أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-04
881
التاريخ: 25-4-2017
2335
التاريخ: 21-3-2016
5730
التاريخ: 20-3-2016
2620
|
كي تتحقق المسؤولية عن بعض الجرائم لا يكفي تحقق القصد الجنائي بمعناه العام بل يجب توفر قصد خاص الى جانب القصد العام حتى تعد الجريمة قائمة بركنها المعنوي بشكل تام . وقد يشترط المشرع هذا القصد الخاص او النية الخاصة أما صراحة بذكره ذلك في نص المادة التي تبين الجريمة وتحددها او قد يفهم ذلك من سياق النص التشريعي وطبيعة الجريمة . وجريمة تزييف الأختام من الجرائم التي تتطلب توافر قصد خاص الى جانب القصد العام لكي يتحقق القصد الجنائي فيها ، ويلاحظ ان اغلب التشريعات ومنها قانون العقوبات العراقي لم تنص صراحة على توفر القصد الخاص في هذه الجريمة . الا انه من خلال فهمنا لنصوص المواد التي تناولت تبيان جريمة تزييف الأختام ومن طبيعة الجريمة نفسها باعتبارها من جرائم التزييف والتزوير والتي تتطلب فيها دائما توافر قصد خاص إضافة للقصد العام لكي يتحقق القصد الجنائي في هذه الجرائم ، كما يتضح ويتبين لنا القصد الخاص الواجب توافره في هذه الجريمة لكي يعد القصد الجنائي فيها متوافر من خلال شروحات فقهاء القانون الجنائي لهذه الجريمة وتناولهم لها بكافة اركانها وجزئياتها . فقد حدد كل من تناول هذه الجريمة بالشرح قصدا خاصا يجب توافره الى جانب القصد العام لكي يكتمل القصد الجنائي وبدون تحقق هذا القصد الخاص ينتفي القصد الجنائي ولا يتحقق . والقصد العام بالمعنى المتقدم هو اتجاه ارادة الجاني مقترنة بعلمه الى اقتراف الواقعة التي جرمها المشرع وبعنصريها السلوك الاجرامي والنتيجة . ويعد القصد خاصاً اذا كان الجاني مدفوعا الى إتيان الواقعة الاجرامية بباعث معين او تحدوه لذلك غاية محددة (1)، وهذا يدفعنا الى التساؤل حول ما يعد جوهر القصد الخاص فهل هو الباعث الذي يدفع الجاني لارتكاب الجريمة ام هي الغاية التي تكون هدفاً للجاني يسعى لتحقيقها ؟ وللاجابة على هذا التساؤل لا بد لنا في البداية من استجلاء طبيعة كل من الباعث والغاية وتحليلها ، حتى يمكن تحديد جوهر القصد الخاص بعد ذلك واستظهار حقيقته . فالباعث مجرد فكرة تجول في ذهن الجاني تدفعه لاقتراف الجريمة ، وقد تناؤها افكار اخرى تثني همة الجاني عن القيام بجريمته ، ويدور صراع بين هذه الافكار أي فكرة الاقدام على القيام بالجريمة او فكرة الاحجام عنها الى ان يتوصل الجاني الى الثبوت على احدهما وهي فكرة الاقدام ، وهذه الفكرة هي التي حركت ارادة الجاني ودفعته لارتكاب الجريمة ، فهذه الفكرة هي الباعث او الدافع ، فالباعث مزيج من عناصر اندفاع غريزية ومن التصور (2). ويقوم الباعث على رغبة الجاني في الاعتداء على المصلحة التي يحميها القانون أي الثقة العامة في جريمة تزييف الأختام ، حتى اذا ما تحقق هذا الاعتداء تحقق الغرض الذي تسعى الارادة الى بلوغه ، ويشترط في الباعث ان يكون معروفاً ومتصوراً لدى الجاني أي ان يتصور الجاني غرضاً يسعى للوصول اليه فان لم يكن لديه هذا التصور فانه يتحرك في فراغ وهذا يتعارض مع طبيعة الباعث النفسية(3). فالباعث هو نقطة بداية القرار الارادي وهو محض احساس نفسي يتولد عنه قوة تدفع الجاني لارتكاب الجريمة ، فهو يمثل الفكرة التي تعد البذرة التي تنمو فيها ومن خلالها الارادة فيعد بذلك داخلاً في تكوينها وبالتالي في تكوين القصد الجنائي(4). اما الغاية فهي تختلف عن الباعث في تعلقها بالنتيجة فهي حالة ذهنية بحتة تتمثل في تصور للنتيجة المترتبة على سلوكه الاجرامي . وبذلك تكون الغاية عكس الباعث . فالغاية تتعلق بالنتيجة دون السلوك . ويختلفان من جانب اخر وهو زمني اذ ان الباعث يكون سابق للسلوك اما الغاية فتكون لاحقة عليه ترتبط بالنتيجة التي يرتبها السلوك . ومع ذلك هناك ارتباط وثيق بين الغاية والسلوك اذ هو الوسيلة لإشباعها . فمثلاً الحقد على شخص يعد باعثاً على قتله بينما يعد القتل غاية له ووسيلة في نفس الوقت لاشباع الباعث . والغرض والغاية من طبيعة واحدة وينهضان بنفس الدور القانوني . فهما مدلولان متلازمان ينصرفان الى النتيجة بمعناها القانوني (5). فالغاية هي اخر مراحل القصد الجنائي ، وتساهم في العدوان على المصلحة المحمية بنصوص القانون ، والغاية التي يعتد بها المشرع هي التي تساهم في العدوان على المصلحة المحمية قانوناً سواءاً اكانت الغاية قريبة او بعيدة مباشرة او غير مباشرة، وخلاصة القول ان ظاهرة القصد الجنائي المتمثلة بالارادة تبدا بالباعث او الدافع وتنتهي بالغاية او الغرض وان بلوغ الغاية يساوي العدوان على المصلحة التي يحميها القانون ، وبذلك يتضح لنا ان الباعث يستبعد من نطاق القصد تماماً فهو الذي يحرك الارادة التي تعد جوهر القصد الجنائي ، الا انه لا يدخل في تكوينها ومن ثم فلا شان له بفكرة القصد الخاص ، ومن ثم التعويل على الغاية دون الباعث في قيام القصد الخاص ، وبذلك تكون الغاية هي أساس القصد الخاص دون الباعث والتي تتمثل في الهدف الذي يسعى الجاني لتحقيقه من وراء الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون .(6) وبعد تبيان اساس القصد الخاص والذي هو الغاية . لا بد من تحديد جوهر الغاية ولتحديد جوهر الغاية لا بد من الاجابة على التساؤلات التي كانت مثار نقاش وخلاف فقهي . فهل ان الغاية التي يسعى الجاني لتحقيقها من وراء تزييفه للاختام هي نية الاضرار بالغير ؟ ام نية الاحتجاج بالختم المزيف ام انها نية الاستعمال ؟ ستتناول كل من التساؤلات المتقدمة بالبحث والنقاش تباعاً .
فيرى اصحاب الراي الاول وفي مقدمتهم ( شوفوهيلي ) ان الغاية المتطلبة في القصد الخاص تتمثل في نية الاضرار بالغير سواءاً اكان ذلك الاضرار بشرفه او ماله او غير ذلك . ويختلف اصحاب هذا الراي في تحديدهم لمضمون نية الاضرار فيرى الجانب الاول ان تزييف الختم مثلاً لا يعد ان يكون عملاً تحضيرياً لجريمة استعمال الختم المزيف وهو يستمد صفته الآثمة من غاية الجاني والتي تتمثل باستعمال الختم المزيف اضراراً بالغير (7). ويؤخذ على هذا الرأي تضييقه لدائرة القصد الجنائي وذلك بجعل الضرر مناط القصد الخاص بينما هو عنصر متطلب في الركن المادي لا المعنوي . والواقع ان ما يثلج صدر الجاني ليس الاضرار بغيره ولكن الربح الذي يحققه من وراء فعله .(8) اما اصحاب الجانب الثاني وفي مقدمتهم الاستاذ " دوندييه دي فابر " فانهم يذهبون للقول باشتراط نية الاضرار كمضمون للقصد الخاص الا انهم يحاولون تلافي الانتقادات الموجهة للرأي الاول وذلك باخراجهم الضرر من عناصر الركن المادي وجعله بالتالي قصد خاص لدى الجاني . ومما يؤخذ على هذا الرأي انتزاعه للضرر من بين عناصر الركن المادي فالتزييف لا يتحقق الا اذا ترتب عليه ضرر فعلي او محتمل وبالتالي لا يمكن ان يعد الضرر قصد خاص في جريمة التزييف . وخلاصة القول ان الرأي القائل بان مضمون وجوهر الغاية والتي هي جوهر القصد الخاص يتمثل بنية الاضرار بالغير لا يصلح كمضمون للقصد الخاص في جريمة تزييف الأختام(9). اما بالنسبة للتساؤل الثاني المتقدم سابقاً فيجيب عليه ويؤيده الرأي الثاني من الفقه في بحثهم لجوهر القصد الخاص وفي مقدمتهم (جارو) بان مضمون القصد الخاص هو نية الاحتجاج بالشيء المزيف أي ان جوهر القصد الخاص في جريمة تزييف الأختام يتمثل بنية الاحتجاج بالختم المزيف ، فنية الجاني تكون قد انصرفت الى الاحتجاج بالختم المزيف كدليل اثبات مخالف للقانون ، وهدف الجاني من ذلك هو تحقيق مصلحة غير مشروعة مادية او ادبية لنفسه او لغيره ، ودون عبرة بتحققها بالفعل وإنما يكفي مجرد توافر هذه النية لدى الجاني عند تغييره للحقيقة(10). ويؤخذ على هذا الرأي هو انه ليس كل تزييف او تزوير يستهدف الجاني من ورائه إثبات أمر مخالف للقانون ، فضلاً عن ان تحديد نية الاحتجاج بالشيء المزيف كجوهر للغاية التي تمثل جوهر القصد الخاص غير مانع من تصور غايات اخرى قد يكشف عنها التطبيق العملي ، فالجاني قد يهدف من وراء تزييفه للختم الاستعانة به لتحقيق مصلحة او غرض معين يكون موضع اعتبار عنده ، دون وجود نية الاحتجاج بالشيء المزيف(11).
اما الرأي الثالث والذي تكمن فيه الاجابة عن التساؤل الثالث المتقدم الذكر فيرى اصحاب هذا الرأي وفي مقدمتهم الفقيه (جارسون) ان النية التي تمثل الغاية التي تعد جوهر القصد الخاص هي نية استعمال الشيء المزيف فيما زيف من اجله فالقصد الخاص في جريمة تزييف الأختام يتحقق في علم الجاني او امكانية علمه واتجاه ارادته الى استعمال الختم المزيف فيما زيف من اجله ، اذ ان مجرد التزييف لا خطر منه اذا لم تتوافر لدى الجاني نية استعمال الختم المزيف عند قيام الجاني بتغيير الحقيقة في الختم ، فبالرغم من استقلال جريمة استعمال الختم المزيف عن جريمة تزييف الختم الا انه يتطلب ان تتوفر لدى الجاني ارتباط ذهني قائم على عدم قصور قصد الجاني على نية التزييف فقط وانما يجب ان تمتد الى نية استعمال الختم المزيف فيما زيف من اجله(12). يرى اصحاب هذا الرأي ضرورة التفرقة فيما بين نية الاحتجاج ونية الاستعمال ، فالاحتجاج فيه معنى الاثبات بينما الاستعمال يشتمل على كل ما يجول في ذهن الجاني من فروض ونيات كاستخدام الجاني الشيء المزيف كدليل يستند اليه للحصول على حق يأبى القانون ان يمنحه اياه او يعترف له به او لغرض الاساءة لسمعة انسان ، وبذلك وسع اصحاب هذا الرأي من نطاق العقاب على تزييف الأختام الى الحد الذي تتحقق فيه الحماية اللازمة للمصلحة محل الحماية(13). وبدورنا نذهب الى تأييد الرأي الثالث والذي يرى بأن جوهر الغاية التي تعد جوهر القصد الخاص تتمثل بنية استعمال الختم المزيف فيما زيف من اجله ، كون هذا الرأي يعد الرأي الاصوب والراجح لانه يذهب الى تحديد مضمون واضح وواسع ومقنع للقصد الخاص المتطلب في جريمة تزييف الأختام .
_______________
1- د. فخري عبد الرزاق صلبي الحديثي ، شرح قانون العقوبات القسم الخاص ، مطبعة الزمان ، بغداد ، 1996 ، ص ص 40-41.
2- د. حسنين ابراهيم صالح عبيد ، القصد الجنائي الخاص ، ط1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص19.
3- المصدر نفسه ، ص21 .
4- المصدر نفسه ، ص ص 21-22.
5- د . حسنين ابراهيم صالح عبيد ، المصدر نفسه ، ص ص 24 - 25
6- المصدر نفسه ، ص 22.
7- د . حسنين ابراهيم صالح عبيد ، المصدر نفسه ، ص 60.
8- عبد الجبار يوسف محمد ، جريمة تزوير المحررات ، رسالة ماجستير ، جامعة بغداد ، بغداد ، 1977 ، ص 147 .
9- د. حسنين ابراهيم صالح عبيد ، المصدر السابق ، ص62 .
10- عبد الجبار يوسف محمد ، المصدر السابق ، ص149.
11- د. عبد الجبار يوسف محمد ، المصدر نفسه، ص149.
12- د. فخري عبد الرزاق صلبي الحديثي ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، مطبعة الزمان ، بغداد ، 1996 ، ص41 .
13- د. حسنين ابراهيم صالح عبيد ، المصدر السابق ، ص65.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|