تختلف انحاء العالم من حيث العناصر الحضارية المميزة، كذلك النواحي الاجتماعية والاقتصادية. وهي ظاهرات ليست ساكنة بل نجدها مستمرة الحركة في تفاعلات بعضها داخلي وبعضها الآخر نتيجة لمؤثرات خارجية وبذلك يظهر للمنطقة شخصية مميزة هي في الواقع محصلة لعناصر جغرافية ونتائج العوامل التاريخية والحضارية والطبيعية ومع تباين المواقع فانه يصبح للاماكن المختلفة خصائص مميزة تجعلها تختلف عن غيرها.

وعلى هذه الأسس نجد ان العالم يمكن ان يقسم الى ممالك حضارية متميزة عن بعضها ومع زيادة الاتصالات وسهولة المواصلات بينها فان الاتصالات بينها متواصلة ولا تنقطع وهي تأخذ اشكالا تجارية او سياسية او اجتماعية وكذلك السياحة. فالناس يتحركون لأهداف متباينة من مملكة حضارية لأخرى لإشباع رغبات خاصة بهم من جانب وتجذبهم ما تملكه هذه الممالك من خصائص مميزة اما لغرابتها وطرافتها او أيضا لتماثلها.

ويمكن ان نقسم العالم مبدئيا الى ممالك اوربية وأخرى غير اوربية: وتشمل الممالك الاوربية: اوربا وامريكا الانجلو سكسونية، وامريكا اللاتينية، وأستراليا وكذلك الاتحاد السوفيتي الا ان النظام الاقتصادي السائد في الأربعة الأول يختلف عن مثيله في الأخيرة وحلفائها. وتتركز اكبر حركة سياحية داخلية وخارجية في العالم كله في هذه المناطق الاوربية وفيما بينها. ولا شك ان وحدة الأصل ووحدة الثقافة وارتباط المصالح وسهولة النقل من عوامل الترابط متعدد الأطراف بين هذه الممالك الحضارية التي وان كانت ذات جذور واحدة الا انها تتضمن في داخلها تنوعات حديدة طبيعية وبشرية تجعل بينها اختلافات قد تبدو جوهرية.

ويتكون القسم الآخر من ممالك حضارية غير اوربية وهي تشمل الاوقيانوسية، وافريقيا وجنوب شرق آسيا والهند والصين ثم اليابان وتكون المملكة الإسلامية القسم الثالث وتتنوع عناصر سكان هذه المناطق وتتباين مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية الى حد كبير. كما انها تضم اقدم مراكز الحضارة الإنسانية وتتركز الكتلة الإسلامية في العالم وكذلك أصحاب المعتقدات الدينية الأخرى غير السماوية من النهدوكية والبوذية والكونفشيوسية وغيرها وكذلك المعتقدات الوثنية.

وهي لم تزل باستثناء اليابان والمناطق التي تراكمت ثرواتها سبب البترول فأنها في معظمها ذات أنشطة اقتصادية أولية وينخفض فيها مستوى المعيشة الا انها حضاريا وطبيعيا تملك مواردا سياحية متنوعة وجذابة الا انها في معظمها يخيم عليها عدم التقدم والافتقار الى البنية الأساسية والى الخدمات والتسهيلات السياحية الا بالنسبة لبعض المناطق المركزية للسياحة وفي العواصم. وهي تجتذب حركة سياحية من خارجها وبخاصة من الدول المتقدمة الغنية في اوربا وامريكا ولكن بصورة اقل مما هو مشاهد في الممالك الاوربية.

وتملك المملكة الإسلامية المقدسات الإسلامية واغلب الأماكن المقدسة للمسيحية واليهودية. ويتركز في المناطق الموسمية من آسيا المقدسات الرئيسية للمعتقدات الدينية الفلسفية. ويترتب عليها واحتفالاتها حركة ضخمة للبشر داخل هذه الممالك ومن خارجها أيضا. وجانب من هذه الحركة دينية صرفة وجانب منها سياحية صرفة.

وتتميز اوربا بالتنوع الطبيعي البشري الكبير فمن الشواطئ الدافئة للبحر المتوسط الى المناطق القطبية الاسكندنافية الباردة ومن الأراضي الساحلية المنخفضة عند بحر الشمال الى جبال الالب العظيمة التي ترتفع الى آماد بعيدة وتتغطي قممها بالثلوج. وتمثل اوربا مدى لا نهائيا من البيئات الطبيعية.

ويختلف الغرب الجزري وشبه الجزري عن الشرق القاري. وتتميز اوربا في الغرب بالمدن العظيمة وشبكان النقل الكثيفة والحركة والإنتاجية الهائلة والنمو السريع وبكثافات سكانية عالية في مساحات كبيرة وعديدة. وشهدت الثورة الصناعية وثورة النقل ويتنوع انتاجها الاقتصادي وتتفوق منتجاتها الصناعية ولا زالت تملك كثيرا من الإمكانات الاقتصادية وهي مركز انتشار الحضارة الاوربية بالعالم منذ الكشوف الجغرافية في القرن الخامس عشر للميلاد. وامتد نفوذها السياسي والثقافي في انحاء العالم القديم والجديد وانتشر سكانها الى الأمريكتين وأستراليا وجنوب افريقيا وشمال آسيا. وكما خرج الناس منها مهاجرين فانهم يعودون اليها سائحين لزيادة ارض الاسلاف دون ان يكون هناك اختلاف كبير من النواحي الاجتماعية والنفسية والحضارية بينهم وبينها. فهي زيارات لأرض الأجداد والمواطن وبخاصة وان اوربا كانت مجالا لحروب عالمية شاركت فيها قوات من خارج يابسها.

وتتميز اوربا بكثير من البيئات الحضارية شديدة التمايز التي تؤكد الدور العظيم الذي قام به الانسان عبر عصور التاريخ. وهي تتميز بالتنوع الكبير في العمران الريفي والحضري وتضم كثيرا من مناطق الحضر العملاقة ويعزى كثير من خصائص جغرافيتها البشرية الى العامل التكويني متمثلا في مجهودات أجيال السكان كي تصبح بيئات القارة صالحة لسكانهم ومعيشتهم بشكلها الحالي. وهي تتميز في عمرانها بسيادة الحضر متمثلا في مدن صغيرة هي مراكز تسويق ريفية وعواصم عظيمة الحجم. وشهد عمرانها الحضري تطورا جذريا خلال المائة سنة الأخيرة متمثلا في المجمعات المدنية وهي تحوي اكثر من ربع المدن المليونية في العالم.

وهناك اتجاه نحو الوحدة في غرب اوربا. وتعمل دول المنطقة متكاتفة على تحقيق التكامل الاقتصادي فيما بينها وتتعاون مع بعضها في امر الدفاع، ورغم الكوارث التي اصابت الحياة بها سبب الحرب العالمية الثانية الا ان القدرات البشرية ومهاراتها قد تغلبت على ذلك, ولا تملك الولايات المتحدة أماكن اثرية سياحية مثل منطقة البحر المتوسط ولكنها تضم عديدا من الأماكن ذات الجاذبية السياحية المتميزة من ذلك حدائق والت ديزني في فلوريدا وهي تجتذب الملايين كل عام. كما يوجد العديد من المنتجعات السياحية من اشهرها الحدائق القومية.

وان لم يكن هناك آثار قديمة مثل تلك الموجودة في مناطق الحضارات الهندية الراقية او البحر المتوسط فان الدولة اهتمت باي اثر او مكان ارتبط بأحداث تاريخية خاصة في حياة الدولة ومنحته الحماية. وينطق على هذه المناطق قانون الحدائق القومية وهي من مناطق المزارات الهامة بالدولة.

وتمثل جماعات الهنود الامريكيون بها في مناطق تواجدهم بأساليب حياتهم التقليدية تاريخا حيا يجتذب حركة سياحية لزيارة مواطنهم. وهناك توجد الملابس والمساكن والزينة والرسوم والحلي والمظهر التقليدي الذي استخدم كأحد عناصر الجذب السياحي. فالهنود تحولوا من اقلية الى قرى فلكلورية بين الصحارى والوديان وتحولت الى مجتمعات مغلقة في الغرب الأمريكي متمسكة بالعادات والتقاليد القديمة – وتحولوا الى مجرد (فرجة) للسياح.

ويمتد قانون الحدائق القومية ليشمل عديدا من المناطق الطبيعية الجبلية والنهرية والبحرية والشاطئية والنباتية والحيوانية التي يضفي عليها القانون نوعا من الحماية ويحافظ على طبيعتها الاصلية من التغير. لذلك يمنع استغلالها بما يؤدى الى تدميرها وان سمح بالاستعمال الى الحد الذي لا يغير من طبيعتها, لذلك كانت من مناطق الترويح الرئيسية في الولايات المتحدة.

ولعل اشهرها تمثال الحرية في مدخل ميناء نيويورك الذي تتوهج شعلته منذ مائتي عام تقريبا، وهو رمز وشعار للولايات المتحدة ولا يسبقه في ذلك سوى العلم الأمريكي. وهو يجذب نشاطا سياحيا كبيرا يتجه الى قاعدة التمثال الضخم بمصاعدها وشرفاتها الداخلية. ومنقوش على قاعدة التمثال بالنحاس كلمات تقول: (تمثال الحرية – أقيم عام 1886 – ان تمثال الحرية ينير العالم هدية من شعب فرنسا) وقد جمع مواطنو الولايات المتحدة الأموال اللازمة لبناء القاعدة الحجرية التي يقف فوقها كنصب تذكاري للصداقة الطويلة بين الولايات المتحدة وفرنسا والتي بدأت اثناء الثورة الامريكية وقد اصبح منارا للأمل عند القادمين الجدد الى أمريكا.

وهي تنتشر بشكل ملحوظ في كل انحاء الدولة وتضم اشكال الحياة النباتية ونماذج اشكال سطح الأرض وتجذب السياح لزيارتها. وقد أنشئت منذ منتصف الثلاثينات من القرن الحالي. وهي توجد في حوالي 22 ولاية ويبلغ عددها 35 متنزه قومي تبلغ مساحة بعضها عدة آلاف من الافدنة.