المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2764 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



في اللغة ونقد الدلالة (نظرية الأدب وصلتها باللغة والدلالة)  
  
2756   11:02 صباحاً   التاريخ: 10-9-2017
المؤلف : د. فايز الداية
الكتاب أو المصدر : علم الدلالة، النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة : ص183- 197
القسم : علوم اللغة العربية / علم الدلالة / التطور الدلالي / ماهية التطور الدلالي /


اتجه النقد الأدبي الحديث نحو اللغة لتكون منطلقاً له، ومهما تختلف الآراء بين اصحاب المصنفات التي تبحث في النظر النقدي وتطبيقاته فإنها – في عدد منها – ائتلفت حول هذا المحور، ودعت الى مراجعة ما أفاض فيه – قبلُ – الدارسون في هذا الميدان، والى ربط بين معطيات علم اللغة عامة والدرس الأدبي، وظهرت – كذلك – وشائج بين البحث الدلالي والنصوص الشعرية والنتاج النثري.
ولقد كان(أرسطو) الأصل الذي يستمد منه التالون، وإن تكن الأشكال التي يبرزون فيها أفكاره ملونة بأصباغ العصر المحيط بها، وإن المعلم الأول أرسى 
ص183
حقيقتين هما النموذج الذي تتابعت عليه التنويعات، والأولى منهما هي: تحديد وسائل التعبير الفني، ذلك أن الاختلاف بينها يؤدي الى التميز في كل ضرب من: الموسيقا والتشكيل، والرقص، وينتهي الى الحقيقة الأخرى وهي الوسيلة الخاصة بالشعر والنثر أي: اللغة.
يقول أرسطو إن " الملحمة والمأساة بل والملهاة والديثرمبوس، وجل صناعة العزف بالناي كلها أنواع من المحاكاة... وكما أن بعضها(بفضل الصناعة أو بفضل العادة) يحاكي بالألوان والرسوم كثيراً من الأشياء التي تصورها، وبعضها الآخر يحاكي بالصوت، كذلك الحال في الفنون السالفة الذكر "(1)، ونفيد من هذا النص الإشارة الواضحة لتميز فني التصوير والموسيقا، ومن ثم ننتقل الى الطرف المقابل وهو مالم يجد له المعلم الأول مصطلحاً يصلح لفروعه جميعها، إلا أن تفرده هو تعبيره بالكلمة(اللغة): " أما الفن الذي يحاكي بواسطة اللغة وحدها نثراً أو شعراً – والشعر إما مركباً من أنواع أو نوعاً واحداً – فليس له اسم حتى يومنا هذا: فليس ثمة اسم مشترك يمكن أن ينطبق بالتواطؤ على تشبيهات سوفرون وأكسنيرخوس، وعلى المحاورات السقراطية... "(2) ويتابع الشرح ليفرق بين ما هو كلام ارتبط بالوزن فحسب دون روح الشعر، وذاك الذي يحاكي ويبلغ بأبياته وكلماته المرتبة الشعرية حقاً فأنباذوقليس ينظم ابياتاً على أوزان معروفة لكنها ليست مما يعد شعراً كذلك الذي نجده عند هوميروس وهو " الخليق بنا أن نسميه شاعراً "(3)، واهمية قفتنا هنا هي تبين ان ارسطو نبه الى التميز النوعي للتعبير الأدبي بين اشكال الفن، فالأحاسيس والأفكار تجد لها عند الرسام رموزاً هي الألوان والظلال، وعند النحات: الحجوم والملمس، وفي الموسيقا: التواترات الصوتية، وهي هنا ليست بحاجة الى ترجمة بالرموز الخارجية: أي الكلمات،
ص184
فالصلة بين الاثر والتلقي مباشرة – أو هكذا ينبغي أن تكون – أما الأديب فيلجأ الى الكلمة لتحمل رسالته الى الآخرين.
ويقدم كتاب(نظرية الأدب) عرضاً للطريقتين اللتين يتم بهما دراسة الأدب ونقده: دراسة الأدب من الداخل أي اتخاذ النص أساساً للعمل ثم الاستفادة من المؤثرات الأخرى خارج الإبداع، ودراسة الأدب من الخارج بالبحث في شخصية الأديب، وعلم النفس وحالة المجتمع إلخ... وأنصار النظرة الأولى يرون أن المنطلق الطبيعي والمعقول للعمل في البحث الأدبي هو تفسير الأعمال الأدبية ذاتها وتحليلها له فهي التي تسوغ – في الحساب الاخير – كل اهتمام نبديه بحياة الأديب، وبمحيطه الاجتماعي وبعملية التأليف كلها "(4)، ويتطابق هذا الرأي مع رؤية(ديتشيس) وإن يكن تعبيره يجعل اللغة معرفة خارجية عن الأدب. والأغلب أنه يقصد: الاستمداد من أعمال اللغويين في قولته(غير الأدبية): فحين نريد أن ننتقد أثراً أدبياً علينا أن نعرف الى أي حد وتحت أية ظروف تكون المعرفة غير الأدبية ضرورة لنا قبل أن " نتعرف الى الأثر الأدبي تعرفاً تاماً ؟ علينا طبعاً أن نعرف اللغة التي كتب بها، وهذا يشمل في ذاته غير ضرب واحد من ضروب المعرفة الفيلولوجية حسبما نرى "(5). ولقد قال باتيسون في كتابه(الشعر الإنكليزي واللغة الإنكليزية) أن الأدب جزء من التاريخ العام للغة، وإنه يعتمد عليها اعتماداً كاملاً إنه يقول: " فرضيتي هي أن طابع العصر في قصيدة من القصائد يجب ألا يتم تقصي أثره لدى الشاعر بل لدى اللغة. وأعتقد ان التاريخ الحقيقي للشعر هو تاريخ التغيرات في نوع اللغة التي كتبت بها 
ص185
قصائد متتالية، وأن هذه التغيرات في اللغة تنجم عن ضغط الاتجاهات الاجتماعية الفكرية "(6)، ويؤكد(غراهام هو) ما جاء لدى ديتشيس، عندما يتحدث عن: " البنيات الشكلية التي هي في الأدب بنيات لغوية.. ولا نستطيع ان نقدم أي تحليل شكلي للعمل الأدبي دون أن نفهم طبيعة هذه المادة "(7).
ويعلل الاتجاه الى الاطار المحيط بالأدب بدلاً من تشريح عناصره الأولى، ثم الانتقال الى معرفة الأطراف الأخرى ذات التأثير في العمل، بأن مطلع العصر الحديث كان متأثراً بالروح الرومانسية التي ألحت على أن " الأزمنة المختلفة تتطلب مقاييس مختلفة، وذلك لهدم النظام النقدي للكلاسية الجديدة في أوروبا، وبذا انزاح الاهتمام من الأدب الى خلفيته التاريخية، وغدا الشرح عن طريق عرض الأسباب كلمة السر السحرية، وخاصة في السعي لمضاهاة مناهج العلوم الطبيعية، إلا أن عودة الى المنهج الصحيح – وهو اتخاذ الأعمال الفعلية محوراً للدرس – قد برزت في السنوات الأخيرة – الثلاثينات والأربعينات – في منهج(شرح النصوص) في فرنسا والتحليل الشكلي الذي يقوم على التوازي مع تاريخ الفنون الجميلة في ألمانيا، وفي الحركة المميزة للشكليين الروس – في درسهم لغة بوشكين وأصولها الشعبية – وأتباعهم التشيك والبولنديين، وفي تركيز أتباع ريتشاردز انتباهم على نص من الشعر، وفي دراسات للرواية تحاول أن تحلل مناهجها الفنية – وجهات نظرها تقنيتها القصصية "(8).
والاتجاه الجديد الذي نراه في النقد الحديث إنما هو مؤسس على الإدراك للحدود بين العلوم والفنون المختلفة، فالدراية بآفاق كل من اللغة والأدب تجعل 
ص186
الباحث مدركاً لاتساع الفروع اللغوية من الصوتيات الى التركيب وحتى الدلالة لتشمل الحياة العملية اليومية في تخاطب الناس واتصالهم communication في المجتمع الواحد أو في المجتمعات المتقاربة، أو المتباعدة لغوياً – الترجمة – إضافة الى القيمة الفنية عندما تستعمل في النتاج الأدبي اي في مستواها الجمالي – ولا نريد هنا تثبيت مفهوم الانفصال التام بين لغتين عادية وأخرى جمالية، إذ تحفل المواقف الانفعالية بين الناس بالصور والإيحاءات البيانية – لذا فالدارس الأدبي يرى واحداً من وجوه اللغة و " الدراسات اللغوية لا تصبح دراسات أدبية إلا حين تفيد أي حين تهدف الى تقصي الآثار الجميلة للغة، وباختصار: عندما تدخل في دائرة الأسلوبيات... ولا يمكن بطبيعة الحال متابعة الأسلوبيات متابعة ناجحة دون أساس كامل من علم اللغة العام linguistique generale ما دامت إحدى اهتماماتها الأساسية هي بالضبط معارضة نظام اللغة في العمل الأدبي الرفيع الاستعمال والشائع في ذلك العصر، وبدون معرفة ما هو الكلام الشائع حتى  الكلام غير الأدبي، وما هي اللغات الاجتماعية في ذلك الزمان فقلما تستطيع الدراسات الأسلوبية أن تتجاوز النواحي الانطباعية "(9).
وتتردد أصداء لموازنة أرسطو بين الفنون والأدب في كتابات حديثة وقد عمقتها نظرية – أو علم – الرموز(semiotique)(10). ونلحظ شيوع مصطلح اللغة ليدل على وسائل التشكيل أو الموسيقا أو بعض الفنون المستحدثة كالسينما فيقال: 
لغة فلان التشكيلي أو تشرح قطعة موسيقية بتفصيل كأنما هي مؤلفة من فقرات وجمل وكلمات، وإن اصطلاح الرمز يكون أجدى لأن اللغة تحملنا على أن نمر عبر طريق ملتوية لنؤدي ما نحس به أو ما نريد توصيله من أفكار وهذه الطريق
ص187
هي اللغة فاذا نقلنا الرسم بها فإننا بذا نباعد بين العمل ومتلقيه اذ تتخلق انفعالات الفنان من خلال الوانه وظلاله وابعاد المنظور الى ما هنالك من وسائل تصويرية، وبعدها تضطر الى انتقال اخر يذكرنا بكهف افلاطون وظلاله. 
‏وينفذ غراهام هو الى فهم لأداة الادب بموازنة تقتبس من ارسطو وتضيف اليها " ان اداة الادب: اللفظ ؛ فالأدب يصنع بالكلمات، والكلمات الان اشارات، والكلمات تتصدى لشيء وتمثل شيئاً قبل ان يستولى عليها الادب، وهكذا فإن الادب يستخدم اداة هي في ذاتها نتاج فعالية تشكيلية ترميزية، فالأدب شكل رمزي فقط بمعنى ثانوي اشتقاقي، لأنه يستخدم نسقاً من الاشكال الرمزية الجاهزة، وهو النسق الذي ندعوه اللغة. والعالم الذي تستدعيه اللغة الى الوجود على الفور يستعمله الأدب على انه مادة خام، لذلك لا يستطيع الأدب ابداً ان يكون نسقاً كامل الرمزية والاستقلال كما تستطيع الموسيقا - والرسوم - ان تكون "(11). 
‏والاحتراز الهام في هذا المقام هو ان الالحاح والتركيز على اللغة والدراسة من داخل النص الادبي لا يعني الغاء او تجاهلا للعناصر الاخرى في الدرس النقدي، وكل ما تهدف اليه الوجهة الجديدة – او المتجددة - هو ان تطلق من معطيات العمل ذاته، وبعدها نفيد بما يسمح به الاساس الذي ينطلق منه فلا نكبله بقبليات وافكار خارجية تقهره في حالة تمثلها صورة كرة ثلج التي يختفي اصلها بالتراكمات المتزايدة اثناء تدحرجها. 
‏وعلم الدلالة الحديث هو الفرع الذي يبحث في استخراج قوانين المعنى العامة، وهو العلم المنوط به رصد معنى الاشارات اللغوية(الكلمات)(12)، واذا 
ص188
ما أوغلنا في تفحص مسائله نجده يخصص الجزء الأكبر منها لمتابعة تطورات الدلالات وتغيرها، ولرصد المفردات بين المعجم والحالة التي تكون عليها في النصوص المختلفة، وفي المقامات المتعددة بحسب التجارب اليومية المعاشة، ولقد عقد اصحاب النظرية النقدية الحديثة أواصر وثيقة بين الأعمال الإبداعية، وتلك القضايا القادرة على أن تغدو مفاتيح إدراك أعمق للصورة الاخيرة للمفردات، ومن ثم سائر التراكيب وما يتصل بها من مجاز وتخييل وإيماءات، اي إضاءة القصيدة، او مقاطع الرواية، أو فصول المسرحية بالوان عدة تقرب القارئ أو السامع من تجربة الأديب الخالق لها أو – بدقة أكثر – من هذه التجربة المتجسدة باللغة.
وإن ريتشاردز صاحب أبرز التيارات النقدية الحديثة يفرد فصلاً من كتابه(مبادئ النقد الأدبي) للحديث عن(التوصيل)(13)، وأهميته في العمل الفني عامة والشعري منه على وجه الخصوص، ويتعرض لما يبديه الأدباء والفنانون في كثير من الأحيان من تجنبهم التفكير في مسألة التوصيل هذه، ويقول إن اللاشعور الفني يستوجب كمون الرغبة في أداء قادر على الوصول الى الآخرين، ولا يعني عدم التصريح بالتركيز على هذا الجانب لدى الشاعر أنه حقاً غير موجود، بل إن الفنان في الحالة السوية لابد أن يصوغ تجربته مفهومة أي قادرة على التوصيل.
ويعرفنا ديتشيس بمنهج رتشاردز وكيف أدى به الى الاستعانة بالدلالة و " مشكلة المعنى والاتصال تقوده الى إيضاح وجهة نظره في الإدراك لكي يفسر العمليات الداخلية للقراءة ولبحث ماهية الرموز والعناصر الأخرى التي تدخل في عملية الإيصال. إن ضرورة إيضاح كيفية خلق الأدب لحالة عقلية معينة في 
ص189
‏القارئ هي التي قادت ريتشاردز الى ربط الادب بالسيمانتية(الدلالة)، وهي الدراسة العلمية لعمل الالفاظ في ا‏يصال المعنى، و كان أصدر مع اوجدن - 1923 ‏- كتاب(معنى المعنى) وهي دراسة للغة من هذه الناحية، وهي اول الدراسات التي على اثرها النقد الادبي "(14). 
‏واول المجالات التي يعالجها النقاد - النظريون - هي هيئة الكلمات في النصوص، فان معناها ليس هو المعرف به في المعجم وإنما هو " جميع ما يحتشد من روابط ونغمات مستمدة من جميع انواع المفهومات والتصورات، وصور الفكر والتقاليد البلاغية واشياء اخر يدركها التغير مع الزمن "(15). فما دامت اللغة - وهي اداة الادب - عرفا يقوم على الاتفاق فهي تشد تحولات في المعاني كلما تغير هذا العرف(16)، وان ديتشيس بعد ان يقرر حقيقة التغير وعمليات التطور الدلالي يوجه الدارسين ومن يعمل في النقد الى ان يهتموا بالعلاقات المتداخلة بين المعاني ويتطرقوا الى ادق صنوف تلك العلاقات، وان يعنوا بأصغر العناصر في المبنى وبالإيماءات الجانبية وبالظلال التي قد تمر دون ان يلحظها قارئ عارف بالأثر المنقود فهي ظلال لا يلمحها الا ذو تمرس "(17). واننا سنرى بعد تناول اللغويين لقضية الدلالة الهامشية، وتلك الدلالة المركزية، ولكن الامر ههنا يفترق في ان النتيجة تبسط وتبين الخيوط التي تشد التحليلات الدلالية الى الحيز الجمالي، فتاريخ الكلمة وما لحقها من معان تفصل او تخصص مضمارها تستحضر اثناء قراءة الاثر الادبي، ولكن الاختيار من أن ذاك التراكم يتخذ لنفسه اساساً ينطلق منه، وهو السياق الواردة فيه الكلمات والا وقعنا في الاضطراب فما الذي نأخذه وما هو البعيد المتروك ؟. 
ص190
وإن صاحبي(نظرية الأدب) يوردان المصطلحات بوضوح " فإن معنى الشعر يعتمد على السياق فالكلمة لا تحمل معها فقط معناها المعجمي، بل هالة من المترادفات والمتجانسات، والكلمات لا تكتفي بأن يكون لها معنى فقط، بل تثير معاني كلمات تتصل فيها بالصوت أو بالمعنى أو بالاشتقاق "(18) ونطلع على التحديدات الفارقة بين الأمور في كلام(غراهام هو)، فبعد أن يومئ الى كون اللغة مستودعاً هائلاً من المعاني والى(تلك التضمينات او المعاني الإضافية) يقول بأن " الأدب يعمل الى حد كبير عن طريق السيطرة على تلك التضمينات، وبالطبع فإن السياق هو الذي يسيطر عليها مما يسمح لبعضها، ويبعد بعضها الآخر باعتبارها غير واردة. 
ان القصد الذي يتصوره الكاتب عن عمد لا يسمح الا لبض التضمينات فقط، وان كان يعرف بمعنى من المعاني بوجود تضمينات أخرى "(19). وتتشعب المشكلة ويدور النقاش حولها فنحن هنا نحلل عملا ونرجع الى الازمنة السالفة ونبحث عن المعاني المحتملة التي قد تتوافق مع سياق النص فتغنيه وتجعله - بلغة العصر - مشبعا، الا ان ثمة من يحاول ان يفسر العمل الادبي بمفهومات ودلالات تالية على صاحب هذا العمل ويضرب(جويفري تيلوتسرن) مثلا واضعا عن هذا الاتجاه فان قراءة انفعالات اجيال تالية في موضوع اواخر من قصيدة لهو خطأ مضجر في النقد... والمعنى الاصلي للكلة في قصيدة عظيمة هو المعنى الاوحد الذي يستحق الانتباه اليه. ومهما يكن ظريفا ذاك المعنى الناشئ عن التضمين الجديد للكلة، فان مثل هذا المعنى غير وارد بالنسبة الى صاحب القصيدة "(20). 
‏ويدرس النقاد اللغة من حيث المواقع التي توجد فيها، والبيئات التي 
ص191
تستخدمها. إنهم يصلون الى المطالبة بضرورة التمييز بين الأداء اللغوي في الأبحاث العلمية نظيره الأدبي، فالأول تنحو اللغة فيه نحواً تتطابق الإشارة – الكلمة الملفوظة أو المكتوبة – فيه والمدلول تطابقاً دقيقاً. كما نرى في الرياضيات وفي المنطق الرمزي ومثلها الأعلى في هذا المقام لغة عالمية كالتي بدأ(ليبنتز) مبكراً بوضع خطوطها منذ نهاية القرن السابع عشر، وأما الأدب فتكتظ لغته بالالتباسات – ويقصد بهذا المصطلح: المعاني الكامنة في الألفاظ – وتتخللها الأحداث التاريخية والذكريات التداعيات، والاختصار فهي شديدة التضمين(21).
ويضيف(غراهام هو ) الى المقابلة بين العلم والأدب جوانب أخرى من استعمالات اللغة لندرك صناعة الشعر أو العملية التفصيلية لتكوينه من حيث مفرداته , ودلالاتها، " فاللغة الأدبية تخصيص من ذلك المجمل – العامية والسوقية مروراً باللغة المحكية العادية اليومية، انتهاء بالفصحى(*) وما فيها من كلمات مقتبسة أو موضوعة عن وعي – كما أنها تستبعد بشكل قياسي كل الكلمات السوقية، والتقنية. أما اللغة الشعرية فأبعد تخصصاً، وهي تذهب في تضييق حلقتها في الاتجاه نفسه، وإن تكن من جهة أخرى تؤدي الى اتساعها باستعمال كلمات قديمة، وابتكار كلمات والإتيان بمعانٍ خاصة لتلك الكلمات التي نتداولها ونعرفها "(22).
وكانت مسألة(الغموض) في الأدب قد أثارت نقاشاً حاداً وطويلاً بين الادباء والنقاد العرب، وذلك منذ أن اتسع المجال في الساحة الأدبية – أواخر القرن الثاني ثم الثالث وامتدّ إثرهما – لمدرسة البديع والتجديد، وظهرت أشعار 
ص192
تنحو منحى فكرياً، أو لنقل إنه يتعمق في نظرية الى الكون والى صلات البشر بعالمهم. وكان تداخل بين الفلسفة في شيء من رسومها أو جوانبها وما قدمه بعض الشعراء في قصائدهم ومقطوعاتهم الغنائية. ومثل ابو تمام زاوية خاصة في غريبه ومعانيه وقف عندها القراء والنقاد، وذهب كل فريق مذهباً في تفضيلها او انكارها، بحسب رؤيته للشعر ووظيفته ولعلاقة الإبداع المحدث بالأصول الموروثة في أشعار الجاهلية والإسلام، ثم احتدم الحوار بين الخصوم والأنصار في تقويم شعر المتنبي وشاعريته. وكان مما أغنى الأحاديث النقدية مسألة الغموض والوضوح، وصلة الشعر بالفكر والفلسفة.
ونتخير موقفاً للقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني في الوساطة، في هذه القضية يتميز بالوعي النقدي والنظرة القادرة على الوصول الى آفاق المستقبل، لأنها تمس جوهر الأداء الفني وصلته بإثارة جمهوره، وخلق التفاعل الذي يجاوز المألوف ويكسر جمود الألفة والسكون في كلام بعض الشعراء مما لا يستوقف قارئاً او سامعاً لإخلاد الشاعر الى التقليد او لاستسلامه للدعة ومجاراة ما صنعه السابقون. وهنا نذكر ان عملاً شعرياً يكون قادراً على خلق التواصل معه والارتباط بالتجربة الشعورية من خلال زوايا للرؤية تشكله، وتبلور صوغه اللغوي الجمالي، لكن تقليده – من ير تميز جديد – لا يؤدي الى النتيجة ذاتها.
لذا يكد الشاعر نفسه ليخرج من إهاب الشعر القديم الذي يشكل جزءاً من وجداه وقيمه الفنية.
ينتصر صاحب الوساطة في طرف من حديثه النقدي للمتنبي شارحاً(الغموض) الذي يرافق الجدة ويستدعي التأمل في نتاج الشعراء المحدثين، ويعود الى واحد من الشعراء العرب سلم له أهل الأدب في النصف الثاني في القرن الرابع الهجري بالإجادة – بعد أن هدأت الخصومة حلو شعره – وهو أبو تمام فيحلّل هذه الظاهرة لديه، ولنا أن نجعل كلمات الناقد تنوّر آفاقاً أدبية أوسع، 
ص193
ولئن اقتصرت إشارته على بعض مما يمثل ظاهرة الغموض، لقد يدل تصوره على نضج نقدي في فهم الأدب يصح نقله الى أدبنا العربي الحديث ومشكلاته في الرمزية والإيحاء المركب لتجارب الشعراء، وكما ذكرنا ان الدلالة تمثل محوراً هاماً في قضية التعبير عن التجربة وعالم الشاعر.
يقول القاضي الجرجاني: 
" ولو كان التعقيدُ وغموض المعنى يسقطان شاعراً لوجب أن لا يرى لأبي تمام بيت واحد ؛ فإنا لا نعلم له قصيدة تسلم من بيت أو بيتين قد وفر من التعقيد حظهما. وأفسد به لفظهما، ولذلك كثر الاختلاف في معانيه وصار استخراجها باباً منفرداً، ينتسب إليه طائفة من أهل ألأدب، وصارت تتطارح ف المجالس مطارحة أبيات المعاني وألغاز المعمى.
وليس في الأرض بيت من أبيات المعاني لقديم او محدث إلا ومعناه غامض مستتر، ولولا ذلك لم تكن إلا كغيرها من الشعر، ولم تفرد فيها الكتب المصنفة، وتشغل باستخراج الأفكار الفارغة.
ولسنا نريد القسم الذي خفاء معانيه واستتارها من جهة غرابة اللفظ وتوحش الكلام، ومن قبل بعد العهد بالعادة وتغير الرسم "(23).
واللمحة البارعة في نقد القاضي الجرجاني تمييزه بين تفرد الشاعر بلمحات تحتاج الى الغوص وتخرج من بحثنا وتأملنا فيها بطائل، وذاك الذي يأتيه بعض الشعراء من إشكالات لفظية، او تلاعب في معلومات خارجية ليست من التجربة أو معطيات الموقف الشعري.
قد يبدو من المناسب مقارنتنا بين وعي ناقدنا العربي القديم واتزانه في النظر 
ص194
الى هذه الظاهرة(الغموض)، وما يعطيه النقد الأدبي الحديث في أعمال نقاد تبوأت آراؤهم مكانة عند المعاصرين، وأدت فائدة في تحليل الأسلوب والدلالة عند الأدباء. 
يعرض ستاتيلي هيمن في مصنفه(النقد الأدبي ومدارسه الحديثة) لجهود ناقد هو وليم إمبسون، توفر على بسط جوانب(الغموض) في ماهية العمل الأدبي، تتصل باهتماماتنا الدلالة من طرف وبالتصور النقدي من طرف آخر.
يقول إمبسون:
" غذن فقد يكون للكلمة الواحدة عديد من المعاني المتمايزة، وعديد من المعاني المرتبط أحدها بالآخر، وعديد من المعاني التي يحتاج واحدها الى الآخر ليكمله،او عدي من المعاني تتحد معاً، حتى إن الكلمة تعني علاقة واحدة أو سياقاً واحداً، وهذا مساق يستمر مطرداً.
(فالغموض) معناه أنك لا تحسم فيما تعنيه، او تقصد الى أن تعني أشياء عديدة، وفيه احتمال أنك تعني واحداً أو آخر من شيئين، أو تعني كليهما معاً، وأن الحقيقة الواحدة ذات معانٍ عدة "(24).
إن السبيل الى ان نحص بما جاء به شاعر أو أديب، وان ندرك أبعاد كلماته ودلالاتها إنما يرتبط على نحو وثيق بالسياق وعلاقته فهو الذي يعطي الاضاءة للغرض والقصد.
وقد وقف إمبسون عند نقطة أساسية في(الغموض)، وهي الممثلة باللبس والإلغاز التعمية، وكنا عرفنا ان القاضي الجرجاني اشار من قبل الى هذا بجلاء وبصيرة نقدية فذة.
ص195
يقول إمبسون موضحاً لوك بعض الشعراء سبلاً ملتوية لا غناء فيها ولا تغني تجربة حية:
" يكون الغموض محترماً ما دام يسند تعقيد الفكر او لطافته او اكتنازه، أو ما دام ندحة يستغلها الأديب ليقول بسرعة ما قد فهمه القارئ. ثم هو لا يستحق الاحترام إن كان وليد ضعف او ضحالة في الفكر، ويبهم الامر دون داعٍ، أو عندما لا تتوقف قيمة العبارة على ذلك الغموض، بل يكون مجرد وسيلة لتوجيه المادة وتصريفها، وذلك إن كان القارئ لا يفهم الافكار التي اختلطت، وانطبع لديه شيء من عدم الاتساق "(25).
إننا نرى من خلال تواتر المسألة النقدية بين القدماء والمحدثين من العرب والأجانب، وكذلك في الحوار الأدبي في الأوساط الأدبية العربية قديمة ومحدثة، ان العناية بها تعمق صلة الناقد بالعمل الإبداعي، وتمكنه من توصيل الرؤية النقدية(26).
ويلح(ديتشيس) على التمييز بني الشاعر واختياره للألفاظ وايراده للمعاني وتحديد الدلالات والعالم اذ ينقل ما لديه بشكل منطقي يتجه الى معنى واحد يحجب ما سواه، وتبرز المنطقية فيه، و " إن اللغة اذا ما استعملت استعمالاً منطقياً علمياً تعجز عن ان تصف منظراً طبيعياً أو جهاً إنسانياً  "(27).
وهذه التفصيلات يتسع القول فيها وبوب ضمن الدرس الدلالي عندما تكون الدراسة لغوية ولكننا حرصنا على ان نورد أراء المنظرين للنقد لنفيد منها بعد ذلك في تحليلنا لأعمال النقاد، آخذين في عملنا بالتفريق بين إطلاق الاحكام على اللغات الأوربية وخصوصية العربية الفصحى.
ص196
وإن ظاهرة أدبية هي(الغموض) تجد فيما سبق تفسيراً، او مفتاحاً للتعليل، ولجلاء هذا المنهج في نقل التجربة الشعورية، فالمعاني المعجمية تستقر على حالة يمكن أن نسميها(سكونية)، بينما تتطلب الانفعالات والتواتر  النفسي ألواناً تستطيع حمل المتلقي الى أٌقرب نقطة من التجربة، لذا فإن الشاعر والأديب عامة يلجأ الى حركة نشطة في المفردات ولا يقتصر على المجازات بل يعمد الى عمليات من توسيع الدلالة أو تخصيصها، أو وضعها في موقع محدد عرفت أبعاده.
ص197
_________________
(1) فن الشعر، أرسطو 4-5، ترجمة عبد الرحمن بدوي، النهضة المصرية القاهرة 1953 م.
(2) فن الشعر. أرسطو 5.
(3) فن الشعر. أرسطو 6.
(4) ويليك / وارن، نظرية الأدب 179، ترجمة محيي الدين صبحي، دمشق 1972، المجلس الأعلى للفنون والآداب.
(5) مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ديفيد ديتشيس 495، ترجمة محمد يوسف نجم بيروت 1967 دار صادر.
(6) نظرية الأدب 223.
(7) مقالة في النقد، غراهام هو 50، ترجمة محبي الدين صبحي، دمشق 1973، المجلس الأعلى للفنون والآداب.
(8) نظرية الأدب 179-180.
(9) نظرية الأدب 226-227.
(10) يعرض جورج مونان بشكل موجز لفكرة هذا العالم ومباينته للدلالة اللغوية، من حيث هي تميز من الرموز العامة.
G. Mounin, Sem. P. 10, marimet(Jeanne) La semiologre p. p. G-7, seghers, paris 1975.
(11) مقالة في النقد 160 – 161، وينظر في(نظرية الأدب) 22.
(12) dictionnaire de linguisteque, larousse, 1973 , paris p. 497
(13) مبادئ النقد الأدبي، رتشاردز 64-73، فصل التوصيل ترجمة محمد مصطفى بدوي، القاهرة 1963 م.
(14) مناهج النقد الأدبي، ديتشيس 205.
(15) مناهج النقد الأدبي، ديتشيس 505.
(16) مناهج النقد الأدبي 484.
(17) مناهج النقد 469-470.
(18)  نظرية الادب وأرن ويليك، 25‏.
(19) مقالة في النقد، غراهام هو ٨٩.
(20) مقالة في النقد 84.
(21) نظرية الأدب، وإرن ويليك، 23.
(*) نلحظ ان الناقد يتحدث بصورة عامة ولا يحصص الكلام على لغة بعينها، " استعمال مجازي لمصطلح(فصحى) ".
(22) مقالة في النقد، غراهام هو، 132-133.
(23) الوساطة، للقاضي الجرجاني علي بن عبد العزيز 417.
(24) النقد الادبي ومدارسه الحديثة، هيمن(ستانلي) 55، ترجمة د. إحسان عباس، د. محمد يوسف نجم، ط دار الثقافة، بيروت 1960 م.
(25) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة، هيمن 56.
(26) ينظر في(النقد الأدبي) تاريخ موجز، ويمزات وبروكس(4/116-120).
(27) مناهج النقد، ديتشيس 211-212.

في اللغة ونقد الدلالة (نظرية الأدب وصلتها باللغة والدلالة)
د. فايز الداية
علم الدلالة، النظرية والتطبيق
ص183- 197
اتجه النقد الأدبي الحديث نحو اللغة لتكون منطلقاً له، ومهما تختلف الآراء بين اصحاب المصنفات التي تبحث في النظر النقدي وتطبيقاته فإنها – في عدد منها – ائتلفت حول هذا المحور، ودعت الى مراجعة ما أفاض فيه – قبلُ – الدارسون في هذا الميدان، والى ربط بين معطيات علم اللغة عامة والدرس الأدبي، وظهرت – كذلك – وشائج بين البحث الدلالي والنصوص الشعرية والنتاج النثري.
ولقد كان(أرسطو) الأصل الذي يستمد منه التالون، وإن تكن الأشكال التي يبرزون فيها أفكاره ملونة بأصباغ العصر المحيط بها، وإن المعلم الأول أرسى 
ص183
حقيقتين هما النموذج الذي تتابعت عليه التنويعات، والأولى منهما هي: تحديد وسائل التعبير الفني، ذلك أن الاختلاف بينها يؤدي الى التميز في كل ضرب من: الموسيقا والتشكيل، والرقص، وينتهي الى الحقيقة الأخرى وهي الوسيلة الخاصة بالشعر والنثر أي: اللغة.
يقول أرسطو إن " الملحمة والمأساة بل والملهاة والديثرمبوس، وجل صناعة العزف بالناي كلها أنواع من المحاكاة... وكما أن بعضها(بفضل الصناعة أو بفضل العادة) يحاكي بالألوان والرسوم كثيراً من الأشياء التي تصورها، وبعضها الآخر يحاكي بالصوت، كذلك الحال في الفنون السالفة الذكر "(1)، ونفيد من هذا النص الإشارة الواضحة لتميز فني التصوير والموسيقا، ومن ثم ننتقل الى الطرف المقابل وهو مالم يجد له المعلم الأول مصطلحاً يصلح لفروعه جميعها، إلا أن تفرده هو تعبيره بالكلمة(اللغة): " أما الفن الذي يحاكي بواسطة اللغة وحدها نثراً أو شعراً – والشعر إما مركباً من أنواع أو نوعاً واحداً – فليس له اسم حتى يومنا هذا: فليس ثمة اسم مشترك يمكن أن ينطبق بالتواطؤ على تشبيهات سوفرون وأكسنيرخوس، وعلى المحاورات السقراطية... "(2) ويتابع الشرح ليفرق بين ما هو كلام ارتبط بالوزن فحسب دون روح الشعر، وذاك الذي يحاكي ويبلغ بأبياته وكلماته المرتبة الشعرية حقاً فأنباذوقليس ينظم ابياتاً على أوزان معروفة لكنها ليست مما يعد شعراً كذلك الذي نجده عند هوميروس وهو " الخليق بنا أن نسميه شاعراً "(3)، واهمية قفتنا هنا هي تبين ان ارسطو نبه الى التميز النوعي للتعبير الأدبي بين اشكال الفن، فالأحاسيس والأفكار تجد لها عند الرسام رموزاً هي الألوان والظلال، وعند النحات: الحجوم والملمس، وفي الموسيقا: التواترات الصوتية، وهي هنا ليست بحاجة الى ترجمة بالرموز الخارجية: أي الكلمات،
ص184
فالصلة بين الاثر والتلقي مباشرة – أو هكذا ينبغي أن تكون – أما الأديب فيلجأ الى الكلمة لتحمل رسالته الى الآخرين.
ويقدم كتاب(نظرية الأدب) عرضاً للطريقتين اللتين يتم بهما دراسة الأدب ونقده: دراسة الأدب من الداخل أي اتخاذ النص أساساً للعمل ثم الاستفادة من المؤثرات الأخرى خارج الإبداع، ودراسة الأدب من الخارج بالبحث في شخصية الأديب، وعلم النفس وحالة المجتمع إلخ... وأنصار النظرة الأولى يرون أن المنطلق الطبيعي والمعقول للعمل في البحث الأدبي هو تفسير الأعمال الأدبية ذاتها وتحليلها له فهي التي تسوغ – في الحساب الاخير – كل اهتمام نبديه بحياة الأديب، وبمحيطه الاجتماعي وبعملية التأليف كلها "(4)، ويتطابق هذا الرأي مع رؤية(ديتشيس) وإن يكن تعبيره يجعل اللغة معرفة خارجية عن الأدب. والأغلب أنه يقصد: الاستمداد من أعمال اللغويين في قولته(غير الأدبية): فحين نريد أن ننتقد أثراً أدبياً علينا أن نعرف الى أي حد وتحت أية ظروف تكون المعرفة غير الأدبية ضرورة لنا قبل أن " نتعرف الى الأثر الأدبي تعرفاً تاماً ؟ علينا طبعاً أن نعرف اللغة التي كتب بها، وهذا يشمل في ذاته غير ضرب واحد من ضروب المعرفة الفيلولوجية حسبما نرى "(5). ولقد قال باتيسون في كتابه(الشعر الإنكليزي واللغة الإنكليزية) أن الأدب جزء من التاريخ العام للغة، وإنه يعتمد عليها اعتماداً كاملاً إنه يقول: " فرضيتي هي أن طابع العصر في قصيدة من القصائد يجب ألا يتم تقصي أثره لدى الشاعر بل لدى اللغة. وأعتقد ان التاريخ الحقيقي للشعر هو تاريخ التغيرات في نوع اللغة التي كتبت بها 
ص185
قصائد متتالية، وأن هذه التغيرات في اللغة تنجم عن ضغط الاتجاهات الاجتماعية الفكرية "(6)، ويؤكد(غراهام هو) ما جاء لدى ديتشيس، عندما يتحدث عن: " البنيات الشكلية التي هي في الأدب بنيات لغوية.. ولا نستطيع ان نقدم أي تحليل شكلي للعمل الأدبي دون أن نفهم طبيعة هذه المادة "(7).
ويعلل الاتجاه الى الاطار المحيط بالأدب بدلاً من تشريح عناصره الأولى، ثم الانتقال الى معرفة الأطراف الأخرى ذات التأثير في العمل، بأن مطلع العصر الحديث كان متأثراً بالروح الرومانسية التي ألحت على أن " الأزمنة المختلفة تتطلب مقاييس مختلفة، وذلك لهدم النظام النقدي للكلاسية الجديدة في أوروبا، وبذا انزاح الاهتمام من الأدب الى خلفيته التاريخية، وغدا الشرح عن طريق عرض الأسباب كلمة السر السحرية، وخاصة في السعي لمضاهاة مناهج العلوم الطبيعية، إلا أن عودة الى المنهج الصحيح – وهو اتخاذ الأعمال الفعلية محوراً للدرس – قد برزت في السنوات الأخيرة – الثلاثينات والأربعينات – في منهج(شرح النصوص) في فرنسا والتحليل الشكلي الذي يقوم على التوازي مع تاريخ الفنون الجميلة في ألمانيا، وفي الحركة المميزة للشكليين الروس – في درسهم لغة بوشكين وأصولها الشعبية – وأتباعهم التشيك والبولنديين، وفي تركيز أتباع ريتشاردز انتباهم على نص من الشعر، وفي دراسات للرواية تحاول أن تحلل مناهجها الفنية – وجهات نظرها تقنيتها القصصية "(8).
والاتجاه الجديد الذي نراه في النقد الحديث إنما هو مؤسس على الإدراك للحدود بين العلوم والفنون المختلفة، فالدراية بآفاق كل من اللغة والأدب تجعل 
ص186
الباحث مدركاً لاتساع الفروع اللغوية من الصوتيات الى التركيب وحتى الدلالة لتشمل الحياة العملية اليومية في تخاطب الناس واتصالهم communication في المجتمع الواحد أو في المجتمعات المتقاربة، أو المتباعدة لغوياً – الترجمة – إضافة الى القيمة الفنية عندما تستعمل في النتاج الأدبي اي في مستواها الجمالي – ولا نريد هنا تثبيت مفهوم الانفصال التام بين لغتين عادية وأخرى جمالية، إذ تحفل المواقف الانفعالية بين الناس بالصور والإيحاءات البيانية – لذا فالدارس الأدبي يرى واحداً من وجوه اللغة و " الدراسات اللغوية لا تصبح دراسات أدبية إلا حين تفيد أي حين تهدف الى تقصي الآثار الجميلة للغة، وباختصار: عندما تدخل في دائرة الأسلوبيات... ولا يمكن بطبيعة الحال متابعة الأسلوبيات متابعة ناجحة دون أساس كامل من علم اللغة العام linguistique generale ما دامت إحدى اهتماماتها الأساسية هي بالضبط معارضة نظام اللغة في العمل الأدبي الرفيع الاستعمال والشائع في ذلك العصر، وبدون معرفة ما هو الكلام الشائع حتى  الكلام غير الأدبي، وما هي اللغات الاجتماعية في ذلك الزمان فقلما تستطيع الدراسات الأسلوبية أن تتجاوز النواحي الانطباعية "(9).
وتتردد أصداء لموازنة أرسطو بين الفنون والأدب في كتابات حديثة وقد عمقتها نظرية – أو علم – الرموز(semiotique)(10). ونلحظ شيوع مصطلح اللغة ليدل على وسائل التشكيل أو الموسيقا أو بعض الفنون المستحدثة كالسينما فيقال: 
لغة فلان التشكيلي أو تشرح قطعة موسيقية بتفصيل كأنما هي مؤلفة من فقرات وجمل وكلمات، وإن اصطلاح الرمز يكون أجدى لأن اللغة تحملنا على أن نمر عبر طريق ملتوية لنؤدي ما نحس به أو ما نريد توصيله من أفكار وهذه الطريق
ص187
هي اللغة فاذا نقلنا الرسم بها فإننا بذا نباعد بين العمل ومتلقيه اذ تتخلق انفعالات الفنان من خلال الوانه وظلاله وابعاد المنظور الى ما هنالك من وسائل تصويرية، وبعدها تضطر الى انتقال اخر يذكرنا بكهف افلاطون وظلاله. 
‏وينفذ غراهام هو الى فهم لأداة الادب بموازنة تقتبس من ارسطو وتضيف اليها " ان اداة الادب: اللفظ ؛ فالأدب يصنع بالكلمات، والكلمات الان اشارات، والكلمات تتصدى لشيء وتمثل شيئاً قبل ان يستولى عليها الادب، وهكذا فإن الادب يستخدم اداة هي في ذاتها نتاج فعالية تشكيلية ترميزية، فالأدب شكل رمزي فقط بمعنى ثانوي اشتقاقي، لأنه يستخدم نسقاً من الاشكال الرمزية الجاهزة، وهو النسق الذي ندعوه اللغة. والعالم الذي تستدعيه اللغة الى الوجود على الفور يستعمله الأدب على انه مادة خام، لذلك لا يستطيع الأدب ابداً ان يكون نسقاً كامل الرمزية والاستقلال كما تستطيع الموسيقا - والرسوم - ان تكون "(11). 
‏والاحتراز الهام في هذا المقام هو ان الالحاح والتركيز على اللغة والدراسة من داخل النص الادبي لا يعني الغاء او تجاهلا للعناصر الاخرى في الدرس النقدي، وكل ما تهدف اليه الوجهة الجديدة – او المتجددة - هو ان تطلق من معطيات العمل ذاته، وبعدها نفيد بما يسمح به الاساس الذي ينطلق منه فلا نكبله بقبليات وافكار خارجية تقهره في حالة تمثلها صورة كرة ثلج التي يختفي اصلها بالتراكمات المتزايدة اثناء تدحرجها. 
‏وعلم الدلالة الحديث هو الفرع الذي يبحث في استخراج قوانين المعنى العامة، وهو العلم المنوط به رصد معنى الاشارات اللغوية(الكلمات)(12)، واذا 
ص188
ما أوغلنا في تفحص مسائله نجده يخصص الجزء الأكبر منها لمتابعة تطورات الدلالات وتغيرها، ولرصد المفردات بين المعجم والحالة التي تكون عليها في النصوص المختلفة، وفي المقامات المتعددة بحسب التجارب اليومية المعاشة، ولقد عقد اصحاب النظرية النقدية الحديثة أواصر وثيقة بين الأعمال الإبداعية، وتلك القضايا القادرة على أن تغدو مفاتيح إدراك أعمق للصورة الاخيرة للمفردات، ومن ثم سائر التراكيب وما يتصل بها من مجاز وتخييل وإيماءات، اي إضاءة القصيدة، او مقاطع الرواية، أو فصول المسرحية بالوان عدة تقرب القارئ أو السامع من تجربة الأديب الخالق لها أو – بدقة أكثر – من هذه التجربة المتجسدة باللغة.
وإن ريتشاردز صاحب أبرز التيارات النقدية الحديثة يفرد فصلاً من كتابه(مبادئ النقد الأدبي) للحديث عن(التوصيل)(13)، وأهميته في العمل الفني عامة والشعري منه على وجه الخصوص، ويتعرض لما يبديه الأدباء والفنانون في كثير من الأحيان من تجنبهم التفكير في مسألة التوصيل هذه، ويقول إن اللاشعور الفني يستوجب كمون الرغبة في أداء قادر على الوصول الى الآخرين، ولا يعني عدم التصريح بالتركيز على هذا الجانب لدى الشاعر أنه حقاً غير موجود، بل إن الفنان في الحالة السوية لابد أن يصوغ تجربته مفهومة أي قادرة على التوصيل.
ويعرفنا ديتشيس بمنهج رتشاردز وكيف أدى به الى الاستعانة بالدلالة و " مشكلة المعنى والاتصال تقوده الى إيضاح وجهة نظره في الإدراك لكي يفسر العمليات الداخلية للقراءة ولبحث ماهية الرموز والعناصر الأخرى التي تدخل في عملية الإيصال. إن ضرورة إيضاح كيفية خلق الأدب لحالة عقلية معينة في 
ص189
‏القارئ هي التي قادت ريتشاردز الى ربط الادب بالسيمانتية(الدلالة)، وهي الدراسة العلمية لعمل الالفاظ في ا‏يصال المعنى، و كان أصدر مع اوجدن - 1923 ‏- كتاب(معنى المعنى) وهي دراسة للغة من هذه الناحية، وهي اول الدراسات التي على اثرها النقد الادبي "(14). 
‏واول المجالات التي يعالجها النقاد - النظريون - هي هيئة الكلمات في النصوص، فان معناها ليس هو المعرف به في المعجم وإنما هو " جميع ما يحتشد من روابط ونغمات مستمدة من جميع انواع المفهومات والتصورات، وصور الفكر والتقاليد البلاغية واشياء اخر يدركها التغير مع الزمن "(15). فما دامت اللغة - وهي اداة الادب - عرفا يقوم على الاتفاق فهي تشد تحولات في المعاني كلما تغير هذا العرف(16)، وان ديتشيس بعد ان يقرر حقيقة التغير وعمليات التطور الدلالي يوجه الدارسين ومن يعمل في النقد الى ان يهتموا بالعلاقات المتداخلة بين المعاني ويتطرقوا الى ادق صنوف تلك العلاقات، وان يعنوا بأصغر العناصر في المبنى وبالإيماءات الجانبية وبالظلال التي قد تمر دون ان يلحظها قارئ عارف بالأثر المنقود فهي ظلال لا يلمحها الا ذو تمرس "(17). واننا سنرى بعد تناول اللغويين لقضية الدلالة الهامشية، وتلك الدلالة المركزية، ولكن الامر ههنا يفترق في ان النتيجة تبسط وتبين الخيوط التي تشد التحليلات الدلالية الى الحيز الجمالي، فتاريخ الكلمة وما لحقها من معان تفصل او تخصص مضمارها تستحضر اثناء قراءة الاثر الادبي، ولكن الاختيار من أن ذاك التراكم يتخذ لنفسه اساساً ينطلق منه، وهو السياق الواردة فيه الكلمات والا وقعنا في الاضطراب فما الذي نأخذه وما هو البعيد المتروك ؟. 
ص190
وإن صاحبي(نظرية الأدب) يوردان المصطلحات بوضوح " فإن معنى الشعر يعتمد على السياق فالكلمة لا تحمل معها فقط معناها المعجمي، بل هالة من المترادفات والمتجانسات، والكلمات لا تكتفي بأن يكون لها معنى فقط، بل تثير معاني كلمات تتصل فيها بالصوت أو بالمعنى أو بالاشتقاق "(18) ونطلع على التحديدات الفارقة بين الأمور في كلام(غراهام هو)، فبعد أن يومئ الى كون اللغة مستودعاً هائلاً من المعاني والى(تلك التضمينات او المعاني الإضافية) يقول بأن " الأدب يعمل الى حد كبير عن طريق السيطرة على تلك التضمينات، وبالطبع فإن السياق هو الذي يسيطر عليها مما يسمح لبعضها، ويبعد بعضها الآخر باعتبارها غير واردة. 
ان القصد الذي يتصوره الكاتب عن عمد لا يسمح الا لبض التضمينات فقط، وان كان يعرف بمعنى من المعاني بوجود تضمينات أخرى "(19). وتتشعب المشكلة ويدور النقاش حولها فنحن هنا نحلل عملا ونرجع الى الازمنة السالفة ونبحث عن المعاني المحتملة التي قد تتوافق مع سياق النص فتغنيه وتجعله - بلغة العصر - مشبعا، الا ان ثمة من يحاول ان يفسر العمل الادبي بمفهومات ودلالات تالية على صاحب هذا العمل ويضرب(جويفري تيلوتسرن) مثلا واضعا عن هذا الاتجاه فان قراءة انفعالات اجيال تالية في موضوع اواخر من قصيدة لهو خطأ مضجر في النقد... والمعنى الاصلي للكلة في قصيدة عظيمة هو المعنى الاوحد الذي يستحق الانتباه اليه. ومهما يكن ظريفا ذاك المعنى الناشئ عن التضمين الجديد للكلة، فان مثل هذا المعنى غير وارد بالنسبة الى صاحب القصيدة "(20). 
‏ويدرس النقاد اللغة من حيث المواقع التي توجد فيها، والبيئات التي 
ص191
تستخدمها. إنهم يصلون الى المطالبة بضرورة التمييز بين الأداء اللغوي في الأبحاث العلمية نظيره الأدبي، فالأول تنحو اللغة فيه نحواً تتطابق الإشارة – الكلمة الملفوظة أو المكتوبة – فيه والمدلول تطابقاً دقيقاً. كما نرى في الرياضيات وفي المنطق الرمزي ومثلها الأعلى في هذا المقام لغة عالمية كالتي بدأ(ليبنتز) مبكراً بوضع خطوطها منذ نهاية القرن السابع عشر، وأما الأدب فتكتظ لغته بالالتباسات – ويقصد بهذا المصطلح: المعاني الكامنة في الألفاظ – وتتخللها الأحداث التاريخية والذكريات التداعيات، والاختصار فهي شديدة التضمين(21).
ويضيف(غراهام هو ) الى المقابلة بين العلم والأدب جوانب أخرى من استعمالات اللغة لندرك صناعة الشعر أو العملية التفصيلية لتكوينه من حيث مفرداته , ودلالاتها، " فاللغة الأدبية تخصيص من ذلك المجمل – العامية والسوقية مروراً باللغة المحكية العادية اليومية، انتهاء بالفصحى(*) وما فيها من كلمات مقتبسة أو موضوعة عن وعي – كما أنها تستبعد بشكل قياسي كل الكلمات السوقية، والتقنية. أما اللغة الشعرية فأبعد تخصصاً، وهي تذهب في تضييق حلقتها في الاتجاه نفسه، وإن تكن من جهة أخرى تؤدي الى اتساعها باستعمال كلمات قديمة، وابتكار كلمات والإتيان بمعانٍ خاصة لتلك الكلمات التي نتداولها ونعرفها "(22).
وكانت مسألة(الغموض) في الأدب قد أثارت نقاشاً حاداً وطويلاً بين الادباء والنقاد العرب، وذلك منذ أن اتسع المجال في الساحة الأدبية – أواخر القرن الثاني ثم الثالث وامتدّ إثرهما – لمدرسة البديع والتجديد، وظهرت أشعار 
ص192
تنحو منحى فكرياً، أو لنقل إنه يتعمق في نظرية الى الكون والى صلات البشر بعالمهم. وكان تداخل بين الفلسفة في شيء من رسومها أو جوانبها وما قدمه بعض الشعراء في قصائدهم ومقطوعاتهم الغنائية. ومثل ابو تمام زاوية خاصة في غريبه ومعانيه وقف عندها القراء والنقاد، وذهب كل فريق مذهباً في تفضيلها او انكارها، بحسب رؤيته للشعر ووظيفته ولعلاقة الإبداع المحدث بالأصول الموروثة في أشعار الجاهلية والإسلام، ثم احتدم الحوار بين الخصوم والأنصار في تقويم شعر المتنبي وشاعريته. وكان مما أغنى الأحاديث النقدية مسألة الغموض والوضوح، وصلة الشعر بالفكر والفلسفة.
ونتخير موقفاً للقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني في الوساطة، في هذه القضية يتميز بالوعي النقدي والنظرة القادرة على الوصول الى آفاق المستقبل، لأنها تمس جوهر الأداء الفني وصلته بإثارة جمهوره، وخلق التفاعل الذي يجاوز المألوف ويكسر جمود الألفة والسكون في كلام بعض الشعراء مما لا يستوقف قارئاً او سامعاً لإخلاد الشاعر الى التقليد او لاستسلامه للدعة ومجاراة ما صنعه السابقون. وهنا نذكر ان عملاً شعرياً يكون قادراً على خلق التواصل معه والارتباط بالتجربة الشعورية من خلال زوايا للرؤية تشكله، وتبلور صوغه اللغوي الجمالي، لكن تقليده – من ير تميز جديد – لا يؤدي الى النتيجة ذاتها.
لذا يكد الشاعر نفسه ليخرج من إهاب الشعر القديم الذي يشكل جزءاً من وجداه وقيمه الفنية.
ينتصر صاحب الوساطة في طرف من حديثه النقدي للمتنبي شارحاً(الغموض) الذي يرافق الجدة ويستدعي التأمل في نتاج الشعراء المحدثين، ويعود الى واحد من الشعراء العرب سلم له أهل الأدب في النصف الثاني في القرن الرابع الهجري بالإجادة – بعد أن هدأت الخصومة حلو شعره – وهو أبو تمام فيحلّل هذه الظاهرة لديه، ولنا أن نجعل كلمات الناقد تنوّر آفاقاً أدبية أوسع، 
ص193
ولئن اقتصرت إشارته على بعض مما يمثل ظاهرة الغموض، لقد يدل تصوره على نضج نقدي في فهم الأدب يصح نقله الى أدبنا العربي الحديث ومشكلاته في الرمزية والإيحاء المركب لتجارب الشعراء، وكما ذكرنا ان الدلالة تمثل محوراً هاماً في قضية التعبير عن التجربة وعالم الشاعر.
يقول القاضي الجرجاني: 
" ولو كان التعقيدُ وغموض المعنى يسقطان شاعراً لوجب أن لا يرى لأبي تمام بيت واحد ؛ فإنا لا نعلم له قصيدة تسلم من بيت أو بيتين قد وفر من التعقيد حظهما. وأفسد به لفظهما، ولذلك كثر الاختلاف في معانيه وصار استخراجها باباً منفرداً، ينتسب إليه طائفة من أهل ألأدب، وصارت تتطارح ف المجالس مطارحة أبيات المعاني وألغاز المعمى.
وليس في الأرض بيت من أبيات المعاني لقديم او محدث إلا ومعناه غامض مستتر، ولولا ذلك لم تكن إلا كغيرها من الشعر، ولم تفرد فيها الكتب المصنفة، وتشغل باستخراج الأفكار الفارغة.
ولسنا نريد القسم الذي خفاء معانيه واستتارها من جهة غرابة اللفظ وتوحش الكلام، ومن قبل بعد العهد بالعادة وتغير الرسم "(23).
واللمحة البارعة في نقد القاضي الجرجاني تمييزه بين تفرد الشاعر بلمحات تحتاج الى الغوص وتخرج من بحثنا وتأملنا فيها بطائل، وذاك الذي يأتيه بعض الشعراء من إشكالات لفظية، او تلاعب في معلومات خارجية ليست من التجربة أو معطيات الموقف الشعري.
قد يبدو من المناسب مقارنتنا بين وعي ناقدنا العربي القديم واتزانه في النظر 
ص194
الى هذه الظاهرة(الغموض)، وما يعطيه النقد الأدبي الحديث في أعمال نقاد تبوأت آراؤهم مكانة عند المعاصرين، وأدت فائدة في تحليل الأسلوب والدلالة عند الأدباء. 
يعرض ستاتيلي هيمن في مصنفه(النقد الأدبي ومدارسه الحديثة) لجهود ناقد هو وليم إمبسون، توفر على بسط جوانب(الغموض) في ماهية العمل الأدبي، تتصل باهتماماتنا الدلالة من طرف وبالتصور النقدي من طرف آخر.
يقول إمبسون:
" غذن فقد يكون للكلمة الواحدة عديد من المعاني المتمايزة، وعديد من المعاني المرتبط أحدها بالآخر، وعديد من المعاني التي يحتاج واحدها الى الآخر ليكمله،او عدي من المعاني تتحد معاً، حتى إن الكلمة تعني علاقة واحدة أو سياقاً واحداً، وهذا مساق يستمر مطرداً.
(فالغموض) معناه أنك لا تحسم فيما تعنيه، او تقصد الى أن تعني أشياء عديدة، وفيه احتمال أنك تعني واحداً أو آخر من شيئين، أو تعني كليهما معاً، وأن الحقيقة الواحدة ذات معانٍ عدة "(24).
إن السبيل الى ان نحص بما جاء به شاعر أو أديب، وان ندرك أبعاد كلماته ودلالاتها إنما يرتبط على نحو وثيق بالسياق وعلاقته فهو الذي يعطي الاضاءة للغرض والقصد.
وقد وقف إمبسون عند نقطة أساسية في(الغموض)، وهي الممثلة باللبس والإلغاز التعمية، وكنا عرفنا ان القاضي الجرجاني اشار من قبل الى هذا بجلاء وبصيرة نقدية فذة.
ص195
يقول إمبسون موضحاً لوك بعض الشعراء سبلاً ملتوية لا غناء فيها ولا تغني تجربة حية:
" يكون الغموض محترماً ما دام يسند تعقيد الفكر او لطافته او اكتنازه، أو ما دام ندحة يستغلها الأديب ليقول بسرعة ما قد فهمه القارئ. ثم هو لا يستحق الاحترام إن كان وليد ضعف او ضحالة في الفكر، ويبهم الامر دون داعٍ، أو عندما لا تتوقف قيمة العبارة على ذلك الغموض، بل يكون مجرد وسيلة لتوجيه المادة وتصريفها، وذلك إن كان القارئ لا يفهم الافكار التي اختلطت، وانطبع لديه شيء من عدم الاتساق "(25).
إننا نرى من خلال تواتر المسألة النقدية بين القدماء والمحدثين من العرب والأجانب، وكذلك في الحوار الأدبي في الأوساط الأدبية العربية قديمة ومحدثة، ان العناية بها تعمق صلة الناقد بالعمل الإبداعي، وتمكنه من توصيل الرؤية النقدية(26).
ويلح(ديتشيس) على التمييز بني الشاعر واختياره للألفاظ وايراده للمعاني وتحديد الدلالات والعالم اذ ينقل ما لديه بشكل منطقي يتجه الى معنى واحد يحجب ما سواه، وتبرز المنطقية فيه، و " إن اللغة اذا ما استعملت استعمالاً منطقياً علمياً تعجز عن ان تصف منظراً طبيعياً أو جهاً إنسانياً  "(27).
وهذه التفصيلات يتسع القول فيها وبوب ضمن الدرس الدلالي عندما تكون الدراسة لغوية ولكننا حرصنا على ان نورد أراء المنظرين للنقد لنفيد منها بعد ذلك في تحليلنا لأعمال النقاد، آخذين في عملنا بالتفريق بين إطلاق الاحكام على اللغات الأوربية وخصوصية العربية الفصحى.
ص196
وإن ظاهرة أدبية هي(الغموض) تجد فيما سبق تفسيراً، او مفتاحاً للتعليل، ولجلاء هذا المنهج في نقل التجربة الشعورية، فالمعاني المعجمية تستقر على حالة يمكن أن نسميها(سكونية)، بينما تتطلب الانفعالات والتواتر  النفسي ألواناً تستطيع حمل المتلقي الى أٌقرب نقطة من التجربة، لذا فإن الشاعر والأديب عامة يلجأ الى حركة نشطة في المفردات ولا يقتصر على المجازات بل يعمد الى عمليات من توسيع الدلالة أو تخصيصها، أو وضعها في موقع محدد عرفت أبعاده.
ص197
_________________
(1) فن الشعر، أرسطو 4-5، ترجمة عبد الرحمن بدوي، النهضة المصرية القاهرة 1953 م.
(2) فن الشعر. أرسطو 5.
(3) فن الشعر. أرسطو 6.
(4) ويليك / وارن، نظرية الأدب 179، ترجمة محيي الدين صبحي، دمشق 1972، المجلس الأعلى للفنون والآداب.
(5) مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ديفيد ديتشيس 495، ترجمة محمد يوسف نجم بيروت 1967 دار صادر.
(6) نظرية الأدب 223.
(7) مقالة في النقد، غراهام هو 50، ترجمة محبي الدين صبحي، دمشق 1973، المجلس الأعلى للفنون والآداب.
(8) نظرية الأدب 179-180.
(9) نظرية الأدب 226-227.
(10) يعرض جورج مونان بشكل موجز لفكرة هذا العالم ومباينته للدلالة اللغوية، من حيث هي تميز من الرموز العامة.
G. Mounin, Sem. P. 10, marimet(Jeanne) La semiologre p. p. G-7, seghers, paris 1975.
(11) مقالة في النقد 160 – 161، وينظر في(نظرية الأدب) 22.
(12) dictionnaire de linguisteque, larousse, 1973 , paris p. 497
(13) مبادئ النقد الأدبي، رتشاردز 64-73، فصل التوصيل ترجمة محمد مصطفى بدوي، القاهرة 1963 م.
(14) مناهج النقد الأدبي، ديتشيس 205.
(15) مناهج النقد الأدبي، ديتشيس 505.
(16) مناهج النقد الأدبي 484.
(17) مناهج النقد 469-470.
(18)  نظرية الادب وأرن ويليك، 25‏.
(19) مقالة في النقد، غراهام هو ٨٩.
(20) مقالة في النقد 84.
(21) نظرية الأدب، وإرن ويليك، 23.
(*) نلحظ ان الناقد يتحدث بصورة عامة ولا يحصص الكلام على لغة بعينها، " استعمال مجازي لمصطلح(فصحى) ".
(22) مقالة في النقد، غراهام هو، 132-133.
(23) الوساطة، للقاضي الجرجاني علي بن عبد العزيز 417.
(24) النقد الادبي ومدارسه الحديثة، هيمن(ستانلي) 55، ترجمة د. إحسان عباس، د. محمد يوسف نجم، ط دار الثقافة، بيروت 1960 م.
(25) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة، هيمن 56.
(26) ينظر في(النقد الأدبي) تاريخ موجز، ويمزات وبروكس(4/116-120).
(27) مناهج النقد، ديتشيس 211-212.

 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.