أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-3-2016
4582
التاريخ: 21-4-2021
6806
التاريخ: 20-3-2016
3452
التاريخ: 22-4-2017
2514
|
قبل اعطاء تعريف للجريمة المعلوماتية يتحتم علينا اعطاء فكرة واضحة عن المقصود بالمعلومات وعن ما يتعارف عليه الان ببنوك المعلومات وتحديد خصائصها القانونية ، ذلك لما تحتله المعلومات من مكانة متميزة في عصرنا الحالي ، اذ هي محور كل مناقشة تتعلق بالمعلوماتية بوصفها علم معالجة المعلومات ، حتى قيل بحق ان المعرفة هي سلطة ، كما يعزز بعضهم (1) ذلك قائلا : " ان من المألوف عادةً ، ان تعتمد كفاءة اعداد قرار ما على كم المعلومات المتوفرة لدى مقرره ، وتتيح المعلومات حقا وفي أية لحظة التعرف على وضع دولة ما سـواء من حيث فكرها او علمها …" . وفي الواقع ان المعلومة التي يتم تخزينها عبر شبكة المعلومات لها ماهية قانونية ذات طبيعة خاصة ، فاذا ما توافرت لها خصائص قانونية ، فانها تكون محلاً للحماية القانونية ، ولكن على الرغم مما ورد في المؤلفات و الكتب المتخصصة في هذا الحقل في تعريف للمعلومة او المعلومات ، الا انه حتى هذه اللحظة لا يوجد نص قانوني يعطي تعريفاً جامعاً مانعاً لها ، فالمعلومة عموما هي المادة الاولية التي بوساطتها يمكن اعداد الافكار حتى يمكن ايصالها الى الغير ، لذا يشير القانون الفرنسي الصادر في 29 – تموز/ يوليو سنة 1982م الخاص بالاتصالات السمعية والبصرية الى تعريف عام للمعلومة بوصفها رنيناً وصوراً للوثائق والبيانات او الرسائل من أي نوع كان . يعرف بعضهم (2) المعلومة بانها : " رسالة معبر عنها في شكل يجعلها قابلة للنقل او الابلاغ للغير " ، في حين يعرفها بعض اخر(3) بانها : " رمز او مجموعة رموز تنطوي على امكانية الافضاء الى معنى " ، كما يذهـب اخرون(4) الى ان المقصود بالمعلومات هـــي : " البيانات التي تجري عليها معالجات معينة وترتيبها وتنظيمها وتحليلها بغرض الاستفادة منها والحصول على نتائج معينة من خلال استخدامها " ، أي ان المعلومات تعد اداة مهمة وفعالة في التأثير في سلوك الافراد والجماعات في عصرنا الحاضر . وعليه تختلف المعلومات عن البيانات ، فالبيانات هي مجموعة من الحقائق او القياسات او المعطيات التي تتخذ صورة ارقام او حروف او رموز او اشكال خاصة ، وتصف فكرة او موضوعاً او حدثاً او هدفاً معيناً ، لذا توصف بانها المادة الخام التي يتم تحويلها عن طريق الحاسوب لغرض استخراج معلومات معينة ، وتسمى العلاقة بين المعلومات والبيانات بالدورة الاسترجاعية ، اذ يتم تجميع وتشغيل البيانات للحصول على المعلومات ثم تستخدم هذه المعلومات في اصدار قرارات تؤدي بدورها الى مجموعة اضافية من البيانات التي يحصل تجميعها ومعالجتها مرة اخرى للحصول على معلومات اضافية يعتمد عليها في اصدار قرارات جديدة (5) . وبناءاً على ما تقدم فنظام المعلومات لا يستطيع وضع حد فاصل دقيق تماماً بين ما يعد بيانات (مدخلات) وبين ما يعد معلومات (مخرجات) ، فالتداخل قائم بينهما ، فما يعد معلومات في بعض المراحل او الحالات ، يعد بيانات في مراحل اخرى اذا جرى عليه معالجة ، ومن ثم وحسب تقديرنا المتواضع فالمعلومة لا تعدو ان تكون سوى نتاج معين وافكار قابلة للتملك المؤقت من قبل المستفيد ، أي انها قائمة بصورة مستقلة عن الخدمة التي تكون محلا لها ، فلا علاقة لها بالسند المادي (الالة) اوالخدمة التي تؤديها(6) . وبما ان المعلومات قابلة للتملك فهي ملك فكري ونتاج مالكها سواء اكان من ابتدعها شخص طبيعي ام معنوي ، مالم يكن هناك اتفاق خلاف ذلك . استناداً الى الاحكام العامة لقواعد الملكية الفكرية والادبية ، علاوة على ان المعلومة تمثل لمالكها مصالح شخصية واقتصادية ، بمعنى اخر ان لها اثر ايجابيا بالنسبة الى الاشخاص المستفيده منها ، فاذا كانت المعلومات عبارة عن فكرة او مجموعة من الافكار ميدانها لا حدود له ، فانها تستلزم تنظيماً قانونياً خاصاً ، وبهذا فالمعلومة تختلف عن مصطلح المعلوماتية ، فهذه الاخيرة هي علم يعنى بالمعالجة المنطقية للمعلومات التي تعد دعامة للمعارف الانسانية والاتصالات في المجالات الفنية والاقتصادية والاجتماعية وذلك باستخدام معدات الية(7) ، والنظام المعلوماتي بمعناه الواسع هو كل وسيلة مخصصة لصناعة المعلومات او لمعالجتها لتخزينها او لعرضها او لاتلافها ويتطلب تشغيلها الاستعانة بشكل او باخر بالوسائل الإلكترونية(8) . ولما كان للمعلومة قيمة بوصفها نتاج نشاط انساني ، يقتضي توفير حماية قانونية كافية لها ، لذا يستلزم بيان خصائصها وطبيعتها القانونية ، فبالنسبة الى خصائصها المميزة فالمعلومة تتميز بـ :
1. التحديد والابتكار : اذ يعد التحديد خصيصة اساسية تفرض نفسها قبل كل شيء ، أي ان المعلومة ترتبط بالتحديد وجوداً او عدماً ، يذهب كاتالا (Catala) الى ان المعلومة هي تعبير وصياغة مخصصة من اجل تبليغ رسالة ، عن طريق علامات اواشارات مختارة لكي تحمل الرسالة الى الغير(9) ، فاذا كانت الرسالة مخصصة للتبليغ ، فانه يجب ان تكون محددة ، فالمعلومة المحددة هي التي يمكن حصرها في دائرة خاصة بها ، علاوة على ان التحديد يبدو امراً ضرورياً في مجال الاعتداء على القيم والنظام العام والاداب ، فالتعدي يفترض دائماً ان يقع على شـيء محدد ، وهذا الشيء بدوره يفترض ان يكون محلاً لحق محدد(10). كما يجب ان تكون المعلومة مبتكرة ، وتنبع ضرورة الابتكار من خلال صعوبة الوصول اليها ، أي ان تكون غير شائعة مما يسهل الوصول اليها من قبل الجميع ، وبعبارة اخرى ان يكون الابتكار مجاوزاً للحدود الطبيعية للمعلومات الجارية لرجل مختص ، فليس كل جديد مبتكراً بالضرورة(11) ، لذا يرى بعضهم (12) ان هذه الخصيصة من بين المعايير التي تستخدم في تحديد مصدر المعلومات ، فاذا ما استخدمت دون تدخل المصدر ، فان ذلك يعد انتهاكاً للحق في المعلومات ، غير انه يجدر التنبيه في هذا المقام ان معيار الابتكار المقصود بهذا الصدد هو ليس المرتبط بالنشاط الصناعي المادي ، الذي يستلزم تقديم طلب الى السلطات المختصة للحصول على براءة اختراع ومن ثم تطبيق القانون الخاص بهذه البراءة ، مما يعني ان المعلومات لا تكون جديرة بالحماية دون اجازة وفي الواقع ان المعلومات يتم تداولها دون حاجة الى مثل ذلك ، وعلى الرغم من ذلك فالمعلومات بوصفها افكاراً لا تعني بالضرورة فصلها بصورة مطلقة عن التوظيف المادي ، فاستخدام برنامج الحاسوب الالكتروني هو ذو وجه مادي ، فهو يمثل الوسيلة التي يتم تشغيل الجهاز بها ، أي انه اداة للتشغيل ، وعليه فالمقصود بخصيصة الابتكار في هذا المقام ليس تطبيق احكام براءة الاختراع على المعلومات، بل استخدامها معياراً لتحديد عائدية المعلومات(13) .
2 . السرية والاستئثار : اذ ان السرية صفة لازمة في المعلومة ، لكونها تحصر حركة الرسالة التي تحمل المعلومة في دائرة محددة من الاشخاص(14) ، ويطلق بعضهم (15)على هذه الخصيصة بالحدة أي ان لا يكون احد قد سبق وان وضع نفس المعلومة والتعريف بها ، فالمعلومات يجب ان تعبر عن شخصية من ابدع في وجودها ، فاذا لم يتحقق ذلك ، فانها لا تعدو ان تكون مجرد افكار عامة ، ومن ثم تكون بمنأى عن أي حيازة ومن ثم لا تستوجب الحماية ، فالمعلومة تكتسب وصفها ومن خلال النظر الى طبيعتها ، كاكتشاف شئ كان مجهولا من قبل وبالنظر الى ارادة شخص كاكتشاف مجال الحديث للادارة بوساطة رئيس شركة ما والاحتفاظ بسريته ، او بالنظر الى الامرين معا ( كما هو الحال بالنسبة الى الرقم السري للبطاقة الائتمانية )(16) . اما بالنسبة الى الاستئثار فهو امر ضروري في جميع الجرائم التي تنطوي على اعتداء قانوني على القيم ، اذ يستأثر الفاعل بسلطة تخص الغير على نحو مطلق(17) ، والاستئثار في مجال المعلومات ينصب عند حيازة المعلومة المخصصة لمجموعة الاشخاص دون وجه حق فالاستئثار يرتبط بالمعلومة بوصفها من قبيل الاسرار ، كما ان استئثار المعلومة قد ينفرد به شخص واحد ، كاستئثار مؤلف المعلومة او صاحبها دون غيره ، ومن ثم تكون حيازتها معنوياً وذلك بنسبتها الى شخص من صدرت عنه ، وهنا يستلزم الاستئثار نوعاً من رابطة الابوة اوعلاقة الانتساب(18) ، ولكن حتى يمكن الاعتراف بهذه الرابطة او العلاقة لا بد من توافر حالتين :
الاولى : ان ترد المعلومة على حقيقة او حدث ، عندها يكون لكل شخص من حيث المبدأ حرية الاستيلاء والحصول عليها او حيازتها ، ولكن هذه الحرية لا تنشأ الا في المرحلة الاولى للاستيلاء ، فاذا قام شخص بتجميع المعلومات ذاتها وحفظها لغرض الحصول على معلومة جديدة ، فان له الحق باستئثارها والتصرف فيها بمفرده(19) .
اما الثانية : فهي ان ترد المعلومة على فكرة او عمل ذهني ، ومن ثم ينظر الى هذه الفكرة من خلال صاحبها بوصفه مالكا لها وهو ما يتعارض مع الوضع القانوني الحالي باعتبار ان احكام الملكية الفكرية التي لا تحمي الفكرة المجردة ، ويجب ان تأخذ الفكرة شكلاً او مظهراً لكي تخرج من خلاله المعلومة الى الغير ، وعندها تكون المعلومة محلاً للحماية الجنائية والمدنية ضد كل تقليد ، وتعزيزاً لذلك ليس هناك أية حماية جنائية تضفى على الفكرة المجردة، مما سهل الاعتداء عليها باستيلائها من قبل الغير ، وعلى نحو غير مشروع(20) ، مما يؤدي بمبتكرها حتماً الى الشعور بالاعتداء عليه وسلب حق من حقوقه .اما فيما يتعلق بالطبيعة القانونية للمعلومات ، ففي الواقع ينقسم الفقه بشان تحديد هذه الطبيعة الى اتجاهين ، الاتجاه التقليدي : الذي يرىأن المعلومة لا تنطوي على قيمة بذاتها ، بل لها بالأحرى طبيعة من نوع خاص ، وذلك من خلال تطبيق المنهج التقليدي ، الذي يضفي وصف القيمة على الاشياء المادية ، كما يستند هذا الاتجاه الى ان الاشياء التي توصف بالقيم هي تلك الاشياء القابلة للحيازة والاستئثار ، وبالنظر الى ان للمعلومات طبيعة معنوية ، فانه من غير المنطقي ان تكون قابلة للاستئثار وفقاً لهذا الاتجاه ، الا عن طريق حق الملكية الادبية او الذهنية او الصناعية ، وعليه فالمعلومات المخزونة التي لا تنتمي الى الفكرة الادبية اوالذهنية اوالصناعية ، ولا يمكن ادراجها في أي من المجوعات المتقدمة ، يجب ان لا تندرج حتما في مجموعة القيم المحمية(21) . ولكن لما كان الفقه والقضاء يعترفان بوجود خطأ عند الاستيلاء غير المشروع على معلومات الغير ، ويتضح ان هذا لاتجاه حاول تسويغ العقاب على اساس المنافسة غير المشروعة ، باعتبار ان الخطأ لا يجد اساسه في الاستيلاء على المعلومة التي تخص الغير ، وانما يجد اساسه في الظروف التي اقترنت بهذا الاستيلاء ، وفي ضوء هذا الامر يمكن تفادي الاعتراف بحق الاستئثار على المعلومة(22) ، لذا كانت الحاجة والمناداة للبحث عن اتجاه حديث ينظر الى المعلومة بوصفها مستحدثة من القيم .
الاتجاه الحديث : هو اعطاء المعلومة وصفا ذا قيمة ، ويرجع الفضل في اضفاء الوصف الى كل من الاستاذين (Vivant , Catala) ، وسنشير بايجاز الى المنهج الذي اتبعه كل منهما للوصول الى هذه النتيجة ، فوفقا لمنهج الاستاذ (Catala) تعد المعلومة مستقلة عن دعامتها المادية قيمة قابلة للاستحواز ، استناداً الى قيمتها الاقتصادية ، اذ ان المنطق التقليدي يستبعد المعلومة من مجموعة القيم ، في حين يذهب هذا الاتجاه الى ان المعلومات مجموعة مستحدثة من القيم بالنظر الى طابعها المعنوي ، فضلاً عن ان الجوهر ذات اهمية كبيرة في مجال المنفعة الاقتصادية بالمقارنة مع غيرها في مجال البيانات المادية ، فاذا كانت المعلومة تحظى بهذه الاهمية ، فانه لا بد ان ينطبق وصف القيمة عليها(23) ، لكي تكون في النهاية محل نظر القانون. كما يبين الاستاذ (Catala) تصوره في اضفاء وصف القيمة على المعلومة من خلال رابطة التبني التي تجمع بينها وبين مؤلفها ، الذي يعد حائزاً لها ، بوصفها قيمة وفقا لهذا التصور ، بمعنى اخر يمكن الاقرار بحيازة المعلومة ، اما منهج الاستاذ (Vivant) فهو مستند الى ان فكرة الشيء او القيمة لها صورة معنوية ، قد تكون ذات طابع اقتصادي وعليه تعد جديرة بحماية القانون(24) ، ويعزز الاستاذ (Vivant) منهجه مشيراً الى ان كل الاشياء المملوكة ملكية معنوية والتي يعترف بها القانون ، تستند الى اساس الاعتراف بان للمعلومة قيمة ، وخصوصاً عندما تكون من قبيل البراءات او الرسومات اوالنماذج اوحق المؤلف ، فالشخص الذي يقدمها او يكشف عنها للاخرين ، يقدم لهم معلومة بالمعنى الواسع ، وعلى الرغم من انها خاصة به ، لذا يجب التعامل بها بوصفها قيمة ، ومن ثم تكون محلا لحق اذ لا توجد ملكية معنوية دون الاقرار لها بالقيمة المعنوية(25) ، وهكذا يبدو ان منهج الاستاذ (Vivant) واضح في ان المعلومة بوصفها قيمة تندرج في احدى مجموعـات القانون الوضعي ، وعليه فالمعلوماتية قائمة بذاتها بسبب خصائص الملكية التي تعد محلاً له ، مما يترتب عليه اثار جسيمة سواء من الناحية المدينة ام التجارية ، وفي سبيل ذلك ليس هناك عائق لانضمام القيمة المعلوماتية الى مجموعة القيم التي يحميها قانون العقوبات ، وخصوصاً بعد الحجة التي ساقها الاستاذ (Catala) و ترتكز على رابطة التبني والابوة التي تجمع بين المعلومة ومؤلفها .
من خلال ما تقدم ، وبعد اعطاء صورة لعلها تكون واضحة فيما يتعلق بمفهوم المعلومة اوالمعلومات وخصائصها والطبيعية القانونية لها ، ينبغي التنويه بان المقصود ببنوك المعلومات هو تكوين قاعدة بيانات تفيد موضوعاً معيناً وتهدف لخدمة غرض معين ، ومعالجتها بوساطة اجهزة الحاسبات الإلكترونية لاخراجها في صورة معلومات منظمة تفيد المستخدمين وتقدم لهم المشورة في اغراض متعددة(26) ، وعليه يمكن القول بان هناك بنكا للمعلومات المالية ، اوالقانونية ، او الطبية ، او السياسية ، او الامنية او العسكرية ، كما انه من الممكن ان يشتمل بنك المعلومات على اكثر من نوع من انواع البيانات السابقة مثل بنوك المعلومات القومية(27) ، اما المقصود بالانظمة المعلوماتية في شبكة المعلومات " الانترنت " فهي المعدات والالات المعلوماتية والحاسبات الالية والبرامج وقواعد بنوك المعلومات، ومواقع الويب(28) . ومنتديات المناقشة والمجموعات الاخبارية ، وكل وسيلة معلوماتية اخرى مخصصة للصناعة او للمعالجة او التخزين او الاسترجاع او لعرض او نقل او لتبادل المعلومات(29) . وفي ضوء ذلك ونتيجة لازدياد العديد من اوجه الاستغلال المتعسف ، وافعال الاستخدام المقترنة بسوء نية اداء معالجة المعلومات ، ظهر ما يعرف بالاجرام المعلوماتي بوصفه احد الاوجه العديدة للتعدي المؤثر على التقنية في مجال الاعمال والادارة . وليس المقصود به مجرد مشكلة نظرية بحتة في مجتمع مستقبلي تحكمه المعلومات ، انما الاجرام المعلوماتي هو حقيقة اجتماعية مادية تشغل كثيراً من الفقهاء والباحثين في هذا المجال . واياً كان الامر ، فانه ينبغي ان يقاوم أي موقف عدائي تجاه ثورة تقنية المعالجة الالية للمعلومات ، والتي لها دون أي شك فوائد عظيمة(30) ، وترجع الارهاصات الاولى لظاهرة الاجرام المعلوماتي ، التي اصبحت محلاً للابحاث اكثر تفصيلاً في الاونة الاخيرة(31) الى الستينيات من القرن الماضي عندما نشرت الصحف والكتب العلمية على بساط البحث ما يطلق عليه "اجرام تقنية المعلومات " المتعلقة في اغلبها بالتلاعب بالحاسب الالي وتعطيله والتجسس عليه ، والاستعمال غير المشرع له ، حتى بات من العسير معرفة ما اذا كانت الجرائم المعلوماتية المستحدثة تعد من قبيل الحقيقة ام الخيال ، كما اصبح من الصعوبة وضع تعريف معين لظاهرة الجرائم المستحدثة خشية من حصرها في مجال ضيق ، وخصوصاً لعدم الاتفاق على مصطلح معين للدلالة على هذه الظاهرة الاجرامية المستحدثة ، فهناك من يطلق عليها ظاهرة الغش المعلوماتي او " الجريمة المعلوماتية " او الاختلاس المعلوماتي(32) ، وهناك من يطلق عليها جرائم الحاسب الالي(33) وغيرها من المصطلحات ، غير انه يقتضي الاشارة الى تعريف يشمل العناصر الاساسية التي تسمح بتحديد الظاهرة محل البحث .
لذا سنشير الى موقف الفقه في تحديد تعريف الجريمة المعلوماتية ، اذ يعرفها بعضهم(34) بانها : " تشمل أية جريمة ضد المال مرتبطة باستخدام المعالجة الالية للمعلومات " ، اما بعضهم الاخر(35) فيعرفها بانها : " الاعتداءات القانونية التي ترتكب بوساطة المعلوماتية بغرض تحقيق ربح" ، ويعرفها اخرون(36) بصورة اكثر توسعاً بغية الاحاطة بكل اشكال التعسف في مجال استخدام نظم المعلومات ، فهي من وجهة نظرهم : " كل فعل اجرامي متعمداً اياً كانت صلته بالمعلوماتية ينشأ عنه خسارة تلحق بالمجني عليه ، او كسب يحققه الفاعل" ، او انها : " كل اشكال السلوك غير المشروع او الضار بالمجتمع ، الذي يرتكب باستخدام الحاسب الالي" (37) . وفي تعريف مقارب لسابقه هي : " كل فعل غير مشروع يستخدم فيه الحاسب الالي اداة رئيسية " (38) .وعليه نلاحظ من جملة التعاريف السابقة ان بعضها يركز على ربط الجريمة بتحقيق الربح ، أي ربط القاعدة الجزائية بالغاية من الفعل ، غير ان الاصل بالتجريم لا علاقة له بالغاية ، باعتبار انها ليست عنصراً فيه ، ومن ثم قصر جرائم المعلوماتية على الحالات التي يقصد فيها المجرم تحقيق الربح امر غير منطقي ، اذ قد ترتكب جرائم من هذا القبيل لا علاقة لها بتحقيق الربح ، ومثالها جرائم التجسس والاطلاع على المعلومات ، او اكتشاف اسرار تجارية ، او اساءة لسمعة وغيرها من الجرائم ذات العلافة بموضوع البحث . اما بعضها الاخر فيركز على ان الجريمة محل البحث هي تلك التي يستخدم فيها الحاسب الالي وسيلةً او اداةً رئيسة في اتمامها ، في الوقت الذي لم تشر فيه التعاريف السابق ذكرها الى جميع الجرائم التي تقع على الحاسب الالي ، ولما كان الاعتماد على وسيلة ارتكاب الجريمة لتعريفها ، امر لا يقره القانون الجزائي ولا يأبه به بشكل مطلق ، وهذا ما يجعل التعاريف السابقة تبدو قاصرة عن احتواء المقصود بالجريمة المعلوماتية . في حين يذهب ثلة من الفقهاء الى تعريف الجريمة المعلوماتية بانها : " مجموعة من الافعال المرتبطة بالمعلوماتية التي يمكن ان تكون جديرة بالعقاب(39) ، على حين يعرفها جانب من الفقه بأنها : " مجموعة الجرائم المتصلة بعلم المعالجة المنطقية للمعلومات(40) ، اما الجانب الاخر فيعرفها : " كل فعل او امتناع عمدي ينشا عن الاستخدام غير المشروع لتقنية المعلومات ، ويهدف الى الاعتداء على الاموال المادية او المعنوية(41) ، وعليه يتضح من التعاريف المتقدمة انها تكاد تكون اكثر منطقية من سابقتها لمحاولتها تلافي الانتقادات المتقدمة كاستبعاد الافعال الاجرامية التي ترتكب بمناسبة الاستخدام العارض للحاسب الالي ، فضلاً عن استبعاد الباعث او الغاية من القيام بتلك الافعال ومنها تحقيق الربح ، ومن ثم يمكن القول ان الجرائم المعلوماتية الواقعة على طبيعة قانونية خاصة تميزها عن غيرها من الجرائم التقليدية ، علاوة على الخصائص والمميزات الاخرى المترتبة عليها ، لذا يبدو الشـك واضحاً ، حول قدرة القوانين العقابية على احتواء مثل هذه الظاهرة ، ومن ثم تطبيق النصوص العامة كحماية القيم المعنوية الناشئة عن المعلوماتية .
___________________
1- J . Frayssinet , le bureaucratique . d, Adminastration Franancaise Facea L
infermatique . L admian -stration nouvelle . Paris , 1981 , P (5) .
نقلاً عن د. محمد سامي الشوا ، ثورة المعلومات وانعكساتها على قانون العقوبات ، دار النهضة العربية ،
القاهرة ، 1994م ، ص 173 .
2- P . Catale , La protiete de L information Cujas , Paris , 1983 , P (97) .
3- ينظر : هشام محمد فريد رستم ، قانون العقوبات ومخاطر تقنية المعلومات ، مكتبة الالات الحديثة،
اسيوط، 1992م ، ص 24 وما بعدها .
4- ينظر : انتصار نوري الغريب ، امن الكمبيوتر والقانون ، دار الراتب الجامعية ، بيروت ، 1994م ،
ص81 .
5- ينظر :انتصار نوري ، المصدر السابق ، ص 81 .
6- ينظر : د. صبري حمد خاطر ، الضمانات العقدية لنقل المعلومات ، بحث منشور في مجلة الحقوق ،
مجلد (3) ، عدد (3) ، 1999م ، ص 121 .
7- ينظر : د. صبري حمد خاطر ، المصدر السابق ، ص 7 .
8- ينظر : د. طوني ميشال عيسى ، التنظيم القانوني لشبكة الانترنت ، ط(1) ، دار صادر
للمنشورات الحقوقية ، بيروت ، 2001م ، ص 178 .
9- P. Calata, Les trans formatique de droit par L informatiqe in Emergence du droit de infirmatique des parques , Paris , 1983 , P . (2 , 4).
نقلاً عن د. محمد سامي الشوا ، ثورة المعلومات وانعكاساتها على قانون العقوبات ، مصدر سابق ،
ص175 .
10- ينظر : د. محمد سامي الشوا ، المصدر السابق ، ص 175 .
11- ينظر : د. محمد حسام لطفي ، الحماية القانونية لبرامج الحاسوب الالكتروني ، دار الثقافة للطباعة
والنشر، القاهرة ، 1987م ، ص 49 .
12- Lucas , La Protection des creation distrielle , al rosbaurg, 1975 , P(50) .
13- ينظر : د. صبري حمد خاطر ، مصدر سابق ، ص 122-123 .
14- ينظر : د. محمد سامي الشوا ، ثورة المعلومات وانعكاساتها على قانون العقوبات ، مصدر سـابق ،
ص176 ، وينظر كذلك : د. جلال احمد خليل ، النظام القانوني لحماية الاختراعات ونقل التكنولوجيا الى
الدول النامية ، ط(1) ، جامعة الكويت ، 1983م ، ص 80 .
15- ينظر : د. عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في القانون المدني ، ج(8) ، دار النهضة العربية ، القاهرة،
1978م ، ص 452 .
16- ينظر : د. محمد سامي الشوا ، مصدر سابق ، ص 176 .
17- ينظر : اياد احمد البطاينة ، النظام القانوني لعقود برامج الحاسوب ، دراسة مقارنة ، اطروحة دكتوراه
مقدمة الى كلية القانون في جامعة بغداد ، 2002م ، ص 23 .
18- ينظر : اياد احمد البطاينة ، المصدر السابق ، ص 22 . وينظر كذلك : ابو اليزيد علي المتيت ، حقوق
المؤلف الادبية ، مكتبة النهضة العربية ، القاهرة ، 1960م ، ص 14 .
19- ينظر : د. محمد سامي الشوا ، مصدر سابق ، ص 177 .
20- ومما يدلل على اهمية ان تتخذ الفكرة شكلاً معيناً هو ما تضمنه القانون الفرنسي الصادر سنة 1975م
الخاص بحقوق المؤلف الذي يقابله القانون المصري لسنة 1954م ، فكل من القانونين يربطان حماية
الافكار بمسألة وصفها بشكل معين . ينظر : د. محمد سامي الشوا ، مصدر سابق ، ص 177 .
21- Coutal , Informatique et droit prive , dis cussion general , Emergence du droite de L informatique . P (92) .
22- اذ ان هناك الكثير من الاحكام القضائية بهذا الشان ابرزها موقف محكمة النقض الفرنسية التي دأبت على
الاستعانة بفكرة الخطأ لكي تعترف بالحق في احترام الحياة الخاصة لذا اقرت بوجود الخطأ لا على اساس
المنافسة غير المشروعة ، وبذلك تكون قد اقرت بوجود حق على المعلومة. ينظر : Com . 18 janiv ,
1982 , Bull . Civ no , 19 P(14) . نقلاً عن د. محمد سامي الشوا، مصدر سابق ، ص 181 .
هامش رقم (1) .
23- ينظر : د. محمد سامي الشوا ، المصدر السابق ، ص 184 .
24- M . vivant , Apropes des biens informationels , 1984 , P(313) .
25- M . Vivant, op cit , P(313) .
26- ويتميز هذا التعريف بانه يفرق بين المعلومات والمعارف ، في ان المقصود بالمعلومات مجموعة العناصر
التي تسهم في تكوين المعارف ، مع مراعاة ان مجموعة هذه المعلومات يجب ان تكون منظمة وفقاً
لاساليب الحاسب الالكتروني ، وتتمثل هذه الاساليب في تخزين كمية كبيرة من المعلومات في ذاكرة
الحاسوب بتسجيلها على شرائط او اسطوانات (اقراص) وتجهيز شاشات نهائية او قنوات ارسال او
شبكات او محولات او خطوط اتصال يستخدمها العملاء في الحصول على نوع معين من المعلومات بعد
تخزينها في بنك المعلومات . ينظر : انتصار نوري الغريب ، أمن الكمبيوتر والقانون ، مصدر سابق ،
ص111 .
27- وهي تتضمن قواعد بيانات عن نواحي الحياة المختلفة سواء اكانت سـياسية ام امنية ام اقتصادية ام
صحية … الخ ، ولكن في الحقيقة انه حتى هذه اللحظة لا يوجد تحديد قانوني لمصطلح بنوك المعلومات
ويطلق عليه بالانجليزية (Data Banks) ، وفي الفرنسية (Les Banques de Donnecs) . ينظر :
د. اسامة عبد الله قايد ، الحماية الجنائية للحياة الخاصة وبنوك المعلومات ، دراسة
مقارنة ، ط(3) دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1994م ، ص 48 .
28- الويب ( World Wide Web ) يعني البحث والدخول الى المعلومة وهو احد الادوات الاكثر ضيافة
على "الانترنت" للبحث ونشر المعلومات ، وترجع نشاته الى عام 1989م بالمركز الاوربي للابحاث
النووية بوصفه نظاماً لمساعدة علماء الفيزياء ، ثم اصبح حقيقة واقعية تقريباً في عام 1993م عندما
استخدم في برنامج " ويندوز Windows ) ، وللمزيد تفصيلا ينظر : د. محمود السيد عبد المعطي
خيال، الانترنت وبعض الجوانب القانونية ، مكتبة دار النهضة ، القاهرة ، 1998م ، ص12 وما بعدها .
29- ينظر : د. طوني ميشال عيسى ، التنظيم القانوني لشبكة الانترنت ، مصدر سابق ، ص178 .
30- Data Retention , http : // www. Epic . org / privacy / data – retention . htm .
31- ينظر : د. مدحت عبد الحليم رمضان ، الحماية الجنائية للتجارة الالكترونية ، دراسة مقارنة ، دار النهضة
العربية ، القاهرة ، 2001م ، ص 35 وما بعدها . ينظر كذلك : : المؤلف نفسه ، جرائم الاعتداء على
الاشخاص والانترنت ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2000م ، ص 33 وما بعدها . وكذلك د. جميل
عبد الباقي ، الانترنت والقانون الجنائي ، الاحكام الموضوعية للجرائم المتعلقة بالانترنت ، دار النهضة
العربية ، القاهرة ، 1999م ، ص 177 . ينظر كذلك : د. هدى حامد قشقوش ، جرائم الحاسب
الإلكتروني في التشريع المقارن ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1992م ، ص1 وما بعدها .
32- ينظر : د. محمد سامي الشوا ، مصدر سابق ، ص31 .
33- ينظر : اسامة احمد المناعسة وآخرون ، جرائم الحاسب الآلي والانترنت ، دراسـة تحلـيلية
مقارنة ، ط(1) ، دار وائل للنشر ، عمان ، 2001م ، ص 72 وما بعدها . مشيراً الى الجهات التي حاولت وضع تعريف لجرائم الحاسب الالي ، منها مكتب تقويم التقنية في الولايات المتحدة الامريكية اذ عرفها بانها : " الجرائم التي تؤدي فيها البيانات والبرامج المعلوماتية دوراً رئيسياً " وعرفتها المنظمة الاوربية للتعاون والتنمية الاقتصادية بانها : " كل سلوك غير مشروع او منافٍ للاخلاق او غير مسموح به يرتبط بالمعالجة الالية للبيانات او بنقلها " .
34-K.Tiédemans , Freude et autres de lits d̉affares ccommis a l̉aide dordinate urs
électroniques , Rev. dr . pén . crim , 1984 , P(612) .
35- M . Masse , la Droit penal special nede L̉in Formatique , in formatique et droit
pénal , travaux de L̉institut de sciences criminelles de Poietiers , 1981 , P(23) .
36- D . B . parker , Combattre la crimpinalite informatiqe , 1985 , P(18) .
37- ينظر : هذا تعريف الفقيه (ناديمان) وقد اشار اليه اسامة احمد المناعسة ، جرائم الحاسب الالي والانترنت،
مصدر سابق ، ص 73 .
38- ينظر : د.هشام رستم ، الجرائم المعلوماتية ، اصول التحقيق الجنائي الفني ، بحث منشور في مجلة الامن والقانون ، العدد (2) ، كلية الشرطة ، دبي ، 1999 م ، ص 110 .
39-Vivant ét Le stanc , Lamy in Droit de L̉ informatique éd , 1989 , P(1540) .
وقد اشار الى تعريف الاساتذة (Vivant , Le.stance) ، د. محمد سامي الشوا ، مصدر سابق ، ص6 .
40- ينظر : د. هدى حامد قشقوش، جرائم الحاسب الإلكتروني في التشريع المقارن، دار النهضة
العربية، القاهرة، 1992م ، ص 8 .
41- ينظر : د. محمد سامي الشوا ، مصدر سابق ، ص7 ، وعلى نهج مشابه يعرف الاستاذ يونس عرب ،
الجرائم الحاسوبية بأنها : "سلوك غير مشروع يعاقب عليه قانوناً ، صادر عن ارادة جرمية ، محله
معطيات الحاسوب . ينظر : يونس خالد عرب ، جرائم الحاسوب ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية
الحقوق في الجامعة الاردنية ، 1994م ، ص 14 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|