أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-5-2017
236
التاريخ: 12-5-2017
310
التاريخ: 12-5-2017
279
التاريخ: 12-5-2017
275
|
قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [الجاثية: 16 - 20].
لما تقدم ذكر النعمة ومقابلتهم إياها بالكفر والطغيان بين عقيب ذلك ذكر ما كان من بني إسرائيل أيضا في مقابلة النعم من الكفران فقال : {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب} يعني التوراة {والحكم} يعني العلم بالدين وقيل العلم بالفصل بين الخصمين وبين المحق والمبطل {والنبوة} أي وجعلنا فيهم البنوة حتى روي أنه كان فيهم ألف نبي {ورزقناهم من الطيبات} أي وأعطيناهم من أنواع الطيبات {وفضلناهم على العالمين} أي عالمي زمانهم وقيل فضلناهم في كثرة الأنبياء منهم على سائر الأمم وإن كانت أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أفضل منهم في كثرة المطيعين لله وكثرة العلماء منهم كما يقال هذا أفضل في علم النحو وذاك في علم الفقه فأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أفضل في علو منزلة نبيها عند الله على سائر الأنبياء وكثرة المجتبين الأخيار من آله وأمته والفضل الخير الزائد على غيره فأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أفضل بفضل محمد وآله.
{وآتيناهم بينات من الأمر} أي أعطيناهم دلالات وبراهين واضحات من العلم بمبعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وما بين لهم من أمره وقيل يريد بالأمر أحكام التوراة {فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم} أي من بعد ما أنزل الله الكتب على أنبيائهم وأعلمهم بما فيها {بغيا بينهم} أي طلبا للرئاسة وأنفة من الإذعان للحق وقيل بغيا على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) في جحود ما في كتابهم من نبوته وصفته {إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} ظاهر المعنى {ثم جعلناك على شريعة من الأمر} أي ثم جعلناك يا محمد على دين ومنهاج وطريقة يعني بعد موسى وقومه والشريعة السنة التي من سلك طريقها أدته إلى البغية كالشريعة التي هي طريق إلى الماء فهي علامة منصوبة على الطريق من الأمر والنهي يؤدي إلى الجنة كما يؤدي ذلك إلى الوصول إلى الماء {فاتبعها} أي اعمل بهذه الشريعة {ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} الحق ولا يفصلون بينه وبين الباطل من أهل الكتاب الذين غيروا التوراة اتباعا لهواهم وحبا للرئاسة واستتباعا للعوام ولا المشركين الذين اتبعوا أهواءهم في عبادة الأصنام {إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا} أي لن يدفعوا عنك شيئا من عذاب الله إن اتبعت أهواءهم {وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض} يعني أن الكفار بأجمعهم متفقون على معاداتك وبعضهم أنصار بعض عليك {والله ولي المتقين} أي ناصرهم وحافظهم فلا تشغل قلبك بتناصرهم وتعاونهم عليك فإن الله ينصرك عليهم ويحفظك {هذا بصائر للناس} أي هذا الذي أنزلته عليك من القرآن بصائر أي معالم في الدين وعظات وعبر للناس يبصرون بها من أمور دينهم {وهدى} أي دلالة واضحة {ورحمة} أي ونعمة من الله {لقوم يوقنون} بثواب الله وعقابه لأنهم هم المنتفعون به .
__________________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص126-127.
{ولَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ والْحُكْمَ والنُّبُوَّةَ ورَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ} . في الآيات السابقة ذكر سبحانه الأفاكين الآثمين الذين كفروا
بدلائل اللَّه وآلائه ، وهزؤوا بالحق وأهله ، ولما كان بنو إسرائيل أصدق مثل لهذه الأوصاف عقب سبحانه بذكرهم وبما هم عليه من الجحود والآثام ، مع ان اللَّه قد أمد لهم وأنعم عليهم بالتوراة والإنجيل اللذين أشار إليهما بكلمة الكتاب ، وأفهمهم ما فيهما من المواعظ والأحكام ، وهذا هو المراد من الحكم ، وجعل منهم أنبياء ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وفضلهم على آل فرعون حيث أغرقهم وأراح الإسرائيليين من عذابهم .
{وآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الأَمْرِ } . أوضح سبحانه لبني إسرائيل كل ما يحتاجون إليه من أمور الدين ، ولم يبق عذرا ولا سببا لاختلافهم وتفرقهم {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} . لقد علموا علم اليقين ما أنزل اللَّه على موسى ، ولكنهم تجاهلوه وحرفوه تبعا لأهوائهم ومصالحهم : {مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ويَقُولُونَ سَمِعْنا وعَصَيْنا} - 46 النساء . وقوله تعالى :
{اخْتَلَفُوا} يشير إلى القليل النادر الذي ثبت على الحق {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } . قد يتغلب المبطل على المحق في الحياة الدنيا ، أما في الآخرة فإن الكلمة العليا للحق وحده ، وإلا كان المحق أسوأ حالا من المبطل . وتقدم مثله في الآية 93 من سورة يونس ج 4 ص 190 .
ضربت الذلة على إسرائيل بحكم التوراة :
جاء في القرآن الكريم عن بني إسرائيل قوله تعالى : {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} [آل عمران: 112]. وتكلمنا مطولا حول هذه الآية في ج 2 ص 133 ، وقلنا : ان إسرائيل قاعدة من قواعد الاستعمار ، وانها زائلة لا محالة عاجلا أو آجلا .
والآن ننقل من نصوص الأسفار - أي الكتاب المقدس عند اليهود - ما يدل بصراحة ووضوح على ان اللَّه كتب على إسرائيل الذلة والمسكنة حتى يومها الأخير .
فقد جاء في سفر الملوك الثاني اصحاح 17 الآية 19 و20 : (فغضب الرب جدا على إسرائيل . . . فرذل الرب كل نسل إسرائيل وأذلهم) . وفي سفر ارميا اصحاح 9 الآية 15 و16 : (ها أنا ذا أطعم هذا الشعب أفسنتينا واسقيهم العلقم وأبددهم في أمم لم يعرفوها هم ولا آباؤهم ، وأطلق وراءهم السيف حتى أفناهم) . وأيضا في سفر التثنية اصحاح 28 الآية 62 و63 : (فتبقون نفرا قليلا . . . فتستأصلون من الأرض) . الخطاب لبني إسرائيل ، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على بغي اليهود وفسادهم وذلهم وهوانهم .
ونسأل الصهاينة : إذا كنتم شعب اللَّه المختار كما تزعمون فلما ذا حكم الرب عليكم وعلى نسلكم بالذلة والرذالة والتشريد إلى ان تستأصلوا من الأرض ؟ وكيف قطع الرب عهدا على نفسه أن يجعل أورشليم رجما ومأوى لبنات آوى كما جاء في سفر ارميا اصحاح 9 الآية 11 : {واجعل أورشليم رجما ومأوى بنات آوى ، ومدن يهوذا اجعلها خرابا بلا ساكن} ؟ . وما هو الكتاب المقدس لدولتكم الدينية العنصرية كما قال بومبيدو رئيس جمهورية فرنسا . هل هو التوراة التي وصفتكم ووصفت عاصمتكم بقولها : (هكذا قال الرب : أيتها المدينة - أي أورشليم - السفاكة الدم . . . يا نجسة الاسم يا كثيرة الشغب ، هوذا رؤساء إسرائيل كل واحد حسب استطاعته كانوا فيك لأجل سفك الدماء - سفر حزقيال اصحاح 22 الآية 3 و6) .
لقد وصف القرآن الكريم بني إسرائيل بأبشع النعوت وأقبحها ، ولكنه لم يزد شيئا عما جاء في التوراة والكتاب المقدس عند اليهود . . . وقد جاء ذم أورشليم في إنجيل لوقا اصحاح 13 : (يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين) ويقول الإنجيل : ان اليهود في كل زمان ومكان يشاركون في الجريمة أجدادهم الذين صلبوا السيد المسيح لأنهم راضون بأفعالهم مؤمنون بأقوالهم : انه ابن زنا ودجال . . . وما جاء في الإنجيل يتفق تماما مع المبدأ الاسلامي القائل : {العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء} .
ومن أجل هذا عارضت الكنيسة القبطية بابا روما حين أصدر هو وأعوانه وثيقة تبرئة يهود الجيل من دم المسيح . . وتجدر الإشارة إلى أن هذه الوثيقة أصدرها بابا روما قبيل عدوان إسرائيل على البلاد العربية بقليل .
{ ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْها }. الشريعة في اللغة مورد الماء ، وقد استعيرت للأحكام الدينية لأنها تحيي الأرواح كما يحيي الماء الأجسام ، والمراد
بالأمر هنا الدين ، والمعنى لقد جعلناك يا محمد على عقيدة التوحيد وخلع الشرك والأنداد ، وأعطيناك الشريعة السهلة السمحة ، فتمسك بها وادع إليها ، أما قوله تعالى : {ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } فمعناه ان المجرمين لا يتبعون إلا الهوى والغرض ، وما عليك إلا أن تمضي في دعوتك ولا تأخذك فيها لومة لائم ، وهو سبحانه يكفيك كيد الكائدين وشر المتآمرين .
{ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً } لأن من عجز أن يدفع عن نفسه فهوعن مؤازرة غيره أعجز { وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ } . لا يجد المجرم في الحياة الدنيا من يناصره ويؤازره إلا من كان على شاكلته في الإجرام والآثام . .
والطيبون أعداء له وحرب عليه ، أما في الآخرة فيلعن المجرمون بعضهم بعضا {واللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ } دنيا وآخرة { هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وهُدىً ورَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } .
هذا إشارة إلى القرآن ، والبصائر الدلائل التي تبصر بها الحق وطريق الهداية ، وما من شك أن من يأتم بالقرآن فهو على علم اليقين بأنه على هدى من ربه ، وداخل في رحمته . وتقدم مثله في الآية 203 من سورة الأعراف ج 3 ص 441 .
__________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7، ص23-26.
قوله تعالى: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة} إلخ، لما بين أن للأعمال آثارا حسنة أو سيئة تلحق صاحبيها أراد التنبيه على تشريع شريعة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ كان على الله سبحانه أن يهدي عباده إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم كما قال تعالى: { وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ} [النحل: 9].
فنبه على ذلك بقوله الآتي: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر} إلخ، وقدم على ذلك الإشارة إلى ما آتى بني إسرائيل من الكتاب والحكم والنبوة ورزقهم من الطيبات وتفضيلهم وإيتائهم البينات ليؤذن به أن الإفاضة الإلهية بالشريعة والنبوة والكتاب ليست ببدع لم يسبق إليه بل لها نظير في بني إسرائيل وهم بمرآهم ومسمعهم.
فقوله: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة} المراد بالكتاب التوراة المشتملة على شريعة موسى (عليه السلام) وأما الإنجيل فلا يتضمن الشريعة وشريعته شريعة التوراة، وأما زبور داود فهي أدعية وأذكار، ويمكن أن يراد بالكتاب جنسه الشامل للتوراة والإنجيل والزبور كما قيل لكن يبعده أن الكتاب لم يطلق في القرآن إلا على ما يشتمل على الشريعة.
والمراد بالحكم بقرينة ذكره مع الكتاب ما يحكم ويقضي به الكتاب من وظائف الناس كما يذكره قوله تعالى: { وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: 213] ، وقال في التوراة: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} [المائدة: 44] ، فالحكم من لوازم الكتاب كما أن النبوة من لوازمه.
والمراد بالنبوة معلوم وقد بعث الله من بني إسرائيل جما غفيرا من الأنبياء كما في الأخبار وقص في كتابه جماعة من رسلهم.
وقوله: {ورزقناهم من الطيبات} أي طيبات الرزق ومن ذلك المن والسلوى.
وقوله: {وفضلناهم على العالمين} إن كان المراد جميع العالمين فقد فضلوا من بعض الجهات ككثرة الأنبياء المبعوثين والمعجزات الكثيرة الظاهرة من أنبيائهم، وإن كان المراد عالمي زمانهم فقد فضلوا من جميع الجهات.
قوله تعالى: {وآتيناهم بينات من الأمر} إلى آخر الآية المراد بالبينات الآيات البينات التي تزيل كل شك وريب وتمحوه عن الحق ويشهد بذلك تفريع قوله: {فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم}.
والمراد بالأمر قيل: هو أمر الدين، و{من} بمعنى في والمعنى: وأعطيناهم دلائل بينة في أمر الدين ويندرج فيه معجزات موسى (عليه السلام).
وقيل: المراد به أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمعنى: آتيناهم آيات من أمر النبي وعلامات مبينة لصدقه كظهوره في مكة ومهاجرته منها إلى يثرب ونصرة أهله وغير ذلك مما كان مذكورا في كتبهم.
وقوله: {فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} يشير إلى أن ما ظهر بينهم من الاختلاف في الدين واختلاط الباطل بالحق لم يكن عن شبهة أو جهل وإنما أوجدها علماؤهم بغيا وكان البغي دائرا بينهم.
وقوله: {إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} إشارة إلى أن اختلافهم الذي لا يخلو من اختلاط الباطل بالحق لا يذهب سدى وسيؤثر أثره ويقضي الله بينهم يوم القيامة فيجزون على حسب ما يستدعيه أعمالهم.
قوله تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويشاركه فيه أمته، والشريعة طريق ورود الماء والأمر أمر الدين، والمعنى: بعد ما آتينا بني إسرائيل ما آتينا جعلناك على طريقة خاصة من أمر الدين الإلهي وهي الشريعة الإسلامية التي خص الله بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمته.
وقوله: {فاتبعها} إلخ، أمر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باتباع ما يوحى إليه من الدين وأن لا يتبع أهواء الجاهلين المخالفة للدين الإلهي.
ويظهر من الآية أولا: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكلف بالدين كسائر الأمة.
وثانيا: أن كل حكم عملي لم يستند إلى الوحي الإلهي ولم ينته إليه فهو هوى من أهواء الجاهلين غير منتسب إلى العلم.
قوله تعالى: {إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا} إلخ، تعليل للنهي عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، والإغناء من شيء رفع الحاجة إليه، والمحصل: أن لك إلى الله سبحانه حوائج ضرورية لا يرفعها إلا هو والذريعة إلى ذلك اتباع دينه لا غير فلا يغني عنك هؤلاء الذين اتبعت أهواءهم شيئا من الأشياء إليها الحاجة أولا يغني شيئا من الإغناء.
وقوله: {وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين} الذي يعطيه السياق أنه تعليل آخر للنهي عن اتباع أهواء الجاهلين، وأن المراد بالظالمين المتبعون لأهوائهم المبتدعة وبالمتقين المتبعون لدين الله.
والمعنى: أن الله ولي الذين يتعبون دينه لأنهم متقون والله وليهم، والذين يتبعون أهواء الجهلة ليس هو تعالى وليا لهم بل بعضهم أولياء بعض لأنهم ظالمون والظالمون بعضهم أولياء بعض فاتبع دين الله يكن لك وليا ولا تتبع أهواءهم حتى يكونوا أولياء لك لا يغنون عنك من الله شيئا.
وتسمية المتبعين لغير دين الله بالظالمين هو الموافق لما يستفاد من قوله: { أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ} [الأعراف: 44، 45].
ولما أشار إلى جعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على شريعة من الأمر وهو تشريع الشريعة الإسلامية أشار في هذه الآيات إلى أنها بصائر للناس يبصرون بها ما يجب عليهم أن يسلكوه من سبيل الحياة الطيبة في الدنيا وتتلوها سعادة الحياة الآخرة، وهدى ورحمة لقوم يوقنون بآيات الله.
وأشار إلى أن الذي يدعو مجترحي السيئات أن يستنكفوا عن التشرع بالشريعة إنكارهم المعاد فيحسبون أنهم والمتشرعون بالدين سواء في الحياة والممات وأن لا أثر للتشرع بالشريعة فلا ثمرة للعمل الصالح الذي تهدي إليه الشريعة إلا إتعاب النفس بالتقيد من غير موجب.
فبرهن تعالى على بطلان حسبانهم بإثبات المعاد ثم أردفه بوصف المعاد وما يثيب به الصالحين يومئذ وما يعاقب به الطالحين أهل الجحود والإجرام، وعند ذلك تختتم السورة بالتحميد والتسبيح.
قوله تعالى: {هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون} الإشارة بهذا إلى الأمر المذكور الذي هو الشريعة أو إلى القرآن بما يشتمل على الشريعة، والبصائر جمع بصيرة وهي الإدراك المصيب للواقع، والمراد بها ما يبصر به، وإنما كانت الشريعة بصائر لأنها تتضمن أحكاما وقوانين كل منها يهدي إلى واجب العمل في سبيل السعادة.
والمعنى: هذه الشريعة المشرعة أو القرآن المشتمل عليها وظائف عملية يتبصر بكل منها الناس ويهتدون إلى السبيل الحق وهو سبيل الله وسبيل السعادة، فقوله بعد ذكر تشريع الشريعة: {هذا بصائر للناس} كقوله بعد ذكر آيات الوحدانية في أول السورة: {هذا هدى والذين كفروا} إلخ.
وقوله: {وهدى ورحمة لقوم يوقنون} أي دلالة واضحة وإفاضة خير لهم، والمراد بقوم يوقنون: الذين يوقنون بآيات الله الدالة على أصول المعارف فإن المعهود في القرآن تعلق الإيقان بالأصول الاعتقادية.
وتخصيص الهدى والرحمة بقوم يوقنون مع التصريح بكونه بصائر للناس لا يخلو من تأييد لكون المراد بالهدى الوصول إلى المطلوب دون مجرد التبصر، وبالرحمة الرحمة الخاصة بمن اتقى وآمن برسوله بعد الإيمان بالله، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد: 28] ، وقال: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } [البقرة: 2 - 4] ، وللرحمة درجات كثيرة تختلف سعة وضيقا ثم للرحمة الخاصة بأهل الإيمان أيضا مراتب مختلفة باختلاف مراتب الإيمان فلكل مرتبة من مراتبه ما يناسبها منها.
وأما الرحمة بمعنى مطلق الخير الفائض منه تعالى فإن القرآن بما يشتمل على الشريعة رحمة للناس كافة كما أن الرسول المبعوث به رحمة لهم جميعا، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107] ، وقد أوردنا بعض الكلام في هذا المعنى في بعض المباحث السابقة.
_______________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18، ص135-139.
آتينا بني إسرائيل كلّ ذلك، ولكن...
متابعة للبحوث التي وردت في الآيات السابقة حول نعم الله المختلفة وشكرها والعمل الصالح، تتناول هذه الآيات نموذجاً من حياة بعض الأقوام الماضين الذين غمرتهم نعم الله سبحانه، إلاّ أنّهم كفروا بها ولم يرعوها حق رعايتها.
تقول الآية الأولى: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوّة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين}.
تبيّن هذه الآية في مجموعها خمس نعم أنعم الله بها على بني إسرائيل، وبالإضافة إلى النعمة الأُخرى التي سيأتي ذكرها في الآية التالية تشكل ست نعم عظيمة.
النعمة الأولى هي الكتاب السماوي، أي التوراة التي كانت مبينة للمعارف الدينية والحلال والحرام، وطريق الهداية والسعادة.
والثانية مقام الحكومة والقضاء، لأنا نعلم أنّهم كانوا يمتلكون حكومة قوية مترامية الأطراف، فلم يكن داود وسليمان وحدهما حاكمين وحسب، بل إنّ كثيراً من بني إسرائيل قد تسلموا زمام الأُمور في زمانهم وعصورهم.
«الحكم» في التعبيرات القرآنية يعني عادة القضاء والحكومة، لكن لما كان مقام القضاء يشكل جزءً من برنامج الحكومة دائماً، ولا يمكن للقاضي أن يؤدي واجبه من دون حماية الدولة وقوّتها، فإنّه يدل دلالة إلتزامية على مسألة التصدي وتسلم زمام الأُمور.
ونقرأ في الآية (44) من سورة المائدة في شأن التوراة: {يحكم بها النبيّون الذين أسلموا}.
أمّا النعمة الثالثة فقد كانت نعمة مقام النبوّة، حيث اصطفى الله سبحانه أنبياء كثيرين من بني إسرائيل.
وقد ورد في رواية أنّ عدد أنبياء بني إسرائيل بلغ ألف نبي(2)، وفي رواية أخرى: إن عدد أنبياء بني إسرائيل أربعة آلاف نبي(3).
وكل هذه كانت مواهب ونعماً من الله سبحانه.
وتتحدث الآية في الفقرة الرابعة حديثاً جامعاً شاملاً عن المواهب المادية، فتقول: (ورزقناهم من الطيبات).
النعمة الخامسة، هي تفوقهم وقوّتهم التي لا ينازعهم فيها أحد، كما توضح الآية ذلك في ختامها فتضيف: {وفضلناهم على العالمين}.
لاشك أنّ المراد من «العالمين» هنا هم سكان ذلك العصر، لأنّ الآية (110) من سورة آل عمران تقول بصراحة: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]
وكذلك نعلم أنّ الرّسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) هو أشرف الأنبياء وسيدهم، وبناء على هذا فإنّ أمته أيضاً تكون خير الأمم، كما ورد ذلك في الآية (89) من سورة النحل: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ} [النحل: 89].
وتشير الآية التالية إلى الموهبة السادسة التي منحها الله سبحانه لهؤلاء المنكرين للجميل، فتقول: {وآتيناهم بينات من الأمر}.
«البينات» يمكن أن تكون إشارة إلى المعجزات الواضحة التي أعطاها الله سبحانه موسى بن عمران(عليه السلام) وسائر أنبياء بني إسرائيل، أو أنّها إشارة إلى الدلائل والبراهين المنطقية الواضحة، والقوانين والأحكام المتقنة الدقيقة.
وقد احتمل بعض المفسّرين أن يكون هذا التعبير إشارة إلى العلامات الواضحة التي تتعلق بنبي الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم)، والتي علمها هؤلاء، وكان باستطاعتهم أن يعرفوا نبي الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) من خلالها كمعرفتهم بأبنائهم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146].
لكن لا مانع من أن تكون كلّ هذه المعاني مجتمعة في الآية.
وعلى أية حال، فمع وجود هذه المواهب والنعم العظيمة، والدلائل البينة الواضحة لا يبقى مجال للإختلاف، إلاّ أنّ الكافرين بالنعم هؤلاء ما لبثوا أنّ اختلفوا، كما يصور القرآن الكريم ذلك في تتمة هذه الآية إذ يقول: {فما اختلفوا إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم}.
نعم، لقد رفع هؤلاء راية الطغيان، وأنشبت كلّ جماعة أظفارها في جسد جماعة أخرى، واتخذوا حتى عوامل الوحدة والأُلفة والإنسجام سبباً للاختلاف والتباغض والشحناء، وتنازعوا أمرهم بينهم فذهبت ريحهم وضعفت قوتهم، وأفل نجم عظمتهم، فزالت دولتهم، وأصبحوا مشردين في بقاع الأرض ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا.
وقال البعض: إنّ المراد هو الإختلاف الذي وقع بينهم بعد علمهم واطلاعهم الكافي على صفات نبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم).
ويهددهم القرآن الكريم في نهاية الآية بقوله: {إن ربّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} وبهذا فقد فقدوا قوتهم وعظمتهم في هذه الدنيا بكفرانهم النعمة، واختلافهم فيما بينهم، واشتروا لأنفسهم عذاب الآخرة.
بعد بيان المواهب التي منّ الله تعالى بها على بني إسرائيل، وكفرانها من قبلهم، ورد الحديث عن موهبة عظيمة أهداها الله سبحانه لنبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم)والمسلمين، فقالت الآية: {ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر}.
«الشريعة» تعني الطريق التي تستحدث للوصول إلى الماء الموجود عند ضفاف الأنهر التي يكون مستوى الماء فيها أخفض من الساحل، ثمّ أطلقت على كلّ طريق يوصل الإنسان إلى هدفه ومقصوده.
إن استعمال هذا التعبير في مورد دين الحق، بسبب أنّه يوصل الإنسان إلى مصدر الوحي ورضى الله سبحانه، والسعادة الخالدة التي هي بمثابة الماء للحياة المعنوية.
لقد استعملت هذه الكلمة مرّة واحدة في القرآن الكريم، وفي شأن الإسلام فقط.
والمراد من «الأمر» هنا هو دين الحق الذي مرّت الإشارة إليه في الآية السابقة أيضاً، حيث قالت: (بينات من الأمر).
ولما كان هذا المسير مسير النجاة والنصر، فإنّ الله سبحانه يأمر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بعد ذلك أنّ (فاتبعها).
وكذلك لما كانت النقطة المقابلة ليس إلاّ اتباع أهواء الجاهلين ورغباتهم، فإنّ الآية تضيف في النهاية: {ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون}.
في الحقيقة، لا يوجد إلاّ طريقان: طريق الأنبياء والوحي، وطريق أهواء الجاهلين وميولهم، فإذا ولّى الإنسان دبره للأوّل فسيقع في الثّاني، وإذا توجه الإنسان إلى ذلك السبيل فسينفصل عن خط الأنبياء ويبتعد عنهم، وبذلك فإنّ القرآن أبطل كلّ البرامج الإصلاحية التي لا تستمد تعليماتها من مصدر الوحي الإلهي.
والجدير بالإنتباه أنّ بعض المفسّرين قالوا: إنّ رؤساء قريش أتوا النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقالوا: ارجع إلى دين آبائك، فإنّهم كانوا أفضل منك وأسلم. وكان النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يزال في مكّة، فنزلت الآية أعلاه(4) وأجابتهم بأن طريق الوصول إلى الحق هو الوحي السماوي الذي نزل عليك، لا ما يمليه هوى هؤلاء الجاهلين ورغبتهم.
لقد كان القادة المخلصون يواجهون دائماً وساوس الجاهلين هذه عندما يأتون بدين جديد ويطرحون أفكاراً بناءة طاهرة، فقد كان الجهال يطرحون عليهم: أأنتم أعلم أم الآباء السابقون والعظماء الذين جاؤوا قبلكم؟ وكانوا يصرون على الإستمرار في ذلك الطريق، وإذا كان مثل هذا الإقتراح يمكن أن ينزل إلى حيز التطبيق والواقع العملي، فليس بوسع الإنسان أن يخطو خطوة في طريق التكامل.
وتعتبر الآية التالية تبياناً لعلة النهي عن الإستسلام أمام مقترحات المشركين وقبول طلباتهم، فتقول: { إنّهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً} فإذا ما اتبعت دينهم الباطل فأحاط بك عذاب الله تعالى فإنّهم عاجزون عن أن يهبوا لنجدتك وإنقاذك، ولو أنّ الله سبحانه سلب منك نعمة فإنّهم غير قادرين على إرجاعها إليك.
ومع أنّ الخطاب في هذه الآيات موجه إلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)إلاّ أنّ المراد منه جميع المؤمنين.
ثمّ تضيف الآية: {وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض} فكلهم من جنس واحد، ويسلكون نفس المسير، ونسجهم واحد، وكلهم ضعفاء عاجزون.
لكن لا تذهب بك الظنون بأنك وحيد، ومن معك قليل ولا ناصر لكم ولا معين، بل: {والله ولي المتقين}.
صحيح أنّ جمع هؤلاء عظيم في الظاهر، وفي أيديهم الأموال الطائلة والإمكانيات الهائلة، لكن كلّ ذلك لا يعتبر إلاّ ذرة عديمة القيمة إزاء قدرة الله التي لا تقهر، وخزائنه التي لا تفنى.
وكتأكيد لما مرّ، ودعوة إلى اتباع دين الله القويم، تقول آخر آية من هذه الآيات: {هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون}.
«البصائر» جمع بصيرة، وهي النظر، ومع أنّ هذه اللفظة أكثر ما تستعمل في وجهات النظر الفكرية والنظريات العقلية، إلاّ أنّها تطلق على كلّ الأُمور التي هي أساس فهم المعاني وإدراكها.
والطريف أنّها تقول: إنّ هذا القرآن والشريعة بصائر، أي عين البصيرة، ثمّ أنّها ليست، بصيرة، بل بصائر، ولا تقتصر على بعد واحد، بل تعطي الإنسان الأفكار والنظريات الصحيحة في كافة مجالات حياته.
وقد ورد نظير هذا التعبير في آيات أُخرى من القرآن الكريم، كالآية (104) من سورة الأنعام، حيث تقول: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأنعام: 104].
وقد طرحت هنا في هذه الآية ثلاثة مواضيع: البصائر والهدى والرحمة، وهي حسب التسلسل علة ومعلول لبعضها البعض، فإنّ الآيات الواضحة والشريعة المبصّرة تدفع الإنسان نحو الهداية، والهداية بدورها أساس رحمة الله.
والجميل في الأمر أنّ الآية تذكر أنّ البصائر لعامة الناس، أمّا الهدى والرحمة فخصت الموقنين بهما، ويجب أن يكون الأمر كذلك، لأنّ آيات القرآن ليست مقصورة على قوم بالخصوص، بل يشترك فيها كلّ البشر الذين دخلوا في كلمة (الناس) في كلّ زمان ومكان، غير أنّ من الطبيعي أن يكون الهدى فرع اليقين، وأن تكون الرحمة وليدته، فلا تشمل الجميع حينئذ.
وعلى أية حال، فإنّ ما تقوله الآية من أنّ القرآن عين البصيرة، وعين الهداية والرحمة، تعبير جميل يعبر عن عظمة هذا الكتاب السماوي وتأثيره وعمقه بالنسبة لأُولئك السالكين طريقه، والباحثين عن الحقيقة.
________________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12،ص503-508.
2 ـ مجمع البيان،ج9، ص 113.
3 ـ بحار الأنوار، ، ج 11، ص 31. الطبعة الجديدة
4 ـ التفسير الكبير للفخر الرازي، ج 27، ص 265.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|