أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-2-2017
16542
التاريخ: 15-10-2017
4817
التاريخ: 17-10-2017
7001
التاريخ: 15-10-2017
10135
|
قال تعالى : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [المائدة : 68 - 69] .
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [المائدة : 69].
أمر سبحانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يخاطب اليهود فقال {قُلْ} يا محمد {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ} من الدين الصحيح {حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} أي : حتى تقروا بالتوراة ، والإنجيل ، والقرآن المنزل إلى جميع الخلق . وقيل : معناه حتى تقيموا التوراة والإنجيل بالتصديق بما فيهما من البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والعمل بما يوجب ذلك فيهما . وقيل : معناه الأمر بإقامة التوراة والإنجيل ، وما فيهما ، وإنما كان ذلك قبل النسخ لهما ، عن الجبائي {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} مر تفسيره قبل {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} أي : لا تحزن عليهم ، وهذه تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أي فلا تحزن ، فإن تكذيب الأنبياء عادتهم ودأبهم . وقيل : معناه لا تحزن على ذلك الكفر ، وتجاوز الحد في الظلم منهم ، فإن ضرر ذلك عائد عليهم . وقيل : معناه لا تحزن على هلاكهم وعذابهم ، فذلك جزاؤهم بفعالهم .
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [المائدة : 69] .
قد مضى تفسير هذه الآية مشروحا في سورة البقرة ، وقد ذكرنا ههنا أن المعني ب {الَّذِينَ آمَنُوا} في قول الزجاج ، هم المنافقون . ثم ذكر بعد من آمن بالقلب . وقيل : إن من آمن محمول على اليهود والنصارى أي : من آمن منهم و {الَّذِينَ آمَنُوا} في الابتداء ، محمول على ظاهره من حقيقة الإيمان . وقيل : إن {مَنْ آمَنَ} يرجع إلى الجميع ، ويكون معناه : من يستديم الإيمان ويستمر عليه .
_____________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 384-386 .
{قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ} من دين الحق ، ولا تنفعكم هذه المظاهر الدينية {حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ والإِنْجِيلَ} إلخ . . تقدم تفسيره في الآية 64 من هذه السورة ) .
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هادُوا} إلخ . . تقدم تفسيره في الآية 62 من سورة البقرة ج1 ص 116 وما بعدها .
______________________
1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 100 .
قوله تعالى : { قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ } (إلى آخر الآية) ، الإنسان يجد من نفسه خلال أعماله أنه إذا أراد إعمال قوة وشدة فيما يحتاج إلى ذلك ، وجب أن يعتمد على مستوى يستوي عليه أو يتصل به كمن أراد أن يجذب أو يدفع أو يحمل أو يقيم شيئا ثقيلا فإنه يثبت قدميه على الأرض أولا ثم يصنع ما شاء لما يعلم أن لو لا ذلك لم يتيسر له ما يريد ، وقد بحث عنه في العلوم المربوطة به .
وإذا أجرينا هذا المعنى في الأمور المعنوية كأفعال الإنسان الروحية أو ما يتعلق من أفعال الجوارح بالأمور النفسية كان ذلك منتجا أن صدور مهام الأفعال وعظائم الأعمال يتوقف على أس معنوي ومبني قوى نفسي كتوقف جلائل الأمور على الصبر والثبات وعلو الهمة وقوة العزيمة وتوقف النجاح في العبودية على حق التقوى والورع عن محارم الله .
ومن هنا يظهر أن قوله تعالى : { لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ } كناية عن عدم اعتمادهم على شيء يثبت عليه أقدامهم فيقدروا بذلك على إقامة التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم تلويحا إلى أن دين الله وحكمه لها من الثقل ما لا يتيسر حمله للإنسان حتى يعتمد على أساس ثابت ولا يمكنه إقامته بمجرد هوى من نفسه كما يشير تعالى إلى ذلك بالنسبة إلى القرآن الكريم بقوله : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } [المزمل : 5] ، وقوله : { لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } : [الحشر : 21] ، وقوله : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها } الآية [الأحزاب : 72] .
وقال في أمر التوراة خطابا لموسى عليه السلام : { فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها } [الأعراف : 145] ، وقال خطابا لبني إسرائيل : { خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ } [البقرة : 63] وقال خطابا ليحيي عليه السلام : { يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ } [مريم : 12] .
فيعود المعنى إلى أنكم فاقدو العماد الذي يجب عليكم أن تعتمدوا عليه في إقامة دين الله الذي أنزل إليكم في كتبه وهو التقوى والإنابة إلى الله بالرجوع إليه مرة بعد أخرى والاتصال به والإيواء إلى ركنه بل مستكبرون عن طاعته ومتعدون حدوده .
ويظهر هذا المعنى من قوله تعالى خطابا لنبيه والمؤمنين : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى } فجمع الدين كله فيما ذكره ، ثم قال : { أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } فبين أن ذلك كله يرجع إلى إقامة الدين كلمة واحدة من غير تفرق ثم قال : { كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } وذلك لكبر الاتفاق والاستقامة في اتباع الدين عليهم ، ثم قال : {اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} فأنبأ أن إقامة الدين لا يتيسر إلا بهداية من الله ، ولا يصلح لها إلا المتصف بالإنابة التي هي الاتصال بالله وعدم الانقطاع عنه بالرجوع إليه مرة بعد أخرى ، ثم قال : { وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ } فذكر أن السبب في تفرقهم وعدم إقامتهم للدين هو بغيهم وتعديهم عن الوسط العدل المضروب لهم [الشورى : 14] .
وقال أيضا في نظيرتها من الآيات : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [الروم : 32] فذكر فيها أيضا أن الوسيلة إلى إقامة دين الفطرة الإنابة إلى الله ، وحفظ الاتصال بحضرته ، وعدم الانقطاع عن سببه .
وقد أشار إلى هذه الحقيقة في الآيات السابقة على هذه الآية المبحوث عنها أيضا حيث ذكر أن الله لعن اليهود وغضب عليهم لتعديهم حدوده فألقى بينهم العداوة والبغضاء ، وذكر هذا المعنى في غير هذا المورد في خصوص النصارى بقوله : { فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ } [المائدة : 14] .
وقد حذر الله سبحانه المسلمين عن مثل هذه المصيبة المؤلمة التي سيحلها على أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وأنبأهم أنهم لا يتيسر ولن يتيسر لهم إقامة التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ، وقد صدق جريان التاريخ ما أخبر به الكتاب من تشتت المذاهب فيهم وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم ، فحذر الأمة الإسلامية أن يردوا موردهم في الانقطاع عن ربهم ، وعدم الإنابة إليه في قوله : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } [الروم : 30] في عدة آيات من السورة .
وقد تقدم البحث عن بعض الآيات الملوحة إلى ذلك في ما تقدم من أجزاء الكتاب وسيأتي الكلام على بعض آخر منها إن شاء الله تعالى .
وأما قوله تعالى : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً } فقد تقدم البحث عن معناه ، وقوله : { فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ } تسلية منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله في صورة النهي عن الأسى .
قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى} (الآية) ظاهرها أن الصابئون عطف على {الَّذِينَ آمَنُوا} بحسب موضعه وجماعة من النحويين يمنعون العطف على اسم إن بالرفع قبل مضي الخبر ، والآية حجة عليهم .
والآية في مقام بيان أن لا عبرة في باب السعادة بالأسماء والألقاب كتسمي جمع بالمؤمنين وفرقة بالذين هادوا ، وطائفة بالصابئين وآخرين بالنصارى ، وإنما العبرة بالإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح ، وقد تقدم البحث عن معنى الآية في تفسير سورة البقرة الآية 62 في الجزء الأول من الكتاب .
________________________
1. تفسير الميزان ، ج6 ، ص 54-56 .
لاحظنا في ما سبق من تفسير آيات هذه السورة أنّ قسما كبيرا منها يدور حول العقبات التي كان يضعها أهل الكتاب «اليهود والنصارى» في طريق المسلمين وما كانوا يوردونه من مجادلة وتساؤل ، هذه الآية ـ أيضا ـ تشير إلى جانب آخر من ذلك الموضوع ، ترد فيها على منطقهم الواهي الداعي إلى اعتبار التّوراة كتابا متفقا عليه بين المسلمين واليهود ، وترك القرآن باعتباره موضع خلاف.
لذلك فالآية تخاطب الرّسول صلى الله عليه و آله وسلم قائلة : {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}.
وذلك لأنّ هذه الكتب ـ كما قلنا ـ صادرة عن مبدأ واحد وأصولها واحدة ، ولمّا كان آخر هذه الكتب السماوية أكملها وأجمعها فإنّه هو الأجدر بالعمل به ، كما أنّ الكتب السابقة تحمل بشائر وإرشادات إلى آخر الكتب ، وهو القرآن ، فإذا كانوا ـ حسب زعمهم ـ يقبلون التّوراة والإنجيل ، وكانوا صادقين في زعمهم ، فلا مندوحة لهم عن القبول بتلك البشائر أيضا ، وإذ وجدوا تلك العلامات في القرآن ، فإن عليهم أن يحنوا رؤوسهم خضوعا لها.
هذه الآية تقول أنّ الادعاء لا يكفي ، بل لا بدّ من إتباع ما جاء في هذه الكتب السماوية عمليا ، ثمّ أن القضية ليست «كتابنا» و «كتابكم» ، بل هي الكتب السماوية وما أنزل من الله ، فكيف تريدون بمنطقكم الواهي هذا أن تتجاهلوا آخر كتاب سماوي؟
ويعود القرآن ليشير إلى حالة أكثريتهم ، فيقرّر أنّ أكثرهم لا يأخذون العبرة والعظة من هذه الآيات ولا يهتدون بها ، بل أنّهم ـ لمّا فيهم من روح العناد ـ يزدادون في طغيانهم وكفرهم {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً}.
وهكذا يكون التأثير المعكوس للآيات الصادقة والقول المتزن في النفوس المملوءة عنادا والجاجا .
وفي ختام الآية يخفف الله من حزن رسوله صلى الله عليه و آله وسلم إزاء تصلب هذه الأكثرية من المنحرفين وعنادهم ، فيقول له {فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} (2) .
هذه الآية ليست مقصورة على اليهود ـ طبعا ـ فالمسلمون أيضا إذا اكتفوا بادعاء الإسلام ولم يقيموا تعاليم الأنبياء ، وخاصة ما جاء في كتابهم السماوي ، فلن تكون لهم منزلة ومكانة لا عند الله ، ولا في حياتهم الفردية والاجتماعية ، بل سيظلون دائما أذلاء ومغلوبين على أمرهم.
الآية التّالية تعود لتقرر مرّة أخرى هذه الحقيقة ، وتؤكّد أنّ جميع الأقوام وأتباع كل المذاهب دون استثناء ، مسلمين كانوا أم يهودا أم صابئين (3) أم مسيحيين ، لا ينجون ولا يأمنون الخوف من المستقبل والحزن على ما فاتهم إلّا إذا آمنوا بالله وبيوم الحساب وعملوا صالحا : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
هذه الآية ، في الحقيقة ردّ قاطع على الذين يظنون النجاة في ظل قومية معينة ، ويفضلون تعاليم بعض الأنبياء على بعض ، ويتقبلون الدعوة الدينية على أساس من تعصب قومي ، فتقول الآية إن طريق الخلاص ينحصر في نبذ هذه الأقوال.
وكما أشرنا في تفسير الآية (٦٢) من سورة البقرة ، التي تقترب في مضمونها من مضمون هذه الآية سعى بعضهم بجد ليثبت أنّ هذه الآية تعتبر دليلا على «السلام العام» وعلى أنّ أتباع جميع الأديان ناجون ، وأن يتجاهل فلسفة نزول الكتب السماوية بالتتابع الذي يدل على تقدم الإنسان في مسيرته التكاملية التدريجية.
ولكن ـ كما قلنا ـ تضع الآية حدّا فاصلا بقولها {وَعَمِلَ صالِحاً} لكل قول ، وتشخص الحقيقة ، بخصوص تباين الأديان ، فتوجب العمل بآخر شريعة إلهية ، لأنّ العمل بقوانين منسوخة ليس من العمل الصالح ، بل العمل الصالح هو العمل بالشرائع الموجودة وبآخرها (لمزيد من الشرح والتوضيح بهذا الشأن انظر المجلد الأوّل ص ٢١٧.
ثمّ إنّ هناك احتمالا مقبولا في تفسير عبارة {مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً} وهو إنّها تختص باليهود والنصارى والصابئين ، لأنّ {الَّذِينَ آمَنُوا} في البداية لا تحتاج إلى مثل هذا القيد ، وعليه ، فإن معنى الآية يصبح هكذا : إنّ المؤمنين من المسلمين ـ وكذلك اليهود والنصارى والصابئين ، بشرط أن يؤمنوا وأن يتقبلوا الإسلام ويعملوا صالحا ـ سيكونون جميعا من الناجين وإن ماضيهم الديني لن يكون له أي أثر في هذا الجانب ، وإن الطريق مفتوح للجميع (تأمل بدقّة) .
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 591-593 .
2. «فلا تأس» من الأسى ، بمعنى الغم والحزن .
3. الصابئون هم أتباع يحيى أو نوح أو إبراهيم ، وقد ذكرناهم بتفصيل أكثر في المجلد الأول .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|