المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2764 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
مواعيد زراعة الكرنب (الملفوف)
2024-11-28
عمليات خدمة الكرنب
2024-11-28
الأدعية الدينية وأثرها على الجنين
2024-11-28
التعريف بالتفكير الإبداعي / الدرس الثاني
2024-11-28
التعريف بالتفكير الإبداعي / الدرس الأول
2024-11-28
الكرنب (الملفوف) Cabbage (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-28

حشرة النخيل القشرية Parlatoria blanchardi
12-12-2015
حكم الزكاة لو أخذها الجائر.
5-1-2016
المستقبلات في المناعة التكيفية
14-3-2017
H^*-Connected Graph
11-5-2022
هورمون البرولاكتين ( هورمون إفراز الحليب) Prolactin or Lactogenic hormone
2023-11-25
معنى كلمة رمد
8-06-2015


جهود العرب القدامى في الدراسات الدلالية (الجهود الدلالية عند ابن سينا)  
  
599   11:37 صباحاً   التاريخ: 16-8-2017
المؤلف : منقور عبد الجليل
الكتاب أو المصدر : علم الدلالة اصوله ومباحثه في التراث العربي
الجزء والصفحة : ص138- 146
القسم : علوم اللغة العربية / علم الدلالة / جهود القدامى في الدراسات الدلالية / جهود اخرى / جهود ابن سينا /

 

الجهود الدلالية عند ابن سينا (373هـ-427هـ):

إنّ ما يميز التحليل الدلالي عند ابن سينا هو وقوفه على البعد النفسي والذهني اللذين يصاحبان العملية الدلالية، وهو ما يعطي لتحليله طابع الدقة والعمق اللازمين خاصة إذا استحضرنا دراية ابن سينا بعلم النفس واعتماده منهج التشريح، وذلك ما يتطابق مع نشاطه كطبيب وفيلسوف في آن واحد(1)، فهو يكثر من ذكر الوجود الذهني للعلامات اللغوية وارتسامها في النفس والخيال في رصده لمراحل العملية الدلالية، حيث يتم نقل المفاهيم المودعة في الذهن لمدلولات في العالم الخارجي إلى أدوات دالة كالألفاظ والكتابة، وبما أنّ اللفظ اللغوي يعدّ أساس العملية الدلالية أقام له ابن سينا تقسيماً بحسب الإفراد والتركيب والتأليف، وبحسب الكلي والجزئي ثم أبان عن اللفظ الخاص واللفظ المشترك والجامع بين الصفتين، أما الدلالة فقد صنفها ابن سينا إلى أصناف لم تخرج عن تلك التي كانت متداولة بين معاصريه، من العلماء وممن سبقه من الفلاسفة كالفارابي(2) (ت 339هـ)، وفيما يلي عرض لهذه المسائل التي أثارها ابن سينا وجمعناها في ثلاثة عناوين وهي: أقسام اللفظ أقسام الدلالة-العملية الدلالية.

أ-أقسام اللفظ: يحدّد ابن سينا ماهية اللفظ المفرد بالنظر إلى دلالته، فما كانت دلالته واحدة لا تتجرأ فهو اللفظ المفرد، ثم بحيث إذا تجزأت دلالته لم تفصح عنه وإنما تتحول إلى دال غيره، ومعنى ذلك أن اللفظ المفرد قد يكون لفظاً مركباً فقولنا "عبد شمس" فإنّه وإن جاز فيه أن يجزأ إلى "عبد" و "شمس" ولكن لا تكون دلالته من حيث يراد أن يقال "عبد شمس" يعرف ابن سينا اللفظ المفرد فيقول: اللفظ الدّال المفرد هو اللفظ الذي لا يريد الدال به على معناه أن يدل بجزء منه البتة على شيء"(3). وقريبة ماهية دلالة اللفظ المفرد عند ابن سينا بماهية المعنى التعييني (Sens denotatif) عند الألسنيين المحدثين ومنهم العالم الدلالي جون ليونز (John Lyons) وهو لا يختلف كثيراً عن معنى الإرجاع الذي تتحدد معه العلاقة القائمة بين الوحدة المعجمية وماهو خارج من النظام

ص138

 

اللغوي من أشخاص وأماكن وأشياء. إلاّ أنّ (ليونز) يميّز بين التعيين والإرجاع في أنّ الأول يحدّد مدلول الوحدة المعجمية خارج السياق اللغوي أما الثاني فيحدّد مدلولها داخل العبارات المرتبطة بالسياق(4). يبرز ابن سينا المعنى التعييني للفظ المفرد فيقول: "والمعنى المفرد هو المعنى من حيث يلتفت إليه الذهن كما هو، ولا يلتفت إلى شيء منه يتقوم أو معه يحصل، وإن كان للذهن أن يلتفت وقتاً آخر إلى معان أخرى فيه ومعه أو لم يكن"(5). وكإشارة إلى صعوبة تعيين دلالة اللفظ المفرد يرى ابن سينا أنه لكي تحصل الدلالة المعينة وجب أن يرجع إلى معنى اللفظ المفرد دون متعلقاته، وإن كان ذلك يبقى مجرد شرط نظري بحيث أن الذهن يُضمّن الصورة المفهومية للفظ متعلقات أخرى وهو ما يشكل إحدى العقبات القائمة أمام التحديد التام لإرجاع دلالة اللفظ في العالم الخارجي، وقد طرح (ليونز) الإشكالية ذاتها في حديثه عن التعيين ووصل إلى حدّ القول بوقوع الإبهام في البحث عن تعيين بعض العبارات والجمل، بل ووجد بعض الصيغ التي تخلو من التعيين مثل الصفات والنعوت منها: جميل، قبيح، زكي، شريف وغيرها..(6)

وما نلاحظه في تعريف ابن سينا للفظ المفرد أنه تعريف يختلف عن التعريف الذي أورده في كتابه "الإشارات والتنبيهات" حيث يقول: "اللفظ المفرد هو الذي لا يراد بالجزء منه دلالة أصلاً، حين هو جزؤه مثل تسميتك إنساناً بعبد الله فإنك حين تدل بهذا على ذاته لا على صفته من كونه "عبد الله" فلست تريد بقولك "عبد" شيئاً أصلاً، فكيف إذ سميته بـ"عيسى"؟ بلى، في موضع آخر قد تقول "عبد الله" وتعني بـ"عبد" شيئاً، وحينئذ يكون "عبد الله" نعتاً له، لا اسماً، وهو مركب لا مفرد"(7).

ومدار الدلالة عند ابن سينا هو القصد والإرادة، لأنها "دلالة وضعية متعلقة بإرادة المتلفظ الجارية على قانون الوضع فما يتلفظ به ويراد به معنى ما، ويفهم منه ذلك المعنى، يقال له: إنه دال على ذلك المعنى، وما سوى ذلك المعنى، مما لا تتعلق به إرادة التلفظ، وإن كان ذلك اللفظ أو جزء منه بحسب تلك اللغة، أو لغة أخرى أو بإرادة أخرى- يصلح لأن يدل به عليه فلا يقال له: إنه دال عليه-

ص139

 

أو لا يراد"(8). ولذلك قد يقال أن جزء "عبد الله" يحمل دلالة في نفسه ولكن ليست دلالة مقصودة يقول ابن سينا موضحاً ذلك: "إذا لم يرد باللفظ دلالة لم يكن دالاً. لأن معنى قولنا: "لفظ دال" هو أنه يراد به الدلالة لا أن له نفسه حقاً من الدلالة"(9). والواقع اللغوي يؤكد على أهمية التحقق من بنية الكلمة لرصد دلالتها وضرورة الوقوف على قصد المتكلم من الصيغ المتشابهة، خاصّة ما يشكل عالمه الدلالي وهو مرمى مستحيل التحقيق، لأن اللغة وجدت للمحاورة والمشاركة لوجود المجاورة كما قال ابن سينا ولو احتفظ كل إنسان بعالمه الدلالي لما احتجنا إلى اللغة، فالتواصل والإبلاغ يقتضي أن يكون قدر من الاشتراك في سنن اللغة بين جمهور المتكلمين من أهلها لأنها ثمرة لتواضع بينهم، ولذلك نجد من يعترض على تعريف ابن سينا للفظ المفرد، وما سبب ذلك إلا سوء في الفهم وقلة الاعتبار لما ينبغي أن يفهم ويعتبر(10). وقد شرح العالم الأمريكي هياكوا (S.J.Hayakwa) كيف تحمل الكلمات المعاني الإيحائية التي لها إسقاطات نفسية تخص المتكلم وقد لا يتنبه المتلقي لها وميّز بين نوعين من المعنى: المعنى التصريحي (Sens intentionnel) والمعنى الثانوي أو الإيحائي (Sens extensionnel) أو كما سمى ذلك غرينيبزغ (J.H.Greeberg) المعنى الداخلي مقابل المعنى الخارجي وقد "علّق الشارح على التعديل الذي أدْخله ابن سينا على تعريفه الأول للفظ المفرد بقوله قد: "زاد في الرسم القديم ذكر (الإرادة) تنبيهاً على أن المرجع في دلالة اللفظ هو إرادة المتلفظ"(11).

ويورد ابن سينا تفريعاً آخر للفظ الدال بحسب ما يغطيه من الدوال الفرعية فكأنه لكسيم رئيسي يشرف على حقل من الألفاظ، قد يضم هذا الحقل دالاً واحداً لا غير وهنا يحصل التطابق التام بين اللفظ الأعم وما يضمه، يسمي ابن سينا ذلك النوع من الألفاظ:

بالخاص المطلق، يقول في ذلك: "إعلم أن أصناف الدال على ما هو من غير تغيير العرف (وفي نسخة "مفهوم العرف") ثلاثة:

أحدها: بالخصوصية المطلقة مثل دالة الحد على ماهية الاسم مثل دلالة

ص140

 

الحيوان الناطق على الإنسان"(12). فالمثال الذي قدمه ابن سينا يخصّ الحدود والتعاريف وينسحب على الوحدات المعجمية، كما تقوم به نظرية الحقول الدلالية فالتعريف: "الحيوان الناطق" يعد لكسيما رئيسياً يغطي أو يتضمن الدلالة على ماهية لفظ الإنسان. معنى ذلك أن النوع يشتمل على الجنس من حيث المفهوم، لأن النوع يحتوي صفات الجنس كلها مضافاً إليها الفصول النوعية في حين يكون الجنس أشمل من النوع من حيث الماصدق كما يقول المناطقة(13).

أما النوع الثاني من الألفاظ فهي تلك التي تغطي ألفاظاً فرعية غير متجانسة، وهي ذات حقل من الأفراد تشترك في أن اللفظ العام يتحقق فيها مفهومه الذهني، يقول ابن سينا موضحاً ذلك: "والثاني: بالشركة المطلقة مثل ما يجب أن يقال حين يسأل عن جماعة مختلفة فيها مثلاً: فرس وثور وإنسان: ماهي؟ وهناك لا يجب ولا يحسن إلا الحيوان"(14).

إن تحديد العلاقات التقابلية داخل الحقل المعجمي بناء على معجم المفاهيم، يوضح مجالات الاستعمال أكثر مما يوضحه المعجم التقليدي، ويسمح ذلك بمعرفة أن هذا اللفظ يدرس ضمن مجموعة مترابطة مع ألفاظ أخرى لأنها تنتمي إلى حقل مفهومي مشترك.

أما النوع الثالث من أنواع اللفظ المفرد، فيقيم على أساسه ابن سينا حقلاً أوسع مما خص به النوعين الأوليين، وذلك لأن هذا النوع يحمل سمات الخصوصية المطلقة والشركة وهما صفتا النوعين السابقين. يقول ابن سينا في تحديد هذا النوع من اللفظ المفرد: "وأما الثالث فهو ما يكون بشركة وخصوصية معاً، مثل ما إنّه إذا سئل عن جماعة هم: زيد وعمرو وخالد، ماهم؟ كان الذي يصلح أن يجاب به على الشرط المذكور أنّهم أناس"(15). ومن ضمن العلاقات التي حددها علماء الدلالة داخل الحقل المعجمي، علاقة الجزء بالكل، ذلك أن مجموع السمات التي يحملها الكل تنطبق على جزئياته ولا يمكن أن تخصّ جزءاً واحداً فقط، ويشرح المناطقة هذه العلاقة بكون الكل يضم تحته أجزاء لا جزئيات وهذه الأجزاء مجتمعة في هيئتها التركيبية يطلق عليها اسم الكل ولا يصح إطلاق

ص141

 

الكل على جزء من أجزائه(16) فلفظ "أناس" لفظ كلّ يضم تحته أجزاء من الألفاظ، لا يطلق عليها إلا وهي مجتمعة لا مفردة.

وعلى أساس هذه الأصناف الثلاثة للفظ المفرد يمكن بناء العلاقات الدلالية بين جملة الحقول التي يؤسسها وبين الدلالة التي يحملها. فالنوع الأول يشير إلى علاقة المطابقة بين الإنسان والحيوان الناطق، أما النوع الثاني والثالث فهو يحقق علاقة التضمن، وما هو حريّ بالملاحظة في هذا المقام هو أن ابن سينا يسعى إلى وضع قواعد كلية تنتظم الألفاظ، وهذا هو "دأب المناطقة، بل إنه لينادي بأن تكون تلك القواعد عامّة لجميع اللغات ينتفع بها كل الأقوام خاصة فيما تعلق بالجانب الدلالي الذي يسعى المنطقي إلى تحقيقه بضبطه للألفاظ في حالتها الإفرادية والتركيبية يقول ابن سينا: "يلزم المنطقي أيضاً أن يراعي جانب اللفظ المطلق من حيث ذلك غير مقيد بلغة قوم دون قوم. إلا فيما يقل"(17). فابن سينا بخبرته في التحليل يدرك أن بين اللغات قدراً من الاشتراك وتبقى كل لغة تتميّز بخصوصيتها الموفورلوجية، والفونولوجية بحيث تتفاوت في ذلك اللغات، وتختلف.

ب-أقسام الدلالة: إنّ تعيين العلاقة بين اللفظ والمعنى، تناوله ابن سينا من جوانب ثلاثة: -دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الإلتزام، فإذا كان الانتقال بواسطة العقل من الدال إلى مدلوله، لعلمه بعلاقة الوضع وأنّه كلّما تحقق مسموع اسم ارتسم في الخيال مدلوله، فإن الدلالة عندئذ دلالة وضعية تمنع من وقوع الالتباس بين الدلالات الثلاث. لأنّه قد يطلق اللفظ ولا يعني به مدلوله المطابق له كما إذا أطلقنا لفظ "الشمس" وعنينا به "الجرم" كانت الدلالة بينهما مطابقة وإذا عنينا به "الضوء" كانت العلاقة بينهما تضمن".

ولكن بتدخل الوضع وتوسط العرف الأصلي يمنع انتقاض الدلالات بعضها ببعض يورد ابن سينا أمثلة يوضح فيها كل قسم من أقسام الدلالة الثلاث فدلالة المطابقة هي التطابق الحاصل بين اللفظ وما يدل عليه كالإنسان فإنه يدل على الحيوان الناطق، أمّا دلالة التضمن فهو ما يتضمنه اللفظ من معان جزئية تدخل في ماهيته كقولهم الإنسان فإنه يتضمن الحيوان. أما دلالة الالتزام فهي تحتاج إلى أمر خارجي لعقد الصلة بين الدال ولازمه، فقولنا الأب يلتزم الابن يقول ابن سينا معرفاً ذلك: "أصناف دلالة اللفظ على المعنى ثلاثة:

ص142

 

دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام"(18). وهي دلالات تجمع الأنساق كلّها. ويشرح علاقة الالتزام فيقول: "ودلالة الالتزام مثل دلالة المخلوق على الخلق والأب على الابن والسقف على الحائط والإنسان على الضاحك، وذلك أن يدل أولاً دلالة المطابقة على المعنى الذي يدّل عليه أولاً، ويكون ذلك المعنى يصحبه معنى آخر، فينتقل الذهن أيضاً إلى ذلك المعنى الثاني الذي يوافق المعنى الأول ويصحبه. وتشترك دلالة المطابقة ودلالة التضمن في أن كل منها ليس دلالة على أمر خارج عن الشيء"(19). وينصّ ابن سينا هاهنا على أمر مهم يخصّ العلاقة بين دلالة المطابقة ودلالة الالتزام إذ الوصول إلى دلالة اللفظ على معناه بطريق الالتزام يمرّ عبر إجراء دلالة المطابقة بين اللفظ وما يطابقه من مدلولات بتوسط الذهن الذي ينجز هاتين المرحلتين (بشكل سريع جداً) فدلالة الأب على الابن دلالة التزام ولكن هذه الدلالة لم تنعقد حتى وجد العقل أن بين الأب ومدلوله (أنه والد له أبناء) هناك علاقة مطابقة، ثمّ تختلف دلالة الالتزام عن دلالتي التضمن والمطابقة في أنها تستدعي مدلولاً خارجاً عن اللفظ، أما دلالتا التضمن والمطابقة فإنهما تستدعيان مدلولهما من لفظيهما. لأن دلالة اللفظ على كل أجزائه هي دلالة مطابقة، أما علاقته بجزء من هذه الأجزاء فهي علاقة تضمن، ولذلك نجد ابن سينا في حصره للعلاقة القائمة نظرياً بين اللفظ والمعنى لا يقيّدها فيقول في ذلك: "ولأن بين اللفظ والمعنى علاقة ما"(20). ثم لتعيين العلاقة بين الدال والدلول يستدعي إدراك العلاقة بين المدلول والشيء الخارجي وذلك ما أشارت إليه المباحث اللسانية الحديثة التي أكدت أنْ لا علاقة مباشرة بين الدال والمدلول وإنما العلاقة الحقيقية هي بين الرمز اللغوي ومحتواه الذهني (concept)، إلا أن وعي الإنسان اعتاد على ربط الدال بالشيء الخارجي ربطاً مباشراً دون وعي بالمحتوى الذهني في العلاقة الدلالية بين الدال والمدلول، ولذلك يرى ابن سينا أن العلاقة الدلالية تنعقد بين المعنى (المدلول) والشيء في العالم الخارجي تأكيداً أن لا علاقة مباشرة بين الدال والمدلول يقول موضحاً ذلك: "فما يخرج بالصوت يدل على ما في النفس وهي التي تسمى آثاراً والتي في النفس تدل على الأمور وهي التي تسمى معاني"(21). ويمكن توضيح ذلك بالمثلث التالي:

ص143

 

ما في النفس (المحتوى الذهني)

 

 
 

 

 

 

الأمور الخارجية (المعاني)                       الصوت (الرمز اللغوي)

ولا تكفينا المقارنة لنقارب مثلث ابن سينا الدلالي بمثلث ريشتاردز وأوجدن، بل إن ابن سينا كان أعمق في إدراك جوهر الدلالة من المحدثين، فسمى الرمز اللغوي (صوتاً) وذلك إشارة كذلك إلى الرمز غير اللغوي، فما كل صوت، لفظ لغوي، ثم سمّى ما في النفس آثاراً وذلك لأنّ ارتسام صورة الرمز في النفس يشكل آثاراً تتحول إلى تراكمات للمعاني الذهنية في الذاكرة فكلما تحقق مسموع صوت ارتسمت في الخيال صورته.

إنّ أهمية مباحث ابن سينا في الدلالة لا تكمن في عمق تصورّها لجوهر الفعل الدلالي فحسب، وإنما في بعدها الشمولي للسان البشري، وهو هدف يعكف عليه علماء الدلالة المحدثين وعلى رأسهم (نوام تشومسكي) في بحثه عن القواسم المشتركة بين اللغات يحاول وضع قواعد أو نحو كلي (Universal Grammar) ينتظم اللسان البشري. إن ما يجمع بين اللغات هو اشتراكها في التصورات الذهنية اشتراكاً عاماً أما ما يفرقها فهي الأنساق الدلالية وكيفية تحقيقها في واقع اللغة، مع أنّ العالم الدلالي واحد في كل اللغات، يعني ذلك حسب تشومسكي- أن البنية العميقة مشتركة بين جميع اللغات أما الاختلاف فيكمن في البنية السطحية، ودليله في ذلك أن الطفل في طور تعرّفه الأول على الأشياء المحيطة به تتحكم في منطقه البنية العميقة أو الكفاية اللغوية وهذا ما يفسّر اشتراك الأطفال من مختلف الأجناس في ترميزهم للمدلولات في العالم الخارجي، والتعبير عن أحوالهم السيكولوجية يقول ابن سينا شارحاً ذلك: "وأمّا دلالة ما في النفس على الأمور فدلالة طبيعية لا يختلف الدال ولا المدلول عليه، كما في الدلالة بين اللفظ والأثر النفساني، فإن المدلول عليه وإن كان غير مختلف، فإن الدال مختلف ولا كما في الدلالة بين اللفظ والكتابة، فإن الدال والمدلول عليه جميعاً قد يختلفان"(22). ثم إن الصورة السمعية (Image acoustique)هي التي تعكس مفهوم المدلول في النفس فيكون المعنى، ويرتسم في الذهن، ضمن الذاكرة اللغوية ارتباط اللفظ بمعناه، فكلما تمّ ارتسام مسموع الاسم في الخيال توارد

ص144

 

إلى النفس معناه، وذلك تأكيد على ما سجلناه عند ابن سينا من أن العلاقة الحقيقية الدلالية هي بين الدال والصورة والذهنية يقول ابن سينا مبرزاً ذلك: "فمعنى دلالة اللفظ أن يكون إذا ارتسم في الخيال مسموع اسم، ارتسم في النفس معنى، فتعرف النفس أن هذا المسموع لهذا المفهوم، فكلما أورده الحس على النفس التفتت إلى معناه"(23).

ج-العملية الدلالية: يشير ابن سينا، في رصده لآليات الفعل الدلالي، إلى تلك القدرة التي أوتيها الإنسان المتكلم، بحيث مكنته من نقل المفاهيم التي التقطها من العالم الخارجي إلى نفسه وقد انتقل معها من الحس إلى التجريد ويطالعنا في هذا الموضوع الدرس الدلالي بأبحاث مستفيضة حول معاينة وجود العوالم الدلالية، ومن ضمن المواضع التي أظهرها العلماء مواضع أربع وهي: الأفكار و الأحداث و الأوضاع و المفاهيم. (ففريجه) Frege ذهب إلى أن تموضع العوالم الدلالية هو عالم المفاهيم لأنها الوسيط الذي يربط الأفكار والأحداث والأوضاع: الأذهان تمسك بالمفاهيم والكلمات تعبّر عنها والأشياء يحال عليها بواسطتها"(24). فأين يرى ابن سينا تموضع العوالم الدلالية؟ يقول في ذلك: "إن الإنسان قد أوتي قوة حسية ترتسم فيها صور الأمور الخارجية وتتأدى عنها إلى النفس فترتسم فيها ارتساماً ثانياً ثابتاً، وإن غاب عن الحس. فللأمور وجود في الأعيان ووجود في النفس يكوّن آثاراً في النفس. ولمّا كانت الطبيعة الإنسانية محتاجة إلى المحاورة لاضطرارها إلى المشاركة والمجاورة انبعثت إلى اختراع شيء يتوصل به إلى ذلك () فمالت الطبيعة إلى استعمال الصوت ووفقت من عند الخالق بآلات تقطيع الحروف وتركيبها معاً، ليدل بها على ما في النفس من أثر. ثم وقع اضطرار ثان إلى إعلام الغائبين من الموجودين في الزمان أو من المستقبلين إعلاماً بتدوين ما علم فاحتيج إلى ضرب آخر من الإعلام غير النطق، فاخترعت أشكال الكتابة"(25). إن هذا النص يحمل دلالة علمية عميقة، يقف فيه ابن سينا على تاريخ وجود الدلالة وأشكالها المقولية صوتاً وكتابة.. فقد جعل الإنسان ذاته، مستودع للبنيات الدلالية التي عكست صوراً من العالم الخارجي إلى النفس، ولكنها ليست نفس الصور وإنّما أخذَت شكلاً ثانياً ليس هو شكلها الأوّل ولكنّه شكل ثابت لا يتغيّر من هنا تنسج العمليات الدلالية بحسب ابن سينا- حيث

ص145

 

تأخذ الطابع التجريدي البحث في غياب صور عالم الأعيان. وتحتاج عندئذ لأنماط مقولية بعد المواضعة عليها وهنا يشير ابن سينا إلى الطابع الاجتماعي للغة فلولا الحاجة الاجتماعية للمحاورة التي اقتضاها المجتمع البشري لاستغنى عن اللغة، فاللغة حاملة للقيم الاجتماعية وهي وعاء لكلّ ما يبقي الصلات الاجتماعية راسخة. ولكن ابن سينا يميل إلى القول بأن اللغة إلهام من عند الله تعالى الذي وهب الإنسان (آلات) لإنتاج تقاطيع صوتية اصطلح عليها، وحمّلها مدلولات متعلقة بها، وكان الصوت اللغوي يقوم بالعملية الدلالية، التي هي جوهر فعل الإبلاغ والتواصل، في حيّز زماني ومكان ضيّق، ولما احتاج الإنسان إلى نقل معارفه إلى الغائبين من الموجودين، أو ما كان في حكمهم من الآتين مستقبلاً، كانت الكتابة شكلاً متطوراً. وقد ميّز في الدرس اللساني الحديث العالم اللغوي (رومان جاكسون) بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة وفي إطار ذلك قابل بين الصوت والحرف، والمستمع والقارئ ووقف على فعالية الكلام وفعالية الكتابة وخلص إلى أن الكتابة ستبقى الأداة الأكثر فعالية في الخطاب التواصلي والإبلاغي كونها تضمن له استمرارية كبرى ومنفذاً إلى المتلقين مهما تباعد المكان والزمان. وأن الكتابة تفضل الكلام المنطوق، في أن المستمع بعد أن يقوم بتركيب ثان لسلسلة الكلام المنطوق قد يحصل له بعض المعنى لأنه ستكون عندئذ عناصر الكلام قد تلاشت(26).

ويكون ابن سينا بما أوتي من سبر عميق لبنية اللغة، وتحليل علمي لفعاليات الدلالة قد وضع أسس نظرية لغوية ذات رؤية متميزة في التراث العربي، ظهر فيها بوضوح أهمية العامل النفسي والذهني في تقديم التفسيرات الكافية للفعل الدلالي الموصوف بالتعقيد، وإنّ الذي أعان الشيخ الرئيس في استنباط تلك القواعد، التي تنتظم العالم الدلالي، هو امتلاكه للمنهج المنطقي القائم على الاستدلال والتعليل الذي يسوّغ رسم الأصول بأكبر قدر من التفصيل والتدقيق، وقد كان للبحث الدلالي الحظ الأوفر في أنه تُنُوّل ضمن اهتمامات لغوية أخرى اتخذت الموضوع الدلالي كمنفذ أساسي لبسط مصنفاتها خاصة تلك العلوم التي ورثت منهجاً علمياً في غاية الدقة كعلم المنطق، الذي اشتغل به ابن سينا، وكان يهدف معه إلى وضع قوانين المعنى بكشف أسراره وإيضاح أنماطه وتمظهراته في الواقع اللغوي وذلك حتى يغدو أداة عاصمة من الوقوع في اللحن بإحداث اضطراب في سنن النظام اللغوي، ويتماشى مع علم المنطق الذي يسعى أهله من العلماء إلى تبيّن معالمه ليَعصِم من الوقوع في الزلل والغلط.

ص146

_______________________

([1]) د.فايز الداية، علم الدلالة العربي ص13.

(2) انظر مبحث: مفاهيم الدلالة عند الفارابي- الفصل الأول: ماهية علم الدلالة كما عرفها الأقدمون، ص16.

(3) منطق المشرقيين   ص31.

(4) انظر الفصل: التعيين (denotation) من كتابه (Element de semantique) وانظر مقال التعيين والتضمين في علم الدلالة الدكتور جوزيف شاريم عدد 18/17 سنة 1982 مجلة الفكر العربي المعاصر.

(5) منطق المشرقيين ص32.

(6) انظر. فصل "التعيين" في كتابه: (Element desemantique) ص85.

(7) ص 192 (الإشارات والتنبيهات).

(8) الصفحة نفسها. والمصدر نفسه.

(9) منطق المشرقيين، ص32.

(0[1]) انظر تعليق الشارح: من كتاب الإشارات والتنبيهات، ج1، ص192.

(1[1]) الإشارات والتنبيهات، ج1، ص193.

(2[1]) المصدر السابق، ج1، ص244.

(3[1]) انظر الهامش في كتاب: علم الدلالة ص99. أحمد مختار عمر.

(4[1]) انظر المرجع السابق، ص111.

(5[1]) الإشارات والتنبيهات ج1، ص227.

(6[1]) ضوابط المعرفة ص32. حسن حبنكة الميداني.

(7[1]) الإشارات والتنبيهات ج1، ص181.

(8[1]) منطق المشرقيين ص37.

(9[1]) الإشارات والتنبيهات ج1، ص189.

(20) الإشارات والتنبيهات ج1، ص189.

(21) العبارة من الشفاء، ص2-4.

(22) المصدر السابق، ص5.

(23) المصدر نفسه، ص4.

(24) اللسانيات واللغة العربية ص381. د.عبد القادر الفاسي الفهري.

(25) الشفاء (العبارة)، ص6.

(26) P.101-102 Essais de linguistique generale




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.