المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9093 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

أسـاليـب الـرقـابـة الـدوليـة
2024-01-17
وسائل الإنتاج الميكانيكية
16-6-2021
تـغيير قـادة المـنظمـة
2024-10-21
مراحل تطور المدينة العربية - المرحلة الثالثة
1-10-2020
رحلات الفضاء
2023-06-03
رتبة القمل الماص Anoplura
19-5-2016


حمزة بن عَبد المطلب  
  
3509   12:47 مساءً   التاريخ: 17-12-2017
المؤلف : السيد محمد بحر العلوم .
الكتاب أو المصدر : بين يَدي الرسُول الأعظم (صلى الله عليه وآله)
الجزء والصفحة : ص14-25.
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / قضايا عامة /

أقبل الليل، وأخذ الشيخ أبو معاذ طريقه إلى ندوته واستقبله القوم بالترحاب، وحيّاهم ببسمته الهادئة، وأدار عينيه الذابلتين في وجوه الجالسين كأنه يتفحصهم، ويتعرف عليهم وبدَتْ لهم من خلال نظراته العميقة رفة حب، وتصاعدت من بين أنفاسه المتعبة هزة حنان.
وبقي الشيخ صامتاً شيئاً من الوقت، ولعله يستجلي ذاكرته في صور الماضي وأحداث الأمس ، ثم تكلم، وهو يصوغ حديثه بأسلوبه الجميل..
ذكَّرتني جلستنا هذه بمجالسنا الماضية، يوم كانت الحلقات تنتشر في فناء الكعبة، وكنتُ - حينذاك - أرافق أبي في سهراته ، وكان حديث الطارق الجديد يدور فيها، وهو السائد عليها ، فقد أقضَّ مضاجع قريش، وأطار نومها من عيونها وشتت صوابها حديث محمد ودعوته.
ولم يكن رسول اللّه ببعيد عن قريش، ومكة فهو: حفيد عبد المطلب، سيد بني هاشم وهاشم عمرو بن عبد مناف ينتهي إلى عدنان، وهو الذي ما طعمت مكة ولا سقيت من يدين أبسط من كفيه، وأندى من راحتيه، وأجمل من خلقه ، وما أن نامت عين هذا الانسان العظيم على هذه الجوانب الانسانية الرائعة، حتى فتحتها على ولده عبد المطلب، شيبة الحمد ..
وكان هذا الرجل قد بلغ في قريش خاصة، والعرب عامة منزلة لم يكد يبلغها أحد وحتى قالت العرب فيها قولتها المعروفة: لو كان نبي على عهد عبد المطلب لكان هو نبي العرب .
وهو: ابن (عبد اللّه) أحد أولاد عبد المطلب العشرة الذين إذا طافوا بالبيت أخذوا بالأبصار، وجمعوا القلوب الطيبة حولهم.
وهو: ذلك اليتيم الذي لم يعرف من حنان الأبوة ما يشدُّ به عظمه، فقد مات عنه أبوه، بعد زواجه من أمه آمنة بنت وهب بفترة قصيرة، فتركه حملاً، أو رضيعاً على اختلاف في الروايات.
فتعهّده جده عبد المطلب - زعيم الهاشميين، وكبير قريش وشخصية مكة، وسيد العرب - فنشأ في ظله موفور الكرامة عزيز الجانب حتى كان يفرش له بفناء الكعبة، فلا يقرب من فراشه أحد من أولاده، أو كبار قريش، يهابونه ويحترمونه.
أما محمد فقد كان يأتي - وهو صبي - يتخطى رقاب الكل حتى يصل إلى يده، فيزاحمه على فراشه ويحاول الأعمام أن يمنعوه، فيقول لهم عبد المطلب: دعوا ابني هذا، إن له شأناً عظيماً يغبطه عليه الناس .
ولم يكن هذا فحسب من الجد نحو حفيده، بل أكثر من هذا، ولماذا لا يكون كذلك، وهو يتكهن لحفيده مستقبلاً خطيراً، وشروقاً لن يغرب؟..
وما أن شعر السيد الكبير بدنوِّ أجله حتى طلب ولده (عبد مناف أبو طالب)، فخفَّ اليه مسرعاً، وعيون الأولاد، والاسرة ترقب الأب العظيم، وهو على فراش الموت و بيدٍ ملؤها المحبة والحنان، يأخذ يد محمد فيضعها بيد أبي طالب ثم يقول له، وهو يصارع الموت: يا عبد مناف: خلفت في يدك الشرف العظيم الذي تطاول به رقاب الناس .
وتجفُّ الكلمة على ثغر زعيم الهاشميين، وابتسامة الرضا والاطمئنان تطفو مكانها لتزهر وتورق وسط جفاف الأيام.
وبدأ محمد يكبر، وتكبر معه الآمال، وكلما تدرج فتى الدعوة في العمر تضخمت مسؤولية العم الحنون في الاهتمام به والحفاظ عليه حتى لم يكن له من قريب او بعيد بأكثر حناناً وأشد إشفاقاً عليه من أبي طالب.
ولم يكن كل أولاد عبد المطلب مثل ما كان له أبو طالب حامياً، وناصراً، ومدافعاً، نعم كان حمزة أقرب الأعمام له بعد أخيه عبد مناف.
وحمزة تربطه بابن أخيه أكثر من صلة، فقد كان أخاً له بالرضاعة، وكان له ترب الصبا، يكبره بأربع سنوات، وكان يتعهده في كثير من الأحيان، وكانت هذه بمجموعها عاملاً يقرب بين القلبين، ويؤلف بين الروحين.
لقد كان يضمر له من الحب والوفاء أجمله وأحسنه، ويقدر لأخيه أبي طالب موقفه الرائع من وديعة أبيه، بما كان يبذل له من العناية والاهتمام، حتى قال محمد (صلى الله عليه وآله): كانت فاطمة بنت أسد - زوجة عمي - تجيع أولادها وتشبعني، وتتركهم شعثاً وتدهنني، ولم يكن لدى عمي أبي طالب همّ إلا حمايتي، والاهتمام بأمري .
وامتدّ الزمن، وعلى امتداده توسعت شخصية فتى عبد المطلب ، كلّ شيء فيه يدلُّ على أنه شخصية المستقبل ولم تغب عن ذهن حمزة كلمة أبيه - وهو على فراش الموت -: إن له شأناً عظيماً يغبطه عليه الناس .
وكان حمزة يسرّ ويفرح عندما يلمح ابن أخيه، ويكتم سروره ولا يتظاهر بفرحه، كان هذا الميل النفسي ينمو مع نمو محمد، ولا يستطيع تفسيره ولا بد أن يعثر على تفسير ولو بعد حين ذلك هو الإيمان الذي تولد في أعماقه وازدهر بعد زمان.
ومرت بالنبي أحداث كانت لها الأثر في رفع الستارة عن شخصيته، وكان حمزة يتابع هذه القضايا بشيء من الإهتمام..
ومن أبرزها حينما اختلفت قريش فيما بينها، على وضع الحجر الأسود في مكانه بعد بنيان الكعبة، فكانت كل قبيلة تود أن تحظى بهذا الشرف الكبير، وكاد النزاع يؤدي إلى معركة واتفق الجميع على أن أول قادم عليهم سيكون هو الحكم في ذلك، ولم تنطو لحظات حتى كان المقبل عليهم هو محمد بن عبد اللّه واستبشرت الوجوه به، فهو المعروف عندهم ب الصادق الأمين وبسط الرسول رداءه، ووضع فيه الحجر في وسطه، وأمر كل زعيم قبيلة أن يحمل جانباً من الرداء، وإذا ما رفعوه، أخذه ووضعه في مكانه.
ولم يهن ذلك على طغاة قريش، فقال قائلهم: وا عجباً لقوم أهل شرف ورياسة، وشيوخ وكهول، عمدوا إلى أصغرهم سناً وأقلهم مالاً، فجعلوه عليهم رئيساً وحاكماً!! أما واللات والعزى ليفوقهم سبقاً، وليقسمن بينهم حظوظاً وجدوداً وليكونن له بعد هذا اليوم شأن ونبأ عظيم..
وكان حمزة في خضم هذه الأحداث ذلك الإنسان الذي يعيشها ويعيها ويحكم نفسه فيها تحكيماً منصفاً، فيزداد إيماناً وحباً وتفانياً لابن أخيه، ويقف إلى جانب أخيه أبي طالب كافله ومحاميه ، ومرت الأيام، وأعلن محمد دعوته، ولم يستجب لها في بادئ الأمر إلا خديجة وعلي بن أبي طالب، ثم استمرت الدعوة، رغم قلة الناصر، وجدّت قريش في عرقلة حركتها، وكان من أشد الناس عليه عمه أبو لهب، يتحين الفرص، فإذا ما ظفر به وحيداً صب عليه جام غضبه، وسخر منه، وآذاه بأنواع الأذى.
لكن ذلك كله لم يثنه عن رسالته، وإلى جانبه أبو طالب وحمزة يقفان له في كل نازلة يصدّان عنه عدوان الناقمين، ويدفعان عنه ظلم الحاقدين..
ومرة جاء محمد إلى عمه أبي طالب يشكو له أذى قريش فقد ألقوا عليه سلى ناقة فقال محمد لعمه: عم كيف ترى حسبي فيكم ؟! 
فقال له: وما ذاك يا ابن أخي؟ 
فأخبره بالأمر فدعا أبو طالب حمزة، وقد توشح كل منهما بسيفه، وقال لحمزة: خذ السلى معك وتوجها إلى القوم، وهم في فناء الكعبة، فلما شاهد القوم المقبلين توسموا في وجوههم الشر وإذا ما وقفا على رؤوسهم قال أبو طالب لأخيه حمزة: مرّ السلى عليهم، ومن يعارض اقتله، فامتثل حمزة حتى أتى على آخرهم، فالتفت أبو طالب إلى ابن أخيه قائلاً: هذا حسبك فينا!.
برغم هذا فلم تكف قريش عن أذى محمد كلما ساعدتها الفرصة وتقسو معه حيث أمكنتها القسوة ، وكان هو بنفسه لا يرد عليها أذاها، يحتمل منهم الألم، ويطويه بين أضلاعه، اللهم إلا أن يعلم أحد الثلاثة بما أصابه، فيكون الانتقام حامياً، وهم: أبو طالب، وحمزة، وعلي، فيردون الصاع صاعين على المعتدي ، وذات يوم يمر النبي عند الصفاة، فإذا بأبي جهل هناك ونفسه الحاقدة تغلي في صدره، فيلتفت يمنة ويسرة، فلا يرى من يخشى صولته وغضبه، ليس معه أبو طالب، ولا على مقربة منه حمزة، ولا إلى جنبه علي، وحيد يلقاه، وهي فرصة سنحت له، فليستغلها.
وينهال الرجل المريض القلب على محمد دون خشية وخوف يشتمه فيجرحه بالكلام، ويسبُّه ببذيء القول، ويفرغ كل حقده الجاهلي، ويظهر كل كوامن حسده ، ورسول اللّه لم يفتح شفتيه ليردَّ عليه، إنه لعلى خلق عظيم، ويأنف أن يقابل هذا الأحمق الجاهل، وإن امتدَّ به العمر.
وينصرف بعد ان يسمع منه ما لم يسمع، ويتألم ويحزن ويطوي في نفسه أحزانه وآلامه.
ويسري الخبر اإلى حلقات قريش يقطع أوصال مكة كالعاصفة، ويسبق وصول ابي جهل اليها، ويفرح من يفرح ويحزن من يحزن، ومن يرد عليه؟ والفاعل ابو جهل الشرس الفض، وكثير منهم يرغب بأذى محمد؟ ولا يرغب ان يباشره بنفسه خوفاً من نقمة ابي طالب وبطش آله.
وأقبل ابو جهل على قومه يفخر بما عمله، ويزهو بما بدر منه فقد أرقه محمد، وسلب النوم من عينه، فما باله - وقد غنم به - ان لا يسكب كل ما في نفسه من لؤم كلاماً لا هوادة فيه، إذا لم يتمكن من مهاجمته بالسيف.
وكانت عادة حمزة ان لا يعود الى بيته من سفره إلا إذا طاف بالبيت سبعاً ، ولا يدخل بيته إلا إذا مرَّ على أندية قريش ومجالسها، مسلماً، ومتحدثاً، ومداعباً، وكان مهاباً مرموقاً ولماذا لا يكون كذلك، وهو من أعز فتيان قريش، وأشرفها وأقواها شكيمة، يعدّ من أبطال الهاشميين، مزهواً بقوته معتداً ببطولته.
وانه لفي ذلك اليوم وقد عاد من سفر له، متوشحاً قوسه كعادته توجه إلى الكعبة ليؤدي طوافه، ويقف على أندية قريش يشارك جلاسها أحاديثهم، فينتهي إلى حلقه امرأة، وهي مولاة لعبد اللّه بن جدعان، واستقبلته وقد بدا على وجهها ظل من الحزن، ثم لفت خمارها، وقالت له - ولعل دموعها سبقتها إلى الحديث - : يا أبا عمارة، لو رأيت ما لاقى ابن اخيك محمد قبل قليل من أبي جهل لجزعت، فقد ظفر به، ولم يكن معه أحد، فصب عليه وابلاً من السب الفظيع، والشتم القاسي، وبلغ منه ما يكره ولم يكلمه محمد بشيء..
لم يكن هذا الخبر بأقل من وقع الصاعقة على بطل الهاشميين ومادت الأرض به شيء لا يطاق، وكبير جداً على بني هاشم أن تنال مخزوم ما نالت.
وغلى الغضب في قلبه، ودارت الدنيا في عينيه.. يا للعار.
حفيد عبد المطلب وسيد قومه يصاب بمكروه، وعين لبني هاشم تطرف، الموت خير من الحياة ، ولمحت المرأة الغضب يجول على وجه حمزة، ويكاد يقطع أنفاسه، فأدار وجهه، ومضى نحو البيت، وهو يخسف الأرض بمشيته، وعيناه تلقف كل من يلقاه في طريقه لعله المتطاول على كرامته فيهجم عليه.
والمرأة خلفه تهرول، وفي قلبها أكثر من فرحة، فقد ضاقت ذرعاً من شر أبي جهل، إنه الرجل الشرس الفض، الذي يعتدي على الناس، ويرى انه المتفضل في اعتدائه، ويشاكس الكثير من الضعفاء، ويصيبهم بسوء، ولا رادع يردعه، ولا راد يرده.
وهي بهذا التفكير لمحت حمزة قد وصل إلى المسجد، وتخطى الجالسين واحداً بعد الآخر حتى وقف على رأس أبي جهل وانفجر بوجهه صارخاً، والغضب يتطاير من عينيه: أتشتم محمداً يا حقير، ورفع قوسه، وأنزله بعنف على رأسه فشجه، ووقع على الأرض، وكاد يثني بها، لولا بعض الجالسين فقد حالوا دون ذلك، ثم قال له: أتشتمه يا أبا جهل؟! وتهينه، وأنا على دينه وأقول ما يقول، رد عليّ إن امكنك القول، وتكلم إن ملكت الكلام؟
ولم يهن على بني مخزوم ما أُصيب به زعيمهم، فتواثبوا من هنا وهناك ليأخذوا بثأرهم، ولم يتزحزح حمزة، ولم ترهبه جعجعة السيوف، وقف يتحداهم، وهو يرفع قوسه استعداداً لكل خطب، لم يهب شخصاً، ولم يطأطئ رأسه لأحد.
ويخشى أبو جهل العاقبة إذا توسع الأمر، فيطلب منهم أن يخلدوا إلى الهدوء والسكينة، ويتركوا أبا عمارة، لأنه ألحَّ في سب ابن اخيه سباً قبيحاً ، ووصل الخبر إلي النبي (صلى الله عليه وآله) وهو في بيته، فتنكشف الغمة عنه، ويشكر لعمه حمزة موقفه.
كانت هذه الحادثة سبباً لكشف إسلام بطل الهاشميين أسد اللّه، وأسد رسوله، وفي الوقت نفسه كانت بداية انطلاقة جديدة للدعوة، وقوة داعمة فأزداد اطمئنان أبي طالب، فقد كان يعمد إلى حماية ابن أخيه حماية مباشرة، ويخشى عليه حتى من ظله، لذا كانت فرحته كبيرة بإعلان حمزة إسلامه وهو وولداه: علي وجعفر، وحمزة قوة لا يستهان بها، ويعرف قوة أخيه وبطولته أكثر من غيره، وجرّب شجاعته وإقدامه أكثر من مرة..
ولم يكن هيناً على قريش إسلام حمزة وإعلان إسلامه، فقد كانت تهابه وتخشاه، ولامت أبا جهل على تهوُّره الذي يسبب لها الأزمات، ويدفع بأصحاب محمد إلى الصلابة والصمود.
وإذا كانت الهجرة إلى المدينة، وغادر الأصحاب متخفين متسللين، فقد شدَّ حمزة ركبه دون خشية، او خوف من طغاة مكة، وهاجر إلى المدينة المنورة ليكون إلى جنب نبيه.
وأخلص حمزة لقضيته، ووفى لها، وعقد له النبي أول راية رفت في الاسلام، فقد أرسله مع سرية له إلى سيف البحر ليقاتل المشركين، وقبل أن يلتحم القتال حلّت بالمعاهدة والاتفاق وكان النبي يحرص دوماً ان يتجنب القتال.
وراحت الأيام تحصد الشوامخ من المواقف المشرفة لبطل الهاشميين كلها تعبر عن شرف العقيدة، والإخلاص المتناهي.

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.