المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



حديث الصادق  
  
2438   03:33 مساءً   التاريخ: 19-8-2017
المؤلف : عبد الرزاق المقرم
الكتاب أو المصدر : العباس
الجزء والصفحة : ص187-198
القسم : أبو الفضل العباس بن علي بن أبي طالب / انطباعات عن شخصية العباس /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-8-2017 2439
التاريخ: 8-8-2017 2577
التاريخ: 8-8-2017 2279
التاريخ: 19-8-2017 2664

إنّ ما يتعرّف منه منزلة أبي الفضل العالية وإثبات الخصال الحميدة له، إخبار أئمة الدين العارفين بضمائر العباد وسرائرهم، الواقفين على نفسيّات الأُمة على كثب بتحقّقها فيه، وقد عبثت أيدي التلف في أكثرها، فإنّ الصدوق يحدّث في الخصال ج1 ص35 بعد ذكره حديث السجّاد في فضل العبّاس أنّه أخرج الخبر بتمامه، مع أخبار في فضائل العبّاس في كتاب مقتل الحسين (عليه السلام).

وظاهره أن هناك أخباراً كثيرة في فضل أبي الفضل رويت عنّا ككتابه المقتل، ولا غرو فلقد اندثر بتعاقب الحوادث الكثير من المؤلّفات.

وكيف كان، فلعلّ من تلك الأخبار ما رواه في عمدة الطالب، عن الشيخ الجليل أبي نصر البخاري النسّابة، عن المفضّل بن عمر أنّه قال: " قال الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام): كان عمّنا العبّاس بن علي نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبداللّه وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً " .

وكذلك قوله (عليه السلام) فيما علّم شيعته أن يخاطبوه به من لفظ الزيارة، المرورية بسند صحيح متفق عليه، فإنّه عند التأمّل فيما

خاطبه به الإمام العارف بأساليب الكلام ومقتضيات الأحوال، تظهر لنا الحقيقة، ونعرف منزلة للعبّاس سامية لاتعد ومنزلة المعصومين، فقال (عليه السلام) في صدر سلام الإذن: " سلام اللّه، وسلام ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصدّيقين، الزاكيات الطيّبات، فيما تغتدي وتروح عليك يا بن أمير المؤمنين ".

فإنّه أشار بهذا إلى مصبّ سلام اللّه الذي هو رحمته المتواصلة والعطف الغير محدود الذين لا انقطاع لهما.

وسلام الملائكة المشاهدين لمقادير الرجال في ملأ القدس وحظيرة الجلال.

وسلام الأنبياء الذين لا يعدون مرضات اللّه ووحيه في أفعالهم وتروكهم.

وسلام الصالحين والشهداء الذين أدركوا بفضل الاتصال بالرسل وأوصيائهم أو بالتجرّد ومشاهدة الحقائق الثابتة في عالم الغيوب، زيادة على ما عرفوه من مقام أبي الفضل وفضله.

فكُلّ هؤلاء يتقرّبون إلى اللّه تعالى بالدعاء له، واستنزال الرحمة منه سبحانه، وإهداء التسليمات إليه، لمّا عرفوا أنّه من أقرب الوسائل إليه، وحيث كانت خالصة للزلفة، ماحضة في التقرّب إليه جلّ ذكره، عادت زاكية طيّبة بنصّ الزيارة: " الزاكيات الطيّبات ".

وأمّا على رواية ابن قولويه في كامل الزيارة من زيادة (واو العطف) قبل الزاكيات الطيّبات، فيراد بهما العنايات الخاصّة التي ليست بدعاء من أحد، ولا بأسباب عادية، ولا يعدم هذه الأنبياء

والأوصياء والأقلّون ممّن اقتفوا أثرهم، وليست هي شرعة لكُلّ وارد، وإنّما يحظى بها الأفذاذ ممّن كهربتهم القداسة الإلهية، وجذبتهم جاذبة الصقع الربوبي، وهكذا المقرّبون والأفذاذ عند صعودهم.

وإذا قرأنا زيارة الصادق (عليه السلام) لجدّه الحسين: " سلام اللّه وسلام ملائكته فيما تروح وتغدو، والزاكيات الطاهرات لك وعليك، سلام الملائكة المقرّبين والمسلمين لك بقلوبهم والناطقين بفضلك... "  

وضح لنا أنّ منزلة أبي الفضل تضاهي منزلة الحسين، حيث أثبت له مثل هذا السلام.

ثُمّ قال (عليه السلام): " أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النّبي المرسل " .

هاهنا أثبت لأبي الفضل منزلة التسليم التي هي من أقدس منازل السالكين، وفوق مرتبة الرضا والتوكّل، فإنّ أقصى مرتبة الرضا أن يكون محبوب المولى سبحانه محبوباً له، موافقاً لطبعه، فالطبع ملحوظ فيه.

وأقصى مراتب التوكّل أن ينزل نفسه بين يدي المولى سبحانه وتعالى منزلة الميت بين يدي الغاسل، بحيث لا إرادة له إلاّ ما يفعله الغاسل به، فصاحب التوكّل مسلوب الإرادة، وأمّا صاحب التسليم فلا يرى لغير اللّه وجوداً مع اللّه فضلاً عن نفسه، ولا يكون له طبع يوافق أو يخالف في الإرادة، أو نفساً قد تنفّست بالإرادة، فهو قريب من عالم الفناء.

وهذه المرتبة فوق مرتبة التوكّل التي هي فوق مرتبة الرضا لا تحصل إلاّ بالبصيرة النافذة، والوصول إلى أعلى مراتب اليقين، تلك المرتبة التي أخبر عنها أمير المؤمنين (عليه السلام): " لو كُشِف الغطاء ما ازددت يقيناً ".

أمّا العناوين الثلاثة وهي: " التصديق، والوفاء، والنصيحة " فلا شكّ أنّ الإمام يريد أن أبا الفضل في أرقى مراتبها، لانبعاثها عن التسليم، وهو حقّ اليقين، فإنّه المناسب لتصديقه بأخيه الحجّة، وبنهضته في ذلك الموقف الحرج، وهكذا وفاؤه ونصيحته، فإنّ وفاء شخص لآخر كما يمكن أن يكون لأجل الأُخوة والرحم والصحبة ويمكن أن يكون لأجل المعرفة التامّة، بما أوجب اللّه له من الحرمة والحقّ على الأُمة.

وحيث إنّ الإمام أثبت لأبي الفضل أرقى مرتبة السالكين، وهي التسليم اللازم لحقّ اليقين، فلا بدّ أن يكون ما صدر منه من التصديق بنهضة أخيه والوفاء لحقّه والمناصحة في العمل، منبعثاً عن حقّ اليقين بذلك الأمر الواجب، لا لأجل أنّ الحسين أخوه أو رحمه أو ابن رسول اللّه، فإنّ هذه المرتبة وإن مُدح عليها الشخص إلاّ أنّ المرتبة الأُولى أرقى وأرفع، ولا ينالها إلاّ ذوو النفوس القدسيّة ممّن وجبت لهم العصمة.

ويؤيّد ذلك تعقيب العناوين الثلاثة بقوله (عليه السلام): " لخلف النّبي المرسل "، فإنّه لو لم يرد هذا لقال في الخطاب: (لأخيك) أو (للحسين) أو (لابن أمير المؤمنين)، فالتعبير بخلف النّبي لا يُراد منه إلاّ أنّ الدافع لأبي الفضل على التسليم والتصديق والوفاء والنصيحة بالمفادات إلاّ كون الحسين إماماً مفروض الطاعة، وهذا مغزى لا يبعث إليه إلاّ البصيرة المميّزة لشرف الغايات المتحرّية لكرائمها.

ثُمّ إنّ من تخصيص الإمام الخطاب له دون غيره من الشهداء بقوله: " لعن اللّه من جهل حقّك واستخفّ بحرمتك " نعرف أنّ غيره من الشهداء لم يُدرك هذا المدى، وإن كان لكُلّ منهم حقّاً وحرمة، إلاّ أنّ شبل أمير المؤمنين كانت معارفه أوسع، وإيمانه أثبت، فكان له حقّ في الدين، وحقّ على الأُمة لا ينكر، فاستحقّ بكُلّ منهما اللعن على جاهله والمستخف به، فالشهداء وإن أخلصوا في التضحية والمفادات، وكان منبعثاً عن طهارة الضمائر والمعرفة بحقّ الإمام، فلهم حقوق وحرمات، لكن لحق العبّاس منعة بين هاتيك الحقوق، ولحرمته بذخ بين تلك الحرمات، بعد ما ثبت منهما لأخيه الإمام المظلوم، لنفوذ بصيرته، وصلابة إيمانه بنصّ الصادق.

ثُمّ قال الصادق (عليه السلام) في الزيارة المتلوة داخل الحرم: " أَشهد وأُشهد اللّه أنّك مضيت على ما مضى به البدريّون " .

لقد جرى التشبيه بالبدريّين مجرى التقريب إلى الأذهان، في الإشادة بموقف أبي الفضل من البصيرة، فإنّ أهل بدر أظهر أفراد أهل البصائر ; لأنّهم قابلوا طواغيت قريش على حين ضعف في المسلمين، وقلّة في العدّة والعتاد، فلم يملكوا إلاّ فرسين أحدهما: لمرثد بن أبي مرثد الغنوي، والآخر: للمقداد بن الأسود الكندي، وكانوا يتعاقبون على سبعين بعير، الاثنان والثلاثة.

لكنّهم خاضوا غمرات الموت تحت راية النبوّة، بقوّة الإيمان، وعتاد البصيرة، إلاّ من استولى الرين على قلبه، فردّوا سيوف قريش مفلولة، ورماحهم محطّمة، وجموعهم بين قتلى وأسرى ومشرّدين، فحظوا بأوّل فتح إسلامي، قويت به دعائمه وشيّدت معالمه من الإمداد {بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125] .

وأعظم من ذلك مشهد الطفّ الذي التطمت فيه أمواج الموت، وكشفت الحرب عن ساقها، وكشفت عن نابها.

وللأخَطَارِ وَجهٌ مُكفَهِر ... يُشيِبُ لِهَولِه المُردِي الغُلاّمِ

تَرى الأبطَال مِن فَرِق سُكَارَى ... يُدَارُ مِن الرَدَى فِيهم مُدَام

فقابلهم عصبة الحقّ من غير مدد يأملونه، أو نصرة يرقبونها، والعطش معتلج بصدورهم، ونشيج الفواطم من ورائهم، فتلقّوا جبال الحديد بكُلِّ صدر رحيب، وجنان طامن، فلم تسل تلك النفوس الطاهرة إلاّ على قتل أُميّة المنقوض، ولا أُريقت دماؤهم الزاكية إلاّ على حبلهم المنتكث، فلم تبرح آل حرب إلاّ كلعقة الكلب أنفه، حتّى اكتسحت معرتهم من أديم الأرض، وتفرّقوا أيدي سبا، فيوم الطفّ فتح إسلامي بعد الجاهلية المستردة من جراء أعمال الأمويين .

وإليه أشار الإمام الشهيد في كتابه إلى بني هاشم لمّا حلّ أرض كربلاء: " من لحق بي منكم استشهد، ومن تخلّف عنّي لم يبلغ الفتح " .

فإنّه (عليه السلام) لم يرد بالفتح إلاّ ما ترتّب على نهضته المقدّسة وتضحيته الكريمة، من نقض دعائم الإلحاد، وكسح أشواك الباطل عن صراط الشريعة المطهّرة، وإحياء دين جدّه الصادع به، الذي لاقى المتاعب في تأييده وتشييده.

وأنت أيّها البصير إذا استشففت الحادثة من وراء نظارة في التنقيب تجد سيّدنا أبا الفضل سيّد القوم بعد أخيه السبط، وهو المسدد لهم في النضال.

كما أنّ الباحث إذا أعطى النظر حقّه يجد ضحايا (الطفّ) أشدّ انقطاعاً عن المدّد من مجاهدي يوم بدر، وأبلغ بأساً، وأقلّ عدداً، مع اكتناف الكوارث بهم، واعواز الملجأ أكثر ممّا احتفّ بأهل بدر.

مع أنّ المناوئين لشهداء (الطفّ) أوفر عدداً، وأقوى عتاداً، وأوثق مدداً. وإنّ لهم دولة مؤسسة، تنضّددت جحافلها، وخفقت بنودها، وتواصلت قواتها بخلاف الحالة يوم بدر.

فلقد كان المحاربون للمسلمين شتات، من طواغيت العرب، حداهم إلى الحرب بواعث الحقد والنخوة، ومن المحتمل القريب انحلال جامعتهم إذا ضربت الحرب عليهم بجرانها لأنّهم كانوا يفقدون أيّ مدد من القبائل، ولم يخرجوا متأهّبين للاستمداد، حيث ظنّوا خوراً في المسلمين، وحسبوا استئصال شأفتهم وأنّهم كشربة ماء (ولكن لا مبدّل لحكم اللّه تعالى).

فالموقف يوم الطفّ أحرج، والكرب أكثر، والمقاسات أصعب، وبقدر المشقّة تجري الأُجور، وتقسم الفضائل، فشهداء كربلاء أولى بالفضيلة.

وضَرب الإمام (عليه السلام) المثل لهم بأهل بدر إذ يقول: " إنّك مضيت على ما مضى به البدريون " لا يوجب فضيلة أهل بدر عليهم، كما هي قاعدة التشبيه، وإنّما ذلك من باب التقريب إلى الأفهام، كما في قوله تعالى: { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ ... } [النور: 35] .

وأين من النور الإلهي المشكاة ومصباحها، ولكن لمّا لم تدرك الأبصار ذلك النور الأقدس، وإنّما تُدركه البصائر، ضرب اللّه تعالى المثل بما يدركونه ; تقريباً للأذهان، وهكذا الحال فيما نحن فيه.

وإلى هذه الدقيقة وقع الإيعاز منه (عليه السلام) فيما بعد هذه الفقرة من الزيارة بقوله (عليه السلام): " فجزاك اللّه أفضل الجزاء، وأكثر الجزاء، وأوفر الجزاء، وأوفى جزاء أحد ممّن وفى ببيعته، واستجاب له دعوته، وأطاع ولاة أمره " .

فلو كان في المجاهدين من هو أوفر فضلاً من أبي الفضل العبّاس لكان هذا الدعاء، أو الإخبار عن أمره شططاً من القول، خارجاً عن ميزان العدل، تعالى عنه كلام المعصوم، فإذن لم يكن غيره من المجاهدين مطلقاً أوفر فضلاً، ولا أكثر جزاءً، ولا أوفى بيعة إلاّ من أخرجه الدليل من الأئمة المعصومين.

ثُمّ إنّ هناك مرتبة أُخرى ثبتت لأبي الفضل، خصّه بها الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: " أشهد أنّك قد بالغت في النصيحة، وأعطيت غاية المجهود، فبعثك اللّه في الشهداء، وجعل روحك مع أرواح السعداء، وأعطاك من جنانه أفسحها منزلاً، وأفضلها غرفاً " .

فإنّ المبالغة في أمثال المقام عبارة عن بلوغ الأمر إلى حدوده اللازمة، وكم له من نظير في استعمالات العرب ومحاوراتهم. ولا شكّ أنّ كُلِّ واحد من شهداء الطفّ قد بالغ في النصيحة، ولم يأل جهداً في أداء ما وجب عليه، ولكُلِّ منهم في ذلك المشهد الدامي شواهد من أقواله وأعماله.

ومن المسلّم أنّ المعروف بقدر المعرفة كماً وكيفاً، فصاحب السنام الأرفع في العرفان المتربّع على أعلى منصّة من الإيمان لا بدّ وأن يقاسي أشد ضروب الجهاد، ويتظاهر بأجمل مظاهرها، من الدؤوب على الحرب والضرب، وإن طال المدى، وبعد الأمد، إن كان الجهاد نضالاً، كما لا بدَّ له من المثابرة على مكافحة النفس الأمارة، وكسر شوكتها، وردّ صولتها، وكبح جماحها، وترويض النفس بالطاعة، وإلزامها بلوازمها الشاقة طيلة حياته، إن كان الجهاد نفسياً.

وفي هذين الحالتين لا بدّ وأن يكتنف العمل المقارنات المطلوبة، مثل: نيّة القربّة، والإخلاص فيها، المنبعث عن حبِّ المولى سبحانه، الهادي إلى معرفة تؤهله إلى الطاعة، وعن معرفة نعم الباري عزّ وجلّ الواجب شكرها، وعن الهيبة الناشئة عن لحاظ عظمته، إلى أمثال هذه من الملحوظات.

وقصارى القول: كما أنّ مراتب الإيمان والمعرفة متفاوتة مقولة بالتشكيك، كذلك مراتب العمل متفاوتة حسب تفاوت تلك المراتب، فصاحب عمل كُلِّ مرتبة محدود بحدودها.

وحينئذ فلا شكّ أنّ كُلّ واحد من شهداء الطفّ، وإن بلغ الغاية في الجهاد، وأدّى حقّ النصيحة، لكن (شهيد العلقمي) لمّا كانت بصيرته أنفذ، وعلمه أوفر، وإيمانه أثبت، كان مداه أبعد، وغايته أسمى، وحدوده أوسع، ولذلك خاطبه الصادق (عليه السلام) بهذا الخطاب، وخصّه بالمبالغة في التضحية، فكان هذا كفضيلة مخصوصة به ; لأنّ هاتيك المراتب الراقية لم توجد في غيره.

ولعلّ من ناحية هذه المراتب الثلاث ثبت له (عليه السلام) حقّ في الدين، وحقّ على الأُمة، وحرمة لا تنكر، فاستحقّ أن يخاطبه الإمام في سلام الإذن بقوله: " لعن اللّه من جهل حقّك واستخفّ بحرمتك " .         

وهناك درجة أربى وأربع أشار إليها الصادق بقوله: " ورفع ذكرك في علّيين " .

فإنّ " حامى الشريعة " لم يبرح مواصلاً في الخدمات، حتّى أقبل إلى اللّه تعالى متلفّعاً بدم الشهادة، شهادة صكّ نبؤها مسامع الملكوت، حتّى أشرأب له هنالك من أنبياء، ومرسلين، وحجج معصومين، وملائكة مقرّبين، وحور، وولدان، وأرواح مقدّسة، ومقدّسات زاكيات طيّبات، فلم يلق (عليه السلام) في صعوده إليهم إلاّ ثغوراً باسمه، ووجوهاً مستبشرة، وايذاناً له بالبشرى الخالدة، ونعيم الأبدّ، فطفق يرف بين ذلك الجيل القدسي، الزاهر بنور العصمة، ورونق العلم، وهيبة العظمة، وسمات الجلالة، وشارات النزاهة، وبهجة العطف الإلهي، وبهاء النظر إلى الجلال السرمدي، والاتصال بالرضوان الأكبر، وعليه أُبهة الولاء، وجلالة الطاعة، وبلج التضحية، وزلفى المفادات، وزهو العلم والعمل، ولذكره في ذلك المنتدى الرهيب رفعة ومنعة، وإليه يشير الإمام الصادق (عليه السلام) في لفظ الزيارة: " ورفع ذكرك في علّيين ".

فإنّ الغرض من هذا التعبير ليس إلاّ ما شرحناه، لا مجرّد صعود ذكره الطيّب إلى ذلك الملأ الأرفع، شأن كُلِّ صالح في عالم الوجود، لكن الشأن كُلِّه إن يكون لذكر ما لمجيد هنالك بذخ، واكبار فيرمقه كُلّ طرف بنظر الاجلال، ويسمع الهتاف به بإذن التقدير، وتنعقد الضمائر على تقديسه، ولو أراد الإمام مجرّد ذكره إلى ذلك العالم القدسي لقال في الخطاب: " ورفع ذكرك إلى

عليين "، ولكن حيث إنّه أراد رفع الذكر بين أفراد أُولئك الذين أختصّ محلّهم فيه جاء بفاء الظرفية فقال: " في علّيين ".

وأما قوله (عليه السلام) في الزيارة التي رواها المجلسي في مزار البحار ص165 عن مزار الشيخ المفيد وابن المشهدي: " لعن اللّه أُمة استحلّت منّك المحارم، وانتهكت فيك حُرمة الإسلام "  ; فيرشدنا إلى مكانة سامية لأبي الفضل، تصعد به إلى فوق مرتبة العصمة، فإنّا لم نجد مثل هذا الخطاب في أي واحد من الشهداء، مع بلوغهم أعلى مرتبة الفضل التي لم يحزها أي شهيد غيرهم، حتّى استحقّوا أن يخاطبهم الإمام في زيارة النصف من رجب بقوله: " السلام عليكم يا مهديون، السلام عليكم يا طاهرون من الدنس " ، ويقول أيضاً: " طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم " .

بل لم يخاطب بمثل ذلك علياً الأكبر الذي لا شكّ في عصمته، ومنه يظهر أنّ للعبّاس منزلة ومقاماً يشارف مقام الحجج المعصومين (عليهم السلام)، تناط به حرمة الإسلام، كما تناط بهم صلوات اللّه عليهم، وإنّها تنتهك بمثله كما تنتهك بمثلهم (عليهم السلام)، وهذا مقام فوق العصمة المرجوّة له.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.