المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

بـيئـة التـسويـق الـدولـي (البيئـة الاقتصاديـة Economic Environment) 
4/10/2022
التعريفات الأجنبية للدعاية
1-8-2022
الحالات Lysins
21-12-2018
غزوة خيبر
2024-11-02
استحباب زيارة اهل القبور
1-9-2021
علي الصدّيق الأكبر
29-01-2015


تفسير الاية (21-26) من سورة الجاثية  
  
274   01:22 مساءً   التاريخ: 12-5-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الجيم / سورة الجاثية /


قال تعالى : {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 21، 26].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

قال سبحانه للكفار على سبيل التوبيخ لهم {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} معناه بل أحسنت وهذا استفهام إنكار وقيل إن هذا معطوف على معنى مضمر تقديره هذا القرآن بصائر للناس مؤدية إلى الجنة أ فعلموا ذلك أم حسب الذين اكتسبوا الشرك والمعاصي أن نجعل منزلتهم منزلة الذين صدقوا الله ورسوله وحققوا أقوالهم بأعمالهم {سواء محياهم ومماتهم} أي يستوي محيا القبيلين ومماتهم يعني أ حسبوا أن حياتهم ومماتهم كحياة المؤمنين وموتهم {ساء ما يحكمون} أي ساء ما حكموا على الله تعالى فإنه لا يسوي بينهم ولا يستقيم ذلك في العقول بل ينصر المؤمنين في الدنيا ويمكنهم من المشركين ولا ينصر الكافرين ولا يمكنهم من المسلمين وينزل الملائكة عند الموت على المؤمنين بالبشرى وعلى الكافرين يضربون وجوههم وأدبارهم وقيل أراد محياهم بعد البعث ومماتهم عند حضور الملائكة لقبض أرواحهم وقيل أراد أن المؤمنين محياهم على الإيمان والطاعة ومماتهم على الإيمان والطاعة ومحيا المشركين على الشرك والمعصية ومماتهم كذلك فلا يستويان عن مجاهد وقيل إن الضمير في مماتهم ومحياهم للكفار والمعنى أنهم يتساوون في حال كونهم أحياء وفي حال كونهم أمواتا لأن الحي متى لم يفعل الطاعة فهو بمنزلة الميت.

 ثم قال سبحانه {وخلق الله السموات والأرض بالحق} أي لم يخلقهما عبثا وإنما خلقهما لنفع خلقة بأن يكلفهم ويعرضهم للثواب الجزيل {ولتجزى كل نفس بما كسبت} من ثواب على طاعة أو عقاب على معصية {وهم لا يظلمون} أي لا يبخسون حقوقهم ثم قال {أ فرأيت} يا محمد {من اتخذ إلهه هواه} أي اتخذ دينه ما يهواه فلا يهوى شيئا إلا ركبه لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه فاتبع هواه في أموره ولا يحجزه تقوى عن ابن عباس والحسن وقتادة وقيل معناه من اتخذ معبوده ما يهواه دون ما دلت الدلالة على أن العبادة تحقق له فإذا استحسن شيئا وهواه اتخذه إلها وكان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر عن عكرمة وسعيد بن جبير وقيل معناه أ فرأيت من انقاد لهواه انقياده لإلهه ومعبوده ويرتكب ما يدعوه إليه ولم يرد أنه يعبد هواه ويعتقد أنه تحق له العبادة لأن ذلك لا يعتقده أحد عن علي بن عيسى قد أيس الله رسوله من إيمانه هؤلاء بهذا.

 {وأضله الله على علم} أي خذله الله وخلاه وما اختاره جزاء له على كفره وعناده وترك تدبره على علم منه باستحقاقه لذلك وقيل أضله الله أي وجده ضالا على حسب ما عمله فخرج معلومه على وفق ما علمه كما يقال أحمدت فلانا أي وجدته حميدا وكقول عمرو بن معد يكرب قاتلناهم فما أجبناهم وسألناهم فما أبخلناهم وقاولناهم فما أفحمناهم أي ما وجدناهم كذلك وقيل معناه أنه ضل عن الله كما قال:

هبوني امرأً منكم أضل بعيره *** له ذمة إن الذمام كبير

 أي ضل عنه بعيره {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} فسرناه في سورة البقرة {فمن يهديه من بعد الله} أي من بعد هداية الله إياه والمعنى إذا لم يهتد بهدى الله بعد ظهوره ووضوحه فلا طمع في اهتدائه {أ فلا تذكرون} أي أ فلا تتعظون بهذه المواعظ وهذا استبطاء بالتذكر منهم أي تذكروا واتعظوا حتى تحصلوا على معرفة الله تعالى.

 ثم أخبر سبحانه عن منكري البعث فقال {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا} أي ليس الحياة إلا حياتنا التي تحن فيها في دار الدنيا ولا يكون بعد الموت بعث ولا حساب {نموت ونحيا} قيل في معناه أقوال ( أحدها ) أن تقديره نحيا ونموت فقدم وأخر ( والثاني ) أن معناه نموت ونحيي أولادنا ( والثالث ) يموت بعضنا ويحيا بعضنا كما قال فاقتلوا أنفسكم أي ليقتل بعضكم بعضا {وما يهلكنا إلا الدهر} أي وما يميتنا إلا الأيام والليالي أي مرور الزمان وطول العمر إنكارا منهم للصانع {وما لهم بذلك من علم} نفى سبحانه عنهم العلم أي إنما ينسبون ذلك إلى الدهر لجهلهم ولو علموا أن الذي يميتهم هو الله وأنه قادر على إحيائهم لما نسبوا الفعل إلى الدهر.

 {إن هم إلا يظنون} أي ما هم فيما ذكروه إلا ظانون وإنما الأمر بخلافه وقد روي في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال ((لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر)) وتأويله أن أهل الجاهلية كانوا ينسبون الحوادث المجحفة والبلايا النازلة إلى الدهر فيقولون فعل الدهر كذا وكانوا يسبون الدهر فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ((إن فاعل هذه الأمور هو الله تعالى فلا تسبوا فاعلها)) وقيل معناه فإن الله مصرف الدهر ومدبره والوجه الأول أحسن فإن كلامهم مملوء من ذلك ينسبون أفعال الله إلى الدهر قال الأصمعي ذم أعرابي رجلا فقال هو أكثر ذنوبا من الدهر وقال كثير :

وكنت كذي رجلين رجل صحيحة *** ورجل رمى فيها الزمان فشلت

وقال آخر :

فاستأثر الدهر الغداة بهم *** والدهر يرميني وما أرمي
يا دهر قد أكثرت فجعتنا *** بسراتنا ووقرت في العظم(2)

 ثم قال سبحانه {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} أي إذا قرأت عليهم حججنا ظاهرات {ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا ب آبائنا إن كنتم صادقين} أي لم يكن لهم في مقابلتها حجة إلا مقالتهم إن كنتم صادقين في أن الله يعيد الأموات ويبعثهم يوم القيامة فأتوا ب آبائنا وأحيوهم حتى نعلم أن الله قادر على بعثنا وإنما لم يجبهم الله إلى ذلك لأنهم قالوا ذلك متعنتين مقترحين لا طالبين الرشد .

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) رادا على الكفار قولهم فقال {قل} يا محمد {الله يحييكم} في دار الدنيا لأنه لا يقدر على الإحياء أحد سواه لأنه القادر لنفسه {ثم يميتكم} عند انقضاء آجالكم {ثم يجمعكم إلى يوم القيامة} بأن يبعثكم ويعيدكم أحياء {لا ريب فيه} أي لا شك فيه لقيام الحجة عليه وإنما احتج بالإحياء في دار الدنيا لأن من قدر على فعل الحياة في وقت قدر على فعلها في كل وقت ومن عجز عن ذلك في وقت مع ارتفاع الموانع المعقولة وكونه حيا عجز عنه في كل وقت {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} ذلك بعدولهم عن النظر الموجب للعلم بصحته .

____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص129-133.

2- السراة بالفتح : جمع السري ، وهو السيد الشريف السخي ، وصاحب المروة في الشرف ، وهو جمع نادر .. ووقر العظم يقره اي : صدعه.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ ومَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ} . هل يصح في الافهام أن يكون المحسن والمسيء بمنزلة سواء عند اللَّه وفي نظر العقل ؟ إذن ، فما معنى تعدد الأسماء وتباينها ؟ وما هو الفارق بين الخير والشر والهدى والضلال ؟ وأخذ علماء الكلام مضمون هذه الآية وقالوا : ان اللَّه سبحانه وعد الطائع بالثواب ، وتوعد العاصي بالعقاب ، وما وقع في الدنيا شيء من ذلك ، فوجب أن يعيد سبحانه الإنسان إلى الحياة بعد موته ليحصل الوفاء بوعده تعالى ووعيده . وأيضا اللَّه عادل ما في

ذلك ريب ، وقد رأينا الظالم يقضي حياته دون أن يقتص أحد منه للمظلوم ، ولولا الإعادة للحساب والجزاء لكان المظلوم أسوأ حالا من الظالم وكان اللَّه ظالما .

تعالى عن ذلك علوا كبيرا .

أما نعيم الدنيا فما هو بعلامة على رضا اللَّه ، ولا بؤسها دليل على غضبه ، قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أيها الناس ان الدنيا دار مجاز ، والآخرة دار قرار ، فخذوا من ممركم لمقركم . . . واخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم ، ففيها اختبرتم ، ولغيرها خلقتم .

{وخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأَرْضَ بِالْحَقِّ } . هذا تعليل لنفي المساواة بين المحسن والمسيء ، وبيانه ان اللَّه سبحانه خلق الكون حقا وعدلا ، لا عبثا وباطلا ، لأنه منزه عنهما ، وعليه فيستحيل أن يساوي بين المحسن والمسيء ، وإلا كان خلق الكون عبثا وباطلا ، لأن من يجوز العبث عليه في شيء يجوز عليه أيضا في غيره {ولِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ}. هذا هو النهج القويم نهج الحق والعدل ، من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .

أنظر تفسير الآية 4 من سورة يونس ج 4 ص 132 فقرة : (الحساب والجزاء حتم) .

والخلاصة ان اللَّه حكيم منزه عن الخطأ ، وحكمته تعالى تحتم إحياء الإنسان بعد موته ليميز بين المحسن والمسيء ، ويجزي كلا بما يستحق وإلا كان الخلق عبثا ، قال تعالى في الآية 115 من سورة المؤمنون : {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ } [المؤمنون: 115، 116] أي تنزه عن العبث .

{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} ؟ . من الناس من لا يؤمن بشيء إلا بنفسه ومصلحته . . وقد يهلل ويكبر بل ويصوم ويصلي ما دام ذلك لا يزاحم شيئا مما يحب ويهوى ، فهواه هو المعبود الحق عنده ، وما عداه وسيلة لا غاية أو عادة لا عبادة ، وهذا هو المقصود من قوله تعالى : {اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} . وقال قائل :

انما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه إلى النار ، وقد أخذ هذا من قوله تعالى :

{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41]. وفي بعض التفاسير ان المشرك الجاهلي كان يهوى الحجر فيعبده ، ثم يرى غيره فيهواه فيلقي الأول ، وهكذا من يتخذ إلهه هواه . . . وليس من شك ان المشرك الجاهلي أخف جرما عند اللَّه من العملاء الذين يبيعون دينهم وضميرهم بالمزايدة ، ويعقدون الصفقة مع من يزيد .

{وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ } . اللَّه سبحانه لا يضل أحدا ، كيف ؟ . وقد نهى سبحانه عن الضلال وتوعد عليه ، ولكن من يسلك طريق الضلال مختارا يدعه وشأنه ، ولا يشمله بلطفه وعنايته بعد أن علم جلت حكمته من العبد الضال الإصرار والعناد . أما قوله تعالى : {وخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وقَلْبِهِ وجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً}  فمعناه ان اللَّه تعالى قد أعمى المعاند عن ادراك الحق ورؤيته وسماعه بعد أن بينه له وحثه عليه وأعرض عنه من غير مبرر ، قال تعالى : {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [الصف: 5]. {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23] ؟ من لا ينتفع بنصائح اللَّه ، ويتعظ بمواعظه ، فلا تنفعه العظات والنصائح .

{وقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ ونَحْيا وما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ}. قال الماديون أو الدهريون عبّر بما شئت ، قالوا : ان الإنسان خليط من أشياء مادية تجمعت من هنا وهناك وتفاعلت ، فإذا مات فإلى فناء ولا شيء بعد الموت تماما كالنبات والحشرات ، وما نراه في الإنسان من إدراك وإحساس فهومن إفراز الجسم ووليد الظروف والملابسات أي ان عقل الإنسان وعاطفته من الأعراض الثانوية التي لا إصالة لها ولا استقلال .

{وما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} أي ان قولهم هذا دعوى بلا دليل . بل قام الدليل على فسادها وبطلانها لأن الذي يتحكم بالمادة ويخضعها لمصالحه ، ويحللها في مصانعه ويعرف الكثير عنها ولا تعرف هي شيئا عنه ، ان هذا الإنسان العجيب لا بد أن يكون أعظم من المادة وأرفع منها مستوى . وسبق الكلام عن ذلك مرارا ، منها عند تفسير الآية 78 من سورة النحل ج 4 ص 536 .

{وإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} . وهذا تماما كقول من قال : أنا لا أصدق أن شجرة التفاح تثمر في الصيف إلا إذا رأيتها تحمل الثمر في الشتاء ، وان هذا الطفل إذا كبر

نبتت لحيته الا إذا رأيتها الآن في وجهه ذاهلا ان لكل شيء أجلا ، وان لكل أجل كتابا لا يتقدم ولا يتأخر . وتقدم مثله في الآية 36 من سورة الدخان .

{قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ} . إذا كان اللَّه هو الذي أحيا الإنسان من قبل ولم يكن شيئا مذكورا ، وهو الذي يميته فما الذي يمنعه من إحيائه ثانية ؟ . {ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } ان النشأة الثانية أهون وأيسر من النشأة الأولى . وتقدم في العديد من الآيات ، منها الآية 28 من سورة البقرة و66 من سورة الحج .

_______________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص27-30.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم} إلخ، قال في الجمع،: الاجتراح الاكتساب، يقال: جرح واجترح وكسب واكتسب وأصله من الجراح لأن لذلك تأثيرا كتأثير الجراح.

قال: والسيئة الفعلة القبيحة التي يسوء صاحبها باستحقاق الذم عليها.

انتهى.

والجعل بمعنى التصيير، وقوله: {كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} في محل المفعول الثاني للجعل، والتقدير كائنين كالذين آمنوا، إلخ.

وجزم الزمخشري في الكشاف على كون الكاف في {كالذين} اسما بمعنى المثل هو مفعول ثان لقوله: {نجعلهم}، وقوله: {سواءْ} بدلا منه.

وقوله: {سواء} بالنصب على القراءة الدائرة وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل أي مستويا أو متساويا، وقوله: {محياهم} مصدر ميمي وفاعل {سواء} وضميره راجع إلى مجموع المجترحين والمؤمنين، و{مماتهم{ معطوف على {محياهم{ وحاله كحاله.

والآية مسوقة سوق الإنكار و{أم} منقطعة، والمعنى: بل أ حسب وظن الذين يكتسبون السيئات أن نصيرهم مثل الذين آمنوا وعملوا الصالحات مستويا محياهم ومماتهم أي تكون حياة هؤلاء كحياة أولئك وموتهم كموتهم فيكون الإيمان والتشرع بالدين لغوا لا أثر له في حياة ولا موت ويستوي وجوده وعدمه.

وقوله: {ساء ما يحكمون} رد لحسبانهم المذكور وحكمهم بالمماثلة بين مجترحي السيئات والذين آمنوا وعملوا الصالحات ومساءة الحكم كناية عن بطلانه.

فالفريقان لا يتساويان في الحياة ولا في الممات.

أما أنهما لا يتساويان في الحياة فلأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات في سلوكهم مسلك الحياة على بصيرة من أمرهم وهدى ورحمة من ربهم كما ذكره سبحانه في الآية السابقة والمسيء صفر الكف، من ذلك وقال تعالى في موضع آخر: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } [طه: 123، 124] ، وقال في موضع آخر: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122].

وأما أنهما لا يتساويان في الممات فلأن الموت كما ينطق به البراهين الساطعة ليس انعداما للشيء وبطلانا للنفس الإنسانية كما يحسبه المبطلون بل هو رجوع إلى الله سبحانه وانتقال من نشأة الدنيا إلى نشأة الآخرة التي هي دار البقاء وعالم الخلود يعيش فيها المؤمن الصالح في سعادة ونعمة وغيره في شقاء وعذاب.

وقد أشار سبحانه إليه فيما تقدم من كلامه بقوله: {كذلك يحيي الله الموتى} وقوله: {ثم إلى ربكم ترجعون} وغير ذلك، وسيتعرض له بقوله: {وخلق الله السماوات والأرض بالحق} إلخ.

والآية من حيث تركيب ألفاظها والمعنى المتحصل منها من معارك الآراء بين المفسرين وقد ذكروا لها محامل كثيرة والذي يعطيه السياق ويساعد عليه هوما قدمناه ولا كثير فائدة في التعرض لوجوه أخر ذكروها فمن أراد الاطلاع عليها فليراجع المطولات.

قوله تعالى: {وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون} الظاهر أن المراد بالسماوات والأرض مجموع العالم المشهود والباء في {بالحق} للملابسة فكون خلق العالم بالحق كونه حقا لا باطلا ولعبا وهو أن يكون لهذا العالم الكائن الفاسد غاية ثابتة باقية وراءه.

وقوله: {ولتجزى} إلخ، عطف على {بالحق} والباء في قوله: {بما كسبت} للتعدية أو للمقابلة أي لتجزى مقابل ما كسبت إن كان طاعة فالثواب وإن كان معصية فالعقاب، وقوله: {وهم لا يظلمون} حال من كل نفس أي ولتجزى كل نفس بما كسبت بالعدل.

فيئول معنى الآية إلى مثل قولنا وخلق الله السماوات والأرض بالحق وبالعدل فكون الخلق بالحق يقتضي أن يكون وراء هذا العالم عالم آخر يخلد فيه الموجودات وكون الخلق بالعدل يقتضي أن تجزى كل نفس ما تستحقه بكسبها فالمحسن يجزى جزاء حسنا والمسيء يجزى جزاء سيئا وإذ ليس ذلك في هذه النشأة ففي نشأة أخرى.

وبهذا البيان يظهر أن الآية تتضمن حجتين على المعاد إحداهما ما أشير إليه بقوله: {وخلق الله السماوات والأرض بالحق} ويسلك من طريق الحق، والثانية ما أشير إليه بقوله: {ولتجزى} إلخ، ويسلك من طريق العدل.

فتئول الحجتان إلى ما يشتمل عليه قوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 27، 28].

والآية بما فيها من الحجة تبطل حسبانهم أن المسيء كالمحسن في الممات فإن حديث المجازاة بالثواب والعقاب على الطاعة والمعصية يوم القيامة ينفي تساوي المطيع والعاصي في الممات، ولازم ذلك إبطال حسبانهم أن المسيء كالمحسن في الحياة فإن ثبوت المجازاة يومئذ يقتضي وجوب الطاعة في الدنيا والمحسن على بصيرة من الأمر في حياته يأتي بواجب العمل ويتزود من يومه لغده بخلاف المسيء العائش في عمى وضلال فليسا بمتساويين.

قوله تعالى: {أ فرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم} إلى آخر الآية ظاهر السياق أن قوله: {أ فرأيت} مسوق للتعجيب أي أ لا تعجب ممن حاله هذا الحال؟ والمراد بقوله: {اتخذ إلهه هواه} حيث قدم {إلهه} على {هواه} إنه يعلم أن له إلها يجب أن يعبده – وهو الله سبحانه - لكنه يبدله من هواه ويجعل هواه مكانه فيعبده فهو كافر بالله سبحانه على علم منه، ولذلك عقبه بقوله: {وأضله الله على علم} أي أنه ضال عن السبيل وهو يعلم.

ومعنى اتخاذ الإله العبادة والمراد بها الإطاعة فإن الله سبحانه عد الطاعة عبادة كما في قوله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي } [يس: 60، 61] ، وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] ، وقوله: {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } [آل عمران: 64].

والاعتبار يوافقه إذ ليست العبادة إلا إظهار الخضوع وتمثيل أن العابد عبد لا يريد ولا يفعل إلا ما أراده ورضيه معبوده فمن أطاع شيئا فقد اتخذه إلها وعبده فمن أطاع هواه فقد اتخذ إلهه هواه ولا طاعة إلا لله أومن أمر بطاعته.

فقوله: {أ فرأيت من اتخذ إلهه هواه} أي أ لا تعجب ممن يعبد هواه بإطاعته واتباعه وهو يعلم أن له إلها غيره يجب أن يعبده ويطيعه لكنه يجعل معبوده ومطاعه هو هواه.

وقوله: {وأضله الله على علم} أي هو ضال بإضلال منه تعالى يضله به مجازاة لاتباعه الهوى حال كون إضلاله مستقرا على علم هذا الضال، ولا ضير في اجتماع الضلال مع العلم بالسبيل ومعرفته كما في قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } [النمل: 14] وذلك أن العلم لا يلازم الهدى ولا الضلال يلازم الجهل بل الذي يلازم الهدى هو العلم مع التزام العالم بمقتضى علمه فيتعقبه الاهتداء وأما إذا لم يلتزم العالم بمقتضى علمه لاتباع منه للهوى فلا موجب لاهتدائه بل هو الضلال وإن كان معه علم.

وأما قول بعضهم: إن المراد بالعلم هو علمه تعالى والمعنى: وأضله الله على علم منه تعالى بحاله فبعيد عن السياق.

وقوله: {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} كالعطف التفسيري لقوله: {وأضله الله على علم} والختم على السمع والقلب هو أن لا يسمع الحق ولا يعقله، وجعل الغشاوة على البصر هو أن لا يبصر الحق من آيات الله ومحصل الجميع: أن لا يترتب على السمع والقلب والبصر أثرها وهو الالتزام بمقتضى ما ناله من الحق إذا أدركه لاستكبار من نفسه واتباع للهوى، وقد عرفت أن الضلال عن السبيل لا ينافي العلم به إذا لم يكن هناك التزام بمقتضاه.

وقوله: {فمن يهديه من بعد الله} الضمير لمن اتخذ إلهه هواه والتفريع على ما تحصل من حاله أي إذا كان حاله هذا الحال وقد أضله الله على علم إلخ، فمن يهديه من بعد الله سبحانه فلا هادي دونه قال تعالى: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [البقرة: 120] 120 وقال: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد: 33].

وقوله: {أ فلا تذكرون} أي أ فلا تتفكرون في حاله فتتذكروا أن هؤلاء لا سبيل لهم إلى الهدى مع اتباع الهوى فتتعظوا.

قوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} إلى آخر الآية، قال الراغب: الدهر في الأصل اسم لمدة العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه، وعلى ذلك قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر{ ثم يعبر به عن كل مدة كثيرة، وهو خلاف الزمان فإن الزمان يقع على المدة القليلة والكثيرة.

انتهى.

والآية على ما يعطيه السياق - سياق الاحتجاج على الوثنيين المثبتين للصانع المنكرين للمعاد - حكاية قول المشركين في إنكار المعاد لا كلام الدهريين الناسبين للحوادث وجودا وعدما إلى الدهر المنكرين للمبدأ والمعاد جميعا إذا لم يسبق لهم ذكر في الآيات السابقة.

فقولهم: {ما هي إلا حياتنا الدنيا{ الضمير للحياة أي لا حياة لنا إلا حياتنا الدنيا لا حياة وراءها فلا وجود لما يدعيه الدين الإلهي من البعث والحياة الآخرة، وهذا هو القرينة المؤيدة لأن يكون المراد بقوله: {نموت ونحيا{ يموت بعضنا ويحيا بعضنا الآخر فيستمر بذلك بقاء النسل الإنساني بموت الأسلاف وحياة الأخلاف ويؤيد ذلك بعض التأييد قوله بعده: {وما يهلكنا إلا الدهر} المشعر بالاستمرار.

فالمعنى: وقال المشركون: ليست الحياة إلا حياتنا الدنيا التي نعيش بها في الدنيا فلا يزال يموت بعضنا وهم الأسلاف ويحيى آخرون وهم الأخلاف وما يهلكنا إلا الزمان - الذي بمروره يبلى كل جديد ويفسد كل كائن ويميت كل حي - فليس الموت انتقالا من دار إلى دار منتهيا إلى البعث والرجوع إلى الله.

ولعل هذا كلام بعض الجهلة من وثنية العرب وإلا فالعقيدة الدائرة بين الوثنية هي التناسخ وهو أن نفوس غير أهل الكمال إذا فارقت الأبدان تعلقت بأبدان أخرى جديدة فإن كانت النفس المفارقة اكتسبت السعادة في بدنها السابق تعلقت ببدن جديد تتنعم فيه وتسعد، وإن كانت اكتسبت الشقاء في البدن السابق تعلقت ببدن لاحق تشقى فيه وتعذب جزاء لعملها السيىء وهكذا، وهؤلاء لا ينكرون استناد أمر الموت كالحياة إلى وساطة الملائكة.

ولهذا أعني كون القول بالتناسخ دائرا بين الوثنية ذكر بعض المفسرين أن المراد بالآية قولهم بالتناسخ، والمعنى: {إن هي إلا حياتنا الدنيا} فلسنا نخرج من الدنيا أبدا {نموت} عن حياة دنيا {ونحيا} بعد الموت بالتعلق ببدن جديد وهكذا {وما يهلكنا إلا الدهر}.

وهذا لا يخلو من وجه لكن لا يلائمه قولهم المنقول ذيلا: {وما يهلكنا إلا الدهر} إلا أن يوجه بأن مرادهم من نسبة الإهلاك إلى الدهر كون الدهر وسيلة يتوسل بها الملك الموكل على الموت إلى الإماتة، وكذا لا تلائمه حجتهم المنقولة ذيلا: {ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين} الظاهرة في أنهم يرون آباءهم معدومين باطلي الذوات.

وذكر في معنى الآية وجوه أخر لا يعبأ بها كقول بعضهم: المعنى نكون أمواتا لا حياة فيها وهو قبل ولوج الروح ثم نحيا بولوجها على حد قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } [البقرة: 28].

وقول بعضهم: المراد بالحياة بقاء النسل مجازا، والمعنى: نموت نحن ونحيا ببقاء نسلنا.

إلى غير ذلك مما قيل.

وقوله: {وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون} أي إن قولهم ذلك المشعر بإنكار المعاد قول بغير علم وإنما هو ظن يظنونه وذلك أنهم لا دليل لهم يدل على نفي المعاد مع ما هناك من الأدلة على ثبوته.

قوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين} تأكيد لكون قولهم بنفي المعاد وحصر الحياة في الحياة الدنيا قولا بغير علم.

والمراد بالآيات البينات الآيات المشتملة على الحجج المثبتة للمعاد وكونها بينات وضوح دلالتها على ثبوته بلا شك، وتسمية قولهم: {ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين} مع كونه اقتراحا جزافيا بعد قيام الحجة إنما هومن باب التهكم فإنه من قبيل طلب الدليل على المطلوب بعد قيام الدليل عليه فكأنه قيل: ما كانت حجتهم إلا اللاحجة.

والمعنى: وإذا تتلى على هؤلاء المنكرين للمعاد آياتنا المشتملة على الحجج المثبتة للمعاد والحال أنها واضحات الدلالة على ثبوته ما قابلوها إلا بجزاف من القول وهو طلب الدليل على إمكانه بإحياء آبائهم الماضين.

قوله تعالى: {قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون - إلى قوله – والأرض} ما ذكر من اقتراحهم الحجة على مطلوب قامت عليه الحجة وإن كان اقتراحا جزافيا لا يستدعي شيئا من الجواب لكنه سبحانه أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجيبهم بإثبات إمكانه الذي كانوا يستبعدونه.

ومحصله: أن الذي يحييكم لأول مرة ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة الذي لا ريب فيه هو الله سبحانه ولله ملك السماوات والأرض يحكم فيها ما يشاء ويتصرف فيها كيفما يريد فله أن يحكم برجوع الناس إليه ويتصرف فيكم بجمعكم إلى يوم القيامة والقضاء بينكم ثم الجزاء، والباقي ظاهر.

___________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18، ص140-145.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

ليسوا سواءً محياهم ومماتهم:

متابعة للآيات السابقة التي كان الكلام فيها يدور حول فئتين هما: المؤمنون والكافرون، أو المتقون والمجرمون، فإنّ أولى هذه الآيات قد جمعتهما في مقارنة أصولية بينهما، فقالت: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أنّ نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}.

هل يمكن أن يتساوى النور والظلمة، والعلم والجهل، والحسن والقبيح، والإيمان والكفر؟

هل يمكن أن تكون نتيجة هذه الأُمور غير المتساوية متساوية؟

كلا، فإنّ الأمر ليس كذلك، إذ المؤمنون ذو الأعمال الصالحات يختلفون عن المجرمين الكافرين، ويفترقون عنهم في كلّ شيء، إذ أنّ كلا من الإيمان والكفر، والعمل الصالح والطالح، يصبغ كلَّ الحياة بلونه.

وهذه الآية نظير الآية (28) من سورة ص، حيث تقول: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28] ؟

أو كالآيتين 35، 36، من سورة القلم حيث: { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35، 36] ؟

«اجترحوا» في الأصل من الجرح الذي يصيب بدن الإنسان أثر مرض ضرر، ولما كان ارتكاب الذنب والمعصية كأنّما يجرح روح المذنب، فقد استعملت كلمة الإجتراح بمعنى ارتكاب الذنب، وتستعمل أحياناً بمعنى أوسع يدخل فيه كلّ اكتساب. وإنّما يقال لأعضاء البدن: جوارح، لأنّ الإنسان يحقق مقاصده ورغباته بواسطتها، ويحصل على ما يريد، ويكتسب ما يشاء بواسطتها.

وعلى أية حال، فإنّ الآية تقول: إنّه لظن خاطئ أن يتصوروا أنّ الإيمان والعمل الصالح، أو الكفر والمعصية، لا يترك أثره في حياة الإنسان، فإنّ حياة هذين الفريقين ومماتهم يتفاوتان تماماً:

فالمؤمنون يتمتعون باطمئنان خاص في ظل الإيمان والعمل الصالح، بحيث لا تؤثر في نفوسهم أصعب الحوادث وأقساها، في حين أنّ الكافرين والملوثين بالمعصية والذنوب مضطربون دائماً، فإنّ كانوا في نعمة فهم معذبون دائماً من خوف زوالها وفقدانها، وإن كانوا في مصيبة وشدَّة فلا طاقة لهم على تحملها ومواجهتها.

وتصور الآية (82) من سورة الأنعام حال المؤمنين، فتقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].

إنّ المؤمنين مطمئنون بمواعيد الله سبحانه، وهم يرتعون في رحمته ولطفه: { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } [غافر: 51].

فنور الهداية يضيء قلوب الفريق الأوّل لتشرق بنور ربّها، فيسيرون بخطى ثابتة نحو هدفهم المقدس: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257].

أمّا الفريق الثّاني، فليس لديهم هدف واضح يطمحون إلى بلوغه، ولا هدى بيّن يسيرون في ظله، بل هم سكارى تتقاذفهم أمواج الحيرة في بحر الضلالة والكفر: (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات).

هذا في الحياة الدنيا، أما عند الموت الذي هو نافذة تطل على عالم البقاء، وباب للآخرة، فإنّ الحال كما تصوره الآية (32) من سورة النحل حيث تقول: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32].

أمّا المجرمون الكافرون، فإنّ الآيتين (28) ـ (29) من سورة النحل تتحدثان معهم بأسلوب آخر، فتقولان: {الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إنّ الله عليم بما كنتم تعملون. فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين}.

وخلاصة القول، فإنّ التفاوت والإختلاف موجود بين هاتين الفئتين في كافة شؤون الحياة والموت، وفي عالم البرزخ والقيامة(2).

أمّا الآية التالية فإنّه في الحقيقة تفسير لسابقتها وتعليل لها، إذ تقول: {وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كلّ نفس بما كسبت وهم لا يظلمون}، فكل العالم يوحي بأنّ خالقه قد خلقه وجعله يقوم على محور الحق، وأن يحكم العدل والحق كلّ مكان، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن أن يجعل الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمجرمين الكافرين، فيكون هذا الأمر استثناء من قانون الخلقة؟

من الطبيعي أنّه يجب أن يتمتع أُولئك الذين يتحركون حركة تنسجم مع قانون الحق والعدالة هذا، ولا يحيدون عنه ببركات عالم الوجود وينعمون بألطاف الله سبحانه، كما يجب أن يكون أولئك الذين يسيرون عكس هذا الطريق ويخالفون القانون طعمة للنّار المحرقة، ومحطاً لغضب الله عزَّ وجلّ، وهذا ما تقتضيه العدالة.

ومن هنا يتّضح أنّ العدالة لا تعني المساواة، بل العدالة أن يحصل كلّ فرد على ما يناسبه من المواهب والنعم حسب مؤهلاته وقابلياته.

وكذلك فإنّ الآية الأخيرة من هذه الآيات توضيح وتعليل آخر لعدم المساواة بين الكافرين والمؤمنين، إذ تقول: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون}.

وهنا سؤال يطرح نفسه، وهو: كيف يمكن أن يتخذ الإنسان إلهه هواه؟

غير أنّ من الواضح الجلي أنّ الإنسان عندما يضرب صفحاً عن أوامر الله سبحانه، ويتبع ما تمليه عليه شهواته، ويقدم طاعتها على طاعة الله سبحانه ويعتبر ذلك حقّاً، فقد عبد هواه، وهذا عين معنى العبادة، إذ أنّ أحد المعاني المعروفة للعبادة هو الطاعة.

وقد ورد في القرآن الكريم الكثير ممّا يبيّن هذا المعنى كعبادة الشيطان أو عبادة أحبار اليهود، فيقول القرآن ـ مثلاً ـ في الآية (60) من سورة يس: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس: 60].

ويقول في الآية (31) من سورة التوبة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31].

وجاء في حديث عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام أنهما قالا: «أما والله ما صاموا لهم، ولا صلوا، ولكنّهم أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً، فاتبعوهم، وعبدوهم من حيث لا يشعرون»(3).

غير أنّ بعض المفسّرين يعتبر هذا التعبير إشارة إلى الوثنيين من قريش، الذين إذا ما عشقوا شيئاً وأحبوه صنعوا على صورته صنماً ثمّ عبدوه وعظموه، وكلما رأوا شيئاً آخر أعجبهم أكثر من صنمهم أعرضوا عن الأوّل وتوجهوا إلى عبادة الثّاني، وعلى هذا فإنّ إلههم كان الشيء الذي ترتضيه أنفسهم وتهواه(4).

إلاّ أنّ تعبير: {من اتخذ إلهه هواه} أكثر انسجاماً مع التّفسير الأوّل.

أما في مورد جملة:(أضله الله على علم) فالتّفسير المعروف هو أنّ الله سبحانه قد أضلهم لعلمه بأنّهم لا يستحقون الهداية، وهو إشارة إلى أنّ هؤلاء قد أطفأوا بأيديهم كلّ مصابيح الهداية وحطموها، وأغلقوا في وجوههم كلّ سبل النجاة، ودمروا وراءهم جسور العودة إلى طريق الحق، فعند ذلك سلبهم الله تعالى رحمته ولطفه، وأفقدهم القدرة على تشخيص الصالح من الطالح، وتركهم في ظلمات لا يبصرون، وكأنّما ختم على قلبهم وسمعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة.

وما كلّ ذلك في الحقيقة إلاّ آثار لما اختط هؤلاء لأنفسهم من مسير، ونتيجة مشؤومة لعبادة الآلهة التي اتخذوها.

ولا صنم في الحقيقة أخطر من إتباع هوى النفس الذي يوصد كلّ أبواب الرحمة وطرق النجاة بوجه الإنسان؟ وكم هو بليغ وعميق الحديث المروي عن الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): «ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى»(5).

إلاّ أنّ بعض المفسّرين يعتبر هذه الجملة إشارة إلى أنّ متبعي الهوى هؤلاء قد اختاروا طريق الضلالة طريقاً لهم عن علم ودراية، لأنّ العلم لا يقارن الهداية دائماً، كما لا تكون الضلالة دائماً قرينة الجهل.

إنّ العلم الذي يتمسك الإنسان بلوازمه أساس الهداية، فعليه كي يصل إلى مراده وهدفه أن يتحرك على هدي هذا العلم، وألا يكون كأُولئك الكفار العنودين الذين قال بحقهم القرآن: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } [النمل: 14] (6).

إلاّ أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب بملاحظة أنّ مرجع الضمائر في الآية إلى الله سبحانه، لأنّها تقول: (أضله الله وختم على سمعه وقلبه).

ممّا قلناه يتّضح جيداً أنّ الآية تدل ـ من قريب أو بعيد ـ على مذهب الجبرية، بل هي تأكيد على أصل الإختيار وتعيين الإنسان مصيره بنفسه.

لقد أوردنا بحوثاً أكثر تفصيلاً وإيضاحاً حول ختم الله على قلب الإنسان وسمعه، وإلقاء الغشاوة على قلبه في ذيل الآية (7) من سورة البقرة(7).

- {وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذلِكَ مِنْ عِلْم إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ( 24 ) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَتُنَا بَيِّنَت مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ}:

عقائد الدهريين:

في هذه الآيات بحث آخر حول منكري التوحيد، غاية ما هناك أنّه ذكر هنا اسم جماعة خاصّة منهم، وهم «الدهريون» الذين ينكرون وجود صانع حكيم لعالم الوجود مطلقاً، في حين أنّ أكثر المشركين كانوا يؤمنون ظاهراً بالله، وكانوا يعتبرون الأصنام شفعاء عند الله، فتقول الآية أولاً: {وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا} فكما يموت من يموت منا، يولد من يولد منّا وبذلك يستمر النسل البشري: {وما يهلكنا إلاّ الدهر} وبهذا فإنّهم ينكرون المعاد كما ينكرون المبدأ، والجملة الأُولى ناظرة إلى إنكارهم المعاد، أمّا الجملة الثّانية فتشير إلى إنكار المبدأ.

والجدير بالانتباه أنّ هذا التعبير قد ورد في آيتين أُخريين من آيات القرآن الأُخرى، فنقرأ في الآية (29) من سورة الأنعام: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [الأنعام: 29].

وجاء في الآية (37) من سورة المؤمنون: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [المؤمنون: 37].

إلاّ أنّ التأكيد في الآيتين على إنكار المعاد وحسب، ولم يرد إنكار المبدأ والمعاد معاً إلاّ في هذه الآية مورد البحث.

ومن الواضح أنّ هؤلاء إنّما كانوا يؤكدون على المعاد أكثر من المبدأ لخوفهم واضطرابهم منه الذي قد يغير مسير حياتهم المليئة بالشهوات والخاضعة لها.

وقد ذكر المفسّرون عدّة تفاسير لجملة {نموت ونحيا}:

الأوّل: وهوما ذكرناه، بأنّ الكبار يغادرون الحياة ليحل محلهم المواليد.

الثّاني: أنّ الجملة من قبيل التأخير والتقديم، ومعناها: إنّنا نحيا ثمّ نموت، ولا شيء غير هذه الحياة والموت.

الثّالث: أنّ البعض يموتون ويبقى البعض الآخر، وإن كان الجميع سوف يموتون في النهاية.

الرّابع: أننا كنا في البداية أموات لا روح فينا، ثمّ مُنحنا الحياة ودبت فينا.

غير أنّ التّفسير الأوّل هو أنسب الجميع وأفضلها.

وعلى أية حال، فإنّ جماعة من الماديين في العصور الخالية كانوا يعتقدون أنّ الدهر هو الفاعل أو الزمان في هذا العالم ـ أو بتعبير جماعة آخرين: إنّ الفاعل هو دوران الأفلاك وأوضاع الكواكب ـ وكانوا يُنهون سلسلة الحوادث إلى الأفلاك، ويعتقدون أنّ كلّ ما يقع في هذا العالم بسببها(9)، حتى أنّ جماعة من فلاسفة الدهريين وأمثالهم كانوا يقولون بوجود عقل للأفلاك، ويعتقدون أنّ تدبير هذا العالم بيدها.

إن هذه العقائد الخرافية انقرضت بمرور الزمان، خاصّة وقد ثبت بتقدم علم الهيئة عدم وجود شيء باسم الأفلاك ـ الكرات المتداخلة الصافية ـ في الوجود الخارجي أصلاً، وأن لنجوم العالم العلوي بناء كبناء الكرة الأرضية بتفاوت ما، غاية في الأمر أنّ بعضها مظلم ويكتسب نوره من الكرات الأُخرى، وبعضها الآخر مشتعل ومنير.

إنّ الدهريين كانوا يذمون الدهر ويسبونه أحياناً عندما تقع حوادث مرّة مؤلمة. غير أنّه ورد في الأحاديث الإسلامية عن النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)«لا تسبوا الدهر، فإنّ الله هو الدهر»(10)، وهو إشارة إلى أنّ الدهر لفظ ليس إلاّ، فإنّ الله سبحانه هو مدبر هذا العالم ومديره، فإنّكم إنّ أسأتم القول بحق مدبر هذا العالم ومديره، فقد أسأتم بحق الله عزّوجلّ من حيث لا تشعرون.

والشاهد على هذا الكلام حديث آخر روي كحديث قدسي عن الله تعالى أنّه قال: «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر! بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار»(11).

لكن قد استعمل الدهر في بعض التعبيرات بمعنى أبناء الأيّام، وأهل الزمان الذين شكا العظماء من عدم وفائهم، كما نقل في الشعر المنقول عن الإمام الحسين(عليه السلام)، حيث أنشد ليلة عاشوراء:

يا دهر أُف لك من خليلِ كم لك بالإشراق والأصيلِ

من صاحب وطالب قتيل والدهر لا يقنع بالقليلِ

وعلى هذا فللدهر معنيان: الدهر بمعنى الأفلاك والأيّام، والذي كان محل اهتمام الدهريين، حيث كانوا يظنونه حاكماً على نظام الوجود وحياة البشر. والدهر بمعنى أهل العصر والزمان وأبناء الأيّام.

ومن المسلّم أنّ الدهر بالمعنى الأوّل أمر وهمي، أو نقول أنّه اشتباه في التعبير حيث أطلق اسم «الدهر» بدل اسم الله المتعالي الحاكم على كلّ عالم الوجود. أمّا الدهر بالمعنى الثّاني فهو الشيء الذي ذمه كثير من الأئمة والعظماء، لأنّهم كانوا يرون أهل زمانهم مخادعين مذبذبين لا وفاء لهم.

على أية حال، فإنّ القرآن الكريم أجاب هؤلاء العبثيين بجملة وجيزة عميقة، تلاحظ في موارد أُخرى من القرآن الكريم أيضاً، فقال: {وما لهم بذلك من علم أن هم إلاّ يظنون}.

وقد ورد نظير هذا المعنى في الآية (28) من سورة النجم في من يظنون أنّ الملائكة بنات الله سبحانه: {وما لهم به من علم إنّ يتبعون إلاّ الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً}.

وقد ورد هذا المعنى أيضاً في القول بقتل المسيح، النساء ـ 157، وعقيدة مشركي العرب في الأصنام، يونس ـ 66.

وهذا أبسط وأوضح دليل يلقى على هؤلاء بأنّكم لا تملكون أي شاهد أو دليل منطقي على مدعاكم، بل تستندون في دعواكم إلى الظن والتخمين فقط.

وأشارت الآية التالية إلى إحدى ذرائع هؤلاء الواهية وحججهم الباطلة فيما يتعلق بالمعاد، فقالت: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلاّ أنّ قالوا ائتوا بآبائنا إنّ كنتم صادقين}(12).

كان هؤلاء يرددون أنّ إذا كانت حياة الأموات وبعثهم حقّاً فأحيوا آباءنا كنموذج لادعائكم، حتى نعرف مدى صدقكم، ولنسألهم عمّا يجري بعد الموت، وهل يصدّقون ما تقولونه أم يكذبونه؟

نعم، هذا هو دليلهم الأجوف لأنّ الله سبحانه قد أبان للبشر قدرته على إحياء الأموات بطرق مختلفة، فإنشاء أوّل إنسان من التراب، وتحولات النطفة العجيبة في الرحم، وخلق السماء الواسعة والأرض، وإحياء الأراضي الميتة بعد هطول الأمطار عليها، ذكرت كلها كأسانيد حية على إمكان القيامة والبعث الجديد، وكأفضل دليل على هذا المعنى، وبعد كلّ هذا لا حاجة إلى دليل آخر.

وبغض النظر عن ذلك، فإنّ هؤلاء كانوا قد أثبتوا أنّهم لا هدف لهم إلاّ التذرع والتوسل بالحجج، للإستمرار في ضلالهم واعتقادهم المنحرف، فإذا كشف لهم عن مشهد إحياء الأموات فرضاً فرأوه بأم أعينهم، فإنّهم سيقولون مباشرة: إنّه سحر، كما قالوا ذلك في الموارد المشابهة.

إنّ التعبير بـ «الحجة» في مورد قول هؤلاء الفارغ هو كناية في الحقيقة عن أنّ هؤلاء لا دليل لهم إلاّ عدم الدليل.

الكلُّ جاث في محكمة العدل الإلهي:

هذه الآيات في الحقيقة جواب آخر على كلام الدهريين، الذين كانوا ينكرون المبدأ والمعاد، وقد أشير إلى كلامهم، في الآيات السابقة، فتقول الآية أوّلاً: {قل الله يحييكم ثمّ يميتكم ثمّ يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه}.

لم يكن هؤلاء يعتقدون بالله ولا باليوم الآخر، ومحتوى هذه الآية استدلال عليهما معاً، حيث أكّدت على مسألة الحياة الأولى. وبتعبير آخر، فإنّ هؤلاء لا يستطيعون أن ينكروا أصل وجود الحياة الأولى، ونشأة الموجودات الحية من موجودات ميتة، وهذا يشكل من جهة دليلاً على وجود عقل وعلم كلي شامل، إذ هل يمكن أن توجد الحياة على هذه الهيئة المدهشة، والتنظيم الدقيق، والأسرار العجيبة المعقدة، والصور المتعددة، والتي أذهلت عقول كلّ العلماء، من دون أن يكون لها خالق قادر عالم؟

ولهذا نرى آيات القرآن المختلفة تؤكّد على مسألة الحياة كأحد آيات التوحيد وأدلته البينة.

ومن جهة أخرى، تقول لهم: كيف يكون القادر على إنشاء الحياة الأولى عاجزاً عن إعادتها ثانياً؟

أمّا التعبير بـ (لا ريب فيه) حول القيامة، والذي يخبر عن حتمية وقوعها وحدوثها، لا عن إمكانها، فهو إشارة إلى قانون العدل الإلهي، حيث لم يصل كلّ صاحب حق الى حقّه في هذه الحياة الدنيا، ولم يلاق كلّ المعتدين والظالمين جزاءهم، ولولا محكمة القيامة العادلة، فان العدالة الإلهية لا مفهوم لها حينئذ.

ولما كان كثير من الناس لا يتأمل هذه الدلائل ولا يدقق النظر فيها، فإنّ الآية تضيف في النهاية: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

إن أحد أسماء يوم القيامة المار ذكره في هذه الآية هو: (يوم الجمع) لأنّ جميع الخلق من الأولين والآخرين، وعلى اختلاف طبقات البشر وأصنافهم يجمعون في ذلك اليوم في مكان واحد. وقد ورد هذا التعبير في عدّة آيات أُخرى من القرآن الكريم أيضاً، ومن جملتها الشورى ـ 7، والتغابن ـ 9.

_____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص509-521.

2 ـ ثمّة احتمالات أُخرى في تفسير الآية المذكورة ومن جملتها ما ذكر من أنّ المراد من جملة (سواء محياهم ومماتهم) أنّ موت المجرمين الكافرين وحياتهم واحد لا فرق فيه، فلا خير فيهم ولا طاعة لهم حال حياتهم، ولا في موتهم، فهم أحياء لكنّهم أموات، وعلى هذا التّفسير فإنّ كلا الضميرين يعودان على المجرمين.

والإحتمال الآخر: أنّ المراد من الحياة يوم القيامة، أي أنّ المؤمنين والكافرين لا يتساوون عند الموت وعند بعثهم يوم القيامة. إلاّ أن ظاهر الآية هوما ذكرناه أعلاه.

3 ـ نور الثقلين، ج 2، ص 209.

4 ـ تفسير الدر المنثور، ج6، ص 35.

5 ـ تفسير القرطبي، المجلد 9، صفحة 5987، وتفسير روح البيان، وتفسير المراغي ذيل

الآيات مورد البحث.

6 ـ تفسير الميزان، ج 18، ص187.

7 ـ التّفسير الأمثل ، المجلد الأول، ، ذيل الآية (7) من سورة البقرة.

9 ـ احتمل البعض احتمالاً خامساً في تفسير هذه الجملة، وهو أنّها إشارة إلى عقيدة التناسخ التي

كان يعتقد بها جمع من الوثنيين، حيث كانوا يقولون: إنّنا نموت دائماً ثمّ نحيا في أبدان أُخرى في

هذا العالم. إلاّ أنّ هذا التّفسير لا ينسجم مع جملة (وما يهلكنا إلاّ الدهر) والتي تتحدث عن

الهلاك والفناء فقط. (فتأمل!).

10 ـ تفسير مجمع البيان، ج 9، ص 78.

11 ـ تفسير القرطبي، ج 9، ص 5991.

12 ـ «حجتهم» في الآية المذكورة خبر كان، و(أن قالوا...) اسمها.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .