذه الآيات : أليس غريبا ان أناسا يزعمون ان القرآن كتابهم ، وهم أبعد الناس عن الرجولة وصفاتها ، لقد كلمت أستاذا منهم يشار إليه بالبنان في منافع بعض العلوم كي تدرس في الأزهر فقال :
(إذن يجب أن نعلم الطلبة ركوب الخيل أيضا) . قال هذا ليفحمني ، فهل يتفق قوله مع الايمان بكتاب اللَّه ؟ أنصف ثم احكم .
{إِنَّ الإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} . هذا جواب القسم ، والكنود جاحد النعمة ، والحكم في الآية على الإنسان باعتبار الأغلب من أفراده ، والمعنى ان أكثر الناس ينسون اللَّه عند النعم ، ويشكرونه عليها بالبذل منها في سبيله ، قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) : الكنود هو الذي يأكل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده {وإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ} أي ان أفعال الكنود تشهد عليه بلسان الحال انه كافر بأنعم اللَّه . . وأشد أنواع الكفر باللَّه ونعمه ان يستظهر بها الإنسان على عباد اللَّه وعياله .
{وإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} . قال المفسرون : المراد بالخير هنا المال . . وليس من شك ان من اشتد حبه للمال فقد تجرد عن إنسانيته وكفر بكل القيم إلا إذا كانت وسيلة لجمع المال . . ولو بحثنا عن الأسباب الموجبة لمآسي الإنسانية وويلاتها لوجدناها تكمن في التنافس على الثروات وجمع المال . قال هربرت ماركيوز الذي عمل أستاذا للفلسفة في جامعات كولومبيا ، وهارفارد ، وبرانديز في الولايات المتحدة قال في كتابه الإنسان ذو البعد الواحد : (من أين يأتي الخير في عصر لا يخلق إلا الشر حيث سيطرت المادة بشكل جعل الإنسان هو العبد ، وهي السيد القوي المتحكم) .
{أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} . الضمير المستتر في يعلم يعود إلى الإنسان أو إلى الكنود ، ومفعول يعلم محذوف أي أفلا يعلم الإنسان مآله ومصيره ؟ وبعثر ما في القبور خرج منها الموتى للحساب والجزاء ، وحصّل ما في الصدور ظهر ما فيها من النبات والمخبآت ، وضمير بهم يعود إلى المبعوثين من القبور ، وخبير إشارة إلى انه تعالى محيط بمقاصدهم وأعمالهم ومجازيهم عليها بما يستحقون . والآية تهديد ووعيد لكل من كفر بأنعم اللَّه وتطاول بها على عباده . وتقدم مثله في العديد من الآيات ، منها الآية 235 من سورة البقرة .
_________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص600-601.
تذكر السورة كفران الإنسان لنعم ربه وحبه الشديد للخير عن علم منه به وهو حجة عليه وسيحاسب على ذلك.
والسورة مدنية بشهادة ما في صدرها من الإقسام بمثل قوله: {والعاديات ضبحا} إلخ الظاهر في خيل الغزاة المجاهدين على ما سيجيء، وإنما شرع الجهاد بعد الهجرة ويؤيد ذلك ما ورد من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن السورة نزلت في علي (عليه السلام) وسريته في غزوة ذات السلاسل، ويؤيده أيضا بعض الروايات من طرق أهل السنة على ما سنشير إليه في البحث الروائي التالي إن شاء الله.
قوله تعالى: {والعاديات ضبحا} العاديات من العدو وهو الجري بسرعة والضبح صوت أنفاس الخيل عند عدوها وهو المعهود المعروف من الخيل وإن ادعي أنه يعرض لكثير من الحيوان غيرها، والمعنى أقسم بالخيل اللاتي يعدون يضبحن ضبحا.
وقيل: المراد بها إبل الحاج في ارتفاعها بركبانها من الجمع إلى منى يوم النحر، وقيل: إبل الغزاة، وما في الآيات التالية من الصفات لا يلائم كون الإبل هو المراد بالعاديات.
قوله تعالى: {فالموريات قدحا} الإيراء إخراج النار والقدح الضرب والصك المعروف يقال: قدح فأورى إذا أخرج النار بالقدح، والمراد بها الخيل تخرج النار بحوافرها إذا عدت على الحجارة والأرض المحصبة.
وقيل: المراد بالإيراء مكر الرجال في الحرب، وقيل: إيقادهم النار، وقيل: الموريات ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به، وهي وجوه ظاهرة الضعف.
قوله تعالى: {فالمغيرات صبحا} الإغارة والغارة الهجوم على العدو بغتة بالخيل وهي صفة أصحاب الخيل ونسبتها إلى الخيل مجاز، والمعنى فأقسم بالخيل الهاجمات على العدو بغتة في وقت الصبح.
وقيل: المراد بها الآبال ترتفع بركبانها يوم النحر من جمع إلى منى والسنة أن لا ترتفع حتى تصبح، والإغارة سرعة السير وهو خلاف ظاهر الإغارة.
قوله تعالى: {فأثرن به نقعا} أثرن من الإثارة بمعنى تهييج الغبار ونحوه، والنقع الغبار، والمعنى فهيجن بالعدو والإغارة غبارا.
قيل: لا بأس بعطف {أثرن} وهو فعل على ما قبله وهو صفة لأنه اسم فاعل وهو في معنى الفعل كأنه قيل: أقسم باللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن.
قوله تعالى: {فوسطن به جمعا} وسط وتوسط بمعنى، وضمير {به} للصبح والباء بمعنى في أو الضمير للنقع والباء للملابسة.
والمعنى فصرن في وقت الصبح في وسط جمع والمراد به كتيبة العدو أو المعنى فتوسطن جمعا ملابسين للنقع.
وقيل: المراد توسط الآبال جمع منى وأنت خبير بأن حمل الآيات الخمس بما لمفرداتها من ظواهر المعاني على إبل الحاج الذين يفيضون من جمع إلى منى خلاف ظاهرها جدا.
فالمتعين حملها على خيل الغزاة وسياق الآيات وخاصة قوله: {فالمغيرات صبحا} {فوسطن به جمعا} يعطي أنها غزاة بعينها أقسم الله فيها بخيل المجاهدين العاديات والفاء في الآيات الأربع تدل على ترتب كل منها على ما قبلها.
قوله تعالى: {إن الإنسان لربه لكنود} الكنود الكفور، والآية كقوله: { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } [الحج: 66] ، وهو إخبار عما في طبع الإنسان من اتباع الهوى والانكباب على عرض الدنيا والانقطاع به عن شكر ربه على ما أنعم عليه.
وفيه تعريض للقوم المغار عليهم، وكان المراد بكفرانهم كفرانهم بنعمة الإسلام التي أنعم الله بها عليهم وهي أعظم نعمة أوتوها فيها طيب حياتهم الدنيا وسعادة حياتهم الأبدية الأخرى.
قوله تعالى: {وإنه على ذلك لشهيد} ظاهر اتساق الضمائر أن يكون ضمير {وإنه} للإنسان فيكون المراد بكونه شهيدا على كفران نفسه بكفران نفسه علمه المذموم وتحمله له.
فالمعنى وإن الإنسان على كفرانه بربه شاهد متحمل فالآية في معنى قوله: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } [القيامة: 14].
وقيل: الضمير لله واتساق الضمائر لا يلائمه.
قوله تعالى: {وإنه لحب الخير لشديد} قيل: اللام في {لحب الخير} للتعليل والخير المال، والمعنى وإن الإنسان لأجل حب المال لشديد أي بخيل شحيح، وقيل: المراد أن الإنسان لشديد الحب للمال ويدعوه ذلك إلى الامتناع من إعطاء حق الله، والإنفاق في الله.
كذا فسروا.
ولا يبعد أن يكون المراد بالخير مطلقة ويكون المراد أن حب الخير فطري للإنسان ثم إنه يرى عرض الدنيا وزينتها خيرا فتنجذب إليه نفسه وينسيه ذلك ربه أن يشكره.
قوله تعالى: {أ فلا يعلم إذا بعثر ما في القبور - إلى قوله - لخبير} البعثرة كالبحثرة البعث والنشر، وتحصيل ما في الصدور تمييز ما في باطن النفوس من صفة الإيمان والكفر ورسم الحسنة والسيئة قال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ } [الطارق: 9] ، وقيل: هو إظهار ما أخفته الصدور لتجازى على السر كما تجازى على العلانية.
وقوله: {أ فلا يعلم} الاستفهام فيه للإنكار، ومفعول يعلم جملة قائمة مقام المفعولين يدل عليه المقام.
ثم استؤنف فقيل: إذا بعثر ما في القبور إلخ تأكيدا للإنكار، والمراد بما في القبور الأبدان.
والمعنى - والله أعلم - أ فلا يعلم الإنسان أن لكنوده وكفرانه بربه تبعة ستلحقه ويجازى بها، إذا أخرج ما في القبور من الأبدان وحصل وميز ما في سرائر النفوس من الإيمان والكفر والطاعة والمعصية إن ربهم بهم يومئذ لخبير فيجازيهم بما فيها.
__________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج20 ، ص317-319.
قسماً بالمجاهدين الواعين:
قلنا إن هذه السّورة تبدأ بالقسم بأمور محفّزة منبّهة. تقسم أولا بالخيول الجارية المندفعة (إلى ميدان الجهاد) وهي تحمحم وتتنفس بشدّة:
{والعاديات ضبحاً}.(2)
ويمكن أن يكون القسم هذا بإبل الحجاج المتجهة من عرفات إلى المشعر الحرام، ومن المشعر الحرام إلى منى وهي تتنفس بشدّة.
«العاديات» جمع عادية، من «العدو»، وهو المغادرة والإبتعاد بالقلب. فتكون «العداوة» أو بالحركة الخارجية فيكون (العدو) وهو الركض، أو بالمعاملات فيسمى (العدوان). و«العاديات» في الآية هي الجاريات بسرعة، «الضبح» صوت الخيل وهي تتنفس بشدّة عند الجري.
كما ذكرنا من قبل لهذه الآية تفسيران:
الأوّل: أنّ المقسوم به في الآية الخيل السريعة الجري نحو ميدان الجهاد.
ولما كان الجهاد أمراً مقدساً، فهذه الحيوانات في جريها في هذا المسير المقدس تنال من المكانة واللياقة ما تستحق أن يُقسم بها.
الثّاني: أنّ المقسوم به الإِبل الجارية في موسم الحج بين المواقف المشرفة وهي تنقل الحجاج. لذلك كانت ذا قداسة تستحق القسم بها.
روي عن ابن عباس قال: بينما أنا جالس في حجر إسماعيل إذ أتاني رجل فسأل عن «العاديات ضبحاً» فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل الله ثمّ تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم. فانفتل عنّي وذهب إلى علي بن أبي طالب(عليه السلام) وهو تحت سقاية زمزم. فسأله عن العاديات ضبحاً، فقال: سألت عنها أحداً قبلي؟ قال: نعم، سألت عنها ابن عباس فقال: الخيل حين تغير في سبيل الله. قال: فاذهب فادعه لي فلمّا وقف على رأسه قال: تفتي النّاس بما لا علم لك به؟!
والله إن كانت لأوّل غزوة في الإِسلام بدر، وما كانت معنا إلا فَرَسان. فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسواد، فكيف تكون العاديات الخيل، بل العاديات ضبحاً الإِبل من عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى. قال ابن عباس فرغبت عن قولي ورجعت إلى الذي قاله علي(عليه السلام).(3)
ويحتمل أيضاً أن يكون «للعاديات» هنا معنى واسع يشمل خيول المجاهدين وإبل الحجاج. ويكون معنى رواية ابن عباس أنّه لا ينحصر المعنى بالخيول إذ لا يصدق هذا المعنى في كل مكان. ومن مصاديقه هو إبل الحجاج.
هذا التّفسير أنسب من عدّة جهات.
ثمّ يأتي القسم التالي بهذه العاديات التي توري النيران بحوافرها:
{فالموريات قدحاً}.
وهي خيل المجاهدين التي تجري بسرعة فائقة في ميدان القتال، بحيث تنقدح النّار من تحت أرجلها جرّاء احتكاك حوافرها بصخور الأرض.
أوهي الإِبل التي تجري بين مواقف الحج، فتتطاير الحصى والحجارة من تحت أرجلها وترتطم بحصى وحجارة أُخرى فتنقدح النيران.
أو مجاميع الحجيج التي توري النّار في المواقف للطعام.
أو كناية عن الذين يضرمون نيران الحرب والجهاد.
أو الألسن التي تشعل النّار في قلب الأعداء ببيانها القامع.
أو إنّها ـ كما يقول بعض المفسّرين ـ المجموعة الساعية في رفع حاجات النّاس، مؤدية أهدافها. ويقال للمنجح في حاجته: ورى زنده.
ظاهر الآية يؤيد التّفسيرين الأولين، وبقية التفاسير يبدو أنّها بعيدة.
«الموريات» جمع «مورية»، والإِيراء يعني أضرام النّار، و«القدح» ضرب الحجارة أو الخشب أو الحديد بما يشبهه لتوليد النّار.
والقسم الثّالث بالتي تغير صباحاً على الأعداء:
{فالمغيرات صبحاً}.
وكانت العرب ـ كما يقول الطبرسي في مجمع البيان ـ تقترب ليلا من منطقة العدو وتكمن له، وتشّن غارتها في الصباح.
وفي سبب نزول الآية {أو أحد مصاديقها الواضحة} رأينا أن جيوش المسلمين بقيادة علي(عليه السلام) استفادت من ظلام الليل، واتجهت نحو معسكر الأعداء، وكمنت له، ثمّ شنت غارتها في الصباح كالصاعقة. ودحرت العدّو قبل أن يبدي مقاومة.
ولو اعتبرنا القسم بإبل الحجاج، فالمغيرات في الآية هي قوافل الإِبل في صباح العيد من المشعر إلى منى.
«المغيرات» جمع «مغيرة». والإِغارة: الهجوم على العدو، وقيل إن الكلمة تتضمّن معنى الهجوم بالخيل، ولكن موارد استعمالها يبيّن أن هذا القيد ـ إن كان موجوداً في الأصل ـ فقد حذف بالتدريج.
وما أورده بعضهم من احتمال أن تكون «المغيرات» هي القبائل المهاجمة المتجهة إلى ميدان القتال، أو المسرعة إلى منى، فبعيد، لأن الآية:{والعاديات ضبحاً} هي بالتأكيد وصف للخيل أو الإِبل، لا أصحابها. وهذه الآية استمرار لتلك.
ثمّ تشير الآية التالية إلى سرعة هذه العاديات في هجومها، وذلك بإثارتها الغبار في كل جانب:
{فأثرن به نقعاً}.(4)
أو أنّ الغبار يثور من كل صوب نتيجة هجوم إبل الحجاج من المشعر الحرام على منى.
«أثرن» من الإِثارة، وهي نشر الغبار والدخان في الجو. وقد تأتي بمعنى الهياج، أو انتشار أمواج الصوت في الفضاء.
«النقع» هو الغبار، وأصل الكلمة انغماس الماء أو الإِنغماس في الماء والإِنغماس في التراب يشبهه، ولذلك اتخذ نفس الاسم. و«النقيع» الماء الراكد.
وفي آخر خصائص هذه «المغيرات» تذكر الآية أنّها ظهرت بين الإعداء في الفجر:
{فوسطن به جمعاً}.(5)
هجومها كان مباغتاً خاطفاً بحيث استطاعت خلال لحظات أن تشق صفوف العدّو وتشن حملتها في قلبه، وتُشّتت جمعَه. وهذا نتيجة ما تتحلّى به من سرعة ويقظة واستعداد وشهامة وشجاعة.
أو إنّها إشارة إلى ورود الحجاج من المشعر إلى قلب منى.
وقيل إنّ المقصود محاصرة الأعداء. وهذا يصحّ لوكان الفعل «فوسّطن» بتشديد السين، والقراءة المشهورة ليست كذلك. فالصحيح هو المعنى الأوّل.
نستخلص ممّا سبق أن القَسَم في الآيات بهذه الخيول التي هي أولا تسرع إلى ميدان الجهاد بنَفَس شديد، ثمّ تزيد سرعتها حتى يتطاير الشرر من تحت حوافرها فيشقّ عتمة الليل ... وبعدها تقترب من منطقة العدو، فتباغته، وعند انبلاج عتمة الليل تشنّ هجوماً شديداً يثير الغبار في كل جانب، ثمّ تتوغل إلى قلب العدّو وتشتت صفوفه.
القسم إذن ـ بهذه الخيول المقتدرة! ... بفرسانها الشجعان!... بأنفاس مركب المجاهدين!... بشرارات النيران المتطايرة من تحت حوافرها!... بذلك الهجوم المباغت!... بذرات الغبار المنتشرة في الفضاء!... بدخولها قلب صفوف الأعداء وتحقيق النصر الحاسم عليهم!
هذه التعابير ـ وإن لم ترد كلها صراحة في الآيات ـ فهي مجموعة كلها في الدلالات الضمنية للكلام.
من هنا يتّضح أن الجهاد له منزلة عظيمة حتى أن أنفاس خيل المجاهدين استحقت أن يقسم بها... وهكذا الشرر المتطاير من حوافر هذه الخيول... والغبار الذي تثيره في الجو... نعم حتى غبار ساحة الجهاد له قيمة وعظمة.
وقيل: أنّ المقصود بهذه الأقسام قد يكون النفوس التي تستطيع أن تنقل كمالها إلى الآخرين، وتقدح شرارة العلم بأفكارها، وتهجم على أهوائها النفسية، وتثير الشوق الإِلهي في نفسها ونفوس الآخرين، وتستقر أخيراً في قلب سكنة العليين.(6)
واضح أن هذا لا يمكن أن يعتبر تفسيراً للآيات، بل هو تشبيهات تخطر في الذهن لمناسبة تفسير الآية.
ثمّ يأتي جواب القسم، ويقول سبحانه:
{إن الإِنسان لربه لكنود}.
نعم، الإِنسان البعيد عن التربية الصحيحة... والذي لم تشرق في قلبه أنوار المعارف الإِلهية وتعاليم الأنبياء... الإِنسان الخاضع لأهوائه وشهواته الجامحة هو حتماً كفور بالنعمة وبخيل... إنّه لكنود.
و«كنود» اسم للأرض التي لا تنبت، وتطلق على الإِنسان الكفور والبخيل أيضاً.
المفسّرون ذكروا لكلمة «كنود» معاني كثيرة، منهم «أبو الفتوح الرازي» نقل ما يقارب من خمسة عشر معنى، ولكنّها غالباً فروع للمعنى الأصلي الذي ذكرناه، من ذلك:
1 ـ الكنود، الذي يهوّل من مصائبه وينسى النعم.
2 ـ هو الذي يأكل نِعم الله وحده، ويمنعها عن الآخرين. وورد عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أتدرون من الكنود؟ قيل: الله ورسوله أعلم. قال: الكنود الذي يأكل وحده ويمنع رفده، ويضرب عبده.(7)
3 ـ الكنود، الذي لا يواسي اخوته في مشاكلهم ومصائبهم.
4 ـ من كان خيره شحيح.
5 ـ من يمنع نعمته عن الآخرين ويجزع في المشاكل والمصائب.
6 ـ من ينفق النعم الإِلهية في المعاصي.
7 ـ من ينكر نعمة الله.
وهذه المعاني ـ كما ذكرنا ـ مصاديق وتفريعات لمعنى الكفران والبخل.
كلمة (الإِنسان) في مثل هذه الإِستعمالات القرآنية تعني الأفراد المتطبعين على الشر والشهوات الجامحة والطغيان، وقيل: إنّه الإِنسان الكافر.
فهذه الصفة لا يمكن إطلاقها على مطلق الإِنسان. فثمّة أفراد ليسوا بقليلين من امتزج الشكر والعطاء بدمائهم، ورفضوا البخل والكفران، واستطاعوا بفضل الإِيمان بالله أن يتحرروا من الذاتية والأهواء الدنيئة ويحلقوا في أجواء معرفة اسماء الله وصفاته والتخلق بالأخلاق الإِلهية.
{وإنّه على ذلك لشهيد}.
فهو بصير بنفسه، وأن استطاع أن يخفي سريرته فلا يستطيع أن يخفيها عن الله وعن ضميره، اعتراف بهذه الحقيقة أم لم يعترف.
قيل: إن الضمير في (إنّه) يعود إلى الله، أي إن الله شهيد على وجود صفة الكنود في الإِنسان.
ولكن الآيات السابقة واللاحقة تحمل ضمائر تعود على الإِنسان. وبذا نستبعد هذا الإِحتمال، وإن رجحه كثير من المفسّرين.
واحتمل بعضهم أن يكون المعنى شهادة الإِنسان على عيوبه وذنوبه يوم القيامة كما ورد في مواضع متعددة من القرآن.
وهذا التّفسير لا يقوم على دليل، لأنّ مفهوم الآية واسع يشغل شهادة الإنسان على كنوده في هذه الدنيا أيضاً.
صحيح أن الإِنسان يعجز أحياناً عن معرفة نفسه، وبذلك يخدع ضميره، وتصبح الصفات الذميمة ـ بتسويل الشيطان وتزيينه ـ حسنة ممدوحة لديه. ولكن صفة الكنود وهي الكفران والبخل واضحة إلى درجة لا يستطيع أن يخدع ضميره وأن يغطي عليها.
{وإنّه لحبّ الخير لشديد}.
أي إنه شديد الحّب للمال والمتاع.(8)
وهذا الإِنشداد المفرط بالمال والثروة هو سبب هذا البخل والكفران.
كلمة (الخير) لها معنى واسع يشمل كل نعمة. كثير من النعم مثل العلم والمعرفة والتقوى والجنّة والسعادة ليست مذمومة، ولا ينكر عليها القرآن. لذلك فسر الخير في الآية بأنه (المال). يدل على ذلك قرينة المقام والآية السابقة، وآيات أخرى كقوله سبحانه: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180]
إطلاق «الخير» على المال في الآية يعود إلى أن المال في حد ذاته شيء حسن، ويستطيع أن يكون وسيلة لأنواع الخيرات. لكن الإِنسان الكنود يصرفه عن هدفه الأصلي، وينفقه في طريق ذاتياته وأهوائه.
وفي استفهام استنكاري يقول سبحانه:
{أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور}.
{وحصل ما في الصدور} وانكشف ما في نفسه من كفر وايمان، ورياء واخلاص وغرور وتواضع وسائر نيات الخير والشر.
(إنّ ربّهم بهم يومئذ لخبير). نعم، فهو عليهم أعمالهم ونياتهم وسيجازيهم وفقها.
«بعثر» من «البعثرة» وهي البعث والإِثارة والإِخراج وبعثرة ما في القبور: بعث الموتى واخراجهم من القبور.
«ما» اسم موصول لغير العاقل عادة، وإنّما قال سبحانه: {ما في القبور} إمّا لكون الأفراد أمواتاً، أو لأنّهم لا يزالون في حالة إبهام بالنسبة لهويتهم.
والتعبير بالقبور لا يتنافى مع عدم وجود قبر لبعض الأفراد، كالذين يغرقون في البحر، أو المندرسة قبورهم، والمتفرق تراب رفاتهم. لأن أغلب النّاس لهم قبور، أضف إلى ذلك أن القبر يمكن أن يكون له معنى واسع يشمل كل محل فيه تراب جسد الإِنسان، وإن لم يكن بشكل قبر اعتيادي.
«حُصّل» من التحصيل، وهو في الأصل يعني إخراج اللب من القشر، وكذلك تصفية المعادن، واستخراج الذهب وأمثاله من الخامات. ثمّ استعملت لمطلق الإِستخراج والفصل. والكلمة في الآية تعني فصل الخير عن الشر في القلوب... الإِيمان عن الكفر، أو الصفات الحسنة عن الصفات السيئة... أو النوايا الحسنة عن الخبيثة... تُفصل في ذلك اليوم وتظهر، وينال كل فرد حسب ذلك جزاؤه. كما قال سبحانه في موضع آخر: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9]
والتعبير بكلمة «يومئذ» يعني أن الله (في ذلك اليوم) خبير بأعمال العباد وسرائرهم.
ونعلم أنّ الله سبحانه عليم دائماً بذات الصدور. فالتعبير «يومئذ» هو لأن ذلك اليوم يوم الجزاء، والله يجازيهم على أعمالهم وعقائدهم.
هذا التعبير ـ كما قال بعض المفسّرين ـ يشبه قول الذي يهدد شخصاً فيقول: سأعرف ماذا دهاك، فهو يعرف أمره الآن أيضاً، والقصد أنه سيريه نتيجة ذلك.
نعم، الله سبحانه عليم وخبير بأسرارنا وما تنطوي عليه نفوسنا كاملا. لكن أثر هذا العلم سيكون أظهر وأوضح عند الجزاء. وهذا التحذير لو دخل دائرة إيمان البشر لكان سداً منيعاً بينهم وبين الذنوب العلنية والخفية، والخارجية والباطنية، ولا يخفى على أحد ما لهذا الا عتقاد من آثار تربوية.
__________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج15 ، 474-481.
2 ـ القاعدة أن تكون: والعاديات عدواً، ولكن «الضبح» لملازمته العدو ناب عنه، فكانت والعاديات ضبحاً. وقيل إن ضبحاً مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره: والعاديات يضبحن ضبحاً.
3 ـ مجمع البيان، ج10، ص529، وأورد القرطبي هذه الرّواية في تفسيره، ج10، ص7245.
4 ـ الضمير في (به) يعود إلى العدو المذكور في (والعاديات ضبحاً) فهي باء السببية، أي بسبب هذا العدو يثور الغبار ويملا الجو، واحتمل بعضهم أن يكون مرجع الضمير زمان أو مكان ذلك الهجوم. وتكون الباء عندئذ ظرفية. والصحيح المعنى الأوّل.
5 ـ مرجع الضمير في (به) ومعنى الباء هو نفسه الذي ذكرناه في الآية السابقة.
6 ـ تفسير البيضاوي، ص465.
7 ـ مجمع البيان، ج10، ص530.
8 ـ اللام في «لحّب الخير» قد تكون لام التعدية أو لام العلة، إن كانت للتعدية فيكون المعنى هو الذي ذكرناه، وإن كانت للتعليل يكون المعنى: إنّ الإِنسان بسبب حبّه للمال بخيل. والأوّل أنسب.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|