أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-10-2016
2338
التاريخ: 31-7-2019
2029
التاريخ: 2-3-2019
1986
التاريخ: 4-3-2017
2532
|
في اعتقادنا أنَّ الذين يَتَجَرَّعون سُمَّ مرارة التخلُّف والنكوصية في العالَم العربي والإسلامي، ويلوكون علقمها - كثيرون، وإنِ اختلفت مستوياتهم المادية، والمعرفية، والثقافية، ولكن في المقابل يسعى الإنسان بتفكيره الخلاَّق والمتَّزِن جاهدًا إلى كسر الحواجز، وتهشيم الأقنعة، واختراق الحجب، بصيغة أخرى: في وضع صعب للغاية كهذا، لا يمكنك إلا أن تكونَ متفائلاً، وألا تنظرَ بحذاقة إلى النِّصف الفارغ من الكأس، فبعد أن تكونَ وصلتَ إلى القعر تمامًا، لا يمكن لك إلاَّ أن تأمل أنَّ الأمورَ تسير ثانية نحو الأفضل.
وما النموذج الياباني والبُلدان الصناعية الجديدة، أو التِّنِّينات الأربعة - كوريا الجنوبية، وتايوان، وهونغ كونغ، وسنغافورة - عنا ببعيد، التي استطاعت في وقت وجيزٍ أن تخرجَ من رمضاء ودياجير التخلُّف، إلى نور التقدُّم والتصنيع.
أسئلة متشابكة ومحيرة في نفس الآن، تتقاطر على ذهن الإنسان العامي والمثقف، كلما تعلق الأمر بإشكالية معالجة داء التخلُّف، الذي اتَّسَع فتقُه، واستعصى على الراقع لَمْلَمةُ جراحه في هذه المرحلة، هل هو مرتبط بالظروف الجغرافية - البيئية (المناخية، الطبيعية: التضاريس الوعرة...)، التي يَتَحَتَّمُ علينا الركوع والخنوع لها؛ إجلالاً لها؛ لعَدَم قُدرتنا على التصرُّف فيها، وتغيير معالمها ونتوءاتها، حسب زعم المدرسة الحتمية، التي يتزعمها راتزل، أو بالظُّروف الثقافية الكلاسيكيَّة، التي تنظر إلى كلِّ جديدٍ وغير مألوف نظرةَ المتلكِّئ والرافض؟
من جهةٍ أخرى: هل تخلُّفُنا راجعٌ إلى عدم الأخْذ بالأسلوب العلمي، أو أن ذلك يعود إلى غياب دولة المؤسَّسات، وسيادة القانون، والديمقراطية، وحُقُوق الإنسان، أو إلى عوامل خارجيَّة منَظمة، تَهْدف لإبقاء الأوضاع الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والسياسية العالَميَّة على حالِها؛ للحفاظ على مصالح الدول الكبرى، وذلك بقمْع كل النتوءات الفكرية والعلمية، وجَعْلها عقليَّة مُسطحة وساذجة، ومتساوية التفكير، وإن كان باختلافات طفيفة - كما هو حاصلٌ بين بيبسي كولا، وكوكا كولا - أو باللغة الأمريكية: معنا أم ضدنا؟
ثم هل مشكلة ومعضلة التخلُّف عرَضيَّة وظرفية، مَرَّتْ بها كلُّ الدول التي تصنَّف حاليًّا بالمتقدمة، أو قدر محتوم يستحيل على البلدان التي تسمَّى زيفًا وزورًا - وإن شئتم حياء - بالدول النامية تخطِّيها، حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط، انطلاقًا منَ المقولة المشهورة التبريرية للفكر الاستعماري، والتي انجَرَّ وراءها أبناءُ جلدتنا منَ الأدباء والمفكرين، الذين قسموا العالم إلى نوعين من الأجناس: نوع متفوق بطبعه، وآخر متخلف بطبعه، وأن الأول يتحمَّل مسؤولية تمدْيُن الثاني، وتحدث الإنجليزي "روديار كيبلينغ" عن عبْء الرجل الأبيض: "الرجلُ الأسود عبء على الرجل الأبيض، فالغرب غرب، والشرق شرق، وهما لا يلتقيان".
ومِن ثَمَّ فتحليل مثل هذه الإشكالات يحتاج إلى تعاوُنِ وتضافُرِ مَجْهُوداتِ النُّخبةِ المثقَّفة، كلٌّ من موقعه الثقافي والعلمي - أي: تخصُّصه - لِمُحَاوَلة تغطية هذا الحَدَث الأليم، وذلك بتشخيص الداء، وذلك من مُنطلق: "الاعتراف بالمرض أرفع درجات العلاج"، وسأقتصر مِن جانبي في هذا المقال على الرد على بعض التصوُّرات التي تحاوِل جعْل التخلُّفِ نبتةً طبيعية - أو بالأحرى: جغرافية - يستحيل اقتلاعها.
يقول نيتشه: "إنَّ القضايا الكبرى مثل الحمام البارد، ومن الأفضل الخروج منه بأسرع من دخوله"، وفي موضوعنا المتشابك هذا، الذي أرَّقَ الباحثين والمفكِّرين والسياسيين، الذي يتصل بقضيَّة كبرى، وهي تخلُّف البلدان العربيَّة والإسلاميَّة، سأحاول قدر المُسْتَطاع بقراءة بانوراميه واستعراضية - وبطبيعة الحال لن تحيط بكل شاردة وواردة - أن أدخل بسرعة من خلال الطواف والإطلالة على بعض التصورات التي تحاول إلصاق التخلف بمجتمعاتنا - كطابع بريدي، أو ورقة أثمان يستحيل التصرف فيها - من خلال دراسة الإنسان، ونشاطاته، وعلاقاته بالظروف الجغرافية(1) (وأقصد هنا الطبيعية، والمناخية، والأيكولوجية، والبشرية)، التي تعوق مسيرة الإنسان المتخلف - بطبيعة الحال ماديًّا واقتصاديًّا - ولكنني لا أدري إن كنت سأوفق في الخروج منه بالسرعة نفسها.
وهذا الموضوع يمكن تقسيمه إلى ثلاث مناطق بحثية تالية:
1- المؤشرات والمعايير الدولية للتخلف.
2- المدارس الجغرافية الكبرى وإشكالية التخلف.
3- وجهة نظر: مساهمة أبستمولوجية.
إن معالجة مواضيع من هذا القبيل ليس ضربًا من الترف الفكري، وإنما ينمُّ عن مرارة التأخر في اللحاق بالدول المتقدمة، التي تتسيَّد على العالم من منطلق ترساناتها العسكرية، وتسعى جاهدة إلى فرض هيمنتها على الدول المتأخرة، على المستوى الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي (العولمة الاقتصادية والثقافية، والتبعية بأنواعها المختلفة).
لا يخلو أي عمل للكتَّاب البورجوازيين الذين تعرَّضوا لقضايا العالم الثالث - مهما كانت قيمته - من بحثِ صفاتِ التخلفِ، وجوهره، وأسبابه، ومقاييسه، وهذا أمر طبيعي جدًّا، فالوضع الراهن لبلدان العالم الثالث لا يحتاج إلى مناقشات عامة؛ بل إلى توجيهات محددة في إعداد برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ لكن معالجة المرض تحتاج قبل كل شيء - في رأي هؤلاء الكتاب البورجوازيين - إلى تشخيص أعراضه؛ ولذا اضطروا إلى بدء بحثهم بالإجابة عن الأسئلة التالية: ما التخلف؟ وبماذا يتحدد؟ وما العوامل الأساسية التي تعوق بلدان العالم الثالث في محاولاتهم القضاء على التخلف - وبخاصة تخلفها الاقتصادي - في أقصر وقت ممكن، وبأقل التكاليف؟(2).
______________
(1) تعددت تعاريف الجغرافية، ولكن سنعتمد التعريفين التاليين:
- "إن الجغرافيا تدرس الأرض موطنًا للإنسان، فهي تدرس الأرض، ونعني بها البيئة الطبيعية، ولكن الجغرافية لا تدرس هذه العناصر لذاتها دراسة علمية صرفة؛ بل تدرسها من حيث أثرُها في الإنسان، فهي (أي هذه العناصر) تتحدَّاه، فيستجيب لها باستجابات خاصة؛ أي: بنشاطات بشرية"؛ صفوح خير، "البحث الجغرافي: مناهجه وأساليبه"، دار المريخ، المملكة العربية السعودية، 1990، ص52.
- وجاء في "معجم لالاند" المعروف في مادة "الجغرافيا" ما نصه: "وصف لمختلف مناطق سطح الأرض؛ دراسة، وبقدر الإمكان تفسير للظواهر الطبيعية والبشرية والاقتصادية في علاقتهما بالمكان، وفيما بينهما".
André Lalande: vocabulaire technique et critique de la philosophie. P. U. F,9e édition , 1962 .
(2) د. محمد عبدالمولى: "طبيعة وأسباب التخلف الاقتصادي - الاجتماعي في العالم الثالث: مفاهيم وقضايا منهجية"، مجلة الوحدة، السنة الثالثة، العدد 25، أكتوبر 1986، ص36.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|