أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-10-2017
2676
التاريخ: 5-12-2017
2416
التاريخ: 5-10-2017
2400
التاريخ: 6-12-2017
10967
|
كان أبو الفضل العباس (عليه السّلام) من أحبّ الناس وأخلصهم للإمام الحسين (عليه السّلام) ، فقد ربّاه وغذّاه بمكارم أخلاقه ومحاسن صفاته ، وعلّمه أحكام الدين حتّى صار من أفاضل العلماء . وكان ملازماً لأخيه في حلّه وترحاله ، وواساه في أقسى المحن والخطوب ، وكانت أُخوّته لأبي عبد الله مضرب المثل عند جميع الناس .
وكانت أسارير النور بادية على وجهه الكريم حتّى لُقّب بقمر بني هاشم ، وكان من الأبطال البارزين في الإسلام ، فكان إذا ركب الفرس المطهّم تخطّان رجلاه في الأرض ، وقد أسند إليه الإمام الحسين (عليه السّلام) يوم الطفّ قيادة جيشه ودفع إليه رايته .
وكان أبو الفضل هو المتعهّد لرعاية الصدّيقة سيدة النساء زينب (عليها السّلام) ، وقد احتلّ قلبها فكانت تكنّ له أعمق الودّ والولاء .
ولمّا رأى قمر بني هاشم وحدة أخيه وقتل أصحابه وأهل بيته الذين قدّموا أرواحهم قرابين للإسلام انبرى يطلب الرخصة من أخيه ليلاقي مصيره المشرق ، فقال له الإمام (عليه السّلام) بصوت خافت : أنت صاحب لوائي .
لقد كان الإمام يشعر بالقوّة والمنعة ما دام أبو الفضل حيّاً ، وألحّ عليه أبو الفضل قائلاً : لقد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين ، واُريد أن آخذ ثأري منهم .
وطلب منه الإمام (عليه السّلام) أن يسعى لتحصيل الماء إلى الأطفال الذين صرعهم العطش ، فانعطف فخر بني هاشم نحو اُولئك الأنذال فجعل يعظهم ويطلب منهم أن يرفعوا الحصار عن الماء ؛ فقد أشرفت عائلة آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على الموت .
فأجابه الرجس الأثيم شمر بن ذي الجوشن قائلاً : يابن أبي تراب ، لو كان وجه الأرض كلّه ماءً وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلاّ أن تدخلوا في بيعة يزيد .
وقفل أبو الفضل راجعاً إلى أخيه فأخبره بعتوّ القوم وإجماعهم على حرمان أهل البيت (عليهم السّلام) من الماء ، وسمع الأبيّ الشهم صراخ الأطفال وهم ينادون : العطش ، العطش ! الماء ، الماء !
وذاب قلب أبي الفضل حينما رأى الأطفال قد ذبلت شفاههم وأشرفوا على الهلاك ، فسرى الألم العاصف في محيّاه ، واندفع ببسالة لإغاثتهم ، فركب جواده وأخذ معه القربة ، فاقتحم الفرات غير حافل بالقوى المكثفة التي تقدّر بأربعة آلاف جندي مسلّح قد احتلّوا حوض الفرات ، فانهزموا من بين يديه ؛ فقد ذكّرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر ومحطّم أوثان القرشيّين .
وانتهى إلى الماء وكان قلبه الشريف قد تفتّت من العطش ، فاغترف من الماء ليشرب منه إلاّ أنّه تذكّر عطش أخيه ومَنْ معه من النساء والأطفال ، فرمى الماء من يده ، فامتنع أن يروي غليله من الماء .
وقد سجّل بذلك شرفاً للعلويّين تردّده الأجيال مقروناً بالإكبار والتعظيم لهذه الأُخوّة النادرة التي لم يحدّث التأريخ بمثلها . لقد رمى أبو الفضل الماء من يده وهو يقول :
يا نفسُ من بعدِ الحسينِ هوني ... وبـعدهُ لا كـنتِ أن تكوني
هـذا الـحسينُ واردُ المنونِ ... وتـشـربينَ بـاردَ الـمعينِ
تالله مـا هـذا فـعالُ ديـني
إنّ الإنسانيّة بكلّ إجلال وإكبار لتحيّي هذه الروح العظيمة التي تألّقت في دنيا الإسلام وهي تلقي على الأجيال أسمى أمثلة للكرامة الإنسانيّة .
أي إيثار أنبل من هذا الإيثار ؟ أيّ اُخوّة أسمى من هذه الاُخوّة ؟
واتّجه فخر هاشم بعد أن ملأ القربة نحو المخيّم والتحم مع الأرجاس ؛ فقد أحاطوا به من كلّ جانب ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى أهل البيت (عليهم السّلام) ، وقد أشاع فيهم بطل الإسلام القتل وهو يرتجز :
لا أرهـب الموتَ إذا الموتُ زقا ... حـتى أوارى في المصاليتِ لقى
نفسي لسبطِ المصطفى الطهرِ وقى ... إنّـي أنـا الـعباس أغدوا بالسقا
ولا أخـاف الـشرَّ يـوم الملتقى
لقد أعلن قمر الهاشميّين عن بطولاته النادرة ، فهو لا يرهب الموت ، ويسخر من الحياة دفاعاً عن الحقّ ، ودفاعاً عن إمام المسلمين وريحانة الرسول (صلّى الله عليه وآله) .
وانهزمت جيوش الاُمويِّين أمامه ، ولكن الوضر الجبان زيد بن الرقّاد الجهني كمن له من وراء نخلة ، ولم يستقبله بوجهه ، فضربه على يده فقطعها ، فلم يحفل بها أبو الفضل وراح يرتجز :
واللهِ إن قـطعتمُ يميني ... إنّي اُحامي أبداً عن ديني
وعـن إمامٍ صادقِ اليقينِ ... نجلِ النبيّ الطاهرِ الأمينِ
ودلّل بهذا الرجز عن الأهداف العظيمة التي ناضل من أجلها وهي الدفاع عن الدين ، والدفاع عن إمام المسلمين وريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ولم يبعد قمر بني هاشم وفخر عدنان حتّى كمن له من وراء نخلة رجس من أرجاس المجرمين ، وهو الحكيم بن الطفيل الطائي ، فضربه على يساره فبراها ، وحمل الشهم النبيل القربة بأسنانه ، وجعل يركض بالماء إلى عطاشى آل النبي غير حافل بما كان يعانيه من نزف الدماء وآلام الجروح وشدّة الظمأ .
وهذا منتهى ما وصلت إليه الإنسانيّة في جميع أدوارها من الرحمة والحنان والوفاء ، وبينما هو يركض إذ أصاب القربة سهم غادر فاُريق ماؤها ، ووقف البطل حزيناً ؛ فقد كان إراقة الماء أشدّ عليه من ضرب السيوف وطعن الرماح .
وشدّ عليه رجس فعلاه بعمود من حديد على هامة رأسه ففلق هامته فهوى إلى الأرض ، وهو يؤدي تحيّته ووداعه الأخير إلى أخيه قائلاً : عليك منّي السّلام أبا عبد الله .
وحمل الأثير كلماته إلى أخيه فمزّقت أحشاءه ، وانطلق وهو خائر القوى ، منهدّ الركن حتّى انتهى إلى أخيه وهو يعاني آلام الاحتضار ، فألقى بنفسه عليه وجعل يوسعه تقبيلاً قائلاً : الآن انكسر ظهري ، وقلّت حيلتي .
وجعل أبو الأحرار يطيل النظر في أخيه وهو شاحب اللون وتمثّلت أمامه مُثل أبي الفضل التي لا ندّ لها في جميع مراحل التأريخ ؛ فليس هناك اُخوّة تضارع اُخوّة أبي الفضل لأخيه أبي الأحرار ؛ فقد أبدى من الوفاء والولاء لأخيه ما يفوق حدّ الوصف ، وقام الثاكل الحزين عن أخيه بعد ما فارقته الحياة وهو لا يتمكّن أن يقلّ قدميه من الأسى والحزن ، وقد بان عليه الانكسار ، واتّجه صوب المخيّم وهو يكفكف دموعه ، فاستقبلته سكينة بلهفة قائلة : أين عمي ؟
فأجابها بنبرات مشفوعة بالبكاء والعبرات بشهادته ، وذعرت حفيدة الرسول سيدة النساء زينب (عليها السّلام) ، فوضعت يدها على قلبها الذي مزّقته كوارث كربلاء ، وصاحت : وا أخاه ! وا عباساه ! وا ضيعتنا بعدك !
وشارك الإمام (عليه السّلام) شقيقته في النياحة على أخيه ، ورفع صوته : وا ضيعتنا بعدك يا أبا الفضل ! .
لقد شعر الإمام وشقيقته بالضياع والغربة بعد أن فقد أبا الفضل ، وكانت هذه الكارثة من أفجع الكوارث التي رُزئت بها حفيدة الرسول .
فسلام عليك يا أبا الفضل يوم ولدت ، ويوم استشهدت ، ويوم تبعث حيّاً .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|