أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-29
220
التاريخ: 10-10-2014
1995
التاريخ: 30-04-2015
2151
التاريخ: 2024-08-29
232
|
علم القراءات من اشرف العلوم الشرعية، لارتباطه بكتاب الله تعالى من حيث معرفة وجوه القراءة ونسبتها، وضبط الرسم تشكيلا ونقطا، وصيانة اللفظ قراءة ونطقا، للوقوف على المعاني، للاستفادة منها علما وعملا، في معرفة التفسير وبيان الحكم الشرعي وما ينتظم من المعاني التي تدخل في كل جوانب دنيا الانسان واخراه(1).
والقراءات: علم يعرف به كيفية أداء كلمات القرآن، وطريق أدائها اتفاقا واختلافا مع نسبة كل وجه منها لناقله. ومن الجدير بالذكر (ان القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد (صلى الله عليه واله) للبيان والاعجاز، والقراءات هي اختلاف الفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف او كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما)(2).
داب المفسرون على ذكر القراءات ووجوهها وحججها ليقفوا على تفسير تلك الآيات، اذ لم يزل العلماء يستنبطون من كل حرف يقرأ به قارئ معنى لا يوجد في قراءة الآخر، فانه قد ترد قراءتان مختلفتان في الآية الواحدة، ينتج عنهما تفسيران، كالاختلاف في قراءة (سكرت) من قوله تعالى:
{لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: 15].
فقد (قرئ سكرت بالتشديد والتخفيف ويحتمل ان يكون مشتقا من السكر، فيكون معناه أجبرت ابصارنا فراينا الامر على غير حقيقته، او من السكر وهو السد، فيكون معناه منعت ابصارنا من النظر)(3).
وقد اسهب ابن جرير الطبري (ت 310هـ) في نسبة القراءتين وتفصيلات معانيها، ومن ذلك قوله: (واختلفت القراء في قراءة قوله: (سكرت) فقرا اهل المدينة والعراق: سكرت بتشديد الكاف، بمعنى: غشيت وغطيت، هكذا كان يقول أبو عمرو بن العلاء فيما ذكر لي عنه. وذكر ن مجاهد انه كان يقرا: لقالوا انما سكرت. حدثني بذلك الحرث، قال: ثنا القاسم، قال: سمعت الكسائي يحدث عن حمزة، عن شبل، عن مجاهد انه قراها: سكرت ابصارنا خفيفة. وذهب مجاهد في قراءته ذلك كذلك الى:
حبست ابصارنا عن الرؤية والنظر من سكور الريح، وذلك سكونها وركودها، يقال منه: سكرت الريح: اذا سكنت وركدت.
وقد حكي عن ابي عمرو بن العلاء انه كان يقول: هو مأخوذ من سكر الشراب، وان معناه: قد غشى ابصارنا السكر)(4)، الا انه اختار قراءة التشديد ولم يجوز القراءة بغيرها لادعائه الاجماع عليها(5).
ومن أجاز القراءة بالتخفيف فحجته ان (وجه التخفيف ان هذا النحو من الفعل المسند الى الجماعة قد يخفف)(6).
فورود هاتين القراءتين افاد تعددا في المعنى، فلفظ (سكر) بالتشديد يعطي معنى السد والحبس، وبالتخفيف يعطي معنى التغطية والغشاوة(7). والملاحظ ان هاتين القراءتين وان افترقتا في المعنى الا انهما يصبان في واد واحد، وهو انكار الكفار للحقيقة الجلية، تذرعا بدعوى صرفهم عما يدعون انه حقيقة، لشدة عناد تحملهم على التشكيك في المشاهدات وجحدها، وانكار المعلومات ورفضها(8). فلم يترتب على تعدد الفهم جراء القراءتين خلاف عقائدي او فقهي او غيره، بل هو نافع في مقام وصم الكفار بهذه الاوصاف.
اما تغاير القراءتين الذي ترتب عليه تعدد في الفهم وابتنى عليه خلاف في الحكم الشرعي فمثاله القراءتين الواردتين في قوله تعالى : {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا } [النساء: 43].
اذ اختلف القراء في قراءة قوله تعالى: (او لامستم النساء).
فقرئت (لامستم) بإثبات الالف، وهي مقصورة على معنى واحد، وهو الجماع، سواء كان من باب المشاركة، او الفاعل الواحد(9)، وهي من الكناية البليغة.
وقرئت (لمستم) وهي صريحة في اللمس باليد خاصة(10).
فعلى القراءة الأولى تدل على الجماع، وعلى الثانية تدل على اللمس باليد، ولما قامت القرائن على ارادة المعنى الكنائي وهو الجماع انصرفت اليه.
وقد تؤخذ القراءات على الوجهين، وعليه يفصل في الحكم، فيكون الوضوء على من مس باليد، والغسل على من لامس بالمعنى الكنائي وهو الوطء، وتكون القراءتان بمنزلة آيتين مستقلتين، ولاسيما اذا كان الاختلاف من جهة المادة، او من جهة الهيئة التي تفيد تغير المعنى، (اذ لا يكون لفظ واحد حقيقة مجازا، ولا كناية صريحا، في حال واحدة، ونكون مع ذلك قد استعملنا حكم القراءتين على فائدتين دون الاقتصار بهما على فائدة واحدة)(11).
ومن افاد من القراءتين معنى الوطء بالدلالة الصريحة او الكناية فيرتب عليه وجوب الغسل، (فباي القراءتين قرا ذلك القارئ فمصيب، لاتفاق معنييهما)(12)،واختلف الفقهاء(13) في ذلك تبعا لهاتين القراءتين في الحكم، الا ان الترجيح بجانب المعنى الكنائي اذ ان (المراد بالمس الجماع الا ان الله تعالى حيي يكنى بالحسن عن القبيح كما كنى بالمس عن الجماع وهو نظير قوله تعالى:
{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة : 237].
والمراد الجماع)(14)، وبقرينة ما روي(15) في هذه المسالة عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) وحبر الامة ابن عباس، وزوج النبي (صلى الله عليه واله) عائشة، وعدم منافاته مع المعنى اللغوي(16). ولهذا أولى المفسرون(17) هاتين القراءتين عناية لبيان نسبتيهما والحجة فيهما.
بقي ان يذكر ان من الأسباب التي أسهمت في اختلاف القراءات هو ان الجهات التي وجهت اليها المصاحف كان بها من الصحابة من اخذ عنه اهل تلك الجهة قراءتهم،
وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل، فثبت اهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعا عن الصحابة بشرط موافقة الخط وتركوا ما يخالف الخط، ثم نشا الاختلاف بين قراء الامصار(18)، فكان للخط المصحفي القديم الذي خلال من الضوابط التي تحكم اللفظ وتجعله على صورة واحدة، الأثر الكبير في اختلاف القراءات بوصفه محتملا للنطق بوجوه متعددة، يضاف الى ذلك تباين الضبط لدى الصحابة لوجوه القراءات، ولو التزم اخذ القراءة من نبع صاف واحد بعد النبي (صلى الله عليه واله) الذي واكب القرآن آية آية الا وهو امير المؤمنين (عليه السلام) لما اتسع الخلاف في الصدر الأول واخذ بالتشعب والازدياد.
ودعوى الاختلاف في القراءة في عهد الرسول الاكر (صلى الله عليه واله) وسلم تكاد لا تنهض، اذ انها (لا تستند الى حقيقة تاريخية معينة يصرح فيها بنوعية هذا الاختلاف في القراءة)(19)، حيث ان الروايات الواردة عن وجود مثل هذا الاختلاف ونوعية فروقه، فلم يصرح بجميع ذلك مما يجعلها روايات قابلة للشك، ومع حسن الظن بالرواة فان رواياتهم تلك قد تعبر عن السهو والاشتباه)(20)، وقد ينشا الاختلاف بين القراء من الاجتهاد والراي بالاستناد الى الشاهد اللغوي.
وعلى كل حال فالاختلاف في القراءات كان من دواعي تنوع الفهم الذي اسهم في اختلاف التفسير، وشواهده كثيرة لا ينكرها من تتبع كتب التفسير. وليس المراد في هذا المقام تفسير القول في صحة قراءة ورد أخرى، ولا الحديث عن حجية هذه القراءات مما يعد خارجا عن صلب الموضوع.
ــــــــــــــــــــ
1) ينظر: الباحث: المقداد السيوري وجهوده التفسيرية: 170.
2) الزركشي: البرهان: 1/ 318.
3) ابن جزي – التسهيل لعلوم التنزيل: 2/ 144 – 145.
4) جامع البيان: 14/ 17.
5) ينظر: المصدر نفسه: 14/ 19.
6) الطوسي – التبيان: 6/ 322.
7) ينظر: الجوهري – الصحاح: 2/ 687 وابن فارس – معجم مقاييس اللغة: 3/ 89 وابن منظور – لسان العرب: 4/ 374.
8) ينظر: النحاس – معاني القرآن: 4/ 14 والسمعاني – تفسير السمعاني: 3/ 132 والطبرسي – مجمع البيان: 1/ 297.
9) ينظر: الطبرسي – مجمع البيان: 3/ 90.
10) ينظر: الطوسي – التبيان: 3/ 205.
11) الجصاص – احكام القرآن: 2/ 467.
12) الطبري – جامع البيان: 5/ 151 – 152.
13) ينظر: الشافعي – الام: 1/ 29 – 31 والطوسي – الخلاف: 1/ 110 – 112 وابن حزم – المحلى: 1/ 244 – 247 والسرخسي – المبسوط: 1/ 67 – 69 وعبد الله بن قدامة – المغني: 1/ 187 – 189 والبهوتي – كشاف القناع: 1/ 151 والشهيد الأول – القواعد والفوائد: 1/ 157 والشوكاني – نيل الاوطار: 1/ 244 – 245.
14) السرخسي – المبسوط: 1/ 68.
15) ينظر: احمد بن حنبل – مسند احمد: 6/ 62 وابن ماجة – سنن ابن ماجة: 1/ 168 – النسائي – سنن النسائي: 1/ 104 والعيني – عمدة القاري: 3/ 47.
16) ينظر: الخليل – العين: 7/ 208 – 209 و268 والجوهري – الصحاح: 3/ 975 و978 – 979 وابن فارس – معجم مقاييس اللغة: 5/ 210 و271 وابن منظور – لسان العرب: 6/ 209 و217 – 218.
17) ينظر: الطبري – جامع البيان: 5/ 151 والنحاس – معاني القرآن: 2/ 96 و466 والثعلبي – تفسير الثعلبي: 3/ 314 والطوسي التبيان: 3/ 204 والطبرسي مجمع البيان: 3/ 190 والواوندي – فقه القرآن: 1/ 36.
18) ينظر: ابن حجر – فتح الباري: 9/ 28 ومحمد طاهر الكردي – تاريخ القرآن: 1/ 44.
19) محمد حسين علي الصغير – تاريخ القرآن: 103.
20) المصدر نفسه: 103 – 104.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|