أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-7-2017
3832
التاريخ: 21-6-2017
3040
التاريخ: 11-12-2014
3795
التاريخ: 21-6-2017
3143
|
كانت غزوة الخندق ـ وهي الأحزاب ـ في شوّال من سنة أربع من الهجرة. أقبل حييٌ بن أخطب وكنانة بن الربيع وسلاّم بن ابي الحقيق وجماعة من اليهود بقريش وكنانة وغطفان، وذلك أنّهم قدموا مكّة فصاروا إلى أبي سفيان وغيره من قريش، فدعوهم إلى حرب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقالوا لهم: أيدينا مع أيديكم، ونحن معكم حتّى نستأصله، ثم خرجوا إلى غطفان ودعوهم إلى حرب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأخبروهم باتّباع قريش إياهم، فاجتمعوا معهم. وخرجت قريش وقائدها أبو سفيان، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن في بني فزارة، والحارث بن عوف في بني مرّة، ومسعود بن رخيلة(1) بن نويرة بن طريف في قومه من أشجع، وهم الأحزاب، وسمع بهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فخرج إليهم، وذلك بعد أن أشار سلمان الفارسيّ أن يصنع خندقاً(2) .
وظهر في ذلك من آية النبوّة أشياء: منها: ما رواه جابر بن عبدالله، قال: اشتدّ عليهم في حفر الخندق كدية(3) فشكوا ذلك إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثمّ دعا بما شاء الله أن يدعو، ثمّ نضح الماء على تلك الكدية فقال من حضرها: فوالذي بعثه بالحقّ لانثالت حتّى عادت كالكندر(4)ما تردّ فأساً ولا مسحاة(5).
ومنها: ما رواه جابر من إطعام الخلق الكثير من الطعام القليل. وقد ذكرناه فيما قبل(6). ومنها: ما رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: ضربت في ناحية من الخندق، فعطف عليّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو قريب منّي، فلما رآني أضرب ورأى شدّة المكان عليّ نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة فلمعت تحت المعول برقة، ثمّ ضرب ضربة اُخرى فلمعت تحته برقة اُخرى، ثمّ ضرب به الثالثة فلمعت برقة اُخرى. فقلت: يا رسول الله بأبي أنت واُمّي ما هذا الذي رأيت؟ فقال: «أمّا الأولى فإنّ الله تعالى فتح عليَّ بها اليمن، وأمّا الثانية فإنّ الله تعالى فتح عليَّ بها الشام والمغرب، وأمّا الثالثة فإنّ الله فتح عليّ بها المشرق»(7) وأقبلت الأحزاب إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهال المسلمين أمرهم، فنزلوا ناحية من الخندق، وأقاموا بمكانهم بضعاً وعشرين ليلة، لم يكن بينهم حرب إلاّ الرمي بالنبل والحصى. ثمّ انتدب فوارس قريش للبراز، منهم عمرو بن عبد ودّ، وعكرمة بن أبي جهل، وهبيرة بن أبي وهب، وضرار بن الخطّاب، تهيؤوا للقتال، وأقبلوا على خيولهم حتّى وقفوا على الخندق، فلمّا أمّلوه قالوا: والله إنّ هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثمّ تيمّموا مكاناً من الخندق فيه ضيق فضربوا خيولهم فاقتحمته، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسَلع(8) وخرج عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في نفر معه حتّى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموها، فتقدّم عمرو بن عبد ودّ وطلب البراز، فبرز إليه عليّ (عليه السلام) فقتله ـ وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله ـ فلمّا رأى عكرمة وهبيرة عمراً صريعاً ولّوا منهزمين، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في أبيات شعر: «نصر الحجارةَ من سفاهةِ رأيه * ونصرتُ ربَّ محمّدٍ بصوابي
فـــضربـتُهُ وتركتُهُ متجدّلاً * كالجـذعِ بين دكادكٍ وروابي
وعــففتُ عن أثوابهِ ولو أنّني * كنتُ المقطّر بزّني أثوابــي
لا تحسبنّ الله خاذلَ دينه * ونبيهِ يا معشرَ الأحزابِ»(9)
ورمى ابن العرقة بسهم فأصاب أكحل سعد بن معاذ وقال: خذها مني وأنا ابن العرقة، قال: عرّق الله وجهك في النار، وقال: اللهمّ إن كنت أبقيت من حرب في قريش شيئاً فأبقني لحربهم، فإنّه لا قوم أحبّ إليّ قتالاً من قوم كذّبوا رسولك وأخرجوه من حرمك، اللهمّ وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتّى تقرّ عيني من بني قريظة. فأباته رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على فراشه وبات على الأرض(10).
قال أبان بن عثمان: حدّثني من سمع أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على التلّ الذي عليه مسجد الفتح في ليلة ظلماء قرّة، قال: من يذهب فيأتينا بخبرهم وله الجنّة؟ فلم يقم أحد ثمّ عاد ثانية وثالثة فلم يقم أحد، فقام حذيفة فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): انطلق حتّى تسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم.
فذهب فقال: اللّهم احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، حتّى تردّه إليّ، وقال: لا تحدث شيئاً حتّى تأتيني. ولمّا توجّه حذيفة قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يصلّي ثمّ نادى بأشجى صوت: يا صريخ المكروبين، يا مجيب دعوة المضطّرين، اكشف همّي وكربي، فقد ترى حالي وحال من معي.
فنزل جبرئيل فقال: يا رسول الله إنّ الله عزّ وجلّ سمع مقالتك واستجاب دعوتك وكفاك هول من تحزّب عليك وناواك، فجثا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على ركبتيه وبسط يديه وأرسل بالدمع عينيه، ثمّ نادى: شكراً شكراً كما آويتني وآويت من معي. ثمّ قال جبرئيل (عليه السلام): يا رسول الله، ان الله قد نصرك وبعث عليهم ريحاً من السماء الدنيا فيها الحصى، وريحاً من السماء الرابعة فيها الجنادل.
قال حذيفة: فخرجت فإذا أنا بنيران القوم قد طفئت وخمدت، وأقبل جند الله الأوّل ريح شديدة فيها الحصى، فما ترك لهم ناراً إلاّ أخمدها، ولا خباء إلاّ طرحها، ولا رمحاً إلاّ ألقاها، حتّى جعلوا يتترسون من الحصى، وكنت أسمع وقع الحصى في الترسة، وأقبل جند الله الأعظم، فقام أبو سفيان إلى راحلته ثمّ صاح في قريش: النجاء النجاء، ثمّ فعل عيينة بن حصن مثلها، وفعل الحارث بن عوف مثلها، وذهب الأحزاب. ورجع حذيفة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره الخبر، وأنزل الله على رسوله {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] إلى ما شاء الله تعالى من السورة(11).
وأصبح رسول الله بالمسلمين حتّى دخل المدينة، فضربت ابنته فاطمة غسولاً حتى تغسل رأسه، إذ أتاه جبرئيل على بغلة معتجراً(12)بعمامة بيضاء، عليه قطيفة من استبرق معلّق عليها الدرّ والياقوت، عليه الغبار، فقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فمسح الغبار عن وجهه، فقال له جبرئيل: «رحمك ربّك، وضعت السلاح ولم يضعه أهل السماء، ما زلت أتبعهم حتّى بلغت الروحاء»(13) ، ثمّ قال جبرئيل: «انهض إلى إخوانهم من أهل الكتاب، فوالله لاَدقنّهم دقّ البيضة على الصخرة».
فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عليّاً (عليه السلام) فقال: «قدّم راية المهاجرين إلى بني قريضه، وقال: «عزمت عليكم أن لا تصلّوا العصر إلاّ في بني قريظة».
فأقبل عليّ (عليه السلام) ومعه المهاجرون وبنو عبد الأشهل وبنو النجّار كلّها، لم يتخلّف عنه منهم أحد، وجعل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يسرّب إليه الرجال، فما صلّى بعضهم العصر إلاّ بعد العشاء. فأشرفوا عليه وسبّوه، وقالوا: فعل الله بك وبابن عمّك، وهو واقف لا يجيبهم، فلمّا أقبل رسول الله عليه وآله وسلّم والمسلمون حوله تلقّاه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: «لا تأتهم يا رسول الله جعلني الله فداك، فإنّ الله سيجزيهم». فعرف رسول الله أنّهم قد شتموه، فقال: «أما إنّهم لو رأوني ما قالوا شيئاً ممّا سمعت». وأقبل ثمّ قال: «يا إخوة القردة، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، يا عباد الطاغوت اخسؤوا أخساكم الله». فصاحوا يميناً وشمالاً: يا أبا القاسم ما كنت فحّاشاً فما بدا لك(14).
قال الصادق (عليه السلام): فسقطت العنزة من يده، وسقط رداءه من خلفه، ورجع يمشي إلى ورائه حياء ممّا قال لهم (صلّى الله عليه وآله وسلّم). فحاصرهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خمساً وعشرين ليلة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم بقتل الرجال وسبي الذراري والنساء وقسمة الأموال، وأن يجعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار.
فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة.
فلمّا جيء بالأسارى حبسوا في دار، وأمر بعشرة فاُخرجوا فضرب أمير المؤمنين أعناقهم، ثم أمر بعشرة فاُخرجوا فضرب الزبير أعناقهم، وقلَّ رجل من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ قتل الرجل والرجلين.
قال: ثمّ انفجرت رمية سعد والدم ينفح حتّى قضى ، ونزع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رداءه فمشى في جنازته بغير رداء. ثمّ بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عبدالله بن رواحة إلى خيبر، فقتل سيربن دارم اليهودي، وبعث عبدالله بن عتيك إلى خيبر فقتل أبا رافع بن أبي الحقيق»(15).
= إلاّ أنّه في سيرة ابن هشام والكامل لابن الأثير: مسهر بن دخيلة.
(2) انظر: إرشاد المفيد: 94، المغازي للواقدي 2: 441، وسيرة ابن هشام 3: 224، وتاريخ الطبري 2: 565، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 398، والكامل في التاريخ 2: 178.
(3) الكدية: صلابة في الأرض. «العين 5: 396».
(4) كذا، والكندر اسم العلك، وفي المصادر: الكثيب، وهو التراب الدقيق، ولعله الأنسب.
(5) سيرة ابن هشام 3: 228، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 451.
(6) تقدّم في صحفة: 80، إلاّ أنّ المؤلّف لم يصرّح باسم جابر فيها.
(7)سيرة ابن هشام 3: 230، دلائل النبوة للبيهقي 3: 417، وورد نحوه في: تفسير القمي 2:
78، والمغازي للواقدي 2: 450، والكامل في التاريخ 2: 179.
(10) انظر: الطبقات الكبرى 2: 67، الكامل في التاريخ 2: 182، ونقلها المجلسي في بحار الأنوار 20: 206.
(11) الكافي 8: 277 | 420، تفسير القمي 2: 186، وانظر: سيرة ابن هشام 3: 242، والطبقات الكبرى 2: 74، وتاريخ الطبري 3: 580، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 449، والكامل في التاريخ 2: 184.
(12) الاعتجار: لف العمامة دون التلحي «لسان العرب 4: 544».
(13) قال الحموي في معجم بلدانه «3: 76»: الروح والراحة من الاستراحة، ويوم روح أي طيب، وأظنه قيل للبقعة روحاء أي طيبة ذات راحة ويعضده ما ذكره الكلبي قال: لما رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكة نزل بالروحاء فأقام بها وأراح، فسماها الروحاء.
(14) انظر: تفسير القمي 2: 189، وارشاد المفيد 1: 109، وسيرة ابن هشام 3: 244، والطبقات الكبرى 2: 74، وتاريخ الطبري 2: 581، والكامل في التاريخ 2: 185.
(15) انظر: تفسير القمي 2: 190، والارشاد للمفيد 1: 110.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|