أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-24
1281
التاريخ: 22-7-2022
1911
التاريخ: 16-12-2021
2000
التاريخ: 6-12-2021
2115
|
أولاً : حق المعلِّم أو الاستاذ :
أوجب الإسلام لمن يعلِّم الناس حقاً عظيماً يتناسب مع عظمة العلم والمعرفة ، وقد نقل لنا القرآن الكريم رغبة موسى ـ وهو من أولي العزم ـ في طلب العلم ، وكيف صَمّمَ على بلوغ هذا الهدف السامي مهما كانت العوائق ومهما بعد المكان وطال الزمان ، عندما قال:{لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}[الكهف: 60] ، ولما وجد العبد الصالح وضع نفسه موضع المتعلم ، وأعطى لأستاذه حق قيادته وإرشاده ، قائلاً له:{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا }[الكهف: 66] ، فإذا نَبهه إلى أمر تنبّه ، وإذا انكشف له الخطأ سارع إلى الاعتذار من استاذه ووعده بالطاعة ، وأعطى بذلك درساً بليغاً في أدب المتعلم مع المعلّم.
وكان النبي الأكرم يصرح بانه بُعث معلّماً ، ودعا في أحاديث عديدة إلى مراعاة حق العلم والمعلِّم. وتناولت مدرسة أهل البيت حقوق المعلم والمتعلم معاً بشيء من التفصيل وحثت على إكرام المعلم وتبجيله ، لكونه مربّي الأجيال.
تمعّن في هذه السطور التي سطرها يراع زين العابدين في رسالة الحقوق ، بعبارات تحمل معاني التقدير والعرفان بالجميل ، فيقول : « حق سائسك بالعلم : التعظيم له ، والتّوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والاقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتّى يكون هو الذي يجيب ، ولا تحدّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوّاً ، ولا تعادي له وليّاً ، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للنّاس » (1).
وانطلاقاً من حرص الإسلام الدائم على انسياب حركة العلم ، وعدم وضع العقبات أمام تقدمه وانتشاره ، طلب من المعلم أن يضع نصب عينه حقوق المتعلّم ، فيسعى إلى ترصين علمه ، واختيار أفضل السُّبل لإيصال مادته العلمية ، ولا يُنفّر تلاميذه بسوء عشرته.
ومن المعلوم أن الأئمة : قد اضطلعوا بوظيفة التربية والتعليم واعطوا القدوة الحسنة في هذا المجال ، وخلّفوا تراثاً علمياً يمثل هدىً ونوراً للأجيال. فمن حيث الكفاءة العلمية فهم أهل بيت العصمة ، ومعادن العلم والحكمة ، ومن حيث التعامل الأخلاقي فهم في القمّة ، بدليل أنّ الطلاّب يقصدونهم من كلِّ حدب وصوب ، ويسكنون لهم كما يسكن الطير إلى عشّه. وكان الإمام الصادق يشكّل الاُنموذج للمعلم: سمعتُ أبا حنيفة وقد سُئل عن أفقه من رأيت ، قال : جعفر بن محمد. وقال ابن ابي ليلى : ما كنتُ تاركاً قولاً قلته أو قضاءً قضيته لقول أحد إلاّ رجلاً واحداً هو جعفر بن محمد (2). وقال فيه مالك بن أنس ـ أحد أئمة المذاهب الاربعة ـ : كنت أرى جعفر بن محمد. وكان كثير الدعابة والتبسم. فإذا ذكر عنده النبي اخضرَّ واصفرَّ .. (3) ، وقال مالك أيضاً : ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد فضلاً وعلماً وورعاً .. (4). ثم أشاد بزهده وفضله. وعلى الرغم من كونه يمتاز بشخصية محببة كانت له هيبة وجلالة في قلوب الناس.
روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن عمرو بن المقدام ، قال : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنّه من سلالة النبيين (5).
ثانياً : حق الأخ :
الإسلام دين التآخي والتآلف ، يُقدم المثل الصالح في نسج علاقات تقوم على الاُخوّة الصادقة. ويعتبر المقياس الصحيح للاُخوّة هو ذاك المستند إلى الحقوق المتقابلة. فكل إخلال بها سوف ينعكس سلبا على رابطة الإخاء ويحقق علاقة غير سليمة بين الطرفين ، بل مشحونة بروح العداء وتؤدي إلى القطيعة والجفاء. وضرب لنا الرسول الأكرم المثل الاعلى في مراعاة حقّ الإخوان ، كان إذا فقد الرّجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه ، فإن كان غائباً دعا له ، وإن كان شاهداً زاره ، وإن كان مريضاً عاده (6). ولأخيه الإمام علي توصية ذهبية في هذا المجال ، يقول فيها: « لا تُضيّعنّ حقّ أخيك اتكالاً على ما بينك وبينَهُ ، فإنَّهُ ليسَ لك بأخٍ مَنْ أضعت حقَّهُ » (7). وللأخ أيضاً حق الإكرام ، فمن أكرمه حصل على رضا الله تعالى ، وينبغي قضاء حاجته وعدم تكليفه الطلب عند معرفتها ، ويتوجب المسارعة إلى قضائها. فقضاء حقوق الإخوان أشرف أعمال المتقين.
وبلغ السمو السلوكي لأهل العصمة ، في تقدير حق الأخوّة ، درجة بحيث أن الإمام الباقر سأل يوماً أحد أصحابه ـ سعيد بن الحسن ـ قائلاً : « أيجيء أحدكم إلى أخيه ، فيدخل يده في كيسه ، فيأخذ حاجته فلا يدفعه ؟ » فقلت : ما أعرف ذلك فينا ، فقال أبو جعفر: « فلا شيء إذاً » ، قلت : فالهلاك إذاً ، فقال : « إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد » (8).
وقدم لنا أهل بيت العصمة مقاييس معنوية نحدد من خلالها مدى تعظيم الاشخاص لدين الله تعالى ، ومدى قربهم وبعدهم عنه ، ومن هذه المقاييس حق الاخوان ، قال الإمام الصادق: « من عظّم دين الله عظّم حق إخوانه ، ومن استخفَّ بدينه استخفَّ بإخوانه » (9) ، وعن الإمام العسكري: « وأعرف النّاس بحقوق إخوانه ، وأشدّهم قضاءً لها ،أعظمهم عند الله شأناً » (10).
ثالثاً : حق الجليس :
إنَّ للجلوس آداباً وأحكاماً ، وللجليس حقوقاً وعليه التزامات. ولما كان الإنسان يتأثر بجليسه سلباً أو ايجاباً ، ويكتسب من أخلاقه ، ويكون وسطاً ناقلاً لآرائه ، إهتم الإسلام بموضوع الجليس ، فقد روي عن الإمام علي انه كان يقول : « جليس الخير نعمة ، وجليس الشرّ نقمة » (11).
وعلى العموم توصي مدرسة أهل البيت : بمجالسة العلماء ، ومزاحمتهم بالرّكب ، ومجالسة الحلماء لكي يزداد الإنسان حلماً ، ومجالسة الأبرار الذين إذا فعلت خيراً حمدوك ، وإنْ أخطأت لم يعنّفوك ، وكذلك مجالسة الحكماء ؛ لما فيها من حياة للعقول ، وشفاء للنّفوس. وأيضاً مجالسة الفقراء ؛ لكي يزداد الإنسان شكراً. كما نجد نهياً عن مجالسة الأغنياء الذين أطغاهم الغنى فأصبحوا أمواتاً وهم أحياء ، ونهياً عن مجالسة الجهلاء ، وأهل البدع والأهواء ، وضرورة الفرار منهم كما يُفر من المجذوم.
ومن الطبيعي أن للجليس الصالح حقوقاً ، يغلب عليها الطابع المعنوي ، وهي عبارة عن آداب العشرة الحسنة معه ، أدرجها الإمام السجاد في رسالة الحقوق وهي : « وحقّ جليسك أن تلين له جانبك ، وتنصفه في مجاراة اللفظ ، ولا تقوم من مجلسك إلاّ بإذنه ، ومن تجلس إليه يجوز له القيام عنك بغير اذنك ، وتنس زلاّته ، وتحفظ خيراته ، ولاتسمعه إلاّ خيراً » (12).
رابعاً : حق الناصح والمستنصح :
ما من إنسان إلاّ ويأتي عليه زمان يلتمس فيه النصح والإرشاد للخروج من مشكلةٍ وقع فيها ، أو لمشروع يعتزم القيام به ، وعندما يقدّم إليه أحدٌ نصيحة مخلصة ، يُفتح له باب المخرج أو تُكسر له حلقة الضيق ، فيمتلئ قلبه غبطةً وابتهاجاً.
والإسلام دين التناصح والتشاور ، يعتبر الدّين النصيحة ، ويشجع على بذلها. والبعض من الاَفراد يتحاشى النصيحة ، خوفاً من إغضاب إخوانه ، وخاصة أولئك الذين يسدّون آذانهم عن الآراء والنصائح التي لا تتفق ـ عاجلاً ـ مع مصالحهم وأهوائهم. هذا الموقف ترفضه تعاليم أهل البيت : ، يقول الإمام علي في كلماته الوعظية للحسن: « أمحَضْ أخاك النَّصيحة ، حسنةً كانت أو قبيحة » (13) ، ويقول: « ما أخلصَ المودّةَ مَنْ لم ينصح » (14). والإسلام يرى أن أفضل الاعمال ـ التي توجب القرب من الحضرة الإلهية ـ : النصح لله في خلقه.
وقد أشار الإمام زين العابدين لهذين الحقّين المتقابلين بقوله :« حقّ المستنصح : أن تؤدّي إليه النّصيحة ، وليكن مذهبك الرّحمة له ، والرّفق به.
وحقُّ النّاصح : أن تلين له جناحك وتُصغي إليه بسمعك ، فإن أتى بالصّواب حمدتَ الله عزّ وجلّ ، وإن لم يوافق رحمته ، ولم تتّهمه ، وعلمت أنَّه أخطأ ، ولم تؤاخذه بذلك إلاّ أن يكون مستحقاً للتّهمة ، فلا تعبأ بشيء من أمره على حال » (15).
_____________________________________________________
1ـ بحار الانوار 2 : 42.
2ـ في رحاب أئمة أهل البيت 2 : 43.
3ـ الإمام جعفر الصادق ، المستشار عبدالحليم الجندي : 159 ، طبع القاهرة 1977 م ـ 1397 ه.
4ـ في رحاب أئمة أهل البيت 2 : 31.
5ـ في رحاب أئمة أهل البيت 2 : 31.
6ـ بحار الانوار 16 : 233.
7ـ شرح نهج البلاغة ـ لابن ابي الحديد 16 : 105.
8ـ أُصول الكافي 2 : 181 / 13 باب حقّ المؤمن على أخيه واداء حقّه.
9ـ بحار الانوار 74 : 287.
10ـ بحار الانوار 75 : 117.
11ـ ميزان الحكمة 2 : 60.
12ـ شرح رسالة الحقوق ، السيد حسن القبانچي 2 : 151.
13ـ نهج البلاغة، ضبط الدكتور صبحي الصالح: 403.
14ـ ميزان الحكمة 10 : 55.
15ـ بحار الانوار 74 : 8 ـ 9.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|