أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-8-2017
301
التاريخ: 23-8-2017
576
التاريخ: 16-8-2017
368
التاريخ: 20-8-2017
875
|
ان نقطة الالتقاء بين الاهتمام البلاغي _ النقدي بالمجاز على اختلاف ضروبه ودراسة علماء الدلالة لهذه الانواع من الاستخدامات الادبية تتمثل في الانعكاس الذي يترك اثار في اللغة العادية المتداولة دونما قصد الى الابداع والتميز، فالناقد يتتبع طرائق الشعراء والكتاب في التعبير وابتكار الصور لإحداث التكامل المؤثر في المتلقين، ذلك ان الفكرة التي يطالع بها المبدع قارئه، أو الانفعال الذي تتكون منه قصيدة يحتاجان الى هيئة فنية خاصة تنحت من المادة اللغوية ذاتها بإيقاعها وموسيقاها وبحيوية فاعلة تجعل اللغة تتسع لتجربة فيها الصورة المجازية والاستعارية، وههنا يمسك الباحث الدلالي طرف المسالة ليدرس لغة الشاعر المجازية وهي اعلى مرتبة لاستخراج قدرات البناء اللغوي -من تغيير المعنى ونقله، وتحريكه في اتجاهات يتسع في بعض منها، ويضيق في بعض اخر- مع الاحتفاظ بوهج الانفعال وحرارة التجربة، ومن ثم يعرض الدلالي لنماذج يخفت فيها الوهج، وترفع عنها استار السحر والتحريك، وتغدو الاشكال التي تصنف
ص378
ظاهرا على انها مجازية ادوات لغوية عادية قد تغني الرصيد اللغوي بمرادفات او ظلال للمعنى الا انها تترك مكانها الاول في لغة الشعر ذات الخصوصية.
ولقد كانت تغيرات المعنى قد حددت ووصفت منذ العهود القديمة في اوروبة، وشكلت دراستها قسما هاما من البحوث البلاغية، ولقيت نظرية الاستعارات التي ترجع في تاريخها الى ( ارسطو ) اهتماما واضحا في عهد الشراح الاسكندريين، وقد احصى – بعد - النحاة اللاتين اربعة عش نوعا مز انواعها ابرزها: الاستعارة التشبيهية التكوين. والمجاز المرسل بعلاقاته المتعددة(1).
وفي مطلع العصر الحديث للدراسات اللغوية الدلالية وجد علماء الدلالة وعلى راسهم (بريال) و (دارمستيتر) في المجاز المرسل ذي العلاقة الكلية والجزئية، وذي العلاقات الاخرى كالسببية والمجاورة، وفي الاستعارة نماذج اساسية لتغير المعاني - الدلالات - وتطورها ذلك ان المجاز ذا العلاقة الكلية والجزئية يشكل حالات الانكماش والاتساع في المعنى فالانكماش يتم اذ نستعمل لفظ الكل في الجزء {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ}، [نوح 71/7] والاتساع باستعمال الجزء معبرا به عن الكل " عين السلطة الغازية يتجول بين القوم " اما المجازات ذوات العلاقة السببية و المسببية، والمجاورة والحالية والمحلية، والاستعارات فهي تمثل نقل المعنى من مجال الى اخر.
وهذه الطريقة تنسب الى المنطق فهي تعين الاحتمالات الثلاثة ( 1- توسيع المعنى ٢ - تضييق المعنى 3- نقل المعنى ) دون احتمال اخر يضاف اليها، وفي الآماد التالية نشطت الدراسات اللغوية وادى نمو الكشوف في نظرية الاشارات،
ص379
واساليب الدلالات الى تعديلات في طريقة الدراسة الدلالية.
والتحليل الدلالي الحديث يعرض - متكئا على التقدم الذي احرزته البحوث اللغوية. معايير جديدة للتصنيف، ومصطلحات تحدد بشكل واضح السمات الذاتية للنهج الدلالي القائم على ثنائية الدالٍ Signifiant والمدلول Signifie والطبيعة النفسية والاجتماعية لعلاقاتهما تحت الشكل الثنائي لها: المشابهة والملاصقة ( المجاورة )، وهكذا لا يقتصر الامر على تحديدات وتقسيمات منطقية لتغير المعنى وتطوره، بل ان التفسيرات النفسية تواكب تفسيرات اخرى اجتماعية فتعطينا قدر اكبر من الادلة التي تظهر العمليات الدلالية بشكل اوضح وخاضع لمقاييس وقواعد.
وسنتابع تصنيفين لتغير الدلالات وتطورها الاول منهما للعالم ستيرن Stern والاخر لأولمان UIImanne ونلحظ مواقع المجاز والاستعارة فيهما، وكيفية تمييز الاساليب التعبيرية مر الطرائق الدلالية المعرفية للمجاز عامة.
ولقد عرف كتاب ( المعنى وتغير المعنى ) لستيرن في الثلاثينات (1931 م ) وفيه قسم انواع التغير الى قسمين كبيرين الاول منهما راجع الى اسباب غير لغوية تتعلق بالعالم الخارجي ( المادي) كأن تتغير الادوات المستعملة والاشياء دون ان تتغير الاسماء الدالة عليها فالريشة Laplume كانت تدل على المادة الطبيعية) ريش الطير ) ومن ثم تحولت الى تسمية لأداة الكتابة الخشبية وبعدها المعدنية كل اختلاف اشكالها، وكذلك ( الذرة ) التي تنقلت من ذرات ديمقريطس اليوناني في الى الطاقة الذرية ومعادلاتها ومفهوماتها الحديثة، والمباينة لما كان عرف عنها.
والقسم الاخر هو الراجح الى اسباب لغوية هي علاقات المفردات فيما بينها، وخصائها الكامنة فيها فهناك:
ص380
1- نقل الاسم وتطور لأسباب صوتية تركيبية وما اليها مما يتصل بالشكل وعلاقاته.
2- نقل العلاقة التصورية اي نقل المعنى، وذلك بالنقل المقصود والمجازات.
3- نقل ( او تحويل ) العلاقة الذاتية بين الكلمة ومتكلميها.
وسنقف عند الفقرتين الاخيرتين حيث يعالج المؤلف المجاز وانواعه في الاستعمال اللغوي، وهو يقول بان ( التسمية ) تكون بإعطاء اسم جديد لواحد من التصورات ويفرق بين التسمية الارادية المدركة لهدفها والنقل الدلالي غير المقصودة مجازه، والنقل الاسلوبي ( استعارات، ومجازات ):
أ- فهناك تسمية ارادية ( مقصودة ) عندما نصوغ حدا جديدا بواسطة التركيبbreakfast , blakbird والاشتقاق بضروبه المختلفة.
ب- وهناك النقل الارادي غير التصويري اي ان المستعملين لم يهدفوا الى تحقيق تأثير معين. او ابتكار ادبي عندما تداولوا مثل هذا النوع من الألفاظ، وذلك في الاستعارات المفهومية الخالصة كأن تقول في الفرنسية عن المطرقة: قدم الغزالة pied de piche اوعن نوع من الزهور: كرة الثلج Boule de neige الخ... ويقابلها في العربية الدارجة (هات الخرطوم) دلالة على الانبوب المطاطي المستعمل في تفل المياه، فالأصل في الخرطوم ان تدل على الانف(2) لكنها خصصت في الازمنة الحديثة بأنف الفيل(3)، ومن ثم استعير لذاك الابتكار المادي وغلب عليه دون ان يوحي باي احساس غير الاستجابة التلقائية لمتابعة العمل واستخدامه.
ص381
ج. وهناك الصور الاسلوبية ( المجازات ) ذات الغرض التعبيري، ونخص منها الاستعارة الاسلوبية. وههنا تمثل تسمية خاصة تتجاوز العرف العام للغة في مقام خاص فيكون للتسمية وقعها وفاعليتها المميزة.
واما علاقة المتكلم بالأشياء التي يتحدث عنها (ستيرن) فتتضح منعكسة في اشكال مجازية: او لنقل علاقات المجاز والاستعارة، و ستيرن يستخدم مصطلح (الاستبدال) أولا فيقول: ان الاستبدال ينتج عن تركيز المتكلم على خصيصة معينة او ملمح من ملامح الشيء، ومن ثم يكون محور اهتمامه فيعبر به في اسلوب يشمل ضروب المجاز المرسل في البلاغة القديمة سواء بعلافته الكلية والجزئية او بعلاقاته الاخرى، فنحن نشير الى المركب الذي يتراءى لنا في الافق فنقول: (ذاك شراع يتهادى) فنكتفي بالجزء عن الكل، وكذلك عندما يقول الباريسي لقد شربت اقداحا من ( البورد Bordeaux ) فيطلق اسم المدينة المنتجة للخمر على ما يشرب، وهناك ضرب يورد ستيرن مثالا عليه. او لعله غيرو الذي يعرضه – هو استعمال المادة للدلالة على الشيء فالمتحدث يشير الى (المرمر) بدلا من التمثال المصرع.
ومن ثم يذكر ستيرن مصطلحا اخر هو (التلاؤم) ويقول انه طريقة خاصة من طرق الاستبدال وهي تنتج عندما يلمح الذهن سمة جديدة في (الشيء). وذلك كما في قرن النفخ الخاص بالصيادين الذي اخذ اسمه من قرن الوعل بواسطة الاستبدال المجازي وبعد ذلك اضمحل التعليل الاشتقاقي للتسمية، وغدت السمة الاساسية للقرن هي انه شكل تنبعث منه انماط خاصة من الاصوات عند الصيادين، ولقد استخدمت الكلمة (قرن) للدلالة على (البوق النحاسي الموسيقي) رغم انه لا علاقة تربط بين قرن الغزال (او الوعل) والبوق سواء من حيث المادة المكونة او الشكل، ويعبر العالم اللغوي (دارمستيتر) عن هذا النوع من الاستعمال الدلالي بانه (المتسلسل).
ص382
ويقسم اولمان في كتابه (اسس علم الدلالة) تغيرات المعنى (وتطوره) الى نوسن كبيرين: في الاول: تصنف التغيرات التاريخية والناتجة عن علاقات واسباب غير لغوية، وهو يردها الى ما يسميه: غريزة البقاء اللغوية.
وفي الثاني: تصف التغيرات التي نتجت عن اسباب لغوية فهناك:
1- نقل (تحويل) الاسم: أ - للتشابه بين المعاني.
ب - للمجاورة (الملاصقة) بين المعاني.
٢ - نقل (تحويل) المعنى: أ- للمشابهة بين الاسماء.
ب - للمجاورة بين الاساء.
3- تغيرات مركبة من الاسباب السابقة.
وفي هذا الترتيب يمنع اولمان نصب عينيه خصائص الدلالة ومحوريها الدال والمدلول وكذلك يراعي الطبيعة النفسية والاجتماعية لهذا الاسلوب بشكله المزدوج: المشابهة والمجاورة في المشاهدة في المشاهد الذهنية المترابطة (التصورات).
وان نقل (تحويل) الاسماء للمشابهة بن المعاني هي الطريقة الاكثر تكراراً في تغير المعنى وتعد الاستعارة النموذج الأكثر دوراناً فيها ومشابهة المعاني انما تكون:
أ- ذات (جوهرية) في مشابهة الشكل بين ورقة الكتابة والورقة الطبيعية، وفي المشابهة الوظيفية والمشابهة الموقعية.
ب- متزامنة حسياً: وذلك بتشبيه الصوت باللون (يعزف بطريقة اكثر زرقة) واللون بالرائحة (الابيض المنعش).
ص383
جـ - انفعالية: عندما يشبه احساس ما بشيء مادي رابطة بينهما بعض الخواص: (صداقة دافئة)، (خلق حلو، طيب).
ويحدثنا غيرو - شارحاً اولمان - عن الاستعارة المباشرة كالتي عرفنا بعضاً من نماذجها قبل الاستعارة غير المباشرة، ذلك ان الفعل (جلا) يستعمل في اوساط العامة الفرنسية، وجماعات اللصوص خاصة بمعنى (سرق) ولكنهم يستعملون في هذا المجال عددا من مرادفات (جلا) مثل: نظف ولمع، كأن يقول اللص لزميله: لقد نظفت الخزائن في المتجر ليلة أمس، فيجيبه الآخر وأنا لمعت صندوق المجوهرات.
وثمة ظاهرة اخرى هي ان التشابه يمكن ان يكون مركزاً لحقل دلالي تتعدد فيه الاستعارات (4) والتحويلات، فقد كان مشهورا بن اوساط الجنود - من العامة - في الحرب العالمية الاولى 1914 تعبير: (المطبخ المتنقل (5)) دلالة على (الدبابة) وكذلك (حبات الفاصوليا) دلالة على (رصاصات شربنل (6))، وكذلك كانوا يستعملون " الفعل: يفصّص حبات الفاصولياء في مجال: يقذف رصاصات الرشاش الآلي ".
وفي الاستعمال العربي نجد واحدة من الاستعارات المطبخية في هذا المضار ! فيقال: لقّم المدفع بمعنى زوّده بالقذيفة، وهكذا يمكن للاستعمال الدارج ان يشتق عدداً من الاستعارات المتقاربة: فهذه لقم عسيرة الهضم، وانه لا يبلع الخ..
واما عن نقل (تحويل) الاسم لمجاورة المعاني (ملاصقتها): فإن ضروب المجاز المرسل بعلاقاته تعد تحويلات للاسم اثر مجاورة المعاني، وهي تقوم بأخذ
ص384
الجزء تعبيراً عن الكل وبالعكس، والمضمون تعبيرا عن المكان (او الحالية والمحلية)، والاداة عن الفعل.
ويمكن ان تكون مجاورة معنيين: مكانية، او زمانية، او سببية:
أ- المكانية: كما في كلمة Bureau فهي تدل في الاصل الفرنسي على نسيج (قماش) يغطي الطاولة الخشبية المخصصة للكتابة، ومن ثم دلت على الطاولة، وبعدها غدت دالة على المكان الذي توجد فيه، وهذا المثال (المكتب) مطبق في العربية عدا مرحلته الاولى، وقد اتسع نطاق الدلالة الى مجموعة غرف بل اصبحت الكلمة تدل على مجموعة الموظفين العاملين في ادارة معينة فيقال: (اجتمع مكتب الاعلام بجامعة الدول العربية).
ب- الزمانية: وذلك في اطلاق اسماء الصبح، الظهر، العصر، المغرب، العشاء على الصلوات التي تؤدى في هذه الاوقات، فالأصل تحديد الزمن ثم اطلق على الفريضة الدينية المؤداة فيه (وفي الفرنسية تدل كلمة Vépres على صلاة المساء النصرانية).
جـ - السببية: في كلمة Fusil حيث يعبر عن السلاح: البندقية بأداة الإشعال ذلك ان Fusil في الفرنسية تعني (حجر القدح للنار)، وفي العربية نجد مقاربة لهذا المثال، فالزناد يستعمل على أنه اداة اطلاق الرصاص في البندقية، وهو في الأصل: عود الاشعال: (الزند (7))، وكذلك (البارود) في كلمة (البارودة) في استعمال الشوام دالة على البندقية.
ويبين غيرو (8) اسهام تلك الضروب من تغير المعنى في: التسمية المعرفية، فنحن نعطي احد الأشياء اسماً كان لآخر فنقيم رابطة بينهما: تكون في الاستعارة مشابهة، وفي ضروب المجاز: المجاورة.
ص385
وفي هذا النطاق تتبادل العوالم المختلفة التسميات: فنرى في البحر: سبع البحر، والكلاب، والنجوم اسماء لكائنات بحرية، وفي البستان: في الثعلب، وأرجل القبرة وكرة الثلج، وفي مشغل الفنان: قدم الغزالي (مطرقة)، وذيل السنونو (نوع من المبارد)، وكذا ذيل الفأرة queu de rate (مبرد مدوّر). ونلاحظ ان الجسم البشري مصدر ثر للاستعارات المعرفية: رأس الجسم، أسنان المنشار، قدم الجبل، بطن الوادي، عين الماء، ظهر البيدر، فم النهر.
وتلعب هذه الاستعارات دوراً في تسمية المفهومات المجردة التي ترتبط بأشياء او بأساليب مادية (في الفرنسية: فكر penser اخذت عن وزن في اللاتينية pensare ، والفكر والروج Esprit اخذت من الريح في اللاتينية Spiritus.
واما التسمية التعبيرية (9) فهي تتميز من المعرفية (التي تصف الشيء في حالته الراهنة وبخصائصه الموضوعية: الشكل، الوظيفة، العلاقات، وهي تحدده في ذاته) بأنها تعين العلاقة بكل ما يعبر عن القيمة الانفعالية والجمالية والاخلاقية المرتبطة بالمتكلم عندما يتحدث عن الشيء او الموضوع، والمثال الذي يظهر الفروق بين المعرفية، والتعبيرية، هو أننا في الفرنسية نطلق على نوع من الروافع الالية تسمية Chevre : (ماعزة) للمشابهة بين هيئة هذا الحيوان عندما يتطاول ليتناول اطراف شجيرة او نبات جبلي، وهيئة الرافعة الشائلة الى اعلى، ولكن هذه الاستعارة المعرفية لا يتخللها اي انفعال او احساس كامن لدينا كما لو قلنا مشيرين الى فرد ما: ان التيس Bouc كان في الطابق الاسفل، فههنا نلحظ الايحاء المتضمن في (التيس) بأن المتكلم يقصد الى اشياء عدة مما يتصف به الشخص، فإما ان يصور وفيه كل السلبيات ليكون كبش الفداء وتلقى عليه الاخطاء جميعها، واما ان ينبئ عن التصرف الأحمق الذي يخلو من التعقل.
ص386
ودراسة هذه القيم التعبيرية مقصودة لذاتها تتصل بعلم الاسلوب، الا ان علم الدلالة لا يهملها - مع ذلك - فهي الاصل لضروب من تغير المعنى تتحول مبر سلسلة من التطور واضمحلال التعليل للروابط بينها وبين الأصول.
ويشترك يوجين نيدا في دراسة جوانب من المجاز وصلته باللغة العادية في كتابه (نحو علم للترجمة (10) ) فالباحث الدلالي تستوقفه كلمات كثيرة تمتلك عوالم ذات نتوءات هامشية، وهي بذا تختلف عن النماذج المألوفة المنتظمة عندما تنظر اليها من وجهة معجمية، ومن اسباب الهوامش التي تلحق الكلمة: الأسلوب المجازي ويعطي (نيدا) مثالا هو كلمة: الكلب dog في الانكليزية اذ انها تشير الى عدد من المدلولات المجازية اذا ما استعملناها خارج اطار الحيوانات الاليفة، فهي (1) الشخص الخسيس، (2) ابراج سماوية، (٣) جهاز ميكانيكي لقبض شيء او مسكه (كلاّبة)، (٤) منصب توضع فوقه قدر الطبخ، (٥) التظاهر He put on the dog الخراب (6) الخراب He went to the dogs (11). ومع ذلك تعد هذه المدلولات جزءاً من بناء دلالات ألفاظ الكلمة (dog)، ويرتب نيدا على هذه المسألة فرعين من التحليل:
أ- يحلل البناء المجازي: فالمدلولات المجازية تنتج عن عملية انتقاء عنصر اساسي او اكثر لمعنى مصطلح لغوي (كلمة) مثل المظهر المادي، او المزاج النفسي او علاقات الحيز وفي علاقة الجزء بالكل، او التشابه الوظيفي وتوسيعها بحيث تغطي شيئاً ملموساً لم يكن وارداً ضمن عالم تلك الكلمة.
ويقول نيدا: " إنه اذا أدخل هذا الشيء الملوس بشكل دائم في كلمة معينة (المستعارة) لم يعد هناك وجود للمدلول المجازي الفعال (اي الاستعارة) وكل ما يبقى هو حصول زيادة في مساحة معنى المصلح الذي نحن بصدده (2) ".
ص387
ويقصد هنا بحديثه ما كان اشار اليه اولمان بالتسمية المعرفية المميزة عن التعبيرية، وكذا ما وقف عنده ستيرن.
ب- ومن جهة اخرى يقترح نيدا ان نهتم بتحليل الكلمات الى عناصرها الأساسية وخاصة عندما نتناول بالتفسير المدلولات المجازية، فهي تعتمد على التقاء في عناصر معينة، " خصائص مشتركة " بين اطراف المجاز.
وان التشبيهات الكلامية تبنى عموماً على خصيصة معينة يشخصهاً أناس في مجتمع كلامي خامص بوصفها تشبيهات سائدة ؛ ففي الذئب تكون السمة البارزة: الافتراس خلسة وفي (الثعلب) الانسلال والحذق والمكر، وفي الخنزير: النهم القذر، وفي الظربان الامريكي: نتن الرائحة المقيت (12). وههنا بمقدورنا ان نفيد من ضروب التحليل الى العناصر الاساسية في الاتجاهات البنيوية، وهي تنطلق في اساسها من منطلق منطقي في التعريفات والحدود الأرسطية، وماجد من محاولات تفصيلية في مدارس البنائية(13).
ويرى نيدا ان الجزء الاساسي من القوة الايصالية للتشبيهات الكلامية (والاستعارة) يستمد من المعنى المركزي للكلمة الذي يستمد قوة فعالة، وما ان يضيع المعنى المركزي الذي يمدنا بأساس مدلول صفة معينة ذات قيمة تكوينية - حتى تفقد هذه القوة الايصالية، لان قوة التشبيه تكمن في العلاقة المتأسسة بين المعنى المركزي او الجوهري وامتدادات المعنى (14). أي كلاً ابتعدنا عن الجوهر زاد البعد عن الفعالية، وقد يكون لهذه الفكرة اثر في توجيه الادباء والشعراء عندما يجنحون الى الابتكار المجازي المفتقد للصلة الموضحة لخطوط الالتقاء بين اطراف المجاز، ولا نستهدف ههنا التضييق بل نطلب امكانية التواصل والمعايشة، فنحن بحاجة الى ذاك المشترك في الافاق المتحركة في أخيلة المبدعين.
ص388
ويشير نيدا الى العلاقات الواشجة بين المجاز والجوانب الثقافية والاجتماعية للمجتمع – او المجموعات اللغوية - ففي مناطق اوربية كثيرة لا تستخدم كلمة بقر الوحش، والظبي antelope في الاستعارات اللفظية رغم ان هذه الكلمة تستعمل بشكل واسع في افريقيا.
وقد يجتمع الاستخدام في بيئتين للفظ الواحد في استعارات ومجازات الا ان التوجيه يختلف اختلافاً بيناً، ففي الانكليزية الامريكية يعدُّ مصطلح - كلمة – (coon مختصر raccoon) اسما مجازياً لتحقير الجنس الاسود، وتربط مدلولات مجازية تتفرع منه على نحو واسع، وفي بعض اللغات الأمريكية الهندية يستعمل مرادف racoon بمدلولات مجازية تشمل: البراعة العقلية والذكاء (15).
وتختلف - كذلك - اللغات في أساليب تعبيرها المجازية، فالاستعارات الحيوانية في اللغة الانجليزية ترمز الى مميزات نفسية مفترضة (الثعلب، الفأر، الدب، الثور، الدودة) أما في لغة (زوني) فتستخدم استعارات ما قبل اللغة الكولومبية: الكلمات التي ترمز الى الحيوانات لتشير الى مميزات جسمية مادية: فيدُ المرء، خشنة خشونة اقدام الديك الرومي " وان شخصاً ما يعد اصلع او املس الرأس كفرج العقاب " وان عيني فلان " تنتآن كما تنتؤ عينا الجرذ " وان شخصاً اخر له ساقان نحيفتان كساقي الطير ".
واللغة الانكليزية تحفل بعدد من الاستعارات المستمدة من الحيوانات والخضروات والفواكه الا ان هذه الاستعارات تتضاءل أمام تلك الاستعارات الشائعة في اللغة البرازيلية - البرتغالية التي تحظى فيها جميع الحيوانات والفواكه تقريباً بمدلولات استعارية للمعنى، وينحدر الكثير منها الى المستوى المبتذل (16).
ونلاحظ في التحليلات التي يقوم بها علماء اللغة والدلاليون بشكل
ص389
خاص - انها تفتح ابواباً كثيرة للنظر في المجاز - على اختلاف ضروبه - فهي ترجع الى اللغة وعلاقاتها مستفيدة من القيم النفسية والاجتماعية للغة ذاتها ككيان له حركته الخاصة من جهة، وله تفاعله مع التكوين الاكبر: المجتمع وثقافته من جهة أخرى.
ص390
________________
(1) نستقي مادة هذه الفقرة وتنظم كل من ستيرن و اولمان من الفصلين الرابع والثالث من كتاب غيرو ( علم الدلالة ) ومن الفصل الثالث ( من الباب الثالث ) لكتاب اولمان (دور الكلمة في اللغة ) ١٦١ - ١٨٧ . Guiraud, La Sem, chapitre, III, IV; P ,P. 42-72,
(2) القاموس المحيط هامش نمو الهوريني مادة ( خ ر ط ) ط مؤسسة الحلبي.
(3) نقصد التداول العام، فانف الفيل هو الخرطوم كما يذكر الثعالبي في ( فقه اللغة ) 125، تحقيق مصطفى السقا وابراهم الابياري، وعبد الحفيظ شلبي، ط مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة ١٥٦٤ .
(4) يعرف معجم علم اللغة الاستعارة على أنها ضربان واحد منهما هو التشبيه البليغ في العربية، والآخر هو الاستعارة التي يحذف احد طرفي التشبيه فيها:
(Dic de ling. p. 317-318 , larousse)
(5) تشبيها بما كان مألوفا أن المطابخ المتنقلة في الجبهة.
(6) نوع من الطلقات كانت معروفة.
(7) الزند: العود الذي يقدح به النار، القاموس، مادة (زند).
(8) p. Guiraud. Sémantique p. 57
(9) p. Guiraud. Sém. p , 58
(10) نحو علم للترجمة (يوجين أ. نيدا) ١٩٢ - ١٩3 .
(11) نحو علم للترجمة (يوجين أ. نيدا) ١٩٣ .
(12) نحو علم للترجمة ١٩٣ - ١٩٤ .
(13) G. Mounin. la Sémantique P. 39-42
(14) نحو علم للترجمة 195.
(15) نحو علم للترجمة ١٩٤ Raccoon نوع من الحيوانات اكلة اللحوم.
(16) نحو علم للترجمة ١٩٤ - ١٩٥ .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|