التطور الدلالي بين اللغة والنقد (ضروب الاشتقاق في العمليات التطورية) |
930
01:31 مساءً
التاريخ: 10-9-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-9-2017
3260
التاريخ: 10-9-2017
778
التاريخ: 10-9-2017
1711
التاريخ: 30-8-2017
682
|
نعرض في هذا القسم تحليلات لضروب الاشتقاقات التي تظهر خلال عمليات التطور الدلالي، ذلك انه من النتائج التطبيقية الهامة لأنماط التطور: بروز أهمية الاشتقاق في تكوين مفردات العربية، ففي أحيان يكتسب الأصل اللغوي خصائص معينة(كأن يتسع مجاله، او يتحول الى المجرد الذهني) فينسحب هذا على مشتقات له، وفي احيان اخرى نجد التغير الجزئي يلحق بعض المشتقات خلال تفريعها من الاصل الذي يشترك معها في سمات عامة. وتعد الحالات التي يتمثل فيها التحول في مفردات معزولة عن سائر كلمات الاسرة الاشتقاقية قليلة.
ص320
والفائدة التاريخية للعربية الفصحى إنما هي معرفة طبيعة حركة النماء والتوالد سواء في منطلقها او فيما تؤول إليه اي اننا نتقدم في ميدان البحث الدلالي عندما نبدأ بوضع خطوط تبدأ بالأفعال او بالأسماء، ومن ثم تنشأ عنها فروع اخرى، وكذلك عند ادراكنا لأنواع الأسماء والافعال تفصيلياً، وبذا تتضح لنا صور من فاعلية الدلالة في اطوارها الاولى ؛ فالمواد اللغوية لم تبدأ جميعها من الاسماء المصدرية فالأفعال فبقية المشتقات. ولقد عرف الاستعمال اللغوي صوراً متعددة منطلقاً له، ولا يظهر لنا بعض الملامح في هذا المجال سوى افتراض هيئات عامة مستمدة من استقراء لما بين ايدينا من كتب ومصنفات تعرض لتطور الدلالة، وقد يكون في مراجعة المعاجم ومقارنتها بغيرها من اعمال اللغويين فائدة كبيرة ايضاً.
ولقد اجتمع لي من خلال استقراء حالات التطور الدلالي في كتب النقد للقرن الرابع عدد من صور الاشتقاق تنتظم في خطوط اربعة هي( 1- الانتقال من اسم الى اسم. 2- الانتقال من اسم الى فعل. ٣ - الانتقال من فعل الى اسم. 4- الانتقال من فعل الى فعل) وان ما نعرضه هنا ان هو الا نماذج تحليلية، ويمكن العودة الى سائر الحالات التي الشواهد التي تزيد تأكيدها:
1- واول امثلة انتقال الدلالة باشتقاق اسم من اخر يسبقه في الاستعمال هو:(المأقط) الذي ويروي في بيت لأم تأبط شراً:
يجدّل القرن ويروي الندمان ذو مأقط يرمي وراء الإخوان
فيقول ابن جني ان " المأقط: مجتمع الجيش للحرب وهو(مفعل) من الأقط لأنه لبن يجمع(1) "، وظاهر كلام ابن جني يدل على ان التفريع كان من الاسم(اقط)، بينما يبدو الامر لدى، ابن النحاس اكثر تعقيداً فثمة احتمالات عدة لـ(منشم) وبداية حركته في بيت زهير:
ص322
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
فالأصمعي(2) يقول: ان منشم اسم لامرأة من خزاعة عطارة. فاذا اراد - العرب - الحرب ادخلوا ايديهم في عطرها، ثم تحالفوا فصاروا يتشاءمون بها. وابو عمرو الشيباني يقول انهم اذا خرجوا الى الحرب اشتروا الكافور منها لموتاهم فتشاءموا بها، وعلى هذا يكون نقل الدلالة دون تغيير في الصيغة. اما ابو عمرو بن العلاء فيذكران(منشم) من التنشيم وهو الشر. وفي الحديث: " كما نشم الناس في أمر عثمان ". قال ابو عبيدة معناه ابتدؤوا في الشر. وقال منشم اسم للحرب لشدتها . وليس ثم امرأة بهذا الاسم فالعرب تقول " جاؤوا على بكرة ابيهم وليس ثمة بكرة " وفي هذا التحليل نجد الانتقال بين الاسم المصدر - الذي يتعلق بفعل من مادته نشم - الى اسم اخر مشتق هو منشم لكثرة الشرور في الحرب مما يتلاقى مع محيط الدلالة الاولى.
وثمة نمط من التغير الدلالي يكون مصحوبا بانتقال من صيغة التذكير الى التأنيث كما نرى في مادة(لبن) في بيت عمرو بن كلثوم:
تجور به اللبانة عن هواه اذا ما ذاقها حتى يلينا
فيقول ابن النحاس، ذو اللبانة اي ذو الحاجة، وجمعها لبانات، واللبان - بفتح اللام -الصدر، وأنشد لعنترة:
......... كأنهـــــــــــــــــــا أشطان بئر في لبان الأدهم(3)
وإننا لو اعدنا تصور التطور الدلالي في المادة اللغوية لرأينا 1- اللبن دلالة على السائل المستمد من الثدي ٢- ثم اللبان دلالة على الصدر في الإنسان خاصة لعلاقة مجازية مرسلة، ولشدة حاجة العربي لفرسه واعجابه بها استعار لها التسمية المخصوصة بالمرأة أولا ثم المعمّمة لتشمل صدر الرجل ٣ - اللبانة وهذه صيغة
ص323
مؤنثة دلت على الحاجة. والارتباط واضح في ضرورة اللبن للطفل فهو الحاجة الاولى والاهم مما عداها لذا يتمثل بها للمطالب الاساسية.
٢- ومن امثلة الانتقال من الاسماء الى افعال ص المادة اللغوية ذاتها مع التطور في الدلالة، ما جاء لدى ابن النحاس حول بيت طرفة:
ووجه كأن الشمس حلت رداءها عليه نقي اللون لم يتخدد
فقوله. " لم يتخدد: اي لم يضطرب، مشتق من الخد، لأنه انما قيل له خد لأنه يضطرب عند الأكل(4)، وفي قول لبيد:
فلحقن واعتكرت لها مدرية كالسمهرية حدها وتمامها
فالسمهرية هي الرماح، ومنه يقال: " اسمهرّ الامر اذا اشتد(5) " وفي قول عنترة:
أوروضة أنفاً تضمن نبتها غيث قليل الدّمن ليس بمعلم
فالأنف: التام من كل شيء، وقيل: " هو كل شيء ومنه(استأنفت) الأمر(6) " وعبارة الشارح في كل من المواضع السابقة بينة في مسألة الاشتقاق.
ويورد ابن الانباري واحدا من الامثلة وهو يشرج بيت امرئ القيس:
فقلت له لما تمطى بصلبه واردف اعجازاً وناء بكلكل
" فقوله(لما تمطى بصلبه) اي لما تمدد بوسطه. ويقال: تمطى الرجل اذا تمدد اي قد مطاه اي ظهره. ويقال مطوت أمطو اذا مددت في السير(7) " وهكذا نرى في هذه الحالة - أيضا - اسماً يتحول بالاشتقاق الى الحالة الفعلية وخلال ذلك تتنامى الدلالة.
وثمة مثال نلحظ فيه ان الانتقال الى الفعل ضامر لا يذكر ويكتفي ابن
ص324
الأنباري وابن النحاس بالإشارة الى الاسم الاول والاخر المنتقل إليه في قول طرفة:
واعلم مخروت من الانف مارن عتيق متى ترجم به الارض تزدد
فيقال للدليل الهادي: الخريت، وسمي بهذا لأنه يهتدي الى مثل خرت الابرة - - كما يذكر الاصمعي - وقال الآمدي:
على صرماء فيها اصرماه وخريت الفلاة بها مليل(8)
فاسم الفاعل للمبالغة يجعلنا نقول بوجود الفعل(خرت) اي مرر الخيط من عين الابرة ومن ثم يشتهر من يقوم بهذا العمل بالبراعة وتنقل بعدها الى المجالات الاخرى مع صيغ المبالغة(خِرّيت).
٣- ومن الامثلة على تطور الدلالة، وذلك بالاشتقاق من الفعل الى الاسماء: العميد، فالعميد هو السيد كما جاء في بيت الاعشى:
لئن قتلتم عميدا لم يكن صددا لنقتلنْ مثله منكم فنمتثل
وقال ابو زيد: " هو المنتهى إليه في الشدائد كأنه من عمدت للشيء اعمد اذا قصدت اليه(9) " ويجيء ابن جني بشرح يستطرد فيه فيبسط اصل(من اجلك) لمرادفتها(من جراك) ونرى ان " اشتقاقه من(اجلت) الشيء اجله اذا حنيته قال: في عاجل انا اجله، اي جانبه وجاره(10) "، وفي موضع اخر يعلق على بيت المتنبي:
مثلك يا بدر لا يكون ولا يصلح الا لمثلك الدول
" فالدول جمع دولة، والدولة مشتقة من تداول الشيء(11) " واذا راجعنا
ص325
مفردات اخرى نجد ما يشبه الحركة الدائرية فالاسم(دولة) يشتق من الفعل(تداول) ومن ثم يؤخذ فعل(دالت) الدول.
واتى ابن الانباري بمثال(الغدير) فيظهر تخصصه ان اشتق من الفعل ذي الدلالة العامة:(غادر) في بيت عنترة:
هل غادر الشعراء من متردم ام هل عرفت الدار بعْد تولم(12)
" فإنما سمي الغدير غديراً لان السيل غادره اي تركه، وقيل ايضاً إنما سمي غديراً لأنه يغدر بأهله، ويذكر الشارح في حديثه(الغدائر وهي الذوائب، واحدتها غديرة) دون ان يشرحها مفصلة ولا يخفى ان الدلالة هنا مخصصة لأن هذه الذوائب تترك دون ان تضم الشعْر في عقاصه.
٤- ومن امثلة النمط الاخير وهو انتقال الدلالة من فعل الى فعل مع تطورها ما جاء لدى ابن النحاس(13) وهو يشرح حديثاً من الرسول(صلى الله عليه وآله) يقول: " ان أبغضكم الى وأبعدكم عني مجالس يوم القيامة الثرثارون المتفيهقون " فيعلق قائلا: " ويقال فهق النهر اذا امتلأ حق يفيض "، ونستنتج أن الحركة اتخذت مسارا من الفعل المادي المتصل بالنهر وفيضانه الى الفعل الكلامي المشابه في تدفقه المتزيد فيه لما عليه مياه الانهار في حالات خاصة، وبعدها اشتق الاسم المحدد(المتفيهق) واستعمل.
والمثال الاخر مستخرج من مناقشة تدور حول بيت المتنبي المشتمل على فعل (التنهد):
قالت وقد رأت اصفراري منْ به وتنهدت فأجبتُها المتنهد
فأبو الفتح ابن جني يقول شارحاً: " التنهد هو التنفس بغلواء وشدة " ولكن متعقباً له يحاول أن يخطئ الشارح لعويص شعر المتنبي فيقول الاصفهاني
ص326
صاحب(الواضح في مشكلات المتنبي) " هذا لا يعرف في العربية وانما يقال نقد ثدي المرأة اذا خرج فهو ناهد، ومنه نهد الرجل بزحفه اذا خرج للحرب، دهنه ثدي نواهد ونهد ؟ لخروجهن. واما قول المتنبي: تنهدت اي تكلفت اخراج ثديا افتنانا له واختبالا لقلبه(1) ".
ونحن نقبل تحليل ابن جني لأنه هو الصحيح اذا ما قيس بما هو واقع في الحياة العملية والسلوك العادي، وبذا نجد التطور فيما بين الصيغتين(نهد)، و(تنهد) فالأول تعني ظهور الثدي، او البروز والخروج عامة، والاخرى تفيد معنى اضافياً لازماً لبروز الصدر هو التنفس بشدة دليل التأثر الكبير والانفعال.
ص327
_______________
(1) التمام، ابن جني ١٣٦ .
(2) شرح ابن النحاس 320-321.
(3) شرح ابن النحاس 744.
(4) شرح ابن النحاس 219.
(5) شرح ابن النحاس 412.
(6) شرح ابن النحاس 473 .
(7) شرح ابن الانباري 75.
(8) شرح ابن النحاس 252.
(9) شرح ابن الانباري 181 .
(10) شرح ابن النحاس 724.
(11) ابن جني الفسر الصغير 178 ب.
(12) شرح ابن الانباري 295.
(13) شرح ابن النحاس 475.
.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|