أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-11-2017
3047
التاريخ: 14-2-2019
2327
التاريخ: 2023-12-31
1327
التاريخ: 12-4-2016
3412
|
ان الرغبة في البقاء على قيد الحياة ليست مرتبة بمقدار اللذة والمتع المادية التي يجنيها الانسان من بقائه حياً بل ان تلك الرغبة شعور غريزي لا يمكن الا للقلّة أو النخبة الافلات منه وهذا الشعور الفطري في التشبث بالحياة الدنيا له منشأ مرتبط برغبة الانسان الغريزية نحو البقاء على قيد الحياة حتى لو كان الانسان فقيراً معذّباً فقد يفضّل الفرد الفقير او المعذّب، الحياة مع الفاقة والحاجة، على الموت فالموت اذن، عملية مرعبة لا يريد الانسان ان يفكر فيها ما دام حياً واذا صدق هذا، فان الايثار لا يتم؛ لأنه يعني ببساطة طلب الموت على الحياة اختياراً.
لكن علي (عليه السلام) _ وهو في الثالثة والعشرين من عمره _ غيّر هذا المفهوم؛ وجعل طلب الموت والتضحية والايثار، الاصل في منهج حياته الدينية والاجتماعية فجعل حياته وقفاً للدين، واستعداداً كاملاً لحماية النبي (صلى الله عليه واله) في كل موقف فقد قرر (عليه السلام) امتثال أمر النبي (صلى الله عليه واله) والمبيت في فراشه (صلى الله عليه واله) ليلة الهجرة وكان عملاً جريئاً للغاية، لان أقل ما يمكن توقعه في تلك الليلة هو أن يقطّع بالسيوف دون مقاومة وبدم بارد فيضيع دمه بين قبائل العرب وفي خصوص تضحيته تلك أنزل الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207].
فكان ما يميز ايثار علي (عليه السلام) ليلة الهجرة هو أن الظرف الذي كان يمرُّ به رسول الله (صلى الله عليه واله) والرسالة التي يحملها كان صعباً للغاية، وكانت التضحية جسيمة جداً، ولذلك كان انكار المصلحة الذاتية عند الامام (عليه السلام) في ذلك الموقف، ضخماً وعملاقاً.
ولا شك أن المصلحة الذاتية تحدد الدافع نحو العمل في ظروف معينة فعندما يأكل الانسان طعاماً طيباً في بلد يفيض بالخيرات والطيبات، فانه يتصرف من وحي مصلحته التكوينية، ولا ضير في ذلك ما دام الخيرُ كثيراً ولكنه لو أكل نفس نوعية ذلك الطعام في وقت مجاعة يتضور فيها أرحامه وجيرانه جوعاً وألماً، لعُدّ ذلك اهتماماً بمصلحته الذاتية وتكريساً لفكرة الانانية.
ولو كان رسول الله (صلى الله عليه واله) قد أمر علياً (عليه السلام) بالمبيت على فراشه وهو في المدينة وقت سلم وأمان لما انطوى ذلك العمل على قضية مهمّة، لأنه لا يبرز انكاراً لمصلحة ذاتية ولكن الامر حصل في ظرف خطير للغاية، حيث تجمّع ممثلو بطون العرب ليقتلوا رسول الله (صلى الله عليه واله)، فنام علي (عليه السلام) - مختاراً - على فراش النبي (صلى الله عليه واله) تحت ظلّ سيوف الأعداء، يتوقّع فيها سفك دمه في أية لحظة، هنا تجلى عند علي (عليه السلام) انكار الذات والترفع عن المصالح الذاتية بأجلى صورها.
ولو لم يكن هناك انسجامٌ فكري وعقائدي وروحي تام بين المُؤْثِر -وهو علي (عليه السلام)- والمُؤْثَر له -وهو رسول الله (صلى الله عليه واله)- ، لما تحقق الايثار بمعناه الكلي الواقعي؛ لان الاختلاف في الدوافع والاهداف لا يولّد ايثاراً.
ذلك، أن اليقين بصحة الرسالة، والقطع بالنبوة الحقة، والثقة بنصر الله عزّ وجلّ، جعلت من قضية ذلك الايثار أمراً حتميّاً، واندماجاً لا يمكن تفكيكه بينهما (عليهما الصلاة والسلام) فلم تكن هناك مشاعر فردية في حبّ الذات، أو الخوف من الموت، أو الحفاظ على المصالح الشخصية بقدر ما كان هناك اندماجٌ في الرسالة وقائدها واندكاكٌ في أهدافها ووسائلها.
ولكن الرسالة السماوية كانت بحاجة الى جهد جماعي متظافر من أجل نقل فحواها وأهدافها النبيلة الى البشرية كي تؤمن بها وتدافع عنها، وتركيبة دينية تضم أفراداً على رأسهم رسول الله (صلى الله عليه واله) ومن بعده علي بن أبي طالب (عليه السلام) ونخبة طيبة من الموالين لرسول الله (صلى الله عليه واله) وأهل بيته (عليه السلام) لابد أن تنتصر على أعدائها؛ ذلك لان التظافر والتآزر الذي كان يشدّ تلك التركيبة أوصلها الى درجات عليا من الايثار وتفضيل الغير على الذات.
لقد أظهر علي (عليه السلام) بايثاره ذلك ثلاث خصال على درجة كبيرة من الاهمية، وهي:
الاولى: الاقرار بنبوة محمد (صلى الله عليه واله) والتضحية من أجلها ومن أجل الحفاظ على قائدها (صلى الله عليه واله).
الثانية: أنه كان المدافع الحقيقي عن رسول الله (صلى الله عليه واله)، وأقصى ما يفعله المؤْثِر أن يقدّم للمؤْثَر له نفسه وجسده.
الثالثة: ان طبيعة الامام (عليه السلام) كانت ترى الموت والحياة في الله، على حد سواء، فاذا كان في الموت رضىً لله سبحانه فمرحباً بالموت. وإذا كان في الحياة - بخشونتها وآلامها - رضىً لله عزّ وجل فمرحباً بها وسيلة من وسائل نشر الدين. والى ذلك يشير (عليه السلام) ضمن كلام له لمّا قُبض رسول الله (صلى الله عليه واله): ... واللهِ لابنُ أبي طالب آنسُ بالموتِ من الطفل بثدي أمه... .
فلم يكن الايثار عند الامام (عليه السلام) حبّاً لمصلحة ذاتية، بل كان حبّاً لله عزّ وجل وذوباناً في القيم الدينية العليا والصفات المعنوية الأسمى، واندماجاً في مصلحة الدين وملاكاته وأهدافه العليا في الحياة الانسانية.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
جمعية العميد تدعو الجامعات العراقية لحضور مؤتمرها العلمي السابع
|
|
|