أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-8-2017
3159
التاريخ: 21-4-2018
819
التاريخ: 10-9-2017
527
التاريخ: 16-8-2017
735
|
ومن جوانب البحث التي شهدها القرن الرابع تلك الدراسات التي عكف عليها ابن جني، وكان الدرس اللغوي ركناً أساسياً فيها ، وقد يساعد في رسم تصور أكثر دقة لاستعمال المصطلحات اطلاعنا على مؤشرات في " الخصائص " للفظ والمعنى ، وعلى الرغم ن تناولنا لأعمال ابن جني في الشروح الأدبية ، فإننا نفرد جهده اللغوي ، في قسم منه ، لأنه يمثل تداولاً خاصاً ألصق بالمادة اللغوية وقوانينها ، وأقرب إليها مما يفتح باب المقارنة بالمجال النقدي ، حيث ينحو الناقد نحواً يحاول فيه أن يعرض الجماليات بأكثر مما يعرض الخصائص اللغوية ، وههنا مكمن الوعي الدلالي لدى الواحد من هؤلاء النقاد .
أ- إن ابن جني يقوم بتحليل عدد من المسائل الفرعية في " الخصائص " معتمداً على العلاقة بين اللفظة المفردة ودلالتها (معناها) . ومن ذلك الباب الذي عنونه (بتصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني) ، ويعرض فيه نماذج من الكلمات المتقاربة في عظم حروفها ، وذلك لتقارب مدلولاتها وهي على أضرب :
* اقتراب الاصلين الثلاثيين : كضياط وضيطار ، ولوقة وألوقة ، ورخوورخود .
ص47
* اقتراب الأصلين ثلاثياً أحدهما ورباعياً صاحبه ، أو ربايعاً أحدهما وخماسياً صاحبه: كدمث ودمثر ، وسبط وسبطر ، ولؤلؤ ولآل ، والضبعطي والضبعطري ، وقد دردبت والشيخ دردبيس .
* ومنها التقديم والتأخير في تقليب الأصول : ك ل م (ك م ل ، ل ك م ، ل م ك ، م ل ك ، م ك ل (1) ) .
وفي موضع آخر يوازن بين الاسم والمعنى ليخلص الى أنهما كل واحد ، وما تفصيله هنا إلا طريقة شارحة لهذا التآلف ، فالاسم هو سبيل الى المعنى الكامن وراء ، ويتطرق ابن جني في حديثه الى فكرة قديمة هي : أن الاسم جزء حقيقي من المسمى ، وهي قولة إغريقية قديمة ترجع الى ما قبل سقراط ، وقد يكون في بعض المذاهب الحديثة صدى لها ؛ يقول ابن جني " لم تخاطب الملوك بأسمائها إعظاماً لها اذا كان الاسم دليل المعنى ، وجارياً في أكثر الاستعمال مجراه حتى دعا ذلك قوماً الى أن زعموا : أن الاسم هو المسمى ، فلما أرادوا اعظام الملوك تجافوا وتجانفوا عن ابتذال أسمائهم التي هي شواهدهم وأدلة عليهم الى الكناية بلفظ الغيبة (نسأله حرس اللهُ ملكه(2) ) .
وفي حديث لابن جني عن الترادف يشير الى المعنى على أنه دلالة اللفظة أو الكلمة ، ويبدي تعليلاً رئيسياً هو أن مردّ هذا التعدد في الألفاظ الملتقية على مدلول واحد إنما هو تعدد القبائل " فإذا أحرى ذلك أن يكون أفاد أكثرها أو طرفاً منها من حيث كانت القبيلة الواحدة لا تتواطأ في المعنى الواحد على ذلك كله ، وكلما كثرت الألفاظ على المعنى الواحد كان ذلك أولى بأن تكون لغات لجماعات اجتمعت
ص48
لإنسان واحد من هنا ومن هنا ، وتورد هنا قصة الرجلين اللذين اختلفا على تسمية الطير الجارح (الصقر) ، فواحد يقول بهذا اللفظ والآخر ينطقه (السقر) ، فاحتكما الى ثالث فقال إنه لا يعرفه إلا أنه (الزقر) (3) " .
وفي موضع من (الخصائص) يقرر ابن جني قاعدة ، هي أن المفردات التي تسمع من عربي فصيح منفرداً بروايته تبلغ مرتبة المتواتر ما دامت السليقة والفصاحة غير مشكوك فيهما لدى هذا الراوي ، والطرف الذي يخص موضوع الدرس إنما هو الوقوف عند الألفاظ المفردة وهو يطلق عليها (الحروف) ثم يجمعها في صيغة مغايرة (الكلم) ، وخلال ذلك يردف كلاً منها بمعناها الخاص بها ، فعن الأصمعي أنه ذكر حروفاً من الغريب ، فقال : " لا أعلم أحداً أتى بها إلا ابن أحمر الباهلي منها الجبر وهو الملك ، وإنما سمي ذلك – أظن – لأنه يجبر بجوده ، ومنها قوله كأس (رنوناة) أي دائمة ، ومنها المأنوسة وهي النار والقول في هذا الكلم وجوب قبولها ، وذلك لما ثبتت به الشهادة من فصاحة ابن الأحمر ، فإما أن يكون شيئاً أخذه عمن نطق بلغة قديمة لم يشارك في سماع ذلك منه ، وإما أن يكون شيئاً قد ارتجله ابن الأحمر (4) " .
ب- وأما المنحى الثاني الذي يظهر في ثنايا أبحاث ابن جني اللغوية فهو يمتزج بالأدب وأمثلته ، فالمصنف يبين المكانة العالية للمعاني لدى العرب ، ويحدد قيمة الألفاظ بأنها أداة للوصول الى الغاية الأصلية ، ونلحظ هنا القصد الى الافكار والأغراض بمصطلح (المعاني) ، وكذلك نجد أن الإيماء الى (اللفظ) إنما هو عام لا تستوقفه المفردة ، بل يهدف ابن جني الى تقرير مسألة اللفظ بمجملها الى الدرجة التي يحتمل إيراد التركيب فيها . ونتابع أولاً المسألة بصورة عامة ، ثم نقف وقفة سريعة عند مثال تعاقب عليه النقاد يرى فيه ابن جني رأياً مخالفاً لابن قتيبة .
ص49
" فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسنوها ، فلا تريدن أن العناية إذ ذاك إنما هي بالألفاظ ، بل هي عندنا خدمة للمعاني ، ونظير ذلك إصلاح الوعاء وتحصينه . وإنما المبغي بذلك منه الاحتياط للموعى عليه وجواره بما يعطر بشره ولا يعر جوهره . كما قد نجد من المعاني الفاخرة السامية ما يهجنه ويغض منه كدرة لفظة وسوء العبارة عنه"(5) . ويلتفت المصنف الى بعض المتحاورين الذين يرون في قول الشاعر :
ولّما قضينا من منى كلّ حاجة ومسّح بالأركان من هو ماسحُ
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطيّ الأباطحُ
ألفاظاً مؤنقة قد صقلت وزخرفت ، وبالغ أصحابها في العناية بها إلا أنها لا تتأدى الى المعاني الشريفة ، بل إن المرء لا يجد فيها قصداً ، وكأنما يشير ابن جني الى ابن قتيبة وأضرابه ، ويردُّ على هؤلاء بأن العيب والخلل لا يمكنان في الأبيات وخلوها (هنا بيتان من ثلاثة مشهورة) من المضمون والأفكار ولكنه راجع الى جفاء طبع الناظر ، وخفاء غرض الناطق ، أي يحتاج مثل هذا العمل الأدبي وهذه الطريقة في عرض الأحاسيس لدى الشاعر الى التفهم وتقصى أسراره (6) .
ج- والمنحى الثالث الذي كان لابن جني في استخدام مصطلح (المعنى) هو الذي جاء في باب عرض لأسماء العلم ، وفيه رأى المصنف أنها تقع على الماديات في معظم الحالات ، والقليل منها هو الذي ترتبط فيه الأعلام بالمجردات الذهنية ، وههنا يورد مصطلح (المعاني) قاصداً بعدها الصرفي والنحوي ، وذلك أن المشتغل بهذين العلمين يحتاج الى التفرقة بين المادي والمجرد في باب الاشتقاق
ص50
وبعض الأبواب الأخرى ، يقول ابن جني " إن الأعلام أكثر وقوعها في كلامهم إنما هو على الأعيان دون المعاني ، والأعيان هي الأشخاص نحو زيد وأبي محمد ، والوجيه ، ولاحق وعمان ونجران ، والثريا ، وكما جاءت الأعلام في الأعيان قد جاءت في المعاني نحو قوله :
أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر
فـ (سبحان) اسم علم لمعنى (البراءة والتنزيه) بمنزلة عثمان وحمران (7) " .
ص51
_________________
(1) الخصائص لابن جني (2/145 – 152) ، والخصائص (1/49) .
(2) الخصائص لابن جني (3/24) .
(3) الخصائص (1/373-374) .
(4) الخصائص (2/21-25) .
(5) الخصائص (1/217 – 218) .
(6) الخصائص (1/217 – 218) .
(7) الخصائص لابن جني (2/ 197).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|