أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2017
525
التاريخ: 13-3-2018
734
التاريخ: 11-6-2018
751
التاريخ: 26-8-2017
575
|
ذكر قطع خطبة المأمون:
في سنة خمس وتسعين ومائة امر الامين بأسقاط ما كان ضرب لاخيه المامون من الدراهم والدنانير بخراسان في سنة 194هـ لا نها لم يكن عليها اسم الامين.
وامر فدعى لموسى بن الامين على المنابر ولقبه الناطق بالحق، وقطع ذكر لمأمون لقوق بعضهم. وكان موسى طفلا صغيرا، ولابنه الاخر عبدالله ولقبه القائم بالحق.
ذكر محاربة علي بن عيسى وطاهر:
ثم ان الامين امر علي بن عيسى بن ماهان بالمسر لحرب المأمون، وكان سبب مسيره دون غيره: ان ذا الرياستين كان له عين عند الفضل بن الربيع يرجع الى قوله ورأيه فكتب ذو الرياستين الى ذلك الرجل يامره ان يشير بإنفاذ ابن ماهان لحربهم ، وكان مقصوده ان ابن ماهان لما ولي خراسان ايام الرشيد اساء السيرة في اهلها فلطمهم فعزله الرشيد لذلك ، ونفر عنه اهل خرسان وابغضوه فاراد ذو الرئاستين ان يزداد اهل خرسان جدا في محاربة الامين واصحابه، ففعل ذلك الرجل ما امر ذو الرياستين فامر الامين ابن ماهان بالمسير، وقيل : كان سببه ان عليا قال للأمين : ان اهل خرسان كتبوا اليه يذكرون انه ان قصدهم هو اطاعوه وانقادوا له وان كان غيره فلا! فأمره بالمسير واقطعه كور الجبل كلها : نهاوند ، وهمذان، وقم ، واصبهان ، وغيره ذلك ، وولاه حربها وخراجها، واعطاه الاموال، وحكمه في الخزائن وجهز معه خمسين الف فارس ن وكتب الى ابي دلف القاسم (بن ادريس بن عيسى) العجيلي وهلال بن عبدالله الحضرمي بالانضمام اليه، وامده بالأموال والرجال شيئا بعد شيء.
فلما عزم المسير من بغداد ركب الى باب زبيدة ام الامين ليودعها فقالت له يا علي إن أمير المؤمنين إن كان ولدي واليه انتهت شفقتي فإني على عبد الله منعطفة مشفقة لما يحدث عليه من مكروه وأذى وإنما ابني ملك نافس أخاه في سلطانه الكريم يأكل لحمه ويمقيه غيره فاعرف لعبد الله حق ولادته وأخوته ولا تجبهه بالكلام فانك لست بنظيره ولا تقتسره اقتسار العبيد ولا توهنه بقيد ولا غل ولا تمنع عنه جارية ولا خادما ولا تعنف عليه في السير ولا تساوه في المسير ولا تركب قبله وخذ بركابه وان شتمك فاحتمل منه ثم دفعت إليه قيدا من فضى وقالت إن صار اليك فقيده بهاذ القيد فقال لها أفعل مثل ما أمرت، ثم خرج علي بن عيسى في شعبان وركب الأمين يشيعه ومعه القواد والجنود وذكر مشايخ بغداد أنهم لم يروا عسكرا أكثر رجالا وأفره كراعا وأتم عدة وسلاحا من عسكره ووصاه الأمين وأمره إن قاتله المأمون أن يحرص على أسره ثم سار فلقيه القوافل عند جلولاء فسألهم فقالوا له إن طاهرا مقيم بالري يعرض أصحابه ويرم آلته والامداد تأتيه من خراسان وهو يستعد للقتال فيقول إنما طاهر شوكة من أغصاني وشرارة من ناري وما مثل طاهر يتولى الجيوش ويلقى الحروب ثم قال لأصحابه ما بينكم وبين أن ينقصف انقصاف الشجر من الريح العاصف إلا أن يبلغه عبورنا عقبة همذان فإن السخال لا تقوى على النطاح والثعالب لا صبر لها على لقاء الاسد وان أقام تعرض لحد السيف وأسنة الرماح وإذا قابلنا الري ودنونا منهم فت ذلك في أعضادهم ثم أنفذ الكتب إلى ملوك الديلم وطبرستان وما والاها من الملوك يعدهم الصلات وأهدى لهم التيجان والاسورة وغيرها وأمرهم أن يقطعوا طريق خراسان فأجابوه إلى ذلك وسار حتى أتى أول أعمال الري وهو قليل الاحتيال فقال له جماعة من أصحابه لو أركبت العيون وعملت خندقا لأصحابك وبعثت الطلائع لأمنت البيات وفعلت الرأي فقال مثل طاهر لا يستعد له وإن حاله يؤول إلى أمرين إما أن يتحصن بالري فيبيته أهلها فيكفونا أمره وإما أن يرجع ويتركها إذا قربت خيلنا منه فقالوا له لو كان عزمه تركها والرجوع لفعل فإننا قد قربنا منه فلم يفعل.
ولما صار بينه وبين الري عشرة فراسخ استشار طاهر أصحابه فأشاروا عليه أن يقيم بالري ويدافع القتال ما قدر عليه إلى أن يأتيه من خراسان المدد وقائد يتولى الامور دونه وقالوا له إن مقامك بمدينة الري أرفق بأصحابك واقدر لهم على الميرة واكن من البرد فتعتصم بالبيوت وتقدر على المماطلة فقال طاهر إن الرأي ليس ما رأيتم إن أهل الري لعلي هائبون ومن سطوته مشفقون ومعه من أعراب البوادي وصعاليك الجبال والقرى كثير ولست آمن إن أقمت بالري أن يثب أهلها بنا خوفا من علي وما الرأي إلا أن نسير إليه فإن ظفرنا والا عولنا عليها فقاتلناه فيها إلى أن يأتينا مدد فنادى طاهر في أصحابه فخرج من الري في اقل من أربعة آلاف فارس وعسكر على خمسة فراسخ من الري بقرية يقال لها كاواص فأتاه أحمد بن هشام وكان على شرطة طاهر فقال له إن أتانا علي بن عيسى فقال أنا عامل أمير المؤمنين وأقررنا له بذلك فليس لنا أن نحاربه فقال طاهر لم يأتني في ذلك شيء فقال دعني وما أريد فقال افعل فصعد المنبر فخلع محمدا ودعا للمأمون بالخلافة وساروا عنها وقال له بعض أصحابه ان جندك قد هابوا هذا الجيش فلو أخرت القتال إلى أن يشامهم أصحابك ويأنسوا بهم ويعرفوا وجه المأخذ في قتالهم فقال إني لا أتوى من قلة تجربة وحزم إن أصحابي قليل والقوم عظيم سوادهم كثير عددهم فإن أخرت القتال اطلعوا على قلتنا واستمالوا من معي برغبة وترهبة فيخذلني أهل الصبر والحفاظ ولكن ألف الرجال بالرجال وأقحم الخيل على الخيل واعتمد على الطاعة والوفاء واصبر صبر محتسب للخير حريص على الفوز بالشهادة فإن نصرنا الله فذلك الذي نريده ونرجوه وإن تكن الأخرى فلست بأول من قاتل وقتل وما عند الله أجزل وأفضل، وقال علي لأصحابه بادروهم فإنهم قليلون ولو وجدوا حرارة السيوف وطعن الرماح لم يصبروا عليها وعبى جنده ميمنة وميسرة وقلبا وعبى عشرة رايات مع كل راية مائة رجل وقدمها راية راية وجعل بين كل رايتين غلوة سهم وأمر أمراءها إذا قاتلت الراية الأولى وطال قتالهم أن تتقدم التي تليها وتتأخر هي حتى تستريح وجعل أصحاب الجواشن أمام الرايات ووقف في شجعان أصحابه وعبى طاهر أصحابه كراديس وسار بهم يحرضهم ويوصيهم ويرجيهم وهرب من أصحاب طاهر نفر إلى على فجلد بعضهم وأهان الباقين فكان ذلك مما ألب الباقين على قتاله وزحف الناس بعضهم إلى بعض فقال أحمد بن هشام لطاهر ألا تذكر علي بن عيسى البيعة التي أخذها هو علينا للمأمون خاصة معاشر أهل خراسان قال أفعل فأخذ البيعة فعلقها على رمح وقام بين الصفين وطلب الأمان فأمنه علي بن عيسى فقال له ألا تتقي الله عز وجل هذه نسخة البيعة التي أخذتها أنت خاصة اتق الله فقد بلغت باب قبرك فقال علي من أتاني به فله الف درهم فشتمه أصحاب محمد وخرج من أصحاب علي رجل يقال له حاتم الطائي فحمل عليه طاهر وأخذ السيف بيديه وضربه فصرعه فلذلك سمي طاهر ذا اليمينين، ووثب أهل الري فأغلقوا باب المدينة فقال طاهر لأصحابه اشتغلوا بمن أمامكم عمن خلقكم فإنه لا ينجيكم إلا الجد والصدق ثم اقتتلوا قتالا شديدا وحملت ميمنة علي على ميسرة طاهر فانهزمت هزيمة منكرة وميسرته على ميمنة طاهر فأزالتها أيضا عن موضعها فقال طاهر اجعلوها جدكم وبأسكم على القلب واحملوا حملة خارجية فإنكم متى فضضتم منها راية واحدة رجعت أوائلها على أواخرها فصبر أصحابه صبرا صادقا وحملوا على أول رايات القلب فهزموهم وأكثروا فيهم القتل ورجعت الرايات بعضها على بعض فانتقضت ميمنة علي ورأى ميمنة طاهر وميسرته ما فعل أصحابهم فرجعوا على من بإزائهم فهزموهم وانتهت الهزيمة إلى علي فجعل ينادي أصحابه أين أصحاب الخواص والجوائز والأسورة والأكاليل الى الكرة بعد الفرة فرماه رجل من أصحاب طاهر بسهم فقتله وقيل داود سياه هو الذي حمل رأسه إلى طاهر وشدت يداه إلى رجليه وحمل على خشبة إلى طاهر فأمر به فألقي في بشر فأعتق طاهر من كان عنده من غلمانه شكرا لله تعالى وتمت الهزيمة ووضع أصحاب طاهر فيهم السيوف وتبعوهم فرسخين واقعوهم فيها اثنتي عشرة مرة في كل ذلك ينهزم عسكر الأمين وأصحاب طاهر يقتلون ويأسرون حتى حال الليل بينهم وغنموا غنيمة عظيمة ونادى طاهر من القي سلاحه فهو آمن فطرحوا أسلحتهم ونزلوا عن دوابهم ورجع طاهر إلى الري وكتب إلى المأمون وذي الرياستين بسم الله الرحمن الرحيم كتابي إلى أمير المؤمنين ورأس علي بن عيسى بين يدي وخاتمه في اصبعي وجنده مصرفون تحت أمري والسلام فورد الكتاب مع البريد في ثلاثة أيام وبينهما نحو من خمسين ومائتي فرسخ فدخل ذو الرياستين على المأمون فهنأه بالفتح وأمر الناس فدخلوا عليه فسلموا عليه بالخلافة ثم وصل رأس علي بعد الكتاب بيومين فطيف به في خراسان.
ولما وصل الكتاب بالفتح كان المأمون قد جهز هرثمة في جيش كثير ليسيره نجدة لطاهر فأتاه الخبر بالفتح وأما الأمين فإنه أتاه نعي علي بن عيسى وهو يصطاد السمك فقال للذي أخبره ويلك دعني فإن كوثرا قد اصطاد سمكتين وأنا ما صدت شيئا بعد ثم بعث الفضل إلى نوفل الخادم وهو وكيل المأمون على ملكه بالسواد والناظر في أمر أولاده ببغداد وكان للمأمون معه ألف ألف درهم كان قد وصله بها الرشيد فأخذ جميع ما عنده وقبض ضياعه وغلاته فقال بعض شعراء بغداد في ذلك :
أضاع الخلافة غش الوزير *** وفسق الأمير وجهل المشير
ففضــل وزير وبكــر مشيـر *** يريدان ما فيــه حتـف الأمير
ومــا ذاك إلا طــريق غرور *** وشر المســالك طـرق الغرور
حيث ذكرها مع روعه وندم الأمين على نكثه وغدره ومشى القواد بعضهم إلى بعض في النصف من شوال فاتفقوا على طلب الأرزاق والشغب ففعلوا ذلك ففرق فيهم مالا كثيرا بعد أن قاتلهم عبد الله بن خازم فمنعه الأمين.
توجيه عبد الرحمن بن جبلة:
لما اتصل بالأمين قتل علي بن عيسى وهزيمة عسكره وجه عبد الرحمن بن جبلة الأنباري في عشرين ألف رجل نحو همذان واستعمله عليها وعلى كل ما يفتحه من أرض خراسان وأمره بالجد وأمده بالأموال فسار حتى نزل همذان وحصنها ورم سورها وأتاه طاهر إلى همذان فخرج إليه عبد الرحمن على تعبية فاقتتلوا قتالا شديدا وصبر الفريقان وكثر القتل والجراح فيهم ثم انهزم عبد الرحمن ودخل همذان فأقام بها اياما حتى قوي أصحابه واندمل جراحهم ثم خرج إلى طاهر فلما رآهم قال لأصحابه إن عبد الرحمن يريد أن يتراءى لكم فإذا قربتم منه قاتلكم فإن هزمتموه ودخل المدينة قاتلكم على خندقها وإن هزمكم اتسع له المجال ولكن قفوا قريبا من عسكرنا وخندقنا فإن قرب منا قاتلناه فوقفوا فظن عبد الرحمن أن الهيبة منعتهم فتقدم إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا وصبر الفريقان وكثر القتل في أصحاب عبد الرحمن وجعل يطوف عليهم ويحرضهم ويأمرهم بالصبر ثم إن رجلا من أصحاب طاهر حمل على صاحب علم عبد الرحمن فقتله وزحمهم أصحاب طاهر فانهزموا ووضع فيهم أصحاب طاهر السيوف يقتلونهم حتى انتهوا إلى المدينة وأقام طاهر على بابها محاصرا لها فاشتد بهم الحصار وضجر أهل المدينة فخاف عبد الرحمن أن يثب به أهل المدينة مع ما فيه أصحابه من الجهد فأرسل إلى طاهر يطلب الأمان لنفسه ولمن معه فأمنه فخرج عن همذان.
ذكر استيلاء طاهر على أعمال الجبل:
لما نزل طاهر بباب همذان وحصر عبد الرحمن بها تخوف أن يأتيه كثير بن قادرة من ورائه وكان بقزوين فأمر أصحابه بالقيام وسار في الف فارس نحو قزوين فلما سمع به كثير بن قادرة وكان في جيش كثيف هرب من بين يديه وأخلى قزوين وجهل طاهر فيها جندا واستعمل عليها رجلا من أصحابه وأمره أن يمنع من أراد دخولها واستولى على سائر أعمال الجبل معها .
ذكر قتل عبد الرحمن بن جبلة:
في سنة خمس وتسعين ومائة قتل عبد الرحمن بن جبلة الأنباري وكان سبب قتله أنه لما خرج في أمان طاهر أقام يري طاهرا وأصحابه أنه مسالم لهم راض بأمانهم ثم اغترهم وهم آمنون فركب في أصحابه وهجم على طاهر وأصحابه ولم يشعروا فثبت له رجالة طاهر وقاتلوه حتى أخذت الفرسان أهبتها واقتتلوا أشد قتال رآه الناس حتى تقطعت السيوف وتكسرت الرماح وانهزم عبد الرحمن وبقي في نفر من أصحابه فقاتل وأصحابه يقولون له قد أمكنك الهرب فاهرب فقال لا يرى أمير المؤمنين وجهي منهزما أبدا ولم يزل يقاتل حتى قتل وانتهى من انهزم من أصحابه إلى عبد الله واحمد ابن الحرشي وكانا في جيش عظيم بقصر اللصوص قد سيره الأمين معونة لعبد الرحمن فلما بلغ المنهزمون إليهما انهزما أيضا في جندهما من غير قتال حتى دخلوا بغداد وخلت البلاد لطاهر فأقبل يحوزها بلدة بلدة وكورة كورة حتى انتهى إلى شلاشان من قرى حلوان فخندق بها وحصن عسكره وجمع أصحابه .
ذكر خروج السفياني:
في هذه السنة خرج السفياني وهو علي بن عبد الله بن خالد يزيد بن معاوية وأمه نفيسة بنت عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب وكان يقول أنا من شيخي صفين يعني عليا ومعاوية وكان يلقب بأبي العميطر لأنه قال يوما لجلسائه أي شيء كنية الحرذون قالوا لا ندري قال هو أبو العميطر فلقبوه به ولما خرج دعا لنفسه بالخلافة في ذي الحجة وقوي على سليمان بن المنصور عامل دمشق فأخرجه عنها وأعانه الخطاب بن وجه الفلس مولى بني أمية وكان قد تغلب على صيدا ولما خرج سير اليه الأمين الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان فبلغ الرقة ولم يسر الى دمشق وكان عمر أبي العميطر حتى خرج تسعين سنة وكان الناس قد أخذوا عنه علما كثيرا وكان سحن السيرة فلما خرج ظلم واساء السيرة فتركوا ما نقلوا عنه وكان أكثر أصحابه من كلب وكتب إلى محمد بن صالح بن ببهس الكلابي يدعوه الى طاعته ويتهدده إن لم يفعل فلم يجبه إلى ذلك فأقبل السفياني على قصد القيسية فكتبوا إلى محمد بن صالح فأقبل اليهم في ثلاثمائة فارس من الضباب ومواليه واتصل الخبر بالسفياني فوجه إليه يزيد بن هشام في اثني عشر ألفا فالتقوا فانهزم يزيد ومن معه وقتل منهم إلى أن دخلوا أبواب دمشق زيادة على ألقي رجل وأسر ثلاثة آلاف فأطلقهم ابن بيهس وحلق رؤوسهم ولحاهم وضعف السفياني وحصر بدمشق ثم جمع جمعا وجعل عليهم ابنه القاسم وخرجوا الى ابن بيهس فالتقوا فقتل القاسم وانهزم أصحاب السفياني وبعث رأسه إلى الأمين ثم جمع جمعا آخر وسيرهم مع مولاه المعتمر فلقيهم ابن بيهس فقتل المعتمر وانهزم أصحابه فوهن أمر أبي المعيطر وطمع فيه قيس ثم مرض ابن بيهس فجمع رؤساء بني نمير فقال لهم ترون ما اصابني من علتي هذه فارفقوا ببني مروان وعليكم بمسلمة بن يعقوب بن علي بن محمد بن سعيد بن مسلمة بن عبد الملك فإنه ركيك وهو ابن أختكم واعلموه أنكم لا تتبعون ببني أبي سفيان وبايعوه بالخلافة وكيدوه به السفياني، وعاد ابن بيهس إلى حوران واجتمعت نمير على مسلمة وبذلوا له البيعة فقبل منهم وجمع مواليه ودخل على السفياني فقبض عليه وقيده وقبض على رؤساء بني أمية فبايعوه وأدنى قيسا وجعلهم خاصته فلما عوفي ابن بيهس عاد إلى دمشق فحصرها فسلمها إليه القيسية وهرب مسلمة والسفياني في ثياب النساء إلى المزة وة كان ذلك في المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة ودخل ابن بيهس دمشق وغلب عليها وبقي بها إلى أن قدم عبد الله بن طاهر دمشق ودخل إلى مصر وعاد إلى دمشق فأخذ ابن بيهس معه إلى العراق فمات بها.
ذكر عدة حوادث:
وكان العامل على مكة والمدينة لمحمد الأمين داود بن عيسى بن موسى وهو الذي حج بالناس سنة ثلاث وتسعين أيضا وكان على الكوفة العباس بن الهادي للأمين وعلى البصرة له أيضا منصور بن المهدي، وفيها مات محمد بن خازم أبو معاوية الضرير وكان يتشيع وهو ثقة في الحديث، وفيها توفي أبو نواس الحسن بن هانئ الشاعر المشهور وكان عمره تسعا وخمسين سنة ودفن بالشونيزي ببغداد ومحمد بن فضل بن غزوان بن جرير الضبي مولاهم ويوسف بن اسباط أبو يعقوب.
ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائة:
توجيه الأمين الجيوش الى طاهر وعودهم من غير قتال:
في هذه السنة سن الامين أسد بم يزيد بن مزيد وسير عمه أحمد بن مزيد وعبد الله بن حميد بن قحطبة إلى حلوان لحرب طاهر وكان سبب ذلك ما ذكره أسد قال أنه لما قتل عبد الرحمن أرسل إلي الفضل بن الربيع يستدعيني فجئته ودخلت عليه وهو قاعد بيده رقعة وقد قرأها وقد احمرت عيناه فاشتد غضبه وهو يقول ينام نوم الطائر وينتبه انتباه الذئب همه بطنه يقاتل الرعاء والكلاب ترصده لا يفكر في زال نعمة ولا يروي في امضاء رأي قد ألهاه كأسه وشغله قدحه فهو يجزي في لهوه والايام توضع في هلاكه قد شمر له عبد الله عن ساق وفوق له أصوب أسهمه يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ والموت القاصد وقد عبى له المنايا على ظهور الخيل وناط له البلاء في أسنة الرماح وشفار السيوف ثم استرجع وتمثل بشعر البعيث:
ومجـــدولة جــدل العنان خــريدة *** لهــا شعر جعــــد ووجه مقسم
وثغــر نقي اللــون عـــذب مذاقه *** يضيء له الظلماء ساعة تبسم
وثــديان كالحـقين والبطن ضامر *** خميـص ووجــه نـــاره تتضرم
لهــوت بها ليــل التمام ابن خالد *** وأنت بمــرو الروذ غيظا تجـرم
أظــل أناغيها وتحــت ابت خــالد *** أميــة نهد المـــــركلين عثمثـم
طواه طــراد الخيل فـي كل غارة *** لهــا عــارض فيه الأسنة ترزم
يقـــارع أتــراك ابن خـاقان ليله *** إلى أن يرى الاصبـاح ما يتلعثم
فيصبح من طول الطراد وجسمه *** نحيـل واضحـى في النعيم أصم
ابا كرها صهباء كالمسك ريحها *** لهــا أرج فــي دنها حين يرسم
فشتان ما بيني وبين ابن خــالد *** أمية في الـرزق الذي الله يقسم
ثم التفت إلي فقال أبا الحرث أنا وإياك نجري الى غاية إن قصرنا عنها ذممنا وإن اجتهدنا في بلوغها انقطعنا وإنما نحن شعب من أصل إن قوي قوينا وإن ضعف ضعفنا ان هذا الرجل قد ألقى بيده إلقاء الأمة الوكعاء يشاور النساء ويعتزم على الرؤيا وقد أمكن ما معه من أهل اللهو والجسارة فهم يعدونه الظفر ويمنونه عقب الأيام والهلاك أسرع اليه من السيل الى قيعان الوحل وقد خفت والله أن نهلك بهلاكه ونعطب بعطبه وأنت فارس العرب وابن فارسها وقد فزع اليك في هذا الأمر ولقاء هذا الرجل وأطمعه فيما قبلك أمران أحدهما صدق الطاعة وفضل النصيحة والثاني يمن نقيبتك وشدة بأسك وقد أمرني بإزاحة ما عليك وبسط يدك فيما أحببت غير أن الاقتصاد رأس النصيحة ومفتاح اليمن والبركة أنجز حوائجك وعجل المبادرة الى عدوك فإني أرجو أن يوليك الله شرف هذا الفتح ويلم بك شعث هذه الخلافة والدولة فقلت أنا لطاعة أمير المؤمنين وطاعتك مقدم ولكل ما دخل فيه الوهن على عدوه وعدوك حريص غير أن المحارب لا يعمل بالغدر ولا يفتح أمره بالتقصير والخلل وإنما مالك المحارب الجنود وملاك الجنود المال والذي سأل أن يؤمر لأصحابي برزق سنة وتحمل معهم أرزاق سنة وتحض أهل الغناء والبلاء وأبدل من فيهم من الضعفى وأحمل الف رجل ممن يعي على الخيل ولا أسأل عن محاسبة ما افتتحت من المدن والكور فقال قد أشططت ولا بد من مناظرة أمير المؤمنين ثم ركب وركبت معه فدخل قبلي الأمين وأذن لي فدخلت فما كان إلا كلمتان حتى غضب وأمر بحبسي وقيل إنه طلب أن يدفع ولدي المأمون فإن أطاعه وإلا قتلتهما فقال الأمين أنت أعربي مجنون أدعوك إلى ولاية أعنة العرب والعجم وأطعمك خراج كور الجبال إلى خراسان وارفع منزلتك على نظرائك من أبناء القواد والملوك وتدعوني إلى قتل ولدي وسفك دماء أهل بيتي إن هذا للخرق والتخليط وكان ببغداد ابنان للمأمون مع أمهما أم عيسى ابنة الهادي وقد طلبهما المأمون من أخيه في حال السلام فمنعهما من المال الذي كان له فلما حبس أسدا قال هل في أهل بيته من يقوم مقامه فإني أكره أن أفسدهم مع نباهتهم وما تقدم من طاعتهم ونصيحتهم قالوا نعمم عمه أحمد بن مزيد وهو أحسنهم طريقة له بأس ونجدة وبصر بسياسة الحرب فأنفذ إليه أحضره، فأتى الفضل فدخل عليه وعنده عبد الله بن حميد بن قحطبة وهو يريده على المسير إلى طاهر وعبد الله يشط قال أحمد فلما رآني الفضل رحب بي ورفعني إلى صدر المجلس ثم أقبل على عبد الله يداعبه ثم قال:
إنــا وجـــدنـــا إذ رث حبلكـــم *** من آل شيبان أما دونكم وأبا
الأكثرون إذا عد الحصى عددا *** والأقــربون إلينـا منكـم نسبا
فقال عبد الله أقسم أنهم لكذلك وفيهم سد الخلل ونكاء العدو ودفع معرة أهل المعصية عن أهل الطاعة فقال له الفضل ان أمير المؤمنين أجرى ذكرك فوصفتك له بحسن الطاعة والشدة على أهل المعصية فأحب اصطناعك والتنويه باسمك وأن يرفعك إلى منزلة لم يبلغها أحد من أهل بيتك ثم مضى ومضيت معه إلى الأمين فدخلنا عليه فقال لي في حبس أسد واعتذر إلي وأمرني بالمسير إلى حرب طاهر فقلت أبذل في طاعة أمير المؤمنين مهجتي وأبلغ في جهاد عدوه أفضل ما أمله عندي ورجاه من غنائي وكفايتي إن شاء الله تعالى.
فأمر الفضل بأن يمكنه من العساكر يأخذ منهم من أراد وأمره بالجد في المسير والتجهز فأخذ من العسكر عشرين ألف فارس وسار معه عبد الله بن حميد بن قحطبة في عشرين ألفا من الابناء وسار بهم إلى حلوان وشفع في أسد ابن أخيه فأطلقه وأقام أحمد وعبد الله بخانقين وأقام طاهر بموضعه ودس الجواسيس والعيون وكانوا يرجفون في عسكر أحمد وعبد الله ويخبرونهم أن الأمين قد وضع العطاء لأصحابه وأمر لهم بالأرزاق الوافرة ولم يزل يحتال في وقوع الاختلاف بينهم حتى اختلفوا وانتقض أمرهم وقاتل بعضهم بعضا ورجعوا عن خانقين من غير أن يلقوا طاهرا، وتقدم طاهر فنزل حلوان فلما نزلها لم يلبث إلا يسيرا حتى أتاه هرثمة في جيش من عند المأمون ومعه كتاب الى طاهر يأمره بتسليم ما حوى من المدن والكور إلى هرثمة ويتوجه هو إلى الأهواز ففعل ذلك وأقام هرثمة بحلوان وحصنها وسار طاهر إلى الأهواز.
الفضل بن سهل:
في هذه السنة خطب للمأمون بإمرة المؤمنين ورفع منزلة الفضل بن سهل وسبب ذلك أنه لما أتاه خبر قتل ابن ماهان وعبد الرحمن بن جبلة وصح عنده الخبر بذلك أمر أن يخطب له ويخاطب بأمير المؤمنين ودعا الفضل بن سهل وعقد له على المشرق من جبل همذان إلى التبت طولا ومن بحر فارس إلى بحر الديلم وجرجان عرضا وجعل له عمالة ثلاثة آلاف الف درهم وعقد له لواء على سنان ذي شعبتين ولقبه ذا الرياستين رياسة الحرب والقلم وحمل اللواء علي بن هشام وحمل القلم نعيم بن حازم وولى الحسن بن سهل ديوان الحراج.
عبد الملك بن صالح بن علي وموته:
[في ايام الرشيد] قبض الرشيد على عبد الملك بن صالح وحبسه إياه فلم يزل محبوسا حتى مات الرشيد فأخرجه الأمين من الحبس في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين وأحسن إليه فشكر عبد الملك ذلك له، فلما كان من طاهر ما كان دخل عبد الملك على الأمين فقال له يا أمير المؤمنين أرى الناس قد طمعوا فيك وجندك قد أعيتهم الهوام وأضعفتهم الحروب وامتلأت قلوبهم هيبة لعدوهم فإن سيرتهم إلى طاهر غلب بقليل من معه كثيرهم وهزم بقوة نيته ضعف نصائحهم ونياتهم وأهل الشام قوم قد ضرستهم الحرب وأدبتهم الشدائد وكلهم منقاد إلي متنازع إلى طاعتي وإن وجهني أمير المؤمنين اتخذت له منهم جندا يعظم نكايتهم في عدوه فولاه الأمين الشام والجزيرة وقواه بمال ورجال وسيره سيرا حثيثا فسار حتى نزل الرقة وكاتب رؤساء أهل الشام وأهل القوة والجلد والبأس فأتوه رئيسا بعد رئيس وجماعة بعد جماعة فأكرمهم ومناهم وخلع عليهم وكثر جمعه فمرض واشتد مرضه، ثم ان بعض جنود خراسان المقيمين في عسكر الشام رأى دابة كانت أخذت منه في وقعة سليمان بن أبي جعفر تحت بعض الزواقيل من أهل الشام أيضا فتعلق بها واجتمع جماعة من الزواقيل والجند فتضاربوا واجتمعت الابناء وتألبوا وأتوا الزواقيل وهم غارون فوضعوا فيهم السيوف فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وتنادى الزواقيل فركبوا خيولهم ونشبت الحرب بينهم وبلغ ذلك عبد الملك فوجه إليهم يأمرهم بالكف فلم يفعلوا واقتتلوا يومهم ذلك قتالا شديدا وأكثرت الأبناء القتل في الزواقيل فأخبر عبد الملك بذلك وكان مريضا مدنفا فضرب بيده على يد وقال واذلاه تستضام العرب في دورها وبلادها فغضب من كان أمسك عن الشر من الأبناء وتفاقم الأمر فيما بينهم وقام بأمر الأبناء الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان وأصبح الزواقيل فاجتمعوا بالرقة واجتمع الابناء وأهل خراسان بالرافقة وقام رجل من أهل حمص فقال يا أهل حمص الهرب أهون من العطب والموت أهون من الذل إنكم قد بعدتم عن بلادكم ترجون الكثرة بعد القلة والعزة بعد الذلة ألا وفي الشر وقعتم وفي حومة الموت أنختم إن المنايا في شوارب المسودة وقلانسهم النفير النفير قبل ان ينقطع السبيل وينزل الأمر الجليل ويفوت المطلب ويعسر المهرب وقام رجل من طلب في غرز ناقته فقال نحوا من ذلك ثم قال ألا وإني سائر فمن أراد الانصراف فلينصرف معي ثم سار معه عامة أهل الشام وأحرقت الزواقيل ما كان التجار قد جمعوه من الاعلاق وأقبل نصر بن شبث العقيلي ثم حمل وأصحابه فقاتل قتالا شديدا وصبر الجند لهم وكان أكثر القتل في الزواقيل لكثير بن قادرة وأبي القيل وداود بن موسى بن عيسى الخراساني وانهزمت الزواقيل وكان على حاميتهم يومئذ نصر بن شبث وعمرو بن عبد العزيز السلمي والعباس بن زفر الكلابي ثم توفي عبد الملك بن صالح بالرقة في هذه السنة .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|