أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-8-2017
3159
التاريخ: 10-9-2017
632
التاريخ: 16-8-2017
492
التاريخ: 21-4-2018
819
|
قدمنا الوجوه التي تبدو فيها دراسة الدلالة المفردة لدى النقاد، وتمثل تلك الوجوه ضرباً من الاستخدام للمصلحين (اللفظ والمعنى)، وهي أقرب إلى التصور اللغوي الحديث عندما نشير إلى دلالة الكلمات، فنحن نبدأ عادة بمعرفة حدود الدلالة في اللفظة ومن، تتبع أبحاث التركيب وعلاقات السياق، وبالرغم من أن الدلالة ستكون محدودة بالسياق فإنا نحتفظ خلال عملية الاستيعاب بالدلالة العامة المشتركة (المعجمية)، ولابد من الوضوح في المنطلق لفهم النص بكامل ما يصل بين أطرافه وما يحيط به من أجواء.
ونخصص هذه الفقرة لاستجلاء معالم مصطلح (المعنى) في استعمالات أخرى مختلفة مما كان قبل في نقد الشعر، ذلك أن النقاد أطلقوا المصطلح على عدد من المسائل تتقارب فيما بينها، فتشكل دائرة تناظر الدلالة المفردة، فالمعنى يدل على الفكرة العامة لنص شعري، وما تتفرع إليه من أفكار جزئية مكونة لها، ويدل على ما يشتمل عليه بيت واحد من أفكار عدة أو فكرة واحدة، ومن الوصف والتشبيه، والمصطلح يستعمل أحيان مرادفاً للأغراض الشعرية ولما تتشعب إليه من صفات ومواقف فرعية. ونلحظ هنا أن الناقد عندما يتداول المعنى يقصد إلى بحل الدلالة سواء في فقرة قصيرة تمثل جلة نحوية، أوفي بيت شعري أو في عدد من الأبيات يصل الى حد المقطوعة أو القصيدة، وبذا لا نستطيع ردّ الأحكام إلى اللفظة الواحدة لأنها اندغمت وسائر ما يجاورها في كل يؤدي الغرض والقصد، وهذا الاتجاه لا يرادف (السياق) الذي يكون بمقدورنا
ص69
تطس روحه العامة وجزئياته بحسب ما يسردها من صلات، وتبادل التأثير.
أ- ولقد كان قدامة بنهجه المنطقي من أكثر النقاد وضوحاً في تقسيمه للمعاني، ذلك أنها عنده هي الجزئيات التي يبنى منها الشعر،. فعلى الشاعر إذا شرع في أي معنى كان من الرفعة أو الضعة والرفث والنزاهة والبذخ والقناعة والمدح وغير ذلك من المعاني الحميدة أو الذميمة أن يتوخى البلوغ من التجويد في ذلك الى الغاية المطلوبة (1).. وهذه الصفات أو الأفكار هي التي يتكامل بها الغرض الشعري، كالمديح والهجاء والنسيب، والمرائي، والوصف والتشبيه (2)، ونرى أنها تتفرع إلى ما هو أصغر منها، فثمة فضائل للناس هي: العقل والشجاعة والعدل والعفة، و كان القاصد الى مدح الرجل.هذه الأربع الخصال مصيبا والمادح بغيرها مخطأ (3) ويذكرون من أقسام العقل: ثقابة المعرفة، والحياء، والبيان، والسياسة، والكفاية والصدع بالحجة والعم والحلم عن سفاهة الجهلة وغير ذلك مما يجري هذا المجرى (4)، ويتم تركيب وتداخل معاني في أي مستوى لها فتنتج معان أخر نجدها في شعر الشعراء (5).
ويوافق ما لدى ابن طباطبا ما جاء به قدامة من أن المعاني هي الأغراض الشعرية وفروعها المنضوية تحتها، وفي (عيار الشعر) حديث عن الابيات التي يخص بها قائلوها الى المعاني التي أرادوها من مديح أو هجاء أو افتخار أو غير ذلك، ولطفوا في صلة ما بعدها بها فصارت غير منقطعة عنها (6).
ص70
ويتحدث الآمدي عن فكرة جزئية (هي المعنى) ضمن (باب الفراق) في شعر أبي تمام الذي يقول:
دعا شوقه يا ناصر الشوق دعوة فلباه طل الدمع يجري ووابله
" فهذا خطأ من الشاعر إذ أراد أن الشوق دعا ناصراً ينصره فلباه الدمع، بمعنى أنه يخفف لاعج الشوق ويطفئ حرارته. وهذا إنما هو نصرة للمشتاق على الشوق، والدمع إنما هو حرب للشوق لأنه يثلمه ويتخونه ويكسر حده (7).. ويشير الناقد الى الأفكار بمصطلح (المعاني) عند إبراز ما يميز به امرؤ القيس عن أقرانه. فلولا لطيف المعاني واجتهاد امرئ القيس فيها وإقباله عليها لما تقدم على غيره، ولكان كسائر الشعراء من هل زمانه، إذ ليست له فصاحة توصف بالزيادة على فصاحتهم، ولا لألفاظه من الجزالة والقوة ما ليس لألفاظهم (8).
والمعاني الشعرية بهذا التفسير الذي يوجهه النقاد تتردد على أنها (معاني العرب)، ويقصد بها ما استقر عليه العرف من قيم اجتماعية، وفنية تعبيرية، أو يكون مثلاً من الأمثال، فقد زعم بعضهم أن فكرة أبي تمام في قوله (لو كان ينفخ قين الحي في فحم) مأخوذة من قول الأغلب.
قد قاتلوا لو ينفخون في فحم ما جبنوا ولا تولوا من امم
إلا أن الآمدي يردف قائلا بأن.هذا معنى شائع من معاني كلام العرب وجار في الأمثال: قد فعلت كذا واجتهدت في كذا لو كنت أنفخ في فحم (9).
وينصرف مصطلح (المعاني) في الشعر المحدث الى الاهتمام المبالغ فيه بالأفكار المعقدة العويصة، وهي التي يتعين فيها الشاعر بالفلسفة ليجعل مقاصده
ص71
بعيدة، وذات سبل لا تسهل إلا على كل ضارب في الثقافة الرفيعة بسهم وافر. إن أصحاب هذا الاتجاه في التعبير الفني يتطلبون من المتلقي عناء يبذله ليبلغ مرتبة المتعة الفنية. فالأمر هنا يتجاوز كونه بضاعة مبذولة هينة، وإنه يذكرنا بمراتب الصوفية والانتقال من دنى الى أخرى بالمكابدة والتطلع الى المقصود.
وقد يعلل بعضهم المنحى الذي يمزج الفكر والفلسفة بالشعر بأنه حالة اضطر إليها الشعراء بعد أن ضاقت مسارب الأفكار (والآراء) والأغراض بعد أن طوف القدماء في أرجائها، وتفصيلاتها، فما أبقوا للتالين الشيء الكثير، لذا فالمحدثون يحتالون ويتسورون كيما يكتسب شعرهم شخصية المميزة بل شرعيته، فما جدوى تُعرف في المكرور المعاد من آثار الأقدمين.
ومن مشكلات المصطلح عند النقاد أنهم خصصوا الكلام على هذا الضرب من الأفكار المركبة، والتي تتصل بالفلسفة في الشعر المحدث، مستخدمين اصطلاح (المعاني)، وهكذا تستوي الإشارة الى الأغراض الجزئية والعبارات الدالة على فكرة عادية، أو الصور التي تصف هذا أو ذاك من الناس أو مظاهر الحياة وتلك الشطحات والأغراض المصنوعة بعناية وتركيز من الشاعر، ولقد يكون السياق الذي يتحدث فيه الناقد واضحاً فيزول اللبس الى حين، وفي مرات أخرى تتداخل المسائل او التوجيهات مما يجعل الأداة النقدية (المصطلح) بحاجة الى مزيد من التفصيل والتمييز.
ومن الأمثلة البينة ي مناقشات النقاد حول مدلول (المعاني) متصلة بالفكر والصنعة ما أتى به الآمدي موازناً بين أبي تمام وصحبه، والبحتري ومن هم على شاكلته ؛ فأصحاب حبيب إنما ينسبون تقدمه وفضله الى. غموض المعاني ودقتها، وكثيرة ما يورده مما يحتاج الى استنباط وشرح واستخراج، وهؤلاء أهل المعاني والشعراء أصحاب الصنعة ومن يميل الى التدقيق وفلسفي الكلام (10).، وإن من
ص72
يميلون الى البحتري يرون في شعره. حلاوة اللفظ وحسن التخلص، ووضع الكلام في مواضعه، وصحة العبارة، وقرب المأتى وانكشاف المعاني، وهم الأعراب والكتاب والشعراء المطبوعين وأهل البلاغة (11)..
ويتابع القاضي الجرجاني نهج الآمدي فيدفع عن المتنبي وإغرابه أقوال معترضيه، فلو كان. التعقيد وغموض المعنى يسقطان شاعراً لوجب ألا يرى لأبي تمام بيت واحد، فإنا لا نعلم له قصيدة تسلم من بيت أو بيتين قد وفر من التعقيد حظهما، وأفسد به لفظهما، ولذلك كثر الاختلاف في معانيه، وصار استخراجها باباً منفرداً ينتسب إليه طائفة من أهل الأدب (12)، وصارت تتطارح في المجالس مطارحة أبيات المعاني ألغاز المعمى. وليس في الأر ض بيت من أبيات المعاني لقديم أو لمحدث إلا ومعناه غامض مستتر (13)، وهذه العبارة الأخيرة يمكن وصفها بالفساد والخلل المنطقيين، غذ يشرح المعاني بالمعنى فالمصطلح مهتز وغير مفصولة أطرافه عما يداخله.
ويصف لنا القاضي الجرجاني أيضا بعض المعترضين على المتنبي والمنقصين حقه في الشاعرية والتميز عن الأقران: ويكاد يكون هذا الرجل (النموذج) واحداً من مثقفي العصر الذين متحوا من الثقافية الفلسفية والعملية واطلعوا على فنون الشعر وأفانين أخرى، إلا أن حظهم من اللغة والإلمام بخصائصها وأسرارها غير وافر، والمصطلح الذي تخيره الناقد هو (معنوي) مدقق لا علم له بالإعراب ولا اتساع له في اللغة، فهو ينكر الشيء الظاهر (لولعه بالتعقيد وإلفه لقضايا الفلاسفة والمتكلمين وجدلهم ) وينقم الأمر البين كفعل بعضهم في قول المتنبي:
لأنت أسودُ في عيني من الظلم
ص73
فإنه أنكر أسود من الظلم، ولم يعلم أنه قد يحتمل هذا الكلام وجوهاً يصح عليها، وأن الشاعر لم يرد (أفعل) التي للمبالغة (14).
ونعرض أمثلة لإطلاق مصطلح (المعنى) على البيت الشعري الواحد، فمن أخطاء أبي تمام الذي يشرحه الآمدي قوله:
يدي لمن شاء رهن لم يذق جرعاً من راحتيك درى ما الصابُ والعسل
فألفاظ البيت وعلاقاتها مبنية على فساد (لكثرة ما فيه من الحذف) ؛ فقد أراد بقوله. يدي لمن يشاء رهنٌ. أي أصافحه وأبايعه معاقدة أو مراهنة إن كان لم يذق جرعاً من راحتيك درى ماالصابُ والعسلُ، (وبنقص إن الشرطية ومن الموصولية) اختل البيت وأشكل (المعنى) أي مؤداه، وفكرته العامة (15).
وفي المواضحة يبين الحاتمي كيف قصرت أدوات المتنبي عن اداء غرضه في بيت له، فمن المستعجم قوله:
وكم وكم حاجةٍ سمحت بها أقربُ مني إليّ موعدُها
وهذا من مستهجن الكلام، ومستكره التركيب، وإنما ذهب الى قصر عمر موعده، وقرب موعده في إنجازه، فأساء العبارة عن هذا المعنى كل الإساءة (16).
ويعلق القاضي الجرجاني على بيت المتنبي:
أتراها لكثرة العُشاقِ تحسبُ الدمعَ خلقة في المآقي ؟
بأنه ابتداء ما سمع مثله، ومعنى انفرد باختراعه (17).
ص74
ومن المواضع التي عبر فيها عن مجموعة من الأبيات بـ (المعنى) حديث العسكري عن أهمية الألفاظ وصياغتها في العمل الشعري، فالكلام إن كان لفظة حلواً عذباً وسلساً سهلاً، ومعناه وسطاً دخل في جملة الجيد، وجرى مع الرائع النادر كقوله:
ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح
وشدت على حدب المهارى رحالنا ولم ينظر الغادي الذي ه رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطيّ الاباطح
وليس تحت هذه الألفاظ كبير معنى (18)، والناقد يحرص على إيراد الدليل فيبرهن على صحة ما يذهب إليه من أحكام، فيسرد نثراً مؤدى الأبيات، أي بـ (المعنى) في المرة الأولى حيث يقول. المعنى الوسط.، أي الأفكار العادية المألوفة غير المثيرة لجدتها غرابتها، والتالي ليس لها فاعلية الدهشة والاستغراب مما يشد القارئ والسامع إليها، وكذلك في المرة الأخرى حيث ينص على (كبير معنى).
ب- وثمة ظاهرة تلحظ عند استخدام النقاد لمصطلحي: المعنى والمعاني، على أنهما دالان على الأغراض والأفكار العام منها الجزئي، وهي أن المصطلح المقابل الذي يجري تداوله في الكتب النقدية متصلاً باللفظ يحمل كذلك مفهوماً عاماً عن الألفاظ، أي أن ما يفهم منه لا يخرج عن الصورة المجملة التي تشمل على عناصرها المتعددة ضمنها دون أن يقصد الى الافراد منها، أو الى التركيب الرابط فيما بينها.
ومن أمثلة ذلك النهج ما نراه لدى ابن طباطبا، فللمعاني ألفاظ تشاكلها
ص75
فتحسن فيها وتقبح في غيرها، فهي كالمعرض للجارية الحسناء التي تزداد حسناً في بعض المعارض دون بعض، وكم من معنى حسن قد شين بمعرضه الذي ابرز فيه، وكم من معرض حسن قد ابتذل على معنى قبيح ألبسه (19).
ويتحدث الحاتمي في الموضحة عن البحتري، فيعجب بـ. ألفاظه الرطبة العذبة ومذهبه فيما يحتذيه، ويشير إليه، فإنه كان لا يستدعي من الكلام نافراً، ولا يستعطف معرضاً... وكانت ألفاظه فوق معانيه، وأعجازه غير منفكة عن هواديه (20)..
وقد دأب الآمدي على أن يعلق على أبيات في الموازنة بقوله موجزة. البيت جيد لفظه ومعناه.، أو يشقق منها تفريعات أخرى تكون أحياناً نقيضاً للجودة في الطرفين، أو تقسم الجودة والرداءة، وفي أحيان يقتصر الناقد على شطر بيت في أحكامه، ومثال ذلك وقوفه عند بيت أبي تمام:
يا برق طالع منزلاً بالأبرق واحدُ السحاب له حداء الأينق
فهو ينكر الشطر الأول بسبب كلمة (طالع)، فهي لفظة رديئة في هذا الموضع قبيحة، أما الشطر الآخر (واحد... الأنيق) فلفظه ومعناه جيدان فصيحان (21).
ومن ذلك إلحاح أبي هلال العسكري بين اللفظ والمعنى كقوله:. ولا خير في المعاني إذا استكرهت قهراً والألفاظ إذا اجترت قسراً، ولا خير فيما أجيد لفظه إذا سخف معناه، ولا في غرابة المعنى إلا شرف لفظه مع وضوح المغزى وظهور المقصد (22)..
ص76
_________________
(1) نقد الشعر، قدامة بن جعفر ٤ .
(2) نقد اشعر ١٧ .
(3) نقد الشعر ٢٠ .
(4) نقد الشعر ٢١ .
(5) نقد الشعر ٢١ - ٢٢ .
(6) عيار الشعر ١١١ .
(7) الموازنة (1/221)، 207-208.
(8) الموازنة (1/420-421).
(9) الموازنة (1/125)، وينظر في الموازنة (1/209)، الموازنة (2/145-148).
(10) الموازنة (1/4).
(11) الموازنة (1/4)، وينظر في الموازنة (1/360)، 525، 242 – 243، 424-425، الموازنة (2/332-333)، وفي المواضع التي يتتبع فيها الآمدي مذهب أبي تمام.
(12) يذكر هذا بكتاب (معاني الشعر) للأشنانداني وأضرابه، وسبق أن عرضنا له في هذا الفصل.
(13) الوساطة 417-418.
(14) الوساطة 430-439، وكذا 32، 471 – 472.
(15) الموازنة (1/190) وكذا 127، والموازنة (2/191)، وفي الصناعتين 58-59، 47.
(16) الموضحة، الحاتمي 47، 64، 104، 40، وفي الرسالة الحاتمية 277.
(17) الوساطة 158 و 13، وفي (الواضح) للأصفهاني 33، 32.
(18) الصناعتين، أبو هلال العسكري 59.
(19) عيار الشعر، ابن طباطبا 8، وينظر في 19-21، 32، 121.
(20) الموضحة، الحاتمي 193، وفي الكشف عن مساوئ المتنبي للصاحب بن عباد 259.
(21) الموازنة (1/464)، وكذا 465، 451، 456، 457، 460، 461، والموازنة (2/73)، 332.
(22) الصناعتين 61، وكذا 8، 58، 69.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
تسليم.. مجلة أكاديمية رائدة في علوم اللغة العربية وآدابها
|
|
|