المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

محمود بن يحيى الشيباني
10-8-2016
حالـة خبيـر التنظيـم
16-5-2021
لماذا نستعيذ بالله ؟!
26-11-2014
The vowels of RP THOUGHT
2024-03-12
تأخير الصلاة عن أول الوقت برجاء زوال العذر
23-8-2017
وجوب كون إصابة الجمر بفعل الرامي.
29-4-2016


تفسير آية (109-111) من سورة المائدة  
  
3598   03:37 مساءً   التاريخ: 20-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة المائدة /

قال تعالى : {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة : 109 - 111].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة : 109] .

{يوم يجمع الله الرسل} هو كقوله : {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} وإنما انتصب {يوم} على أنه مفعول به ، ولم ينتصب على الظرف ، لأنهم لم يؤمروا بالتقوى في ذلك اليوم . والمعنى : اتقوا عقاب يوم يجمع الله فيه الرسل ، لان اليوم لا يتقى ولا يحذر ، فحذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه {فيقول} لهم : {ماذا أجبتم} أي : ما الذي أجابكم قومكم فيما دعوتموهم إليه ، وهذا تقرير في صورة الاستفهام على وجه التوبيخ للمنافقين عند إظهار فضيحتهم على رؤوس الإشهاد .

{قالوا لا علم لنا} قيل فيه أقوال أحدها : إن للقيامة أهوالا حتى تزول القلوب من مواضعها ، فإذا رجعت القلوب إلى مواضعها ، شهدوا لمن صدقهم على من كذبهم ، يريد أنه عزبت عنهم أفهامهم من هول يوم القيامة ، فقالوا : لا علم لنا ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، والسدي ، والكلبي ، وهو اختيار الفراء . وثانيها : إن المراد لا علم لنا كعلمك ، لأنك تعلم باطنهم ، وإنا لا نعلم غيبهم وباطنهم ، وذلك هو الذي يقع عليه الجزاء ، عن الحسن في رواية أخرى ، واختاره الجبائي ، وأنكر القول الأول ، وقال : كيف يجوز ذهولهم من هول يوم القيامة ، مع قوله : {لا يحزنهم الفزع الأكبر} ، وقوله : {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} ؟ ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن الفزع الأكبر دخول النار وقوله {لا خوف عليهم} إنما هو كالبشارة بالنجاة من أهوال ذلك اليوم ، مثل ما يقال للمريض : لا بأس عليك ، ولا خوف عليك . وثالثها : إن معناه لا حقيقة لعلمنا إذ كنا نعلم جوابهم ، وما كان من أفعالهم وقت حياتنا ، ولا نعلم ما كان منهم بعد وفاتنا ، وإنما الثواب والجزاء يستحقان بما يقع به الخاتمة مما يموتون عليه ، عن ابن الأنباري .

ورابعها : إن المراد لا علم لنا إلا ما علمتنا فحذف لدلالة الكلام عليه ، عن ابن عباس ، في رواية أخرى . وخامسها : إن المراد به : تحقيق فضيحتهم أي : أنت أعلم بحالهم منا ، ولا تحتاج في ذلك إلى شهادتنا .

{إنك أنت علام الغيوب} إنما قال {علام} للمبالغة ، لا للتكثير . وقيل : أراد به تكثير المعلوم والمراد : أنت تعلم ما غاب وما بطن ، ونحن إنما نعلم ما نشاهد ، وفي هذه الآية دلالة على إثبات المعاد ، والحشر . والنشر .

وذكر الحاكم أبو سعيد في تفسيره أنها تدل على بطلان قول الإمامية : إن الأئمة يعلمون الغيب ، وأقول : إن هذا القول ظلم منه لهؤلاء القوم ، فإنا لا نعلم أحدا منهم ، بل أحدا من أهل الاسلام ، يصف أحدا من الناس بعلم الغيب ، ومن وصف مخلوقا بذلك فقد فارق الدين ، والشيعة الامامية براء من هذا القول ، فمن نسبهم إلى ذلك ، فالله فيما بينه وبينهم !

{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [المائدة : 110] .

لما عرف سبحانه يوم القيامة بما وصفه به من جمع الرسل فيه ، عطف عليه بذكر المسيح فقال : {إذ قال الله} ومعناه : إذ يقول الله في الآخرة ، وذكر لفظ الماضي تقريبا للقيامة ، لان ما هو آت فكأن قد وقع {يا عيسى بن مريم} وهذا إشارة إلى بطلان قول النصارى لان من له أم لا يكون إلها {أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك} أي اذكر ما أنعمت به عليك ، وعلى أمك ، واشكره . أفرد النعمة في اللفظ ، ويريد به الجمع ، كما قال تعالى {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} . وإنما جاز ذلك لأنه مضاف ، فصلح للجنس ، ثم فسر نعمته بأن قال {إذ أيدتك بروح القدس} وهو جبرائيل عليه السلام ، وقد مضى تفسيره في سورة البقرة عند قوله وأيدناه بروح القدس {تكلم الناس في المهد وكهلا} أي : في حال ما كنت صبيا في المهد ، وفي حال ما كنت كهلا ، وقال الحسن : المهد حجر أمه . {وإذ علمتك الكتاب} قيل : الكتابة يعني الخط {والحكمة} أي : العلم ، والشريعة ، وقيل : أراد الكتب فيكون الكتاب اسم جنس ، ثم فصله بذكر التوراة والإنجيل ، فقال {والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني} أي : واذكر ذلك أيضا إذ تصور الطين كهيئة الطير الذي تريد أي : كخلقته وصورته ، وسماه خلقا لأنه كان يقدره . وقوله : {بإذني} أي : تفعل ذلك بإذني وأمري {فتنفخ فيها} أي تنفخ فيها الروح ، لان الروح جسم يجوز أن ينفخه المسيح بأمر الله .

{فتكون طيرا بإذني} والطير : يؤنث ويذكر ، فمن أنث فعلى الجمع ، ومن ذكر فعلى اللفظ . وواحد الطير : طائر ، فيكون مثل ظاعن وظعن ، وراكب وركب .

وبين بقوله : {فيكون طيرا بإذني} أنه إذا نفخ المسيح فيها الروح قلبها الله لحما ودما ، ويخلق فيها الحياة ، فصارت طائرا بإذن الله أي : بأمره وإرادته ، لا بفعل المسيح {وتبرئ} أي : تصحح {الأكمه} : الذي ولد أعمى ، {والأبرص} من به برص مستحكم {بإذني} أي : بأمري . ومعناه أنك تدعوني حتى أبرئ الأكمه والأبرص ، ونسب ذلك إلى المسيح ، لما كان بدعائه وسؤاله .

{وإذ تخرج الموتى بإذني} أي : أذكر إذ تدعوني فأحيي الموتى عند دعائك ، وأخرجهم من القبور حتى يشاهدهم الناس أحياء ، ونسب ذلك إلى المسيح لما كان بدعائه {وإذ كففت بني إسرائيل عنك} : عن قتلك وأذيتك {إذ جئتهم} أي : حين جئتهم {بالبينات} مع كفرهم وعنادهم . ويجوز أن يكون تعالى كفهم عنه بألطافه التي لا يقدر عليها غيره . ويجوز أن يكون كفهم بالمنع والقهر ، كما منع من أراد قتل نبينا . ومعنى {جئتهم بالبينات} : أتيتهم بالحجج والمعجزات . {فقال الذين كفروا} وجحدوا نبوتك {منهم} أي : من بني إسرائيل {إن هذا إلا سحر مبين} يعنون به عيسى ، و {سحر مبين} : يعني به أن ما جاء به سحر ظاهر واضح ، وينبغي أن يكون قوله سبحانه في أول الآية {إذ قال الله يا عيسى اذكر نعمتي} يعني : أخبر بها قومك الذين كذبوا عليك ، ليكون حجة عليهم ، لأنهم ادعوا عليه أنه إله ، ثم عدد النعمة نعمة نعمة ، على ما بيناه .

{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة : 111] .

ثم بين سبحانه تمام نعمته على عيسى فقال {وإذ أوحيت} أي : واذكر إذ أوحيت {إلى الحواريين} أي : ألهمتهم . وقيل : ألقيت إليهم بالآيات التي أريتهم إياها . ومضى الكلام في الحواريين في سورة آل عمران ، وهم وزراء عيسى ، عن قتادة ، وأنصاره ، عن الحسن . {أن آمنوا بي وبرسولي} أي : صدقوا بي وبصفاتي ، وبعيسى أنه عبدي ونبيي {قالوا} أي : قال الحواريون {آمنا} أي : صدقنا {واشهد} يا الله {بأننا مسلمون} .

_____________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 446-450 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

{ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ } . قال الرازي : « إن عادة اللَّه تعالى جارية في كتابه الكريم انه إذا ذكر أنواعا من الأحكام أتبعها إما بالإلهيات وإما بشرح أحوال الأنبياء ، وإما بشرح أحوال القيامة ، ليصير ذلك مؤكدا لما تقدم . . ولما ذكر هنا أحكاما من الشريعة اتبعها أولا بوصف أحوال القيامة ، ثم أحوال عيسى » .

والمشهد الذي ذكره هنا سبحانه مشهد رهيب ، يحشر فيه الخلائق للحساب والمحاكمة قبل صدور الحكم بالعفو أو الإدانة . . انه تعالى يجمع رسله الذين كان قد فرقهم ووزعهم في محافظاته وأقاليمه وقراه . . وبديهة ان قراه تعالى وأقاليمه غير قرانا وأقاليمنا . . إنها الأمم والأجناس والأقوام ، ثم يجابه كل أمة وكل قوم برسولهم ويقول له : ما ذا قال لك هؤلاء ؟ . . يريد بهذا السؤال أن يلقي الحجة على عباده ، ويمهد للحكم وحيثياته . ويجيب الأنبياء في هذا المشهد : { لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ } ومن علم الغيوب فلا تخفى عليه الظواهر .

وتسأل : إن الأنبياء يعلمون من جحد رسالتهم ، وحاربهم من أجلها في حياتهم ، فما هو الوجه لقولهم : لا علم لنا ؟ .

الجواب : ليس المراد من قولهم هذا نفي العلم إطلاقا ، بل المراد ان علمهم ليس بشيء في جانب علمه تعالى ، لأنهم يعلمون من أمتهم ما أظهروا وهو يعلم ما أظهروا وأضمروا .

{ إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وعَلى والِدَتِكَ } . بعد أن استجوب سبحانه أنبياءه بكلمة موجزة { ما ذا أُجِبْتُمْ } خص عيسى ( عليه السلام ) من بينهم بخطاب مطول ومفصل يذكره فيه بنعمته عليه وعلى والدته ( إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) وهو جبريل { تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ } تنزيها لأمك من كل شبهة { وكَهْلًا } أي ان كلامه في المهد كان مثل كلامه ، وهو كهل { وإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ } قيل المراد به الخط لأن الكتاب مأخوذ من الكتابة { والْحِكْمَةَ } الشريعة { والتَّوْراةَ والإِنْجِيلَ وإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وتُبْرِئُ الأَكْمَهً والأَبْرَصَ بِإِذْنِي وإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي } . مر تفسير نظيره في الآية 49 من سورة آل عمران . وكرر سبحانه بإذني أربع مرات للتأكيد على ان الخلق والأحياء والإبراء من اللَّه ، لا من سواه ، وانما أظهر سبحانه هذه الأفعال على يد عيسى ( عليه السلام) لتكون دليلا على صدقه ونبوته .

عيسى ونبوة الأطفال :

قد يظن أو يموه ان عيسى ( عليه السلام ) نبي صغير . . لأنه تكلم في المهد ، أي في حجر أمه ، وهذا جهل أو تدليس . . لأن عيسى إنما تكلم في المهد تبرئة لأمه من قول الآثمين ، لا لأنه رسول من المرسلين . . وإذا كان اللَّه قد أسقط التكليف الخفيف عن الصبيان فهل يكلفهم بالأحمال والأثقال ؟ . . {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل - 5] . ومن يسمع له ويطيع ، وهو في المهد ؟ . وهل تقوم الحجة للَّه على عباده بطفل رضيع ؟ وأين التعاليم التي بلَّغها للناس عن اللَّه ، وهو يلتقم ثدي أمه ؟ .

إن الأناجيل المعتبرة عند النصارى تنص على ان عيسى بعث في سن الثلاثين ، فقد جاء في إنجيل لوقا الفصل الثالث رقم 23 ما نصه بالحرف : « ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة » . وفي شروح على الأناجيل المقدسة المطبوعة مع الأناجيل الأربعة في المطبعة الكاثوليكية سنة 1938 ص 519 ما نصبه بالحرف :

« ذكر الانجيليّ ان عمر المسيح كان ثلاثين سنة لما ابتدأ حياته العلنية والبشارة بملكوت اللَّه » . وفي بعض كتب المسلمين ما يؤيد ذلك .

وغريبة الغرائب أن تقول أناجيل النصارى : إن دعوة عيسى ( عليه السلام ) ابتدأت  في سن الثلاثين ، ثم يقول انتهازي محترف متزلفا إلى وجوه النصارى ، يقول هذا المتزلف : « ان عيسى ( عليه السلام ) نبي طفلا صغيرا ، على العكس من محمد ( صلى الله عليه وآله  الذي بعث بعد الأربعين (2) ويستدل على افترائه هذا بأن عيسى تكلم في المهد بنص القرآن . . . متجاهلا أنه إنما تكلم تبرئة لأمه الصديقة الطاهرة ، لا ليبلغ رسالة اللَّه إلى عباده ، وهو متعلق بالثدي .

{ وإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ } . جاء في خطبة من خطب نهج البلاغة : « كان عيسى يتوسد الحجر ويلبس الخشن ، ويأكل الجشب ، وكان أدامه الجوع ، وسراجه بالليل القمر ، وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها ، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم ، ولم تكن له زوجة تفتنه ، ولا ولد يحزنه ، ولا مال يلفته ، ولا طمع يذله ، دابته رجلاه ، وخادمه يداه » .

ومع هذا لم يسلم من اليهود ، فحاولوا قتله ، ووصفوه بالكذب والسحر ، وألصقوا بأمه العار ، لا لشيء إلا لأنه نطق بالحق ، ودعاهم إليه ، وأمرهم به . . ولا يختص هذا باليهود ، فإن كثيرا من الناس ينصبون العداء لمن يرشدهم إلى الخير ، ويتمنى لهم الهداية .

{ وإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا واشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ } . يطلق الوحي على معان ، منها الإلهام ، كما في قوله تعالى :

{ وأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً } [النحل - 68] . وقوله :

{ وأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص - 7] .

وهذا المعنى هو المراد بقوله : ( أوحيت إلى الحواريين ) .

وتسأل : لما ذا ذكر اللَّه سبحانه عيسى بنعمه عليه من دون الأنبياء ، مع ان فضله ونعمه عليهم لا يبلغها الإحصاء ؟

الجواب : ان اللَّه سبحانه أجمل الخطاب مع الرسل ، وفصله مع عيسى لأن أتباعه غالوا فيه ، أما اتباع غيره فلم يدّعوا الألوهية لنبيهم ، فجاء التفصيل لإقامة الحجة على الغلاة .

__________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 143-146 .

2. أراد هذا المتزلف أن يفضل عيسى على محمد بطرف خفي . . ولكن للذين شاهدوا محمدا عرفوا من هو ؟ .

انظر فقرة بين حورايي محمد وحواريي عيسى عند تفسير الآية التالية 113 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} الآية لا تأبى الاتصال بما قبلها فإن ظاهر قوله تعالى في ذيل الآية السابقة : {وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا} ، إلخ وإن كان مطلقا لكنه بحسب الانطباق على المورد نهي عن الانحراف والجور في الشهادة والاستهانة بأمر اليمين بالله فناسب أن يذكر في المقام بما يجري بينه سبحانه وبين رسله يوم القيامة وهم شهداء على أممهم وأفضل الشهداء ، حيث يسألهم الله سبحانه عن الذي أجابهم به أممهم وهم أعلم الناس بأعمال أممهم والشاهدون من عند الله عليهم فيجيبونه بقولهم : {لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}.

فإذا كان الأمر على هذه الوتيرة ، وكان الله سبحانه هو العالم بكل شيء حق العلم فجدير بالشهود أن يخافوا مقام ربهم : ولا ينحرفوا عن الحق الذي رزقهم الله العلم به ، ولا يكتموا شهادة الله فيكونوا من الآثمين والظالمين والفاسقين.

فقوله تعالى : {يَوْمَ يَجْمَعُ) ، إلخ ظرف متعلق بقوله في الآية السابقة : {وَاتَّقُوا اللهَ) ، إلخ} وذكر جمع الرسل دون أن يقال : {يوم يقول الله للرسل} لمكان مناسبة مع جمع الشهداء للشهادة كما يشعر به قوله : {تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ}.

وأما نفيهم العلم يومئذ عن أنفسهم بقولهم : {لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} فإثباتهم جميع علوم الغيوب لله سبحانه على وجه الحصر يدل على أن المنفي ليس أصل العلم فإن ظاهر قولهم : {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} يدل على أنه لتعليل النفي ، ومن المعلوم أن انحصار جميع علوم الغيب في الله سبحانه لا يقتضي رفع كل علم عن غيره وخاصة إذا كان علما بالشهادة ، والمسئول عنه أعني كيفية إجابة الناس لرسلهم من قبيل الشهادة دون الغيب.

فقولهم : {لا عِلْمَ لَنا} ليس نفيا لمطلق العلم بل لحق العلم الذي لا يخلو عن التعلق بالغيب فإن من المعلوم أن العلم إنما يكشف لعالمه من الواقع على قدر ما يتعلق بأمر من حيث أسبابه ومتعلقاته ، والواقع في العين مرتبط بجميع أجزاء الخارج مما يتقدم على الأمر الواقع في الخارج وما يحيط به مما يصاحبه زمانا فالعلم بأمر من الأمور الخارجية بحقيقة معنى العلم لا يحصل إلا بالإحاطة بجميع أجزاء الوجود ثم بصانعه المتعالي من أن يحيط به شيء ، وهذا أمر وراء الطاقة الإنسانية.

فلم يرزق الإنسان من العلم في هذا الكون الذي يبهته التفكير في سعة ساحته ، وتهوله النظرة في عظمة أجرامه ومجراته ، ويطير لبه الغور في متون ذرأته ، ويأخذه الدوار إذا أراد الجري بين هاتين الغايتين إلا اليسير من العلم على قدر ما يحتاج إليه في مسير حياته كالشمعة الصغيرة يحملها طارق الليل المظلم لا ينتفع من نورها إلا أن يميز ما يضع عليه قدمه من الأرض.

فما يتعلق به علم الإنسان ناشب بوجوده متعلق بواقعيته بأطراف ثم بأطراف أطراف وهكذا كل ذلك في غيب من إدراك الإنسان فلا يتعلق العلم بحقيقة معنى الكلمة بشيء إلا إذا كان متعلقا بجميع الغيوب في الوجود ، ولا يسع ذلك لمخلوق محدود مقدر إنسانا أو غيره إلا لله الواحد القهار الذي عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ، قال الله تعالى : {وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [ البقرة : 216] فدل على أن من طبع الإنسان الجهل فلا يرزق من العلم إلا محدودا مقدرا كما قال تعالى : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [ الحجر : 21] وهو قوله عليه‌ السلام : حيث سئل عن علة احتجاب الله عن خلقه ـ فقال : لأنه بناهم بنية على الجهل، وقال تعالى : {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ} [ البقرة : 255] فدل على أن العلم كله لله ، وإنما يحيط منه الإنسان بما شاء الله ، وقال تعالى : {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [ الإسراء : 85] فدل على أن هناك علما كثيرا لم يؤت الإنسان إلا قليلا منه.

فإذن حقيقة الأمر أن العلم حق العلم لا يوجد عند غير الله سبحانه ، وإذ كان يوم القيامة يوما يظهر فيه الأشياء بحقائقها على ما تفيده الآيات الواصفة لأمره فلا مجال فيه إلا للكلام الحق كما قال تعالى : {لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً ، ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ} : النبأ ـ 39 كان من الجواب الحق إذا ما سئل الرسل فقيل لهم : {ما ذا أُجِبْتُمْ} أن يجيبوا بنفي العلم عن أنفسهم لكونه من الغيب ، ويثبتوه لربهم سبحانه بقولهم : {لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}.

وهذا الجواب منهم عليه‌ السلام نحو خضوع لحضرة العظمة والكبرياء واعتراف بحاجتهم الذاتية وبطلانهم الحقيقي قبال مولاهم الحق رعاية لأدب الحضور وإظهارا لحقيقة الأمر ، وليس جوابا نهائيا لا جواب بعده البتة :

أما أولا فلأن الله سبحانه جعلهم شهداء على أممهم كما ذكره في قوله : {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً} [ النساء : 41] وقال : {وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ} [ الزمر : 69] ولا معنى لجعلهم شهداء إلا ليشهدوا على أممهم يوم القيامة بما هو حق الشهادة يومئذ ، فلا محالة هم سيشهدون يومئذ كما قدر الله ذلك فقولهم يومئذ : {لا عِلْمَ لَنا} جري على الأدب العبودي قبال الملك الحق الذي له الأمر والملك يومئذ ، وبيان لحقيقة الحال وهو أنه هو يملك العلم لذاته ولا يملك غيره إلا ما ملكه ، ولا ضير أن يجيبوا بعد هذا الجواب بما لهم من العلم الموهوب المتعلق بأحوال أممهم ، وهذا مما يؤيد ما قدمناه في البحث عن قوله تعالى : {وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ} ، الآية : [البقرة : 143]  في الجزء الأول من هذا الكتاب : أن هذا العلم والشهادة ليسا من نوع العلم والشهادة المعروفين عندنا وأنهما من العلم المخصوص بالله الموهوب لطائفة من عباده المكرمين.

وأما ثانيا فلأن الله سبحانه أثبت العلم لطائفة من مقربي عباده يوم القيامة على ما له من الشأن ، قال تعالى : {وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ} [ الروم : 56] وقال تعالى : {وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ} [ الأعراف : 46] وقال تعالى : {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [ الزخرف : 87] وعيسى بن مريم عليه‌ السلام ممن تعمه الآية وهو رسول فهو ممن يشهد بالحق وهم يعلمون ، وقال تعالى : {وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [ الفرقان : 31 ] والمراد بالرسول رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله والذي تحكيه الآية من قوله هو بعينه جواب لما تشتمل عليه هذه الآية من السؤال أعني قوله تعالى : {فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ} فظهر أن قول الرسل عليه‌ السلام : {لا علم لنا} ليس جوابا نهائيا كما تقدم .

وأما ثالثا فلأن القرآن يذكر السؤال عن المرسلين والمرسل إليهم جميعا كما قال تعالى : {فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [ الأعراف : 6 ] ثم ذكر عن الأمم المرسل إليهم جوابات كثيرة عن سؤالات كثيرة ، والجواب يستلزم العلم كما أن السؤال يقرره ، وقال أيضا فيهم : {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ ق : 22] ، وقال أيضا : {وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} [ السجدة : 12] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة ، وإذا كانت الأمم ـ وخاصة المجرمون منهم ـ على علم في هذا اليوم فكيف يتصور أن يعدمه الرسل الكرام عليه‌ السلام فالمصير إلى ما قدمناه.

{إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ * وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ} [المائدة : 110-111] .

الآيتان وكذا الآيات التالية لها القاصة قصة نزول المائدة والتالية لها المخبرة عما سيسأل الله عيسى بن مريم عليه‌ السلام عن اتخاذ الناس إياه وأمه إلهين من دون الله سبحانه وما يجيب به عن ذلك ، كلها مرتبطة بغرض السورة الذي افتتحت به ، وهو الدعوة إلى الوفاء بالعهد والشكر للنعمة والتحذير عن نقض العهود وكفران النعم الإلهية وبذلك يتم رجوع آخر السورة إلى أولها وتحفظ وحدة المعنى المراد.

قوله تعالى : {إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ـ إلى قوله ـ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي} الآية تعد عدة من الآيات الباهرة الظاهرة بيده عليه‌ السلام إلا أنها تمتن بها عليه وعلى أمه جميعا ، وهي مذكورة بهذا اللفظ تقريبا فيما يحكيه تعالى من تحديث الملائكة مريم عند بشارتها بعيسى عليه‌ السلام في سورة آل عمران ، قال تعالى : {إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ـ إلى أن قال ـ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ـ إلى أن قال ـ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ ، أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ} (الآيات) [ آل عمران : 45-50] .

والتأمل في سياق الآيات يوضح الوجه في عد ما ذكره من الآيات المختصة ظاهرا بالمسيح نعمة عليه وعلى والدته جميعا كما تشعر به آيات آل عمران فإن البشارة إنما تكون بنعمة ، والأمر على ذلك فإن ما اختص به المسيح عليه‌ السلام من آية وموهبة كالولادة من غير أب والتأييد بروح القدس وخلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله سبحانه فهي بعينها كرامة لمريم كما أنها كرامة لعيسى عليه‌ السلام فهما معا منعمان بالنعمة الإلهية كما قال تعالى : {نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ}.

وإلى ذلك يشير تعالى بقوله : {وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ} [ الأنبياء : 91] حيث عدهما معا آية واحدة لا آيتين.

وقوله : {إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ} الظاهر أن التأييد بروح القدس هو السبب المهيئ له لتكليم الناس في المهد ، ولذلك وصل قوله {تُكَلِّمُ النَّاسَ} من غير أن يفصله بالعطف إلى الجملة السابقة إشعارا بأن التأييد والتكليم معا أمر واحد مؤلف من سبب ومسبب ، واكتفى في موارد من كلامه بذكر أحد الأمرين عن الآخر كقوله في آيات آل عمران المنقولة آنفا : {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً} ، وقوله : {وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [ البقرة : 253].

على أنه لو كان المراد بتأييده بروح القدس مسألة الوحي بوساطة الروح لم يختص بعيسى بن مريم عليه‌ السلام وشاركه فيها سائر الرسل مع أن الآية تأبى ذلك بسياقها.

وقوله : {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ} من الممكن أن يستفاد منه أنه عليه‌ السلام إنما تلقى علم ذلك كله بتلق واحد عن أمر إلهي واحد من غير تدريج وتعدد كما أنه أيضا ظاهر جمع الجميع وتصديرها بإذ من غير تكرار لها.

وكذلك قوله : {إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي} ظاهر السياق من جهة عدم تكرار لفظة {إِذْ} أن خلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص كانا متقارنين زمانا ، وأن تذييل خلق الطير بذكر الإذن من غير أن يكتفي بالإذن المذكور في آخر الجملة إنما هو لعظمة أمر الخلق بإفاضة الحياة فتعلقت العناية به فاختص بذكر الإذن بعده من غير أن ينتظر فيه آخر الكلام صونا لقلوب السامعين من أن يخطر فيها أن غيره تعالى يستقل دونه بإفاضة الحياة أو تلبث فيها هذه الخطرة ولو لحظات يسيرة ، والله أعلم .

وقوله : {وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي} إخراج الموتى كناية عن إحيائها ، وفيه عناية ظاهرة بأن الإحياء الذي جرى على يديه عليه‌ السلام كان إحياء لموتى مقبورين بإفاضة الحياة عليهم وإخراجهم من قبورهم إلى حياة دنيوية ، وفي اللفظ دلالة على الكثرة ، وقد تقدم في الكلام على آيات آل عمران بقية ما يتعلق بهذه الآيات من الكلام فراجع ذلك.

قوله تعالى : {وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ} إلى آخر الآية. فيه دلالة على أنهم قصدوه بشر فكفهم الله عن ذلك فينطبق على ما ذكره الله في سورة آل عمران في قصصه عليه‌ السلام بقوله : {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ}.

قوله تعالى : {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ} الآية ، الآية منطبقة على آيات سورة آل عمران بقوله : {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [ آل عمران : 52] .

ومن هنا يظهر أن هذا الإيمان الذي ذكره في الآية بقوله : {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا} ، الآية غير إيمانهم الأول به عليه‌ السلام فإن ظاهر قوله في آية آل عمران : {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} أنه كان في أواخر أيام دعوته وقد كان الحواريون وهم السابقون الأولون في الإيمان به ملازمين له.

على أن ظاهر قوله في آية آل عمران : {قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} أن الدعوة إنما سيقت لأخذ الميثاق على نصرة دين الله لا أصل الإيمان بالله ، ولذلك ختم الآية بقولهم : {وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} وهو التسليم لأمر الله بإقامة دعوته وتحمل الأذى في جنبه ، وكل ذلك بعد أصل الإيمان بالله طبعا.

فتبين أن المراد بقوله : {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ} ، إلخ قصة أخذ الميثاق من الحواريين ، وفي الآية أبحاث أخر مرت في تفسير سورة آل عمران .

__________________________

1. تفسير الميزان ، ج6 ، ص 165-185 .

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة : 109] .

هذه الآية ، في الحقيقة ، تكملة للآيات السابقة ، ففي ذيل تلك الآيات الخاصّة بالشهادة الحقّة والشهادة الباطلة ، كان الأمر بالتقوى والخشية من عصيان أمر الله ، وفي هذه الآية تذكير بذلك اليوم الذي يجمع الله الرسل فيه ويسألهم عن رسالتهم ومهمتهم وعمّا قاله الناس ردا على دعواتهم {يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ} .

لقد نفوا عن أنفسهم العلم ، وأوكلوا جميع الحقائق إلى علم الله و {قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} وعليه فإنكم أمام علام الغيوب وأمام محكمة هذا شأنها ، فاحذروا أن تنحرف شهادتكم عن الحقّ والعدل (2) .

هنا يبرز سؤالان :

الأوّل : إنّ ما يستفاد من الآيات القرآنية أنّ الأنبياء شهداء على أممهم ، بينما نجدهم في هذه الآية ينكرون كل علم ويوكلون كل شيء إلى الله.

ولكن ليس في هذا اختلاف ولا تضاد ، بل هو يحكي عن مرحلتين ، في المرحلة الاولى وهي التي تشير إليها الآية التي نحن بصددها ، يظهر الأنبياء الأدب بإزاء سؤال الله ، فينفون العلم عن أنفسهم ، ويوكلون كل شيء إلى علم الله ، ولكنّهم في المراحل التّالية يبيّنون ما يعرفونه عن أممهم ويشهدون ، وهذا يكاد يشبه المعلم الذي يطلب من تلميذه أن يجيب على سؤال فيظهر التلميذ التأدب أوّل الأمر ويقول : أن علمه لا شيء بالنسبة لعلم المعلم ، ثمّ بعد ذلك يدلي بما يعرف.

والسؤال الآخر : كيف ينفي الأنبياء العلم عن أنفسهم مع أنّهم إضافة إلى العلوم العادية يعلمون الكثير من الحقائق الخفية التي علمها الله لهم.

رغم أنّ للمفسّرين كلاما كثيرا في جواب هذا السؤال ، نرى أنّ الموضوع واضح وهو أنّ الأنبياء يرون علمهم لا شيء بالنسبة لعلم الله ، والحقّ كذلك ، فوجودنا لا شيء بالنسبة لوجود الله الأبدي وعلمنا لا وزن له بإزاء علم الله ، فمهما يكن «الممكن» فإنّه لا يكون شيئا بإزاء «الواجب» ، وبعبارة أخرى : إنّ علم الأنبياء ، وإن كان في حد ذاته غزيرا ، لكنه لا شيء بالقياس إلى علم الله.

في الحقيقة ، العالم الحقيقي هو الذي يكون حاضرا وناظرا في كل مكان وزمان ، وعارفا بتركيب كل ذرة من ذرات العالم ، وبكل أجزاء هذا العالم المترابط في وحدة واحدة ، وهذه صفة تختص بالله سبحانه.

يتّضح ممّا قلنا أنّ هذه الآية ليست دليلا على نفي كل علم بالغيب عن الأنبياء والأئمّة كما زعم بعضهم ، وذلك لأن «علم الغيب» بالذات يختص بمن يكون حاضرا في كل مكان وزمان ، وأمّا غيره تعالى فإنّه لا علم له بالغيب سوى ما يعلمه الله.

وهذا مأخوذ من آيات عديدة في القرآن ، منها الآية (26) من سورة الجن :

{عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ} والآية (49) من سورة هود : {تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ}.

يستفاد من هذه الآيات وأمثالها أنّ علم الغيب مختص بذات الله ، ولكنّه يعلّمه لمن يشاء وبالقدر الذي يشاء.

{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [المائدة : 110] .

نعم الله على المسيح :

هذه الآية والآيات التّالية لها حتى آخر سورة المائدة تختص بسيرة حياة السيد المسيح عليه‌ السلام والنعم التي أسبغها الله عليه وعلى أمّته ، يبيّنها الله هنا لتوعية المسلمين وايقاظهم فتقول الآية : {إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ} .

ومعنى «إذ قال» : واذكر إذ قال .

وحسب هذا التّفسير ، تشرع هذه الآيات ببحث مستقل له جانبه التربوي للمسلمين ويرتبط بهذه الدنيا ، إلّا أن عددا من المفسّرين ـ كالطبرسي والبيضاوي وأبي الفتوح والرازي ـ يرون أنّ هذه الآية تابعة للآية السابقة وتتعلق بالحوار الذي يدور بين الله والأنبياء يوم القيامة ، وعلى هذا يكون الفعل الماضي «قال» بمعنى «يقول» المضارع ، غير أنّ هذا يخالف ظاهر الآية ، خاصّة وأنّ تعداد النعم التي أنزلت على شخص ما يستهدف إحياء روح الاعتراف بالجميل والشكر فيه ، وهذا لإمكان له يوم القيامة.

ثمّ تشرع الآية بذكر النعم : {إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ}.

لقد بحثنا معنى «روح القدس» في المجلد الأوّل من هذا التّفسير بحثا مستفيضا وأحد الاحتمالات المقصودة هو أنّه إشارة إلى ملك الوحي ، جبرائيل ، والاحتمال الآخر هو تلك القوة الغيبية التي كانت تعين عيسى على إظهار المعجزات وعلى تحقيق رسالته المهمّة ، وهذا المعنى موجود في غير الأنبياء أيضا بدرجة أضعف.

من نعم الله الأخرى : {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً} أي أنّ كلامك في المهد ، مثل كلامك وأنت كهل ، كلام ناضج ومحسوب ، لا كلام طفل غر.

ثمّ أيضا : {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ} إنّ ذكر التّوراة والإنجيل بعد ذكر كلمة كتاب مع أنّهما من الكتب السماوية ، إنّما هو من باب التفصيل بعد الإجمال.

ومن النعم الأخرى : {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي}.

ومع ذلك فإنّك تشفي بإذن الله الأعمى بالولادة والمصاب بالمرض الجلدي البرص : {وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي}.

ثمّ {وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي}.

وأخيرا كان من نعمي عليك بأن منعت عنك أذي بني إسرائيل يوم قام الكافرون منهم بوجهك ووسموا ما تفعل بأنّه السحر ، فدفعت أذى أولئك المعاندين اللجوجين عنك وحفظتك حتى تسير بدعوتك : {وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}.

يستلفت النظر في هذه الآية أنّها تكرر «باذني» أربع مرات لكيلا يبقى مكان للغلو في المسيح عليه ‌السلام وادعاء الألوهية له ، أي أنّ ما كان يحققه المسيح عليه ‌السلام بالرغم من إعجازه وإثارته الدهشة ومشابهته للأفعال الإلهية ، لم يكن ناشئا منه ، بل كان من الله وبإذنه ، فما كان عيسى سوى عبد من عبيد الله ، مطيع لأوامره ، وما كان له إلّا ما يستمده من قوة الله الخالدة.

وقد يسأل سائل : إنّ كانت هذه النعم كلها قد أسبغت على عيسى عليه ‌السلام فلما ذا تعتبر الآية هذه النعم قد أسبغت على أمّه أيضا ؟

لا شك أنّ كل موهبة تصل الابن تكون قد وصلت الأم أيضا ، فكلاهما من اصل واحد ، ومن شجرة واحدة.

وكما ذكرنا في ذيل الآية (49) من سورة آل عمران ، فإن هذه الآية والآيات المشابهة دلائل على ولاية أولياء الله التكوينية ، ففي تاريخ حياة المسيح عليه ‌السلام ينسب إليه إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، ولكن بأمر الله وإذنه.

يتّضح من هذا أنّ من الممكن أن ينعم الله على من يشاء قدرة كهذه تمكنه من التصرف بعالم التكوين والقيام بأمثال هذه الأعمال أحيانا ، إنّ تفسير هذه الآية بأنّها تشير إلى دعاء الأنبياء واستجابة الله لدعائهم هو خلاف ظاهر الآية ، وأنّ ما نقصده بولاية أولياء الله التكوينية هو هذا الذي قلناه آنفا ، إذ ليس ثمّة دليل على أكثر من هذا المقدار (انظر تفسير سورة آل عمران الآية (49) لمزيد من التوضيح) .

{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة : 111] .

تعقيبا على ما جاء في الآيات السابقة من بحث حول ما أنعم الله به على المسيح عليه ‌السلام وأمّه يدور الحديث هنا حول النعم التي أنعم الله بها على الحواريين ، أي أصحاب المسيح عليه ‌السلام .

ففي البداية تشير الآية إلى ما أوحي إلى الحواريين أن يؤمنوا بالله وبرسوله
المسيح عليه ‌السلام فاستجابوا {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ}.

إن للوحي في القرآن معنى واسعا لا ينحصر في الوحي الذي ينزل على الأنبياء ، بل أن الإلهام الذي ينزل على قلوب الناس يعتبر من مصاديقه أيضا ، لذلك جاء هذا المعنى في الآية (7) من سورة القصص بشأن أم موسى التي أوحي إليها (3) بل إن الكلمة تطلق في القرآن حتى على الغرائز التكوينية عند الحيوان ، كالنحل.

وهناك احتمال أن يكون المقصود هو الإيحاء الذي كان يلقيه المسيح عليه‌ السلام بواسطة المعاجز في نفوسهم.

لقد تناولنا الحواريين وأصحاب المسيح عليه ‌السلام بالبحث في تفسير آية (52) آل عمران هذا التّفسير.

_________________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 656-662 .

2. يتّضح من هذا أن (يَوْمَ) ... مفعول به لفعل محذوف تفسيره الآية السابقة وتقدير «اتقوا يوم» .

3. القصص : 7 .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .