المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



أحمد الشايب والصورة الأدبية  
  
5129   09:12 صباحاً   التاريخ: 27-7-2017
المؤلف : علي علي مصطفى صبح
الكتاب أو المصدر : الصورة الأدبية تأريخ ونقد
الجزء والصفحة : ص:112-118
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد الحديث /


ويرى أحمد الشايب أن الصورة الأدبية لها معنيان حسب نوعية الجنس الأدبي:
أحدهما: يكون في الشعر التمثيلي وما يشبهه من النثر الفني كالقصة والأقصوصة والرواية والمسرحية النثرية، والصورة الأدبية في هذا النوع لا تدخل معنا في بحثنا وتخالف النوع الثاني الذي يتصل بموضوعنا. أولًا: من ناحية التصوير. وثانيًا: من ناحية معناها، وثالثًا: الصورة: إذ هي هنا يقابلها الأسلوب من حيث الكلمات والتراكيب الحقيقية والمجازية والسرد والوصف والحكاية والحوار، ولكن الصورة في النوع الثاني تقابلها المادة: الفكرة والعاطفة.
والصورة في النوع الأول هي منهج الكتاب، أو خطته العامة من حيث المقدمة والفصول والخاتمة وتناسقها معًا وبراءتها من الشذوذ والاضطراب....

تأخذ موضوعها وتقسمه فصولًا، وتلائم بين الشخصيات وتربط بين الحوادث، وتعني بالمفاجآت أو المبالغة أو المقصد)1). ويشترط فيها الوحدة التي تشتمل على الكمال والمنهج والتناسب.
ثانيهما: المعنى الثاني في الصورة، يكون في الشعر الغنائي، وما يشبهه من النثر الفني، كالمقالة الأدبية فالصورة هنا في إيجاز هي: "اللغة والخيال" وتقابل المادة وهي: "الفكرة والعاطفة"، فالمعجب بالوردة وهي صورة جميلة في مرأى العين ينقلها كما هي أمام عينيه، ولذلك تثيره كما أثارته، والأديب لا يستطيع إجراء هذا السبيل ... لذلك كان مضطرًّا أن يلجأ إلى وسائل أخرى غير مباشرة ليوقظ بها النفوس، ويهيج العواطف، وهذه الوسائل التي يحاول بها الأديب نقل فكرته وعاطفته معًا إلى قرائه أو سامعيه تدعى "الصورة الأدبية"(2).
فالصورة هي المادة التي تتركب من اللغة بدلالاتها اللغوية والموسيقية، ومن الخيال الذي يجمع بين عناصر التشبيه والاستعارة والكناية والطباق وحسن التعليل(3).
وهو يعتمد فيما اتجه إليه هنا في معناها إلى ما انتهى إليه الإمام عبد القاهر في قضية النظم(4)، ولكنه يفوقه في دقة التحديد لمفهومها، ثم في فهم الخيال وأثره في تكوين الصورة وبيان وسائله، ثم في تفصيل ما عبر عنه عبد القاهر بالتآخي والتلاؤم في النظم الذي تتألف منه الصورة وذلك في شروط تلازم المفهوم حتى يستقيم ويتضح وهي(5):
أولًا: أن تكون لغة العاطفة في الصورة مألوفة جزلة، بعيدة عن الغرابة والمصطلحات العلمية.
ثانيًا: أن تختلف الصورة باختلاف العاطفة، فإن كانت عاطفة متوسطة، احتاجت إلى سهولة العبارة وجمال الصور، والإيجاز فيها، وإن كانت عميقة تتصل بأسرار الحياة وأعماق النفس، تطلبت الجزالة والصور المحكمة، وإن كانت العاطفة طريفة، اقتضت التفصيل والبسط وتعدد الصور.
ثالثًا: ارتباط الصورة الأدبية بالمعاني اللغوية للألفاظ وموسيقاها، حيث يعبران عن نوع العاطفة ودرجتها وهو ما يسميه "حسن النظم".
رابعًا: إن الصورة تختلف باختلاف الأدباء، وذلك يرجع لاختلاف عواطفهم وتباين تناولهم للموضوع، ويقصد بذلك الأصالة، التي ينشدها لجمال الصورة، ونبذ التقليد فيها.
خامسًا: وهذا كله ينتهي بالباحث إلى شدة الارتباط بين المادة والصور، أو بين الفكرة والعاطفة من ناحية والخيال واللفظ من ناحية أخرى، وأي تغيير في أحدهما يتبعه تغيير في الآخر.
ويقصد بذلك كله النظم، ويذكر أمثلة من دلائل الإعجاز للإمام عبد القاهر الجرجاني(6). فالصورة على هذا هي التركيب الخارجي للحالة الداخلية عند الشاعر، الذي ينقل بأمانة ودقة عاطفته وفكره، مع التناسب التام بين الحالة والعبارة، حتى يخيل القارئ أثناء قراءته للصورة، أنه يخوض في أعماق الشاعر، ويتعرف على مصادرها في نفسه، وهذا هو المقياس الأصيل للصورة الأدبية.
يقول الشايب: "فمن البديهي أن مقياس الصورة الأدبية، هو قدرتها على نقل الفكرة والعاطفة بأمانة ودقة والصورة هي العبارة الخارجية للحالة الداخلية، وهذا ومقياسها الأصيل، وكل ما نصفها به من جمال إنما مرجعه إلى التناسب بينها، وبين ما تصور من عقل الكاتب ومزاجه تصويرًا دقيقًا، خاليًا من الجفوة والتعقيد فيه روح الأديب وقلبه، كأنا نحادثه، ونسمعه كأنا نعامله"(7).
وأما إبراهيم عبد القادر المازني: فيرى أن الصورة الأدبية غير فن التصوير والرسم، فهي غنية بالحركة والحيوية، وتعاقب الزمن وقتًا بعد وقت، حتى يأتي الشاعر على الحركة المقصودة من الصورة، بينما فن الرسم جامد ليس له إلا لحظة واحدة من الزمن، وهي تلك اللقطة التي يختارها الرسام من الزمن، ليودعها فنه وريشته كما أن الصورة الأدبية تنفرد أيضًا بخاصة لا توجد في فن التصوير، وهي أن الشاعر ينقل للقارئ المنظر المراد تصويره، من خلال مشاعره، وخواطره، ويلونها من داخل نفسه، فتؤدي عند القارئ إلى إثارة مثل هذه الأحاسيس والمعاني والآمال والخوالج. يقول: "إنما يسع الشاعر أن يفضي إليك "بوقع" هذا المنظر، وبما يثيره في النفس، من الإحساسات والمعاني والذكر والآمال والآلام والمخاوف والخوالج على العموم بأوسع معاني هذا اللفظ، وعلى العكس من ذلك يسع الشاعر أن يصف لك الحركات المتعاقبة في الزمن، وأن يحضرها إلى ذهنك، ويمثلها لخاطرك، وذلك ما لا سبيل إليه في التصوير(8)".
فالشاعر لا ينقل للقارئ تأثير المنظر في النفس، فيقع على أثره من غير عناء، ولكنه يدع فيه إحساسه ويترك صورة تثير هذا الإحساس عند القارئ، وهو معنى قوله: "أن يفضي إليك بوقع هذا المنظر".
ويوضح هذا أكثر عندما يعرض صورة الربيع عند البحتري التي مطلعها:-
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا ... من الحسن حتى كاد أن يتكلما
فيقول وهو ينفي هذا المعنى عن المصور بالرسم ويثبته للشاعر: "غير أن المصور لا يسعه أن يضمن المنظر إحساسه هو إليك كيف كان وقعه في نفسه كما يستطيع أن يفعل؛ لأن الشعر بطبيعته مجال العاطفة" وبذكر أبيات البحتري التي سبق مطلعها، ويقرر ما سبق بقوله: "فلم يحاول "أي الشاعر" أن يرسم لك صورة، وإنما أفضى إليك بما أثاره الربيع من المعاني في نفسه، وبما حركه من طلب الانشراح في عيد الطبيعة"(9).
ولكي يحدد اتجاهه في فهم الصورة الأدبية، فإنه يوازن بين صورتين لتكونا كالدليل على ما اتجه إليه فيذكر بيت النواسي في وصف جمال المرأة:
فإذا بدا اقتادت محاسنه ... قسرا إليه أعنة الحدق(10)

وصورة ابن الرومي عن سحر المرأة:-
ليس فيما كسبت من حلل الحسن ... ولا في هواي من مستزاد(11)
وقوله:
أهي شيء لا تسأم العين منه ... أم له كل ساعة تجديد(12)
فالنواسي يؤدي إليك تأثير جمال المرأة وسحرها في النفس، في صورة بلغت غاية السخف؛ لأن عيون الرجال خرجت من مكانها، وانفصلت عن وجوههم، وهذا بعيد عن مفهوم الصورة، والسنن الغنى الرائع فيها، وهو أن يترك الشاعر للصورة تأدية التأثير، لما تنطق به من آيات الفن وسحر التكوين كبيتي ابن الرومي، الذي ترك القارئ يتخيل الجمال ويتعرف على مصادره؛ لأن ابن الرومي ضرب المثل الأعلى في الجمال، مما يجعل خيال القارئ، دون ما تخيل ابن الرومي، يقول المازني:
"
لأن وظيفة المصور ليست أن يؤدي إليك التأثير، بل أن يدع الصورة تؤثر بذاتها، وبما تنطق به دون أن يعالج أداء الأثر الذي تحدثه"(13).
والمازني يرى أن الصورة ليست هي مجرد الشكل الذي يقابل المضمون، ولكنها تصدر عن الوسائل الفنية للشكل وهو ما يفيده النظم عند الإمام عبد القاهر، إلا أنه تناولها في عمق وجدة تبدو في أمور:-
أ- وضح مفهوم الصورة على وجه التقريب، وتكون في تناول المنظر المراد تصويره من خلال خواطر الشاعر وأحاسيسه وتلوينها بذات نفسه وعاطفته.

ب- أن الصورة ليست خطبة ينص الشاعر فيها على المراد، وما يقصده صراحة، ولكن على الشاعر بموهبته الفنية أن يدع الصور تتحدث بذلك، وتكشف عن الأثر الكامن فيها لا الشاعر.
ج- أن الصورة الأدبية لها لحظات في الزمن تتعاقب وتحدث ما فيها من حركة حيوية وهما لب الصورة وعصبها، وهذا هو الفارق المميز بينها وبين الرسم.
د- أن المازني جعل الخيال هو الأساس في الصورة، وبه يتفوق صاحبه على غيره، ويقسم الخيال قسمين: أحدهما الخيال الحسي وهو ما يستمد فيه الشاعر البواعث على الابتكار من ظواهر الطبيعة، وهو في نفس الوقت تصوير الشيء على حقيقته، كما يقع تحت الحس في الواقع، من غير إعمال ولا تحوير، وهذا ضرب نادر في الصورة؛ لأن وجود الخيال فيها لا بد وأن يأخذ مجراه ويعمق أجزاءها. ثانيهما: تخييلي وهو ما يستمد الشاعر فيه البواعث على الابتكار من نفسه وخواطره وأحاسيسه وعواطفه؛ لأن الأصل في الشعر سعة النظر، وعمق المعاني، فقد يتناول الشاعر منظرًا محدودًا في نظر الرائي ولكنه يراه بالمعنى الأوسع والأعمق مما يراه الآخر يقول: "فأبدع الخيال تنميقه، وأحسن ما شاء تفويقه وتزويقه، وعلم أن رؤية الشيء في أجل مظاهره وأسمى مجاليه وأروع حالاته هي ما يعبر عنه "بالإيديالزم" وعلى العكس من ذلك "الريالزم" ويقصد بالريالزم الخيال الأول، وبالإيديالزم الخيال الثاني، ويرد المازني التفاضل بين الاثنين لا إلى كون الأول حسيًّا والثاني تخييليًّا، ولكن إلى اختلاف شخصية الشاعرين في القدرة الفنية، وقوة الملاحظة "هذا يستمد البواعث على الابتكار من ظواهر الطبيعة، وذاك يستمدها من نفسه"(14).

والمازني والعقاد يتلاقيان معًا في اتجاههما، فهما صاحبا الديوان والمذهب الجديد في الشعر والتصوير إلا أن العقاد أعمق منه وأبعد تصورًا، وأقوى أصالة في هذا الميدان وما نحن فيه.
 

__________
(1) أصول النقد الأدبي: الأستاذ: أحمد الشايب 251.
(2) المرجع السابق: الأستاذ أحمد الشايب 242.
(3) المرجع السابق: 248، 429.
(4) المرجع السابق: 249.

(5) المرجع السابق 243 وما بعدها.
(6) المرجع السابق 246.

(7) المرجع السابق: 250.

(8) حصاد الهشيم: المازني ص118.
(9) المرجع السابق ص134، 135.
(10) ديوان أبي نواس.

(11) الديوان المخطوط ورقة 234 ج2.
(12) المخطوط 256، ج2.
(13) المرجع السابق 136، 137، وهو حصاد الهشيم: المازني.

(14) المرجع السابق: 230، 231.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.