أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-6-2017
2840
التاريخ: 18/12/2022
1592
التاريخ: 2-2-2017
2289
التاريخ: 18-8-2021
2564
|
برزت على طول التاريخ نماذج من النساء الرائدات اللاتي استطعن ان يعطين صوراً مشرقة عن المرأة المثالية في دنيا الوجود، ويؤكدن وجودهن وتجربتهن الرائدة والمعبرة عن مواقع القوة الايمانية الانسانية والصفة الاخلاقية في التحديث بكلمات الله وفي كتبه، وفي القنوت الخاشع لله تعالى، والقدرة على التحدي والنيات والابداع في مختلف المجالات العامة والخاصة. وقد حدَّثنا القرآن الكريم عن بعض النماذج القرآنية من النساء كآسيا بنت مزاحم ومريم بنت عمران وفاطمة الزهراء (عليها السلام) ـ وهناك بعض من الشخصيات التاريخية الاسلامية التي يُفتخر بها كفاطمة بنت اسد ام امير المؤمنين (عليه السلام) والحوراء زينب (عليها السلام) وام البنين وغيرهنَّ من النساء اللاتي جسَّدن التفوق في مجتمعهن في ما يملكنه من قدرات ومواهب ومواقف قوية على صعيد الايمان والاخلاق والتضحية والفداء والعفة والطهارة بأرقى مستوياتها.
ولنبدأ ببعض النماذج القرآنية، فقد ذكر القرآن الكريم آسيا بنت مزاحم امرأة فرعون، إذ قالت: ربِّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين.
فقد آمنت هذه المرأة الصالحة بنبي الله, وتحدَّت إغراءات السلطة وضغوط الطاغية زوجها في سبيل الله رغم تضافر العوامل المادية التي يعتبرها بعض الناس من الحتميات ، حيث كان فرعون زوجَها ، وكانت في الوقت ذاته من رعاياه ، وكانت تنتمي الى بني إسرائيل الطبقة المستضعفة والمعدمة ، بينما كان فرعون قائد المستكبرين والمترفين ، وكانت مصالحها المادية مؤمّنة عند فرعون ـ فما الذي جعلها تتحداه وتواجه جبروته وسلطانه ؟ إنه الإيمان الذي جعلها تتحدى كل الظروف لتكون مثلاً رفيعاً يقتدي به المؤمنون عبر التاريخ وجبلاً أشم لا يتأثر بالإغراء أو التضليل أو الخداع أو لإرهاب .
وفي الآية إشارتان لطبقتين :
الأولى : ان اعظم سبب للانحراف كانت تواجهه آسيا هو غرور السلطان والملك ، فقد كانت زوجة لأعظم الملوك الذين عرفهم تاريخ البشرية ، إلا أنها انتصرت على قمة تحدي الدنيا للإنسان بالرغبة في نعيم الآخرة الذي يتصاغر أمامه كل نعيم ، حتى جاء في الأخبار أنها كانت ترى قصورها في الجنة وهي موتَّدة تُصبّ عليها ألوان التعذيب.
الثانية: ان هذه المرأة الشريفة، لم يحالفها الحظ في الزوج الذي ترغب به أمثالها من المؤمنات، فطلبت من الله ان تصير الى نعم بيت الزوجة ، وكان طلب البيت بمثابة طلب مَن فيه ، وماذا يطيب من البيت للمرأة من دون زوج كريم ؟ وإذا ما كان دعاؤها بهذا المعنى ، فلماذا لم يصرِّح به القرآن الكريم ؟ لعل ذلك لأن الآداب الاجتماعية عند العرب ما كانت تستسيغ للمرأة العفيفة ان تطلب زوجاً .
أما النموذج الآخر ، فهي مريم بنت عمران ، فقد تحدث القرآن عنها وجعلها مثلاً للمؤمنين ، فقد أحصنت فرجها (عليها السلام) كناية عن طهارتها مما رماها به اليهود من البغاء والفجور رغم انحراف بني إسرائيل بعد موسى وشيوع الفاحشة بينهم ، إذ تحدّت الانحراف فحافظت على عفتها وطهارتها .
ولا ريب ان الأرحام المحصنة والفروج العفيفة والحجور الطيبة الطاهرة ستكون منطلق الأجيال وموضع تجلي روح الله تعالى .
وهكذا برزت عظمة مريم في تصديقها بكلمات الله وكتبه ، ولعل كلمات الله هي أنبياؤه كعيسى بن مريم ، لأن الأنبياء لسانه في خلقه وينطقون بوحيه وكلماته، أو هي البصائر الإلهية البارزة التي من الصعب التصديق بها. اما الكتب فهي الرسالات، ولقد جعلت مريم نفسها مصداقاً للحق الذي جاء به الأنبياء، وانطوت عليه كتب الله. ولذا اصطفاها الله على نساء عصرها وصانها من الدنس بفضله حتى امتلأت روحها بكلمة الله قبل ان تأتيها كلمة الله وامتلأ عقلها بحب الله وبكتاب الله قبل أن ينزل على ابنها كتاب الله ، وكانت من القانتين .
وتجربتها الحيّة تجربة الإنسانة التي جعلها الله مظهر قدرة مميّزة لا تعرف البشرية في كل تاريخها مثالاً لها ، وقد وقفت موقفاً جريئاً وشجاعاً عندما أتت الى قومها تحمل ولدها دون ان تسقط أو تهتز أو تضعف ، فأشارت أليه بكل عظمة الرافض لكل هذه الكلمات ، المطمئن بأن كل كلماتهم اللامسؤولية ستتساقط أمام قوتها وعظمتها .
إنها المثل الحي للإنسان الذي يقف بقوّة براءته وطهارته وواقعيته ليواجه الموقف المضاد بكل ثقة بعد ان يكون قد استعد للإجابة على كل سؤال واستعد للتحرك في كل موقع يحتاج الى الحركة .
وهذه الآيات القرآنية تعطينا حقيقة رئيسية هي ان الأنسان قادر على الاستقلال بإرادته وقراره وعمله مهما كانت الظروف مساعدة أو معاكسة لما يختاره لنفسه .
فالكفر والإيمان يبدأان من داخل الإنسان وليس من الظروف والعوامل المحيطة، ولا شك ان هذه الآيات بما ضربته من الأمثال تنسف الفلسفات الضالة القائمة على اساس الإيمان بما يسمَّى حتميات اقتصادية أو اجتماعية أو وراثية فيما يتصل بقرار الإيمان والكفر في حياة الإنسان ، فهذه آسيا بنت مزاحم ومريم بنت عمران تحدَّتا الظروف والضغوط وآمنتا بالله بينما كفرت زوجة نوح ولوط رغم العوامل الإيجابية والمساعدة على الإيمان. وإذا كانت هذه البصيرة صادقة في المرأة فإن صدقها بالنسبة الى الرجل أوضح وأجلى .
أما النموذج الآخر ، فهي فاطمة الزهراء ، سيدة نساء العالمين في الأولين والآخرين ، بنت الرسول الأعظم وزوجة الوصي الأكرم علي بن أبي طالب (عليه السلام )...
فقد كانت القدوة من خلال تنوع الأبعاد عندما كانت زوجة وأماً، وهي الإنسانة المسلمة التي عاشت الإسلام كلّه، المتفجرة من روح أبيها (صلى الله عليه واله وسلم) فكراً وعاطفةً وسلوكاً.
فقد كان النبي يرعاها وينميها بأخلاقه الرسولية وروحه الصافية النقية ، في آفاق السحر الروحي المنفتح على الوحي الذي اختزنته في عقلها وقلبها وروحها ، وهي العظيمة في كلِّ مراحل حياتها والكبيرة في كل شؤونها، وقد قطعت شوطاً كبيراً، من حين ولادتها ، نحو الله (عز وجل).
وهكذا حملت الزهراءُ الشخصيةَ المثاليةَ بكلِّ معانيها ، الأمر الذي جعل هذه المعاني ومنها الطُّهر والصفاة تجد طريقها الى الكثير من النساء المسلمات ، وبالذات الى السيدة الجليلة أسماء بنت عميس ، فقد تعلقت بها حتى إنها آثرتها على أولادها وبيتها ، فكانت تلازم البيت النبوي الطاهر وتقوم بخدمته.
وهكذا فإن معالم شخصيتها انطبعت وظهرت آثارها واضحة في سلوك العظيمات أمثال أسماء وأم سلمة وغيرهن. وكلّما كان واقع الزهراء يكبر وتظهر معالم شخصيتها كانت آثارها تجد طريقها في سلوك المؤمنات. وهذا شيء طبيعي ، إذ إن الشخصية الفذَّة تؤثر بشكل كبير في النفوس الطيبة. وهناك الكثير ممن يحمل نفوساً طيبة وقلوباً طاهرة.
علماً بأن الزهراء (عليها السلام) غرست في أرض طيبة، فحملت فضائل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ومكارم السيدة خديجة (عليه السلام), فأضحى طيب الزهراء لا نهاية له.
وقد ضرب الله (عز وجل) مثلا لهذا الاصل والفرع فقال (جل جلاله):
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[إبراهيم:24 ، 25].
فكون الاصل ثابتاً يعني ان الفرع يشق عنان السماء وأكله دائم.
وقد ورد في تفسير هذه الآية المباركة عن ابن عقدة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
(ان الشجرة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، وفرعها عليٌّ وعنصر الشجرة فاطمة وثمرتها أولادها وأغصانها وأوراقها شيعتنا (شيعتها).
وهكذا الأصالة كانت عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، فصارت اصلا أصيلاً ونسخة ثانية عن ابيها العظيم (صلى الله عليه واله وسلم)، ومن يتقمص الشخصية العظيمة مثل الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، لاشك انه عظيم وهائل في إمكانياته المعنوية، فشخصية الرسول الاعظم لا نهاية لعظمتها ، بدليل قول الله (عز وجل): {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
فالعظمة والشموخ تتجلى في شخصية الزهراء بكل إشراقاتها ومعانيها ولا نبالغ حينما نقول : إن معاني العظمة والسمو والجلال والشموخ تظهر بجلاء عندما نقرأ حياتها المباركة ونغوص في مواقفها المشرفة ، كما ان العظمة والشموخ تأخذ معانيها الصحيحة عندما تلتصق وتلازم حياتها، لأنها تتصل بالأصل الثابت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم). وهكذا نأخذ المعاني الصحيحة للكرم والايثار والبطولة والشهامة، وفوق كل ذلك الايمان والاستقامة.
اما مواقفها (عليها السلام) فكانت كما هو واضح تصب في مجرى تثبيت الولاية لأمير المؤمنين، وقد قامة بخطوات جبارة لا تقل اهمية عن موقف ابيها العظيم (صلى الله عليه واله وسلم)، كما خطّت لنفسها منهجاً دلَّ على حكمتها العالية وخطتها الثابتة وبُعد نظرها العميق. وفي ذلك دليل ثابت على عصمتها (سلام الله عليها).
هذا جانب من جوانبها المشرقة التي تتلألأ في سماء الوجود. اما جوانبها الاخرى وحياتها التفصيلية والحياة الزوجية فلا يتسع المقام بنا للتحدث عنها في هذه العجالة.
اما النموذج الثالث فهو سيد النماذج على مستوى القران والتأريخ الاسلامي ومنعطف مهم جداً لحياة المرأة المؤمنة حينما تجعل من الزهراء قدوة لها في كل افعالها وحركاتها وسكناتها على مستوى الدنيا والاخرة.
ومن النماذج الاخرى من سيدات العالم فاطمة بنت اسد ام امير المؤمنين (عليه السلام) فاطمة اول هاشمية يتزوجها هاشمي ومن العظيمات الراقيات المكانة، وهي من بنات اسد الفضليات ومن طلائع النساء المؤمنات المهاجرات مع النبي (صلى الله عليه واله وسلم).انتقلت فاطمة بنت أسد من معدن أصيل الى معدن مكافئ له في الأصالة والشرف والعز والإباء والكرامة، فوقفت تشد من أزر ابن عمها بكل ولاء وإخلاص وتضحية في كل مجريات حياتها ، والمجتمع آنذاك مجتمع جاهلي أهوج لا يعرف الحق ولا يهتدي الى النور بل شعاره الوأد للبنات والتفاخر بالغلظة والقسوة والتمسك بالعصبية المقيتة .
كانت تتحلى بأعظم الصفات والكمالات الروحية التي تميزها من غيرها بالفضل والسمو ، ومن
سيدات عصرها في عفتها وطهارتها وسمو ذاتها ومن السابقات الى اعتناق الإسلام ، وعابدة الله متمسكة بدين جدها إبراهيم الخليل ما يدل على إيمانها العميق بالله وحده ونبذها لأوثان الجاهلية وأصنامها .
ومن كمالاتها الروحية زواجها من ابن عمها ابي طالب وهو رجل فقير مادياً غني بسموه ورفعته ومكارمه ، راضية بالكفاف من العيش معه ، قائمة بشؤون بيتها أحسن قيام ، وكانت خير معين له في تلك الفترة العصيبة ، إذ أولت رضوان الله عليها النصيب الأوفر من الرعاية للرسول دون اولادها ، فكانت واضحة في جميع خصوصياته منذ صغره بل في جميع مراحل حياته من المأكل والملبس والمكانة وكل مقومات الشخصية التي تؤهله للقيام بالدور الذي ينتظره كنبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) لهذه الأمة ومصلح لها ومنقذ لأهلها من براثن الكفر والألحاد ، وكانت فاطمة تولي هذه الاهميةَ الكبيرةَ ، عن يقين راسخ لما سيكون لهذه الشخصية من شأن عظيم .
وفي الوقت ذاته كانت على جانب كبير من الإيمان الراسخ الضارب في عمق التاريخ متصلة بتلك السلسلة الطاهرة والوعاء الطاهر لولي الله امير المؤمنين والامتداد الطبيعي لرسالة النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم).
وقد كان لهذه المرأة الذكية دور في تدعيم أسس التوحيد وتقوية مبادئه وتسهيل الصعاب التي تلاقي زوجها وابن أخيه في تثبيت أركان الدين الحنيف ، وكان الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) يناديها :(أمي) لما مارسته من دور في حياتها الاجتماعية ، سواء أكان ذلك قبل الدعوة أم بعدها ، فكانت المرأة المثالية المضحية التي وقفت الى جانب زوجها وشاركته خشونة العيش ومكاره الدهر لقلة ذات يده، إضافة الى احتضانها واهتمامها بيتيم الدعوة الإسلامية النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وتفاعلها معه بروحية عالية لا مثيل لها .
وأما بعد الدعوة ، فقد وقفت فاطمة بنت أسد موقفاً مشرفاً الى جانب زوجها أبي طالب ، تقوي عضده وتشدُّ أزره في الدفاع عن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) والرسالة ، فتحمَّلوا سوية أعتى مهاجمات جبابرة قريش القَوليَّة ، والفعلية ؛وحصارُ شِعب أبي طالب خير دليل على ذلك الفعل المشين ، والإثم ، حتى وصل بهم الحال الى ان يقتاتوا ورق الشجر والتوت البسيط .
وكان أبو طالب يدعوها: يا سيدة النساء، لأنها لم تسجد لصنم قط ، وأبقت الإيمان محَّصناً مع أولئك النساء اللاتي بايعن النبي وهاجرن معه.
لقد حبا الله (عز وجل) تلك المرأة المؤمنة الجليلة والهاشمية النبيلة كرامات كثيرة كانت أولاها دخولها الى البيت الحرام حين وضعت وليدها المبارك الميمون عليّاً (عليه السلام).
ومن هذه الكرامات أنها باب للحوائج حينما يندبها النادب ويتوسل الى الله تعالى بها. وقد لمس أكثر المؤمنين تلك الكرامة حتى أصبحت من المجرَّبات، ويكفيها إضافة الى ما قلنا فيها أنها علم للإيمان على مدى الزمان.
ومن نماذج سيدات العالم السيدة خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها.
هذه المرأة العظيمة ، يكفيها فخراً وشرفاً إشادة الرسول الاعظم بها، إذ كثيراً ما كان يذكرها بخير، فقد قلدها أوسمة كانت كلُّها عظيمة وفريدة من نوعها، تنبئ بالمكانة العظيمة التي كانت لها عند الرسول، بعد أن قدمت الكثير إبان بزوغ الاسلام، حيث كانت تصدِّق الرسول الاعظم في كل خطوة يقدم عليها، هذا الامر الذي نكص عنه الكثير. وكما هو ثابت في التاريخ، فإن هناك اثنين فقط كانا مع رسول الله في بداية الدعوة الامام أمير المؤمنين والسيدة خديجة، وهما اول من صلى مع رسول الله، ثم التحق بهم الشهيد جعفر الطيار بعد ان امره ابوه ابو طالب مؤمن قريش.
كانت السيدة خديجة السِّرَّ المكنون الذي اكتشفه رسول الله، فأفاض على الحياة الانسانية معاني كبيرة وسامية، وأثرى حياة الإسلام بمفردات غنية بالمضامين العالية ، نذكر منها قوة إيمانها بالرسول الأعظم وصدقها اللامتناهي بعقيدته .
يذكر التاريخ أنه عندما بُشِّر الرسول الأعظم بالإسلام جاء الى السيدة الكبيرة وبشَّرها بما نزل عليه ، فبادرت وبدون ترّدد الى تصديقه والإيمان بما جاء به مع العلم أن التصديق بالرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) وبرسالته آنذاك لم يكن بالأمر الهين ، فقد نكص عنه الكثير حتى أقرب المقربين اليه ، ولكن السيدة خديجة صدقته ومن أعماق قلبها ، فحقاً إن السيدة خديجة هي الصديقة الأولى .
سخت بأموالها وبسطت يديها بكلِّ ما تملك إذ لم توفر لنفسها شيئاً حتى القليل منه فجعلته وقفاً للإسلام والمسلمين فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : (ما قام الإسلام إلا بسيف علي وأموال خديجة )(1).
ذكر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم )أربع صفات للسيدة خديجة وكلها عظيمة :
الصفة الأولى: الإيمان برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، والإيمان به يعدّ أعلى مراحله أنه وسام رفيع ومنقبة عظيمة ، فعبارة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كبيرة للغاية وتحمل دلالات عظيمة. إن التخلي عن الأموال الطائلة من أجل المبدأ السامي فعل لا يقوى عليه إلا أفذاذ العظماء .
الصفة الثانية: التصديق بالنبوة ، وتُعدُّ هذه الميزة صفة عظيمة حيث يترتب عليها آثار كبيرة، فالتصديق بالنبوة يتبعه الإيمان بالغيب ، وهو يعصم الإنسان كثيراً ، ومن ثم يعلو به في مدارج الكمال والفضائل .
الصفة الثالثة: يقول الرسول: (ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها).
وهذا وسام آخر كبير، حيث رزق رسول الله منها الأولاد وكفاها فخراً ان تلد سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، فأي طهر كانت تختزنه؟! وأي إيمان كان يضمه قلبها الكبير؟!(2).
وكذلك كان لإيمان السيدة خديجة السهم الأوفى في توفير القوة المعنوية، ولذا كان يذكرها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لأنها كانت تنطوي على اصول عريقة، الامر الذي جعلها تستجيب الى الاسلام وتعتنقه بكل كيانها المبارك. ومن جانب آخر فإن اصالتها تترجم كرم المحتد والعراقة في الطيب، فهي تنحدر من اسرة كريمة، فكان يشكِّل نقاءُ سريرة السيدة وطهارة ذاتها وسمو نفسها في وسط موبوء وطافح بالظواهر الشاذة دليلاً آخرَ على اصالة العائلة، وردًّاً على وصم القبائل العربية بأجمعها بالهبوط والإسفاف، فالسيدة خير شاهد على خلط وهراء هذه الآراء. والسيدة خديجة ساهمت في صياغة الطاهرة (عليها السلام) الى جانب النبي الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم)، وقد احتضن رحم السيدة الزهراء وهو جدير بحملها، فقد امتلأت طهراً وعفة، وغذته طهراً وأخلاقاً، لتصبح أماً للأئمة المعصومين عليهم السلام أجمعين .
ومن نماذج سيدات العالم عقيلة الهاشميين زينب الكبرى (عليها السلام).
وعند ذكر السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب بنت فاطمة الزهراء البتول، يبرز دور
المرأة الطليعية من أهل البيت، وينحني إجلالاً ـ بل إعجاباً وتصاغراً ـ أمام زينب (عليها السلام) الكلمة الخالدة في فم التأريخ والصوت المدّوي عبر الأجيال والموقف الرائد في عالم الثورة والتحدي للظلم والطغيان والمعلم المتألق في دنيا المرأة والجهاد .
زينب لوعة الشجن وموقف البطولة وإرادة المواجهة .
زينب الروح التي تجسدت فيها قيم وشخصيات كبرى كخديجة أم المؤمنين والزهراء فاطمة وصبر الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وشجاعة القائد علي وعزة السبط الحسن وثورة الشهيد الحسين .
لم يفجع أحد من آل محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بل ومن بني الإنسان أجمع عبر كوارث التاريخ ، ولم يواجه أحد مثل ما واجهت زينب ، فكانت جبلاً لا تهزه العواصف ، وإرادة لا تنال منها الكوارث ، وملجأ لا تقتحمه الجيوش والمحن .
زينب في موقفها....
زينب في إرادتها ....
زينب في صبرها ....
زينب في قيادتها للموقف والمواجهة والدعوة إلى أهداف الثوار في كربلاء .
زينب كانت الكتاب الذي حوى كل هذه الفصول المضيئة ليُقرأ فيما بعد وتُقرأ من خلال صفحات الصراع بين محمد وخديجة وفاطمة وعلي والحسن والحسين وبين خصومهم عبر مراحل المحنة والصراع .
لقد شاء الله ان ترث زينب هذه الأعباء وأن تحمل الراية بعد يوم عاشوراء ببطولة وجدارة .. راية بدر التي حملها علي في يوم الفرقان يوم التقى الجمعان جَمعُ النبي ومن سار في ركبه وجمع أبي سفيان ومن سار في ركبه .
لكنْ، هي زينب بنت علي بن أبي طالب ، أمها فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، وجدتها لأبيها فاطمة بنت أسد مربية الرسول التي قال فيها (صلى الله عليه واله وسلم) : (كانت أمي)، وجدتها لأمها أم المؤمنين الكبرى خديجة بنت خويلد ، وأخواها السبطان الشهيدان سيِّدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين ، وعمُّها جعفر الطيار قائد المهاجرين الى الحبشة ذو الجناحين حامل الراية والشهيد في معركة مؤتة الخالدة وزوجها ابن عمِّها عبد الله بن جعفر الطيار .
في بيت علي وفاطمة ، وفي رحاب النبوة المشرقة ولدت زينب ، وكانت ولادتها في الخامس من جمادى الأول سنة خمس من الهجرة . بُشَّر بها رسول الله فسمَّها (زينب) . ترعرعت الوليدة بين جدّها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأبيها علي وأمها فاطمة (عليهما السلام) . أبوها علي الذي شبّ ونشأ في حجر الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، وهو أول الرجال إسلاماً صدَّق رسول الله برسالته وعمره عشر سنوات. علي رجل العقيدة والقيم والمبادئ.
وأمها فاطمة سيدة نساء العالمين التي عاشت وتربت في بيت أبيها الهادي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وأمها الطاهرة خديجة الكبرى والى جانب تلك الأجواء الروحية والبيئة الإيمانية الصافية كانت تستنشق أجواء النبوة وتدرج في أحضان جدّها المصطفى محمد (صلى الله عليه واله وسلم) فقد عاشت في ظلاله الوارفة خمس سنوات .
وفي هذه البيئة الفريدة من عالم الإنسان ، عاشت زينب طفولتها الأولى وتكونت شخصيتها فاكتسبت من عوامل تكوين الشخصية جميعها البيئة والتربية والوراثة ؛ فحقُّ زينب التي عرفها التاريخ بكلِّ ما تجسِّد فيها من صفات ان تكون قدوة المرأة في عالم الأدب والسياسة والخلق والدين حتى مضت الأيام وشبّت زينب في بيت المجد والشرف والنبوة ، وكان طبيعياً ان يتطلع ذو المكانة والمقام الاجتماعي الى طلب يدها والتشرف بخطبتها ...
وتقدم كثيرون ولكن الإمام علي رفض ان يزوج زينب لأحد من هؤلاء وهو يعلم ما ينتظر زينب من دور تاريخي خطير في بيت آل محمد ، فكان المؤهل للاقتران بها هو عبدالله بن جعفر بن أبي طالب الذي كان سيداً من سادات بني هاشم ، وكان جواداً وكريماً لا يبارى وشخصية مرموقة من الشخصيات السياسية والاجتماعية في المجتمع .
وقد صحب عبد الله رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وروى عنه ، وكان الى جانب محمد وعليِّ وولديه الحسن والحسين. استقرت زينب مرابطة الى جانب أخيها الحسن بعد ان شاهدت فاجعة استشهاد أبيها عليِّ على يد شرِّ الأشرار.
وانطوت الأيام ، وتوالت الأحداث القاسية ، وإذا بها تشاهد تعسف السياسة الأموية وجريمتها بحق آل محمد ، وما جرى لأخيها الحسين وأبي الفضل وعلي الأكبر وباقي بني هاشم والأنصار، تلك المجزرة العظيمة التي حلت في وادي طفِّ كربلاء، فوقفت ذلك الموقف البطولي وتشاطرت هي والحسين تلك النهضة المباركة حتى حطمت عروش ذلك الطاغية المتجبر بذلك الكلام البليغ والخطب المؤثرة ، ومن جملتها قولها : (ويحكم أما فيكم مسلم؟) فلم يجبها أحد بشيء ، حينما نظرت الى الحسين وهو في الرمق الأخير من الحياة .
وتوالت خطبها (عليها السلام) في الكوفة والشام ، وتحدث الرُواة عن مواقفها الخالدة ، وعن الموقف الذي تجسَّد فيه دور المرأة المسلمة زينب سيدة أهل البيت النبوي يومها، جُسِّد دور المرأة في السياسة ، والأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر ، ومقاومةُ الطغيان والفساد.
____________
1ـ البحار ج43 ،ص167.
2ـ قبس من نور فاطمة.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|