أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-4-2019
2377
التاريخ: 7-8-2020
1781
التاريخ: 2-5-2017
2725
التاريخ: 10-9-2016
5665
|
أثر الاِسلام في وعي التاريخ وحركة التدوين
لم يكن التاريخ عند العرب قبل الاِسلام أكثر من أخبار الاَحداث المهمّة، تُنقل شفاهاً، وربّما حُدّد وقتها بالقياس إلى حادثة أُخرى، ولم يتجاوز الخبر التاريخي هذين البعدين؛ الرواية، وتعيين الوقت التقريبي.
حتّى إذا نزل القرآن وأخذت العرب تصغي إليه وتحيطه بكلّ ما تدركه من معاني الاِجلال والتقديس، وتتطلّع في معانيه، أصبحت تقف على تفاصيل أحداث أكبر في التاريخ، بدءاً بابتداء الخليقة، وصراع الخير والشرّ في الجنّة، وهبوط البشر إلى الاَرض، ثمّ صراع الخير والشرّ بين هابيل وقابيل، وسلسلة السِيَر ذات الاَثر الحاسم في تاريخ البشرية؛ نوح، إبراهيم، هود، صالح، يونس، يعقوب ويوسف، شعيب، موسى وهارون، داود وسليمان، زكريّا ويحيى وعيسى بن مريم عليهم السلام، نبيّ الاِسلام صلى الله عليه وآله وسلم، وأحوال الأمم التي عاش بينها هؤلاء..
فوقفت من خلال ذلك على أنساق تاريخية، تنتظم تحت معادلات واضحة، وسنن محدّدة المعالم، وقف عليها العقل العربي لاَوّل مرّة، ولأول مرّة يقف عليها عقل بشري، فما زال التاريخ عند سائر الاَمم رهن الاَساطير وطوعاً للحكّام، الآلهة أو أنصاف الآلهة، كما كانوا يدينون.
لاَوّل مرّة يستوقف التاريخ عقل العربي وغير العربي على بطولات وملاحم تصنعها فئات مستضعفة وممتهنة، وليس هو البطل الذي اعتادوا أن يسمعوا باسمه وكأنّه ينحدر عليهم من شاهق، أو يرسل عليهم جنداً من السماء، فيذهب القارئ في أعماق الوعي بالحياة الاجتماعية والقيم والمبادئ وهو يتلو أخبار أصحاب الكهف، فتية مؤمنة استهانت بجبروت «البطل» واستأنست بالصدق في الاِيمان، حتّى كان الخلود لها والموت للبطل الذي شرّدها إلى ظلمات كهف قَصيّ، كانت فيه أقرب إلى الله تعالى، بل كانت تحت رعايته المباشرة تتقلّب تقلّب الطفل في مهده بين يدي أُمّ حنون.
ويرى كيف تصنع الأمّة مجدها بالخلود، ليكون ذلك المجد لعنة الاَبد على أُولئك الجبّارين الّذين منحهم التاريخ الآخر ألقاب الآلهة، ذلك حين يقف القارئ على مشاهد من قصّة أصحاب الأخدود وموقفهم التاريخي الذي يعزّ أن تجد له بين الاَمم نظير.
فالتاريخ إذاً تاريخ المجتمعات، تاريخ الثائرين على الظلم والطغيان، تاريخ الضحايا والمستضعفين، تاريخ يقف إلى جانب المعارضة الصامدة المتمرّدة؛ إبراهيم ولوط، وموسى وهارون، وزكريّا، وأصحاب الكهف، وأصحاب الاَخدود.
وهكذا أصبح التاريخ ليس فقط علماً وفنّاً ومعرفة وميداناً للفكر والاجتهاد، بحثاً عن القوانين والاَنساق والأطر الفاعلة في سير حياة الاَمم والمجتمعات، بل أصبح فوق هذا مدرسة للقيم والمبادئ والتعاليم الراقية.. (لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الاَلباب ما كان حديثاً يُفترى)(1). هكذا بعث الاِسلام في العقول الوعي في التاريخ والمعرفة التاريخية، ليكون التاريخ، شيئاً فشيئاً، علماً له خصائصه وأهدافه، وسوف تسهم عوامل متجدّدة في تنفيذه من خلال أعمال متواصلة، تتطوّر مع الزمن حيث تراكم الخبرات وتعدّد الاتّجاهات.
ثمّ كانت السيرة النبوية، بما تحتلّه من موقع كبير في قلوب المسلمين، المحفّز الاَوّل لقيام عمل تاريخي، سيبدأ حتماً بأبسط أشكاله، ليتطوّر فيما بعد إلى أكثر أشكاله تكاملاً وتفصيلاً وتعقيداً، وهكذا أصبحت السيرة النبوية هي الميدان التطبيقي الاَوّل لاَوّل الاَعمال التاريخية في عمر الاِسلام، واستمرّت هكذا عقوداً من الزمن، حتّى تطوّر العمل التاريخي، وتراكمت أحداث تاريخية حاسمة في حياة المسلمين بدأت تأخذ طريقها إلى اهتمامات المعنيّين بالتاريخ، لتتّسع رقعة العمل التاريخي إلى الدوائر السياسية والاجتماعية، والثقافية في الحياة العامّة.
مراحل التدوين التاريخي عند المسلمين:
لا بُدّ لعِلمٍ تشكّلت معالمه لاَوّل مرّة أن يبدأ بأبسط أشكاله، لتأخذه بعد ذلك الخبرات المتراكمة، والاتّجاهات المتعدّدة، إلى جانب الظروف الخارجية المساعدة، إلى مراتب أكثر تكاملاً، من حيث الاستيعاب ومن حيث العمق، ليطوي طريقه التكاملي في مراحل، تمثّلت بالنسبة للتدوين التاريخي عند المسلمين بمراحل أربع، هي:
المرحلة الاَولى
بعد أن كانت الرواية التاريخية تنقل شفاهاً في الغالب، شأنها شأن غيرها من السُنن، دخلت في حيّز التدوين، في وقت مبكّر، ولكن إلى جانب غيرها من السُنن والآداب، في مدوّنات كان يكتبها بعض الصحابة لاَ نفسهم خاصّة لغرض الحفظ والرواية الشفهية للتلاميذ، ولسائر الناس.
والكتابة من هذا النوع كانت منتشرة بين الصحابة، حتّى في عهد عمر حيث منع منها بشدّة، وجمع كثيراً منها وأحرقه بالنار(2)، وزاد انتشارها بعده، حتّى بلغ المعروف منها اثنين وخمسين كتاباً لاثنين وخمسين صحابياً، وقد بلغت كتب ابن عبّاس وحده عند مولاه كريب بن أبي مسلم حِمل بعير(3).
ومن رجال هذه المرحلة:
سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي: وقد كتب شيئاً من حياة الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم، علماً أنّ أباه سعد بن عبادة كان يحتفظ بصحف كتبها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ له نصّ واحد في مسند أحمد(4)، ونصّ واحد في تاريخ الطبري(5)..
سهل بن أبي خيثمة الاَنصاري: وكانت له عناية خاصّة بالسيرة النبوية ومغازي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كان مولده سنة 3 هـ، ووفاته في أيّام معاوية، وصل كتابه إلى حفيدة محمّد بن يحيى بن سهل، فكان إذا روى منه قال: «وجدت في كتاب آبائي». منه نصوص لدى ابن سعد والبلاذري والطبري(6).
المرحلة الثانية: مرحلة التدوين التاريخي الجزئي المختصّ
بعد انتشار عملية التدوين توزّعت اهتمامات علماء التابعين على أكثر من واحد من أنواع العلوم، ففرغ أكثرهم لجمع الحديث بشكل عامّ، وروايته، وتخصّص بعضهم بأحاديث السُنن والاَحكام التي هي موضع اهتمام الفقهاء بالدرجة الاَُولى، فيما انصبّت عناية آخرين على ما يتّصل بالسيرة النبوية بشكل عامّ، وبالمغازي منها بشكل خاصّ، فظهرت في هذه المرحلة كتب المغازي والسيرة على مستوىً واسع..
فكتب عروة بن الزبير ـ المتوفّى سنة 93 هـ ـ كتابه المغازي.
وأبو فضالة عبدالله بن كعب بن مالك الاَنصاري ـ المتوفّى سنة 97 هـ ـ كتب كتاباً صغيراً في المغازي.
وأبان بن عثمان بن عفّان ـ المتوفّى سنة 105 هـ ـ كتب أيضاً في السيرة والمغازي.
وعاصم بن عمرو بن قتادة الاَنصاري، المتوفّى سنة 120 هـ.
وشرحبيل بن سعد، المتوفّى سنة 123 هـ.
ثمّ ابن شهاب الزهري ـ المتوفّى سنة 124 هـ ـ صاحب كتاب المغازي، وهو أكثر الكتب المتقدّمة أثراً، وقد حفظت أجزاء كثيرة منه في المصنّف لعبد الرزّاق الصنعاني.
وقد اتّسمت هذه الكتب جميعاً بسمة كتب الحديث، إذ اقتصرت على إيراد الروايات الخاصّة بموضوعها ـ السيرة والمغازي ـ بأسانيدها الكاملة.
ومن طبيعة هذه الاَعمال أنّ الحادثة الواحدة تأتي فيها مجزّأة وغير منتظمة، إذ إنّها كانت غالباً مؤلّفة من عدّة روايات قصار تتحدّث الواحدة منها عن قطعة صغيرة أو جزئية من الحدث، لتأتي أُخرى بقطعة ثانية ربّما لا تكون موصولة بالأولى.
هذا هو الطابع الذي غلب على مدوّنات هذه المرحلة.
المرحلة الثالثة: مرحلة النسق والنظم
بعد مرحلة جمع الاَخبار، تنبّه المؤرّخون اللاحقون إلى ضرورة توحيد صورة الحدث التاريخي، من أجل تقديم نسق دقيق ومترابط للاَحداث، ميّز في النهاية العمل التاريخي عن العمل الحديثي، الذي يعنى بجمع الاَحاديث بأسانيدها، الاَمر الذي دعا المؤرّخين إمّا إلى توحيد الاَسانيد في مقدّمة الحدث المراد نقله، أو إلى إسقاط الاَسانيد، الذي أخذ يظهر في المرحلة اللاحقة.
ومن أبرز مؤرّخي هذه المرحلة:
عوانة بن الحكم، المتوفّى سنة 147 هـ.
محمّد بن إسحاق، المتوفّى سنة 151 هـ.
لوط بن يحيى، المتوفّى سنة 157 هـ.
أبان بن عثمان بن أحمد البجلي، المتوفّى سنة 170 هـ.
سيف بن عمر التميمي، المتوفّى سنة 170 هـ.
هشام بن محمّد بن السائب الكلبي، المتوفّى سنة 204 هـ.
الهيثم بن عديّ، المتوفّى سنة 207 هـ.
محمّد بن عمر الواقدي، المتوفّى سنة 207 هـ.
أبو عبيدة معمر بن المثنّى، المتوفّى سنة 211 هـ.
نصر بن مزاحم، المتوفّى سنة 212 هـ.
علي بن محمّد المدائني، المتوفّى سنة 225 هـ.
الزبير بن بكّار، المتوفّى سنة 256 هـ.
ابن قتيبة الدينوري، المتوفّى سنة 276 هـ.
أحمد بن يحيى البلاذري، المتوفّى سنة 279 هـ.
وقد غلب على مصنّفات هذه المرحلة أنّها تواريخ مرحلية، أو مقطعية، تخصّص الكتاب الواحد بأخبار مرحلة من مراحل التاريخ أو حادثة مهمّة من حوادثه، ككتب السيرة النبوية والمغازي، وكتب في السقيفة، وأُخرى في الردّة، وأُخرى في مقتل عثمان، ومصنّفات في حرب الجمل، وأُخرى في حرب صفّين، وأُخرى في النهروان، وغيرها في أخبار معاوية، وهكذا، فكان لبعض المؤرّخين عشرات الكتب تناولت عشرات المقاطع التاريخية، فأبو مخنف مثلاً له أكثر من 32 كتاباً، وهشام الكلبي نحو 150 كتاباً، والمدائني 240 كتاباً، وهكذا.
المرحلة الرابعة: مرحلة توحيد التاريخ الاِسلامي، أو العالمي
فظهرت المدوّنات الكبيرة الجامعة التي استوعبت تاريخ الاِسلام بأكمله بترتيب أحداثه، وربّما استوعبت أيضاً تاريخ الاَنبياء والأمم السالفة.
وأشهر مؤرّخي هذه المرحلة:
أبو حنيفة الدينوري، المتوفّى سنة 281 هـ.
وأحمد بن أبي يعقوب اليعقوبي، المتوفّى نحو سنة 292 هـ.
ومحمّد بن جرير الطبري، المتوفّى سنة 310 هـ.
والمسعودي، المتوفّى سنة 346 هـ.
ومسكويه، المتوفّى سنة 421 هـ، الذي قدّم أُنموذجاً جديداً في التاريخ في عمله الكبير الموسوم بـ: تجارب الأمم.
____________
(1) سورة يوسف 12: 111.
(2) تذكرة الحفّاظ ـ للذهبي ـ 1|103.
(3) تذكرة الحفّاظ ـ للذهبي ـ 1|103.
(4) مسند أحمد 5|222.
(5) تاريخ الطبري 1|114.
(6) انظر: التاريخ العربي والمؤرّخون ـ لشاكر مصطفى ـ 1|151.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|