المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



تفسير الاية (1-6) من سورة الحديد  
  
2284   02:24 مساءً   التاريخ: 22-9-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الحاء / سورة الحديد /

قال تعالى : {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُو عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُو الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُو الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُو مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُو عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [الحديد: 1 - 6].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{سبح لله} أي نزهه وأثنى عليه بما هو أهله وبرأه من كل سوء {ما في السماوات والأرض} قال مقاتل يعني كل شيء من ذي الروح وغيره وكل خلق فيهما ولكن لا تفقهون تسبيحهم وتحقيقه أن العقلاء يسبحونه قولا واعتقادا ولفظا ومعنى وما ليس بعاقل من سائر الحيوانات والجمادات فتسبيحه ما فيه من الأدلة الدالة على وحدانيته وعلى الصفات التي باين بها جميع خلقه وما فيه من الحجج على أنه لا يشبه خلقه وأن خلقه لا يشبهه فعبر سبحانه عن ذلك بالتسبيح ويجوز أن تكون ما هاهنا بمعنى من كما حكى أبوزيد عن أهل الحجاز أنهم كانوا إذا سمعوا الرعد قالوا سبحان ما سبحت له فيكون واقعا على العقلاء من الملائكة والجن والإنس.

 {وهو العزيز الحكيم} أي القادر الذي لا يمتنع عليه شيء المحكم لأفعاله العليم بوجوه الصواب في التدبير {له ملك السماوات والأرض} أي له التصرف في جميع ما في السماوات والأرض من الموجودات بما يشاء من التصرف وليس لأحد منعه منه وذلك هو الملك الأعظم فإن كل ما يملكه من عداه فإنه سبحانه هو الذي ملكه إياه وله منعه منه {يحيي ويميت} أي يحيي الأموات للبعث ويميت الأحياء في الدنيا وقيل يحيي الأموات بأن يجعل النطفة وهي جماد حيوانا ويميت الأحياء إذا بلغوا آجالهم التي قدرها لهم {وهو على كل شيء قدير} يقدر على المعدومات بإيجادها وإنشائها وعلى الموجودات بتغييرها وإفنائها وعلى أفعال العباد ومقدوراتهم بالإقدار عليها وسلبهم القدرة عليها.

 {هو الأول} أي أول الموجودات وتحقيقه أنه سابق لجميع الموجودات بما لا يتناهى من تقدير الأوقات لأنه قديم وما عداه محدث والقديم يسبق المحدث بما لا يتناهى من تقدير الأوقات {والآخر} بعد فناء كل شيء لأنه يفني الأجسام كلها وما فيها من الأعراض ويبقى وحده ففي هذا دلالة على فناء الأجسام وقيل الأول قبل كل شيء بلا ابتداء والآخر بعد كل شيء بلا انتهاء فهو الكائن لم يزل والباقي لا يزال {والظاهر} وهو الغالب العالي على كل شيء فكل شيء دونه.

 {والباطن} العالم بكل شيء فلا أحد أعلم منه عن ابن عباس وقيل الظاهر بالأدلة والشواهد والباطن الخبير العالم بكل شيء وقيل معنى الظاهر والباطن أنه العالم بما ظهر والعالم بما بطن وقيل الظاهر بأدلته والباطن من إحساس خلقه وقيل الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء والظاهر بلا اقتراب والباطن بلا احتجاب وقيل الأول ببره إذ هداك والآخر بعفوه إذ قبل توبتك والظاهر بإحسانه وتوفيقه إذا أطعته والباطن بستره إذا عصيته عن السدي وقيل الأول بالخلق والآخر بالرزق والظاهر بالإحياء والباطن بالإماتة عن ابن عمر وقيل هو الذي أول الأول وأخر الآخر وأظهر الظاهر وأبطن الباطن عن الضحاك وقيل الأول بالأزلية والآخر بالأبدية والظاهر بالأحدية والباطن بالصمدية عن أبي بكر الوراق وقيل إن الواوات مقحمة والمعنى هو الأول الآخر الظاهر والباطن لأن كل من كان منا أولا لا يكون آخرا ومن كان منا ظاهرا لا يكون باطنا عن عبد العزيز بن يحيى وقيل هو الأول القديم والآخر الرحيم والظاهر الحكيم والباطن العليم عن يمان وقال البلخي هو كقول القائل فلان أول هذا الأمر وآخره وظاهره وباطنه أي عليه يدور الأمر وبه يتم.

 {وهو بكل شيء} يصح أن يكون معلوما {عليم} لأنه عالم لذاته {هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} لما في ذلك من اعتبار الملائكة بظهور شيء بعد شيء من جهته ولما في الإخبار به من المصلحة للمكلفين ولولا ذلك لكان يخلقهما في لحظة واحدة لأنه القادر لذاته {ثم استوى على العرش} المعروف في السماء وقيل استوى على الملك فمن قال بالأول قال استواؤه عليه كونه قادرا على خلقه وإفنائه وتصريفه قال البعيث :

ثم استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراق

وبشر هذا هو بشر بن مروان ولاه أخوه عبد الملك العراق وقيل معناه ثم عمد وقصد إلى خلق العرش وقد مر بيانه {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها} أي يعلم ما يدخل في الأرض ويستتر فيها ويعلم ما يخرج من الأرض من سائر أنواع النبات والحيوان والجماد لا يخفى عليه شيء منها {وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} أي ويعلم ما ينزل من السماء من مطر وغير ذلك من أنواع ما ينزل منها ويعلم ما يعرج في السماء من الملائكة وما يرفع إليها من أعمال الخلق {وهو معكم أينما كنتم} بالعلم الذي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وأحوالكم {والله بما تعملون} من خير وشر {بصير} أي عليم {له ملك السماوات والأرض} يتصرف فيهما كيف يشاء {وإلى الله ترجع الأمور} يوم القيامة يعني أن جميع من ملكه شيئا في الدنيا يزول ملكه عنه وينفرد سبحانه بالملك كما كان كذلك قبل أن خلق الخلق {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} أي يدخل ما نقص من الليل في النهار وما نقص من النهار في الليل أي حسب ما دبره فيه من مصالح عباده عن عكرمة وإبراهيم {وهو عليم بذات الصدور} أي هو عالم بأسرار خلقه وما يخفونه من الضمائر والاعتقادات والإرادات والكراهات والعزائم في قلوبهم لا يخفى عليه شيء منها وفي هذا تحذير من المعاصي .

____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص 382-384.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

قال تعالى : {سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ والأَرْضِ } . وفي الآية 49 من سورة النحل :

{ولِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ} . وكل من التسبيح والسجود للَّه اعتراف بقدرته تعالى وحكمته ، ولهذا الاعتراف مظهران : أحدهما بلسان المقال ، وثانيهما بلسان الحال ، والإنسان يسبّح اللَّه باللسانين معا ، أما الكائنات التي لا تنطق بلسان المقال فإنها تسجد وتسبّح بلسان الحال لأن ما من كائن إلا وهو يدل على وجود المكون والمصور . أنظر تفسير الآية 44 من سورة الإسراء ج 5 ص 47 فقرة {كل شيء يسبح بحمده} .

وجاء في كتب السير والحديث والتفاسير : ان فاطمة بنت رسول اللَّه {صلى الله عليه واله وسلم} كانت تقوم بجميع شؤون بيتها وخدمة زوجها وأولادها ، وفي ذات يوم شكت إلى أبيها ما هي فيه ، ورأى هو{صلى الله عليه واله وسلم}عليها وعلى يديها آثار الجهد ، فطلبت منه أن يمنحها جارية من سبايا الحرب لتساعدها فيما تقوم به ، فقال : لا أعطيك جارية ، وغيرك يطوي بطنه من الجوع ، ثم قال لها : ألا أدلك على خير من الجارية أن تسبحي اللَّه 33 وتحمديه 33 وتكبريه 34 . قالت فاطمة (عليها السلام) : رضيت يا رسول اللَّه . وتعرف هذه التسبيحات بتسبيح الزهراء .

{وهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأَرْضِ يُحْيِي ويُمِيتُ} . كأنّ سائلا يسأل : لما ذا سبّح للَّه ما في السماوات والأرض ؟ فجاء الجواب لأن ما في السماوات والأرض ملك للَّه وحده لا شريك له ، ولأنه العزيز بقدرته ، والحكيم بتدبيره .

ولأن الموت والحياة بيده {وهُو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}  ما شاء كان وان لم يشأ لم يكن .

{هُو الأَوَّلُ} بلا ابتداء كان قبله ، ومنه ابتداء كل شيء {والآخِرُ} بلا انتهاء يكون بعده ، واليه ينتهي كل شيء {والظَّاهِرُ} بالآثار والأفعال لا برؤية الحواس {والْباطِنُ} لا تحيط العقول والأوهام بكنهه وحقيقته ، وإنما يتجلى لها بآثاره . وفي نهج البلاغة : الحمد للَّه الذي أظهر من آثار سلطانه وجلال كبريائه ما حيّر مقل العيون من عجائب قدرته ، وردع هماهم النفوس عن عرفان كنه صفته . . قرب فنأى ، وعلا فدنا . . سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء أزله {وهُو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} هو عالم بكل شيء لأنه خالق كل شيء .

{هُو الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} .

المراد بالأيام الدفعات أو الأطوار ، وبالاستواء الاستيلاء ، وبالعرش الملك . وتقدم مثله في الآية 54 من سورة الأعراف ج 3 ص 338 والآية 3 من سورة يونس والآية 7 من سورة هود والآية 59 من سورة الفرقان والآية 4 من سورة السجدة .

{يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الأَرْضِ} من كنوز وبذور ومياه . . حتى التفجيرات الذرية في جوف الأرض التي يقوم بها أعداء اللَّه والإنسانية فان اللَّه يعلم حقيقتها وآثارها المهلكة ، ويعلم ان الهدف منها السيطرة على عباد اللَّه وإخضاعهم لسياسة الاستعمار ، ونمو صناعته الحربية . . وأيضا يعلم اللَّه {ما يَخْرُجُ مِنْها} من نبات وحشرات ومياه . .

حتى البترول فإن اللَّه يعلم الأرض التي ينبع منها ، والأيدي التي تستخرجه وتعمل فيه والشركات التي تسلبه وتنهبه والحروب التي تثيرها من أجله {وما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ} من ماء وثلوج وأنوار ، وما إلى ذلك من خيرات . . وقد علم بالذين صعدوا إلى القمر لعلهم يهتدون إلى وسيلة يحتكرون بها بركات السماء ، ويحبسونها عن عباد اللَّه وعياله تماما كما فعلوا في الأرض وخيرات الأرض ، ولكن اللَّه ، جلت حكمته ، ردهم - في المحاولة الثالثة - على أعقابهم خاسئين {وما يَعْرُجُ فِيها} وأيضا يعلم سبحانه كل ما يدور ويجول في الفضاء . . حتى طائرات التجسس وحاملات القنابل الذرية والأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض لأغراض شيطانية كالتجسس وإرهاب المستضعفين واغتصاب أرزاقهم ومقدراتهم .

{وهُو مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} . هذا تهديد ووعيد لكل طاغ وباغ بان أعماله محفوظة عند اللَّه ، وانه مرتهن بها ومحاسب عليها حسابا دقيقا

وعسيرا ، ومعاقب بعذاب وبيل وأليم {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وهُو عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} . تتحرك الأفلاك ، وتتعدد الفصول ، ويأخذ الليل من النهار في فصل ، والنهار من الليل في فصل ، ويتساويان في بعض الأيام ، أما ذات الصدور فهي السرائر والضمائر . وتقدم في الآية 27 من سورة آل عمران ج 2 ص 37 والآية 61 من سورة الحج و29 من سورة لقمان و13 من سورة فاطر .

_____________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص238-240.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

غرض السورة حث المؤمنين وترغيبهم في الإنفاق في سبيل الله كما يشعر به تأكيد الأمر به مرة بعد مرة في خلال آياتها {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} الآية، {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} الآية، {إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا} وقد سمت إنفاقهم ذلك إقراضا منه لله عز اسمه فالله سبحانه خير مطلوب وهولا يخلف الميعاد وقد وعدهم إن أقرضوه أن يضاعفه لهم وأن يؤتيهم أجرا كريما كثيرا.

وقد أشار إلى أن هذا الإنفاق من التقوى والإيمان بالرسول وأنه يستتبع مغفرة الذنوب وإتيان كفلين من الرحمة ولزوم النور بل واللحوق بالصديقين والشهداء عند الله سبحانه.

وفي خلال آياتها معارف راجعة إلى المبدأ والمعاد، ودعوة إلى التقوى وإخلاص الإيمان والزهد وموعظة.

والسورة مدنية بشهادة سياق آياتها وقد ادعى بعضهم إجماع المفسرين على ذلك.

ولقد افتتحت السورة بتسبيحه وتنزيهه تعالى بعده من أسمائه الحسنى لما في غرض السورة وهو الحث على الإنفاق من شائبة توهم الحاجة والنقص في ناحيته ونظيرتها في ذلك جميع السور المفتتحة بالتسبيح وهي سور الحشر والصف والجمعة والتغابن المصدرة بسبح أو يسبح.

قوله تعالى: {سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} التسبيح التنزيه وهو نفي ما يستدعي نقصا أو حاجة مما لا يليق بساحة كماله تعالى، وما موصولة والمراد بها ما يعم العقلاء مما في السماوات والأرض كالملائكة والثقلين وغير العقلاء كالجمادات والدليل عليه ما ذكر بعد من صفاته المتعلقة بالعقلاء كالإحياء والعلم بذات الصدور.

فالمعنى: نزه الله سبحانه ما في السماوات والأرض من شيء وهو جميع العالم.

والمراد بتسبيحها حقيقة معنى التسبيح دون المعنى المجازي الذي هو دلالة وجود كل موجود في السماوات والأرض على أن له موجدا منزها من كل نقص متصفا بكل كمال، ودون عموم المجاز وهو دلالة كل موجود على تنزهه تعالى إما بلسان القال كالعقلاء وإما بلسان الحال كغير العقلاء من الموجودات وذلك لقوله تعالى: { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] ، حيث استدرك أنهم لا يفقهون تسبيحهم ولوكان المراد بتسبيحهم دلالة وجودهم على وجوده وهي قيام الحجة على الناس بوجودهم أو كان المراد تسبيحهم وتحميدهم بلسان الحال وذلك مما يفقه الناس لم يكن للاستدراك معنى.

فتسبيح ما في السماوات والأرض تسبيح ونطق بالتنزيه بحقيقة معنى الكلمة وإن كنا لا نفقهه، قال تعالى: {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21].

وقوله: {وهو العزيز الحكيم} أي المنيع جانبه يغلب ولا يغلب، المتقن فعله لا يعرض على فعله ما يفسده عليه ولا يتعلق به اعتراض معترض.

قوله تعالى: {له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير} الكلام موضوع على الحصر فهو المليك في السماوات والأرض يحكم ما يشاء لأنه الموجد لكل شيء فما في السماوات والأرض يقوم به وجوده وآثار وجوده فلا حكم إلا له فلا ملك ولا سلطنة إلا له.

وقوله: {يحيي ويميت} إشارة إلى اسمية المحيي والمميت، وإطلاق {يحيي ويميت} يفيد شمولهما لكل إحياء وإماتة كإيجاده الملائكة أحياء من غير سبق موت، وإحيائه الجنين في بطن أمه وإحيائه الموتى في البعث وإيجاده الجماد ميتا من غير سبق حياة وإماتته الإنسان في الدنيا وإماتته ثانيا في البرزخ على ما يشير إليه قوله: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11] وفي {يحيي ويميت} دلالة على الاستمرار.

وقوله: {وهو على كل شيء قدير} فيه إشارة إلى صفة قدرته وأنها مطلقة غير مقيدة بشيء دون شيء، وفي تذييل الآية بالقدرة على كل شيء مناسبة مع ما تقدمها من الإحياء والإماتة لما ربما يتوهمه المتوهم أن لا قدرة على إحياء الموتى ولا عين منهم ولا أثر.

قوله تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} لما كان تعالى قديرا على كل شيء مفروض كان محيطا بقدرته على كل شيء من كل جهة فكل ما فرض أولا فهو قبله فهو الأول دون الشيء المفروض أولا، وكل ما فرض آخرا فهو بعده لإحاطة قدرته به من كل جهة فهو الآخر دون الشيء المفروض آخرا، وكل شيء فرض ظاهرا فهو أظهر منه لإحاطة قدرته به من فوقه فهو الظاهر دون المفروض ظاهرا، وكل شيء فرض أنه باطن فهو تعالى أبطن منه لإحاطته به من ورائه فهو الباطن دون المفروض باطنا فهو تعالى الأول والآخر والظاهر والباطن على الإطلاق وما في غيره تعالى من هذه الصفات فهي إضافية نسبية.

وليست أوليته تعالى ولا آخريته ولا ظهوره ولا بطونه زمانية ولا مكانية بمعنى مظروفيته لهما وإلا لم يتقدمهما ولا تنزه عنهما سبحانه بل هو محيط بالأشياء على أي نحو فرضت وكيفما تصورت.

فبان مما تقدم أن هذه الأسماء الأربعة الأول والآخر والظاهر والباطن من فروع اسمه المحيط وهو فرع إطلاق القدرة فقدرته محيطة بكل شيء ويمكن تفريع الأسماء الأربعة على إحاطة وجوده بكل شيء فإنه تعالى ثابت قبل ثبوت كل شيء وثابت بعد فناء كل شيء وأقرب من كل شيء ظاهر وأبطن من الأوهام والعقول من كل شيء خفي باطن.

وكذا للأسماء الأربعة نوع تفرع على علمه تعالى ويناسبه تذييل الآية بقوله: {وهو بكل شيء عليم}.

وفسر بعضهم الأسماء الأربعة بأنه الأول قبل كل شيء والآخر بعد هلاك كل شيء الظاهر بالأدلة الدالة عليه والباطن غير مدرك بالحواس.

وقيل: الأول قبل كل شيء بلا ابتداء، والآخر بعد كل شيء بلا انتهاء، والظاهر الغالب العالي على كل شيء فكل شيء دونه، والباطن العالم بكل شيء فلا أحد أعلم منه.

وقيل: الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء والظاهر بلا اقتراب والباطن بلا احتجاب.

وهناك أقوال أخر في معناها غير جيدة أغمضنا عن إيرادها.

قوله تعالى: {هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} تقدم تفسيره.

قوله تعالى: {ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} تقدم تفصيل القول في معنى العرش في سورة الأعراف آية: 54.

وتقدم أن الاستواء على العرش كناية عن الأخذ في تدبير الملك ولذا عقبه بالعلم بجزئيات الأحوال لأن العلم من لوازم التدبير.

وقوله: {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} الولوج - كما قال الراغب - الدخول في مضيق، والعروج ذهاب في صعود، والمعنى: يعلم ما يدخل وينفذ في الأرض كماء المطر والبذور وغيرهما وما يخرج من الأرض كأنواع النبات والحيوان والماء وما ينزل من السماء كالأمطار والأشعة والملائكة وما يعرج فيها ويصعد كالأبخرة والملائكة وأعمال العباد.

قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} لإحاطته بكم فلا تغيبون عنه أينما كنتم وفي أي زمان عشتم وفي أي حال فرضتم فذكر عموم الأمكنة {أينما كنتم} لأن الأعرف في مفارقة شيء شيئا وغيبته عنه أن يتوسل إلى ذلك بتغيير المكان وإلا فنسبته تعالى إلى الأمكنة والأزمنة والأحوال سواء.

وقيل: المعية مجاز مرسل عن الإحاطة العلمية.

قوله تعالى: {والله بما تعملون بصير} كالفرع المترتب على ما قبله من كونه معهم أينما كانوا وكونه بكل شيء عليما فإن لازم حضوره عندهم من دون مفارقة ما واحتجاب وهو عليم أن يكون بصيرا بأعمالهم يبصر ظاهر عملهم، وما في باطنهم من نية وقصد.

قوله تعالى: {له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور} كرر قوله: {له ملك} إلخ، لابتناء رجوع الأشياء إليه على عموم الملك فصرح به ليفيد الابتناء، قال تعالى: {يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار{: المؤمن: 16.

وقوله: {وإلى الله ترجع الأمور} الأمور جمع محلى باللام يفيد العموم كقوله: { أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 53] ، فما من شيء إلا ويرجع إلى الله، ولا راد إليه تعالى إلا هو لاختصاص الملك به فله الأمر وله الحكم.

وفي الآية وضع الظاهر موضع الضمير في {إلى الله} وكذا في الآية السابقة {والله بما تعملون بصير} ولعل الوجه في ذلك أن تقرع الجملتان قلوبهم كما يقرع المثل السائر لما سيجيء من ذكر يوم القيامة وجزيل أجر المنفقين في سبيل الله فيه.

قوله تعالى: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور} إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر باختلاف فصول السنة في كل من البقاع الشمالية والجنوبية بعكس الأخرى، وقد تقدم في كلامه تعالى غير مرة.

والمراد بذات الصدور الأفكار المضمرة والنيات المكنونة التي تصاحب الصدور وتلازمها لما أنها تنسب إلى القلوب والقلوب في الصدور، والجملة أعني قوله: {وهو عليم بذات الصدور} بيان لإحاطة علمه بما في الصدور بعد بيان إحاطة بصره بظواهر أعمالهم بقوله: {والله بما تعملون بصير}.

___________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص126-130.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

آيات للمتفكّرين:

قلنا: إنّ هذه السورة بدأت بقسم التوحيد، الذي يشتمل على عشرين صفة من صفات الله سبحانه، تلك الصفات التي بمعرفتها يصل الإنسان إلى مستوى عال من المعرفة الإنسانية بالله، وتعمّق معرفته بذاته المقدّسة، وهذه الأوصاف والتي تشير إلى جانب من صفات جلاله وجماله، كلّما تعمّق العلماء وأهل الفكر فيها توصّلوا إلى حقائق جديدة عن الذات الإلهيّة المقدّسة.

عندما سئل الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) عن التوحيد أجاب: «إنّ الله عزّوجلّ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل الله تعالى: {قل هو الله أحد} ، والآيات في سورة الحديد إلى قوله: {عليم بذات الصدور} ومن رام وراء ذلك فقد هلك»(2).

يستفاد من هذا الحديث أنّ هذه الآيات تعطي للظمأى من طلاّب الحقيقة أقصى حدٍّ للمعرفة الممكنة.

وعلى كلّ حال فإنّ أوّل آية من هذه السورة بدأت بتسبيح وتنزيه الله عزّوجلّ حيث يقول سبحانه: {سبّح لله ما في السموات والأرض}.

لقد إنتهت السورة السابقة بأمر التسبيح، وإبتدأت هذه السورة المباركة بالتسبيح الإلهي أيضاً. والجدير بالملاحظة أنّ في سور المسبّحات الخمس جاءت كلمة التسبيح ثلاث مرّات بصيغة الماضي (سبّح) في سور الحديد والحشر والصفّ، وفي موردين جاءت بصيغة المضارع (يسبّح) في سور الجمعة والتغابن، وهذا الإختلاف في التعبير قد يكون إشارة إلى أنّ جميع الكائنات في العالم قد سبّحت وتسبّح لذاته المقدّسة في الماضي والمستقبل.

وحقيقة «التسبيح» عبارة عن نفي كلّ عيب ونقص(3) عن الذات الإلهيّة، وشهادة جميع الكائنات في هذا العالم بطهارة ذاته من كلّ عيب، حيث أنّ النظم والحساب والحكمة والعجائب في نظام الكائنات .. هذه جميعها تذكر (الله) بلسان حالها وتسبّحه وتحمده وتنزّهه وتؤكّد أنّ لخالقها قدرة لا متناهية، وحكمة لا محدودة.

ولذا جاء في نهاية هذه الآية: {وهو العزيز الحكيم}.

كما يحتمل أن تتمتّع جميع ذرّات الوجود بنوع من الإدراك والشعور بحيث تسبّح وتحمد الله عزّوجلّ في عالمها الخاصّ، بالرغم من عدم معرفتنا لذلك بسبب محدودية علمنا وإطّلاعنا.

من أجل تفصيل أكثر حول حمد وتسبيح الكائنات أجمع يراجع نهاية الآية (44) من سورة الإسراء.

ويجدر الإنتباه إلى أنّ (ما) في جملة {سبّح لله ما في السماوات} لها معنى واسع بحيث تشمل كلّ موجودات العالم، أعمّ من ذوي العقول والأحياء والجمادات(4).

وبعد ذكر صفتين من صفات الذات الإلهية يعني (العزّة والحكمة) يتطرّق إلى (مالكيّته وتدبيره، وقدرته في عالم الوجود) والتي هي من مستلزمات القدرة والحكمة، حيث يقول تعالى: {له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير}.

إنّ مالكية الله عزّوجلّ لعالم الوجود ليست مالكية إعتبارية وتشريعية، إذ أنّها مالكية حقيقيّة وتكوينيّة. وهذا يعني أنّ الله سبحانه محيط بكلّ شيء، وأنّ جميع العالم في قبضته وقدرته وتحت إرادته وأوامره، لذا فقد جاء الحديث بعد هذا الكلام عن (الإحياء والإفناء) والقدرة على كلّ شيء.

إلى هنا ذُكرت في الآيتين الآنفتين ستّة أوصاف من صفاته الكريمة.

الإختلاف بين «العزّة» و«القدرة» هو أنّ العزّة أكثر دلالة على تحطيم المقابل والقدرة تعني توفير الأسباب وإيجادها. وبناءً على هذا فإنّهما يعدّان وصفين مختلفين بالرغم من أنّهما مشتركان في أصل القدرة (يرجى ملاحظة ذلك).

مسألة (الإحياء والإماتة) قد ذكرت في آيات عديدة في القرآن الكريم، وفي الواقع انّهما من الموضوعات التي لم تتوضّح أسرارهما المعقّدة لأي شخص، كما لا يوجد شخص يعلم ـ بوضوح ـ حقيقة الحياة ولا حقيقة الموت، إلاّ أنّ الذي نعلمه عنهما هو آثارهما. والعجيب أنّ الحياة أقرب شيء لنا ولكنّنا لا نعرف أي شيء عن حقيقتها وأسرارها.

والنقطة الجديرة بالملاحظة هنا أنّ جملة (يحيي ويميت) جاءت بصورة فعل مضارع ممّا يدلّل على إستمرار مسألة الحياة والموت على طول الأزمنة، وإطلاق هذين المعنيين لا يشمل حياة وموت الإنسان في هذا العالم فقط، بل يشمل كلّ حياة وممات بدءاً من الملائكة وإنتهاءاً بكلّ موجود حيّ من الحيوانات والنباتات المختلفة، كما أنّها لا تقتصر على الحياة الدنيا فقط، بل تشمل حياة البرزخ والقيامة أيضاً.

نعم، إنّ الموت والحياة بكلّ أشكالها بيد القدرة الإلهية المتعالية.

ثمّ يتطرّق سبحانه إلى ذكر خمس صفات اُخرى حيث يقول: {هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن وهو بكلّ شيء عليم}.

الوصف هنا بـ {الأوّل والآخر} تعبير رائع عن أزليّته وأبديّته تعالى، لأنّنا نعلم أنّه وجود لا متناهي وأنّه (واجب الوجود) أي أنّ وجوده من نفس ذاته، وليس خارجاً عنه حتّى تكون له بداية ونهاية، وبناءً على هذا فإنّه كان من الأزل وسيبقى إلى الأبد.

إنّه بداية عالم الوجود، وهو الذي سيبقى بعد فناء العالم أيضاً.

وبناءً على هذا فإنّ التعبير بـ {الأوّل والآخر} ليس له زمان خاصّ أبداً، وليس فيه إشارة إلى مدّة زمنية معيّنة.

والوصف بـ {الظاهر والباطن} هو تعبير آخر عن الإحاطة الوجودية ـ أي وجود الله ـ بالنسبة لجميع الموجودات، أي أنّه أظهر من كلّ شيء لأنّ آثاره شملت جميع مخلوقاته في كلّ مكان، وهو خفيّ أكثر من كلّ شيء أيضاً لأنّ كنه ذاته لم يتّضح لأحد.

ولقد عبّر بعض المفسّرين عن ذلك بأنّه: الأوّل بلا إبتداء، والآخر بلا إنتهاء، والظاهر بلا إقتراب، والباطن بلا إحتجاب.

وعبّر البعض الآخر عنه تعبيراً رائعاً آخر: الأوّل ببرّه، والآخر بعفوه، والظاهر بإحسانه وتوفيقه إذا أطعته، والباطن بستره إذا عصيته.

وبإختصار فإنّه محيط بكلّ شيء، وإنّه (بداية ونهاية، وظاهر وباطن) عالم الوجود.

وفسّر بعض المفسّرين (الظاهر) هنا بمعنى «الغالب» (من الظهور بمعنى الغلبة) ونلاحظ في بعض خطب نهج البلاغة قرينة على هذا المعنى حيث يقول (عليه السلام) حول خلق الأرض: «هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته»(5).

ولا مانع من جمع هذين التّفسيرين.

وعلى كلّ حال فإنّ أحد نتائج هذه الصفات المتقدّمة هوما جاء في نهاية الآية الكريمة: {وهو بكلّ شيء عليم} إذ أنّ من كان في البداية ويبقى في النهاية، وموجود في ظاهر وباطن العالم .. سيكون عالماً بكلّ شيء قطعاً.

وقوله تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الحديد: 4 - 6]

على عرش القدرة دائماً:

تحدّثت الآيات السابقة عن إحدى عشرة صفة للذات الإلهيّة المقدّسة، وتبيّن الآيات أعلاه أوصافاً اُخرى حيث اُشير في الآية الاُولى مورد البحث إلى خمسة أوصاف اُخرى من صفات جلاله وجماله.

ويبدأ الحديث عن مسألة الخلقة حيث يقول سبحانه: {هو الذي خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام}.

لقد ذكرت مسألة الخلقة في (ستّة أيّام) سبع مرّات في القرآن الكريم، المرّة الاُولى في الآية 54 من سورة الأعراف، والأخيرة هي هذه الآية مورد البحث (الحديد ـ الآية4).

وكما قلنا سابقاً فإنّ المقصود من (اليوم) في هذه الآيات ليس المعنى المتعارف (لليوم)، بل المقصود هو(الزمان) سواء كان هذا الزمان قصيراً أو طويلا حتّى لو بلغ ملايين السنين، وهذا التعبير يستعمل أيضاً في لغة العرب واللغات المختلفة، كما يقال مثلا: اليوم يحكم فلان، وغداً سيكون لغيره، بمعنى الدورة الزمنية.

وقد بيّنا هذا المعنى مع شرح وأمثلة في نهاية الآية 54 من سورة الأعراف.

وطبيعي أنّه لا يوجد أي مانع لله عزّوجلّ من خلق جميع العالم في لحظة واحدة، ولكن في هذه الحالة سوف لا تتجلّى عظمة الله وقدرته وعلمه بشكل جيّد، وبعكس عظمة وقدرة وعلم الله بصورة أقل، ذلك خلق هذه العوالم خلال ملياردات السنين وفي أزمنة وحالات مختلفة ووفقاً لبرامج منظّمة ومحسوبة سيدلل أكثر على قدرته وحكمته، بالإضافة إلى أنّ التدرّج في الخلق سيكون نموذجاً للسير التكاملي للإنسان، وعدم السرعة والإستعجال في الوصول إلى الأهداف المختلفة.

ثمّ تتطرّق الآيات إلى مسألة الحكومة وتدبير العالم حيث يقول سبحانه: {ثمّ استوى على العرش}.

إنّ زمام حكومة وتدبير العالم كانت دائماً بيده ولا زالت، وبدون شكّ فإنّ الله تعالى ليس جسماً، ولذا فليس معنى «العرش» هنا هو عرش السلطة، والتعبير كناية لطيفة عن الحاكمية المطلقة لله سبحانه ونفوذ تدبيره في عالم الوجود.

«عرش» في اللغة بمعنى الشيء المسقوف، وتطلق أحياناً للسقف نفسه، ويعني أيضاً التخوت العالية (عرش السلاطين).

وتستعمل هذه اللفظة كناية عن القدرة أيضاً كما يقال في اللغة العربية: {فلان ثلَّ عرشه}(6).

وعلى كلّ حال ـ وخلافاً لما يتصوّره البعض ممّن أعمى الله بصيرتهم أنّه سبحانه وتعالى قد خلق العالم وتركه وشأنه ـ فإنّ زمام تدبير العالم وتسيير حكومته في كفّ قدرته، وإرتباط أنظمة العالم، بل كلّ فرد من أفراد الوجود بذاته المقدّسة، بحيث إذا أعرض لحظة واحدة عن الكائنات وقطع فيضه عنهم فإنّ الوجود سينتهي.

والتوجّه إلى هذه الحقيقة يعطي للإنسان إدراكاً وبصيرة، وهي أنّ الله تعالى في كلّ مكان ومع كلّ شيء، وهو يرى ويسمع ويراقب ويدير الوجود بحكمته ولطفه.

ثمّ يستعرض نوعاً آخر من علمه اللا متناهي بقوله تعالى: {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها}.

وبالرغم من أنّ جميع هذه الاُمور التي ذكرت في الآيات السابقة قد جمعت في تعبير {وهوبكلّ شيء عليم) إلاّ أنّ توضيح هذه الاُمور يعطي للإنسان توجّهاً أكثر في مجال سعة علم الله.

نعم، إنّ جميع ما ينفذ في الأرض يعلم به الله، سواء قطرات المطر والسيول.

ومن بذور النبات التي تنتشر في الأرض بمساعدة الهواء والحشرات.

ومن جذور الأشجار التي تنفذ ـ بحثاً عن الماء والغذاء ـ إلى أعماق الأرض.

ومن أنواع المعادن والذخائر التي كانت يوماً على سطح الأرض ثمّ دفنت فيها.

من أجساد الموتى وأنواع الحشرات ... نعم انّه يعلم بكلّ ذلك.

ثمّ انّه يعلم بالنباتات التي تخرج من الأرض.

وبالعيون التي تفور من أعماق التراب والصخور.

وبالمعادن والكنوز التي تظهر.

وبالبشر الذين ظهروا ثمّ ماتوا.

وبالبراكين التي تخرج من أعماقها.

وبالحشرات التي تخرج من بيوتها وجحورها.

وبالغازات التي تتصاعد منها.

وبأمواج الجاذبية التي تصدر منها الجاذبية .. الله تعالى يعلم بذلك جزءاً جزءاً وذرّة ذرّة.

وكذلك ما ينزل من السماء من قطرات المطر إلى أشعّة الشمس الباعثة للحياة.

ومن الأعداد العظيمة من الملائكة إلى أنوار الوحي والكتب السماوية.

ومن أشعّة الكونية إلى الشهب والنيازك المنجذبة نحو الأرض، إنّه عالم بأجزاء كلّ ذلك.

وكذلك ما يصعد إلى السماء، أعمّ من الملائكة، وأرواح البشر، وأعمال العباد، وأنواع الأدعية، وأقسام الطيور، والأبخرة، والغيوم وغير ذلك، ممّا نعلمه وممّا لا نعلمه، فإنّه واضح عند الله وفي دائرة علمه.

وإذا فكّرنا قليلا بأنّ في كلّ لحظة تدخل الأرض ملايين الملايين من الموجودات المختلفة، وملايين الملايين من الموجودات تخرج منها، وملايين الملايين تنزل من السماء أو تصعد إليها، حيث تخرج عن العدّ والحصر والحدّ، ولا يستطيع أي مخلوق أن يحصيها .. إذا فكّرنا بهذا الموضوع قليلا فسنعرف مدى إتّساع علمه سبحانه.

وأخيراً في رابع وخامس صفة له سبحانه يركّز حول نقطة مهمّة حيث يقول: {وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير}.

وكيف لا يكون معنا في الوقت الذي نعتمد عليه، ليس في إيجادنا فحسب بل في البقاء لحظة بلحظة ـ أيضاً ـ ونستمدّ منه العون، إنّه روح عالم الوجود، بل هو أعلى من ذلك وأسمى.

فالله معنا في كلّ الحالات وفي كلّ الأوقات، فهو معنا يوم كنّا ذرّة تراب مهملة، وهو معنا يوم كنّا أجنّة في بطون اُمّهاتنا، وهو معنا طيلة عمرنا، وفي عالم البرزخ ... فهل بالإمكان ـ مع هذا ـ ألاّ يكون مطّلعاً علينا؟

الحقيقة أنّ الإحساس بأنّ الله معنا في كلّ مكان يعطي للإنسان عظمة وجلالا من جهة، ومن جهة اُخرى يخلق فيه إعتماداً على النفس وشجاعة وشهامة، ومن جهة ثالثة فإنّه يثير إحساساً شديداً بالمسؤولية، لأنّ الله حاضر معنا في كلّ مكان، وناظر ومراقب لأعمالنا، وهذا أكبر درس تربوي لنا. وهذا الإعتقاد يمثّل دافعاً جدّياً للتقوى والطهارة والعمل الصالح في الإنسان، ويعتبر رمز عظمته وعزّته.

أجل: إنّ مسألة أنّ الله تعالى معنا دائماً وفي كلّ مكان هي حقيقة وليست كناية ومجازاً، حقيقة مقبولة للنفس ومربّية للروح، ومولّدة للخوف والمسؤولية.

ولذا ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «إنّ من أفضل إيمان المرء أن يعلم أنّ الله تعالى معه حيث كان»(7).

ونقرأ في حديث آخر أنّ موسى (عليه السلام) قال: «أين أجدك ياربّ، قال عزّوجلّ: يا موسى إذا قصدت إليّ فقد وصلت إليّ»(8).

وفي الأساس فإنّ هذه (المعيّة) أي كون الله عزّوجلّ مع عباده، ظريفة ودقيقة بحيث أنّ كلّ إنسان مؤمن متفكّر يدركها بقدر فكره وإيمانه.

وبعد مسألة الحاكمية والتدبير يأتي الحديث عن مسألة مالكيته سبحانه في كلّ عالم الوجود، حيث يقول: {له ملك السموات والأرض}.

وأخيراً يشير إلى مسألة مرجعيّته فيقول تعالى: {وإلى الله ترجع الاُمور}.

نعم، عندما يكون الخالق والمالك والمدبّر معنا في كلّ مكان، فمن البديهي أن يكون رجوعنا ورجوع أعمالنا إليه كذلك.

نحن سلكنا طريق عشقه ومحبّته، وبدأنا المسير حاملين معنا الأمل من نقطة العدم باتّجاهه، وقد سلكنا شوطاً طويلا إلى أن وصلنا إلى مرتبة الوجود .. نحن من الله سبحانه، وإليه نرجع، لماذا؟ لأنّه هو المبدىء وإليه المنتهى.

والجدير بالذكر أنّ الآيات الثلاث الآنفة الذكر قد جاء فيها مثل هذا الوصف أيضاً: {له ملك السماوات والأرض}.

ويمكن أن يكون التكرار هنا بلحاظ أنّ الحديث كان ـ فقط ـ عن مسألة حياة وموت الموجودات الحيّة، وهنا نلاحظ توسّع البحث وشموليّته في رجوع كلّ شيء لله سبحانه.

وفي تلك الآيات مقدّمة عن بيان قدرة الله عزّوجلّ على كلّ شيء، وهنا مقدّمة لرجوع كلّ شيء إليه، وهاتان القضيّتان تستلزمان مالكيّة الله عزّوجلّ للأرض والسماء.

التعبير بـ «الاُمور» جاء ـ هنا ـ بصيغة الجمع، أي: أنّ جميع الموجودات ـ وليس الإنسان فحسب ـ تتحرّك باتّجاهه حركة دائمة وغير قابلة للتوقّف.

وبناءً على هذا فإنّ معنى الآية لا ينحصر ـ فقط ـ برجوع البشر إليه في الآخرة، بالرغم من أنّ موضوع المعاد من المصاديق البارزة لذلك الرجوع العامّ.

وفي آخر مورد للبحث يشير إلى صفتين اُخريين بقوله تعالى: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل}(9).

نعم، بالتدريج ينقص أحد الوقتين (الليل والنهار) ليضيف للآخر، وتبعاً لذلك يتغيّر طول النهار والليل في السنة، وهذا التغيّر يكون مصحوباً بالفصول الأربعة في السنة مع كلّ البركات التي تكون مختّصة في هذه الفصول لبني الإنسان.

وهناك تفسير آخر لهذه الآية وهو: إنّ شروق وغروب الشمس لن يحدثا فجأة ودون مقدّمات حتّى لا تجلب هذه الحالة المشاكل للإنسان والموجودات الحيّة الاُخرى، بل يتمّ هذا التغيير بصورة تدريجيّة، وتنتقل الموجودات رويداً رويداً من عالم الضوء في النهار إلى ظلمة الليل، ومن ظلمة الليل إلى ضوء النهار، ويعلن كلّ منهما وصولهما قبل مدّة حتّى يتهيّأ الجميع لذلك.

والجمع بين التّفسيرين لمفهوم الآية ممكن أيضاً.

ويضيف سبحانه في النهاية: {وهو عليم بذات الصدور}.

فكما أنّ أشعّة الشمس الباعثة للحياة تنفذ في أعماق ظلمات الليل، وتضيء كلّ مكان، فإنّ الله عزّوجلّ ينفذ كذلك في كلّ زوايا قلب وروح الإنسان، ويطّلع على كلّ أسراره.

والنقطة الجديرة بالملاحظة في الآيات السابقة أنّ الحديث كان عن علم الله سبحانه بأعمالنا {والله بصير عليم) وهنا الكلام عن علم الله عزّوجلّ بأفكارنا وعقائدنا وما تكنّه صدورنا، {وهو عليم بذات الصدور}.

كلمة (ذات) في الإصطلاح الفلسفي تعني (عين الشيء وحقيقته) إلاّ أنّها في اللغة بمعنى (صاحب الشيء) وبناءً على هذا فإنّ (ذات الصدور) إشارة إلى النيّات والإعتقادات التي إستولت على قلوب البشر.

وكم هو رائع أن يؤمن الإنسان بكلّ هذه الصفات الإلهيّة من أعماق نفسه، ويحسّ حضوره سبحانه في كلّ أعماله ونيّاته وعقائده، إحساساً لا يخرجه عن جادّة الطاعة وطريق العبودية، إحساساً يبعده عن طريق العصيان والسوء والإنحراف .

____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج13 ، ص553-563.

2 ـ اُصول الكافي طبقاً لنقل تفسير نور الثقلين، ج5، ص231.

3 ـ «التسبيح» في الأصل من مادّة (سبح) على وزن (مسح) بمعنى الحركة السريعة في الماء والهواء. والتسبيح أيضاً هو الحركة السريعة في مسير عبادة الله عزّوجلّ (الراغب في المفردات).

4 ـ بالرغم من أنّ (سبّح) فعل متعدٍّ بدون حرف جرّ حيث يقال مثلا سبّحوه إلاّ أنّه هنا قد عدي باللام، ومن المحتمل أن يكون ذلك للتأكيد.

5 ـ نهج البلاغة، خطبة 186.

6 ـ لقد ذكرنا توضيحات أكثر حول حقيقة العرش في نهاية الآية (54) من سورة الأعراف، وفي نهاية الآية (255) من سورة البقرة.

7 ـ الدرّ المنثور، ج6، ص171.

8 ـ روح البيان، ج9، ص351.

9 ـ «يولج» من مادّة (إيلاج) وهي الاُخرى مأخوذة من مادّة (ولوج) والولوج بمعنى الدخول والنفوذ، والإيلاج بمعنى الإدخال والإنفاذ.

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .