المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
رجوع البصرة إلى بني أمية.
2024-11-02
إمارة مصعب بن الزبير على العراق.
2024-11-02
مسنونات الاذان والاقامة
2024-11-02
خروج البصرة من يد الأمويين.
2024-11-02
البصرة في عهد الأمويين.
2024-11-02
إمارة زياد على البصرة.
2024-11-02

التحمل المركزي Central Tolerance
18-10-2017
The solenoid
20-4-2021
دور أهل البيت (عليهم السلام) في إكمال الدين وختم الرسالة
2-02-2015
غسل الاستحاضة
22-1-2020
Endocytosis
2-5-2016
Did we lose the perfect tense already?
2024-01-03


أركان الجريمة الدولية في القانون الدولي الجنائي  
  
19511   09:00 صباحاً   التاريخ: 23-3-2017
المؤلف : عبد الله علي عبو سلطان
الكتاب أو المصدر : دور القانون الدولي الجنائي في حماية حقوق الانسان
الجزء والصفحة : ص71-80
القسم : القانون / القانون العام / القانون الدولي العام و المنظمات الدولية / القانون الدولي العام /

يقصد باركان الجريمة : مجموعة الاجزاء التي تتشكل منها الجريمة او كل الجوانب التي ينطوي عليها بنيان الجريمة او التي يترتب على وجودها في مجموعها وجود الجريمة ويترتب على انتفائها او انتفاء احدها انتفاء الجريمة(1). وأركان الجريمة كان محل خلاف بين الفقهاء على الصعيدين الداخلي والدولي . ففي نطاق القانون الجنائي الداخلي ظهرت ثلاثة آراء في هذا الصدد(2):

الرأي الاول : يعد ان للجريمة اربعة اركان وهي الركن الشرعي أي النص الذي يجرم الفعل وينص على عقوبته والركن المادي أي السلوك الخارجي للجاني والركن المعنوي أي انصراف ارادة الجاني الى ارتكاب الجريمة وأخيراً ركن عدم الشرعية أي عدم وجود سبب قانوني لاباحة الفعل ، أما الرأي الثاني : فمفاده ان اركان الجريمة ثلاثة ، الركن الشرعي والركن المادي والركن المعنوي ، بينما الرأي الثالث : فيقول مؤيدوه ان للجريمة ركنين فقط الركن المادي والمعنوي ، أما الركن الشرعي أي النص الذي يجرم الفعل ويحدد العقوبة فانه لا يعد ركناً في الجريمة لانه خالق الجريمة ولا يمكن القول ان الخالق عنصر فيما يخلقه. إذاً الخلاف هو حول الركن الشرعي (نص القانون) ومدى اعتباره من الاركان اللازمة للجريمة وهذا الخلاف امتد أيضاً الى نطاق القانون الدولي الجنائي ، فاذا كان هناك اتفاق حول الاركان الثلاثة للجريمة الدولية وهي الركن المادي والركن المعنوي والركن الدولي(3). إلا انه يوجد اختلاف أيضاً حول الركن الشرعي ، لذلك انقسم الفقه الدولي الجنائي الى اتجاهين :

الاتجاه الاول : ويذهب انصاره الى القول بان الاركان الاساسية للجريمة الدولي هي ثلاثة فقط وهي الركن المادي والركن المعنوي والركن الدولي(4).

اما الاتجاه الثاني : فيذهب انصاره الى القول ان للجريمة الدولية اربعة اركان الركن المادي والركن المعنوي والركن الدولي والركن الشرعي ، ويقصد به في إطار القانون الدولي الجنائي ان يكون الفعل مجرماً بموجب قاعدة دولية جنائية أياً كان مصدرها (معاهدة او عرفا او غيرها من مصادر القانون الدولي الجنائي)(5). ويبدو لي ان الرأي الاول هو الاصوب اذ لا يمكن اعتبار نص القانون جزءاً في الجريمة لانها بوصفها فعلا غير مشروع لا تتكون بالضرورة إلا من اجزاء غير مشروعة، (والنص ليس إلا الوعاء الذي يحدد أركان الجريمة)(6). فنص التجريم هو مصدر الجريمة لولاه لبقى الفعل مباحاً كما هي القاعدة في افعال الانسان والنص هو الذي يجرم الفعل وهو الخالق للجريمة ، واذا ما تعمقنا في تحليل الركن الشرعي سيتبين لنا انه ما هو إلا (مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات) وهو من المبادئ المعروفة سواء في القانون الجنائي الداخلي ام القانون الدولي الجنائي(7). وهذا المبدأ هو الوعاء الذي يحتوي  الجريمة بجميع عناصرها، إذ لولا وجود هذا المبدأ لما وجدت الجريمة أي ان النص الجنائي او الصفة غير المشروعة المستخلصة منه يجب ان يكون سابقاً لوقوع الجريمة وإلا لما امكن القول بوجود جريمة أصلاً. ونخلص مما تقدم الى ان الجريمة الدولية في القانون الدولي الجنائي تقوم على ثلاثة أركان : الركن المادي ، والركن المعنوي ، والركن الدولي ، وسنتكلم عليها في ثلاثة فروع .

الفرع الأول

الركن المادي

ينصرف الركن المادي الى ماديات الجريمة ، أي المظهر التي تظهر فيه الى العالم الخارجي ويتدخل القانون من اجله بتوقيع العقاب ، إذ بغير ماديات ملموسة لا يتحقق العدوان على الحقوق التي يحميها القانون(8). ويترتب على ذلك ، ان القانون الجنائي (الداخلي والدولي) لا يعتد بالنوايا وحدها اذا لم تفض الى سلوك خارجي ملموس يعد انعكاساً للارادة في الواقع من ناحية وان الانسان وحده هو الذي يتصور ان يكون فاعلاً للجريمة لانها لا تعدو ان تكون سلوكاً إرادياً يعتد به القانون(9). فالقانون الدولي الجنائي يفترض حتى تقوم الجريمة الدولية وجود تصرف انساني متمثلاً في شكل فعل او امتناع عن فعل ، وهذا التصرف هو الذي يمنح الارادة الكامنة داخل مرتكبه تجسيداً ملموساً وواقعياً في العالم الخارجي ، فالارادة الداخلية وحدها دون مظهر خارجي لا تهم القانون الدولي الجنائي ولا يمكن لهذا الاخير ان يقرر المسؤولية لشخص ما بسبب أفكاره ومعتقداته الداخلية (إذ من الثابت ان حياة الفرد الداخلية لا تقع تحت طائلة القانون)(10). والمظهر المادي الملموس هو الذي يجعل الجريمة تحدث الاضطراب في المجتمع واما النوايا التي لا تتجسد في افعال مادية موجهه الى ارتكاب الجرائم فان القانون لا يعتد بها لانها لا تؤثر في المصالح التي يحميها ولذلك (فان الجرائم لا تقوم بمجرد افكار ومعتقدات او تصميمات حبيسة لم تخرج بعد الى العالم الخارجي في صورة سلوك ، ولكن متى ما تم التعبير عن هذه الافكار والمعتقدات في صورة سلوك فانه سيكون محلاً للعقاب)(11). ويتكون الركن المادي للجريمة الدولية على غرار الجريمة الداخلية على ثلاثة عناصر هي السلوك والنتيجة والعلاقة السببية :

  1. السلوك هو الفعل الصادر عن الجاني سواء أكان ايجابياً ام سلبياً ويترتب عليه ضرر يوجب فرض العقاب(12).

ويتحقق السلوك الايجابي في القيام بفعل يحضره القانون ويؤدي الى قيام الجريمة مثال ذلك ما نصت عليه المادة (6) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية في القيام بارتكاب أي فعل من الافعال التي تؤدي الى ارتكاب جريمة الابادة الجماعية كقتل افراد جماعة …… فالسلوك هنا ايجابي متمثل بالقيام بفعل يحضره القانون الدولي الجنائي. ولكن هل يمكن تصور ارتكاب جريمة ايجابية عن طريق موقف سلبي كالامتناع او الترك ؟ نقول للاجابة عن هذا السؤال ان الرأي استقر في القانون الداخلي انه يمكن ارتكاب جريمة ايجابية بالامتناع بشرط وجود التزام قانوني او تعاقدي بالتدخل لإنقاذ المجني عليه(13).  يمكن ايضا ارتكاب جريمة ايجابية باسلوب سلبي في القانون الدولي الجنائي والمثال على ذلك امتناع الدولة عن توفير الاغذية والمستلزمات الطبية للاسرى فيؤدي ذلك الى وفاتهم مما يترتب عليه ارتكاب جريمة حرب حيث يوجد التزام يفرضه القانون الدولي بموجب اتفاقية جنيف لعام 1949 بشأن معاملة الأسرى على أطراف النزاع بتوفير المستلزمات الطبية والغذائية للأسرى(14). واذا امتنعت الدولة عن تنفيذ هذا الالتزام وادى ذلك الى وفاة الاسرى او قسم منهم كنا امام جريمة ايجابية ارتكبت عن طريق الامتناع .

أما السلوك السلبي : فلا يختلف جوهر هذا السلوك في القانون الدولي الجنائي عن نظيره في القانون الجنائي الداخلي ، فهو يتمثل في إحجام الدولة عن طريق الأشخاص الذين يعملون لحسابها عن القيام بعمل يستوجب القانون إتيانه(15). كامتناع الدولة عن منع السماح للعصابات المسلحة في استخدام أراضيها للإغارة على إقليم دولة أخرى(16). ومن هنا يتسم السلوك بالسلبية لانه يتمثل في احجام الدولة عما كان يجب عليها القيام به.

 

2- النتيجة : وهي التغير في الأوضاع الخارجية التي كانت على نحو معين قبل ارتكاب الفعل ثم أصبحت على نحو اخر بعد الفصل وهذا التغيير المادي من وضع الى أخر هي النتيجة باعتبارها احد عناصر الركن المادي للجريمة(17). وهذا التغيير في العالم الخارجي هو نتيجة لما يحدثه الفعل من اعتداء على المصالح التي يحميها القانون الدولي الجنائي وتهديده للنظام العام الدولي . فالنتيجة في جريمة العدوان مثلاً تتمثل بالاعتداء على الحق المحمي بموجب القانون الدولي وتتمثل بعدم الاعتداء على حقوق الدولة الاساسية في احترام سلامتها الاقليمية واستقلالها السياسي باعتبارهما مستمدين من الحق الاسمى للدول وهو حق السيادة التي تعني (حق تملكه الدولة وتمارسه تجاه تصرفات دول او كيانات دولية اخرى فتقبل او ترفض بموجبه تلك التصرفات ، هي أصلاً لها – تمس كيانها وتهدد وجوده بشكل مباشر او غير مباشر)(18). وبذلك تكون السيادة بان تصبح الدولة صاحبة الامر والنهي على اقليمها وسكانها ومواردها وعدم خضوعها لأية سلطة او لأي كيان دولي(19). وهذا يعني ان للسيادة مظهرين السيادة الداخلية / استئثار الدولة بتنظيم شؤون الاقاليم الداخلية وممارسة الاختصاصات دون الخضوع لاي سلطة اخرى والسيادة الخارجية ويراد بها امتلاك الدولة لزمام حريتها في تعاملها الدولي في مجال العلاقات الدولية وعدم خضوعها لأي سلطة اخرى وذلك في الحدود التي يرسمها القانون(20).

وهكذا يظهر لنا ان الاعتداء على حق الدولة في الحفاظ على سلامتها الاقليمية واستقلالها السياسي يشكل جوهر فعل الاعتداء على سيادة الدولة وقد أشار قرار تعريف العدوان المرقم 3314 في 1974 في المادة (1) منه الى ذلك حيث نصت على (العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة اخرى او سلامتها الإقليمية او استقلالها السياسي)(21). وتجدر الاشارة الى ان الجريمة الدولية لها مسميات مختلفة في نظر الفقه القانوني وذلك تبعاً للنتيجة الاجرامية ، وتمييزها عن السلوك في بعضها او اندماجها فيه في بعضها الاخر او تراخيها عنه في شكل ثالث. فهناك الجرائم المادية حيث نجد انفصالاً واضحاً بين النتيجة والفعل فلكل منهما كيانه المادي المتميز به كجريمة العدوان(22). وهناك الجرائم الشكلية حيث يندمج السلوك والنتيجة معاً إذ يجرم القانون الفعل ذاته ولا يعنيه النتيجة ومثالها وضع الالغام البحرية ذاتية التفجير(23). وأما الجريمة المتراخية فالنتيجة فيها تتراخى فتحدث في زمان او مكان مختلفين عن زمان ومكان السلوك كما في حالة قيام دولة بإطلاق صواريخ من دولة او قارة الى اخرى تتحقق فيها النتيجة الاجرامية من قتل وتخريب(24).

3- العلاقة السببية : ويقصد به وجود صلة بين السلوك والنتيجة بمعنى إثبات أن الأخيرة ما كانت لتحدث في العالم الخارجي ما لم يتم ارتكاب عمل معين او الامتناع عن عمل محدد(25). بقي ان نشير اخيراً الى ان الركن المادي قد يتخذ صورتين اخريين هما الشروع والمساهمة الجنائية وهما صورتان يعاقب عليهما القانون الدولي الجنائي أيضاً فهناك نصوص في القانون الدولي الجنائي تحرم الشروع في الجريمة الدولية واخرى تعاقب على المساهمة الجنائية(26).

الفرع الثاني

الركن المعنوي (القصد الجنائي)

ينصرف مدلول الركن المعنوي الى الجانب النفسي للجريمة أي الارادة التي يقترن بها السلوك فهو الرابطة المعنوية بين السلوك والارادة التي صدر منها . وجوهر الركن المعنوي في الجريمة ينطوي على اتجاه نية الفاعل الى تحقيق النتيجة الجرمية التي يريد تحقيقها عن طريق ارتكابه الأفعال المؤدية إليها ، ولذلك تسمى نية ارتكاب الجريمة بأنها نية آثمة(27). إذ لا يكفي للحكم بوجود جريمة دولية قيام شخص ما بارتكاب فعل غير مشروع بسبب إحداث نتيجة إجرامية ، وانما يجب فضلاً عن ذلك ان يكون هذا الفعل صادراً عن إرادة قصدت الإضرار بالمصالح التي يحميها القانون الدولي الجنائي .  ويتخذ الركن المعنوي في الجريمة الدولية ثلاث صور هي (الخطأ العمدي – القصد) و(الخطأ غير العمدي) و (القصد الاحتمالي)(28). حيث توصف ارادة مرتكب الجريمة بانها عمدية حينما تتجه الى إحداث الفعل والنتيجة الجرمية معاً ، أي يكون الفاعل على علم بفعله الجرمي وما قد ينجم عنه من جريمة ويسعى الى تحقيق النتيجة الجرمية . فعلى سبيل المثال تكون جريمة الحرب جريمة عمدية اذا علم الجاني ان الافعال التي يأتيها تخالف قوانين وعادات الحرب على النحو المحدد في القانون الدولي ، ويعلم ان يترتب على ارتكابها جريمة حرب ومع ذلك يريد إتيان هذه الأفعال ويريد تحقيق النتيجة الجرمية(29). بينما توصف ارادة الجاني بانها غير عمدية اذا ما اتجهت الى ارتكاب الفعل وحده دون قصد تحقيق النتيجة الجرمية وتسمى بـ (الخطأ غير العمدي) ويكون له صورتان الخطأ مع التوقع والخطأ مع عدم التوقع او كما يسميها البعض الخطأ الواعي والخطأ غير الواعي(30)، ففي الأولى يريد الفاعل الفعل الذي يؤدي الى الجريمة ولا يريد تحقيق النتيجة ومع ذلك كان يتوقع حدوث هذه النتيجة كأثر لفعله ولكن تقديره الخاطئ للأمور أدى إلى حدوثها مع انه كان يسعى إلى عدم حدوثها ، أما في الحالة الثانية فيريد الفاعل الفعل ولا يريد النتيجة كذلك ولكنه في هذه الحالة لم يكن يتوقع أصلاً هذه النتيجة كأثر لفعله ولكن كان في استطاعته ومن واجبه توقع هذه النتيجة .

وبسبب طبيعتها الخاصة وأوضاع مرتكبيها  فان معظم الجرائم الدولية ترتكب عمداً إلا ان ذلك لا يستبعد امكانية وقوع بعضها عن طريق الخطأ على سبيل المثال حينما تقوم الطائرات العسكرية خطأً بقصف منشآت مدينة مما يترتب موت وهلاك الكثير من السكان المدنيين والاعيان المدنية(31).  لذلك فان الجريمة غير العمدية لها تطبيق في نطاق القانون الدولي الجنائي ويستمد هذا التطبيق الى (المنطق القانوني من ناحية والى العدالة من ناحية اخرى ذلك انه اذا كان الفعل يحتمل اتيانه بصورة عمدية او غير عمدية فانه يجب تقرير العقاب عليه في الحالتين مع تفاوت مقدار هذا الاخير)(32). أما عن تقرير المسؤولية عن الخطأ غير العمدي فيبدو ان النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية قد ميزت في الفقرة الفرعية (ب) من المادة (30) بين ارتكاب الجريمة بناءً على الخطأ الواعي وأقرت المسؤولية عن هذه الجرائم بينما استبعدت مساءلة الفاعل اذا ارتكبت هذه الجرائم بناءً على الخطأ غير الواعي (تأسيساً على علة توافر عنصر الخطر في الخطأ الواعي وانعدامه او ضآلته في الخطأ غير الواعي)(33). أما القصد الاحتمالي : فان ما يميز هذه الحالة عن الخطأ العمدي هو ان الفاعل يتوقع حدوث النتيجة التي قد تحدث او لا تحدث ولكن يقبلها اذا حدثت بينما في الخطأ العمدي الفاعل يعلم مسبقاً ان النتيجة هي اثر حتمي لسلوكه ويسعى الى تحقيقها وفي القانون الجنائي الداخلي للقصد الاحتمالي اهمية مساوية للقصد العمدي وقد اعترفت بعض التشريعات بذلك(34). أما في القانون الدولي الجنائي فهناك جرائم يمكن تصور ارتكابها على اساس القصد الاحتمالي وخاصة ان هذه الجرائم ترتكب باسم الدولة ولحسابها وبذلك يضطر منفذها الى إتيانها دون توافر قصد مباشر لديه لارتكابها واذا كان المنطق القانوني يقضي عدم مساءلته على اساس القصد المباشر إلا ان العدالة الدولية الجنائية القائمة على اساس عدم افلات مرتكبي جرائم انتهاك حقوق الانسان من العقاب يتطلب مساءلة المرتكب المنفذ للاوامر على اساس القصد الاحتمالي(35)، فالطيار الذي يكلف بقصف بعض المواقع العسكرية بين مواقع مدنية يتوقع اصابة المواقع المدنية ولكنه يقبلها على اساس تنفيذه لاوامر رؤسائه ، ففي هذه الحالة اذا لم نأخذ بتوافر القصد الاحتمالي لمساءلة مرتكب الجريمة سيفلت من العقاب على اعتبار عدم توافر القصد المباشر لدى الجاني في تحقيق نتائج فعله فذلك سوف يؤدي الى القول ان قواعد القانون الدولي الجنائي قواعد وهمية ، وقد اشار النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الى القصد الاحتمالي في الفقرة الفرعية (ب) من الفقرة (2) من المادة (30) .

الفرع الثالث

الركن الدولي

الركن الدولي هو الذي يميز الجريمة الدولية عن الجريمة الجنائية الداخلية ويقوم الركن الدولي في الجرائم الدولية الخاضعة للقانون الدولي الجنائي على عنصرين ، الاول : العنصر الشخصي والمقصود بة صفة مرتكبها ، والثاني : العنصر الموضوعي والمقصود به المصالح التي تشكل جريمة الاعتداء عليها(36). فيما يخص العنصر الشخصي (صفة مرتكبها) ، فالجريمة الدولية الخاضعة للقانون الدولي الجنائي  هي كما ذكرنا تلك التي يرتكبها شخص طبيعي يتصرف باسم او لحساب دولة او منظمة او جهة غير حكومية او تشجيع منها ، اما اذا كان مرتكب الجريمة يعمل لحسابه الخاص فان الامر يتعلق بجريمة ذات طابع دولي . أما العنصر الموضوعي : فيتمثل في ان المصلحة المعتدى عليها مشمولة بالحماية الدولية . فالجريمة الدولية تعتدي على مصالح يحميها القانون الدولي الجنائي وفي مقدمتها (حقوق الانسان) وهذه المصلحة مشمولة بالحماية الدولية والاعتداء عليها يشكل إخلالاً بالنظام العام الدولي ، اما اذا كان الاعتداء قد تم على مصلحة محمية بالقانون الجنائي الداخلي ، فان الامر يتعلق اما بجريمة داخلية اذا كانت هذه المصالح تهم دولة واحدة ، وإما بجريمة داخلية ذات طابع دولي خاضعة للقانون الجنائي الدولي اذا كانت تلك المصالح تهم عدداً محدوداً من الدول. إذاً إضفاء الصفة الدولية على جريمة خاضعة للقانون الدولي الجنائي يتطلب توافر شرطين أساسيين ، من ناحية يجب ان تشكل هذه الجريمة اعتداء على مصالح يحميها القانون الدولي الجنائي ، أي مصالح تهم الجماعة الدولية بأسرها ، ومن ناحية اخرى يجب ان ترتكب باسم ولحساب دولة او منظمة او جهة غير حكومية(غير تابعة للدولة). ولكن يبدو ان هناك من يخالف هذا القول ويكتفي بتوافر شرط او معيار واحد وهو معيار المصلحة الدولية العامة (فالجريمة تعد دولية اذا انتهك السلوك الاجرامي المكون لها مصلحة دولية عامة يحميها القانون الدولي الجزائي)(37). ولا شك ان هذا القول منتقد ولا يمكن الاخذ به في نطاق القانون الدولي الجنائي ، حيث ان هذا القانون يختص بالمعاقبة على اشد الجرائم الدولية خطورة والمرتكبة بصورة منتظمة وعلى نطاق واسع وهذا ما يتطلب تدخل الدولة في ارتكاب هذه الجريمة  بواسطة أشخاص يعملون لحسابها او بتشجيع ودعم منها اومن جهات غير حكومية ، واذا ما أخذنا بمعيار المصلحة فقط سوف يكون هناك خلط بين الجرائم الدولية بطبيعتها والجرائم ذات الطابع الدولي الخاضعة للقانون الجنائي الدولي ، لان كل الجرائم الدولية تمس مصلحة دولية سواء مجموع الدول او بعض الدول لكن عندما تتدخل الدولة في ارتكاب الجريمة الدولية عن طريق أشخاص يعملون باسمها او بتشجيعها على ارتكابها او من قبل أشخاص يعملون لجهات منظمة سوف يتحقق التهديد للنظام العام الدولي ، فحين تقوم دولة ما بإبادة جماعية لجزء من شعبها او من شعب دولة او دول اخرى ، فان مثل هذه الإبادة الجماعية تشكل اعتداء على مصالح الجماعة الدولية كلها ، وليس  على مصالح الدولة او الدول التي ينتمي اليها الشعب الخاضع لجريمة الإبادة الجماعية فحسب.         بينما الجرائم التي يرتكبها أشخاص باسمهم ولحسابهم الخاص يمكن ان تمس مصلحة دولية عامة لعدد من الدول ولكن لا يمكن ان تهدد النظام العام الدولي.

_______________________

1- انظر : د. .محمود صالح العادلي، الجريمة الدولية دراسة مقارنة، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2004، ص67 الهامش . 

2- انظر في استعراض الاراء الثلاثة : د. محمد عمر مصطفى ، الجريمة وعدد أركانها ، مجلة القانون والاقتصاد ، العدد الاول ، السنة السادسة والثلاثون ، مارس 1966 ، ص141 وما بعدها .

3- من الجدير بالذكر ان بعض الكتاب لم يشيروا الى الركن الدولي عند شرحهم لاركان الجريمة الدولية كما هو الحال بالنسبة لـ (د. عبد الرحيم صدقي، القانون الدولي الجنائي، القاهرة،1986، ص50 ؛ ود. حميد السعدي، مقدمة في دراسة القانون الدولي الجنائي، مع عرض وتحليل لاحكام محكمة (نورمبرغ الخاصة بمحاكمة كبار مجرمي الحرب)،مطبعة المعارف، بغداد 1971، ص234 . ولا شك ان هذا المسلك غير سليم لان ما يميز الجريمة الدولية عن الجريمة الجنائية الداخلية هو وجود الركن الدولي) . 

4- انظر كل من د. حسنين عبيد ابراهيم صالح، الجريمة الدولية، دراسة تحليلية تطبيقية، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الاولى،1979، ص7 ؛ ود. علي عبد القادر القهوجي، القانون الدولي الجنائي، اهم الجرائم الدولية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة الاولى،2001، ص8 ؛ وانظر في تأييد هذا الرأي : ابراهيم زهير الدراجي ، جريمة العدوان ومدى المسؤولية القانونية الدولية عنها ، رسالة دكتوراه مقدمة الى جامعة عين شمس ، 2002 ، ص329 وما بعدها . 

5- انظر كل من : د. محمود صالح العادلي ، مصدر سابق ، ص67 ؛ ود. .السيد ابو عيطة، الجزاءات الدولية بين النظرية والتطبيق، مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية،2001ص215 ؛ ود. محمد محي الدين عوض، دراسات في القانون الدولي الجنائي، دار الفكر العربي، القاهرة،1966، ص296. 

6- انظر : د. احمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون العقوبات ، الجزء الاول ، القسم العام ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص255.

7- انظر للمزيد عن مفهوم هذا المبدأ في القانون الدولي الجنائي كلا من : د. احمد ابو الوفا ، الملامح الاساسية للمحكمة الجنائية الدولية ، تحدي الحصانة ، ندوة الصليب الاحمر ، مصدر سابق ، ص70؛ ود.ضاري محمود خليل ، المبادئ الجنائية العامة في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، مجلة دراسات قانونية ، بيت الحكمة ، العدد (2) ، السنة (1) ، 1999 ، ص6 ؛ و الطاهر مختار علي سعد ، مصدر سابق ، ص61 . 

8- انظر : د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ط4 ، 1977 ، ص279. 

9- انظر : د. حسنين عبيد ابراهيم صالح، الجريمة الدولية، دراسة تحليلية تطبيقية، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الاولى،1979، ص95.

10- انظر : د. محمد محي الدين عوض ، مصدر سابق ، ص351.

11- انظر : ابراهيم زهير الدراجي، جريمة العدوان ومدى المسئولية القانونية الدولية عنها، رسالة دكتوراة مقدمة الى  كلية الحقوق، جامعة عين شمس2002، ص331.

12- عرفت المادة (29) من قانون العقوبات العراقي (الفقرة 4) الفعل بانه (كل تصرف حرمه القانون سواء أكان ايجابياً او سلبياً كالترك او الامتناع ما لم يرد نص على خلاف ذلك) . 

13- انظر : د. ماهر عبد شويش ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل ، 1988 ، ص163. 

14-انظر : د. سهيل حسين الفتلاوي ، المنازعات الدولية ، مطبعة دار القادسية ، بغداد ، الطبعة الأولى ، 1986 ، ص418 وما بعدها .  

15- انظر : د. حسنين عبيد ، مصدر سابق ، ص99. 

16- انظر : م 2/4 من مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها لعام 1996. 

17- انظر : د. محمد محمود خلف، حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي الجنائي، دراسة تاصلية تحليلية مقارنة، مكتبة النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الاولى،1973ص 353-354. 

18- انظر : د. عامر الجومرد ، السيادة ، مجلة الرافدين للحقوق ، جامعة الموصل ، كلية القانون ، العدد الأول ، 1996 ، ص163.

19- انظر : د. حامد سلطان ، احكام القانون الدولي في الشريعة الاسلامية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1986 ، ص98 وما بعدها.

20- انظر : د. خليل اسماعيل الحديثي ، المعاهدات غير المتكافئة المعقودة وقت السلم ، جامعة بغداد ، 1981 ، ص26.

21- انظر حول العدوان كل من : د. صلاح الدين احمد حمدي ، العدوان في ضوء القانون الدولي ، دار القادسية للطباعة ، بغداد ، الطبعة الاولى ، 1986 ، ص3 ؛ ود. صالح جواد كاظم ، مباحث في القانون الدولي ، دار الشؤون الثقافية ، وزارة الاعلام ، بغداد ، الطبعة الاولى ، 1991 ، ص151.

22-  انظر : د. حسنين عبيد ، مصدر سابق ، ص104.

23- انظر : د. السيد ابو عيطة ، مصدر سابق ، ص219. 

24- انظر : د. محي الدين عوض ، مصدر سابق ، ص367.

25- لمزيد من التفصيل ، انظر : د. ماهر عبد شويش، شرح قانون العقوبات ،القسم الخاص، مديرية دار الحكمة للطباعة والنشر،الموصل،1988، ص195 وما بعدها . 

26- انظر : المادة (3) ف (4) من اتفاقية منع وقمع الإبادة الجماعية التي تعاقب على محاولة ارتكاب الإبادة والفقرة (هـ) من نفس المادة التي تعاقب على الاشتراك في الإبادة الجماعية .

27- انظر : د. ضاري محمود خليل، المبادئ الجنائية العامة في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مجلة دراسات قانونية، العدد الثاني، السنة الاولى، بيت الحكمة،1999، ص10. 

28- انظر : د. ضاري محمود خليل وباسيل يوسف، المحكمة الجنائية الدولية، هيمنة القانون ام قانون الهيمنة، بغداد، بيت الحكمة، الطبعة الاولى،2003.

، ص162 وما بعدها . 

29- انظر : د. علي عبد القادر القهوجي، القانون الدولي الجنائي، اهم الجرائم الدولية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة الاولى،2001، ص109.

30- انظر : د. ضاري محمود خليل ، المبادئ الجنائية العامة في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية ، مصدر سابق ، ص ص 10-12.

31- انظر : د. سالم محمد سليمان الاوجلي، احكام المسؤولية الجنائية عن الجرائم الدولية في التشريعات الوطنية، الدار الجامعية  للنشر والتوزيع والاعلان، مصراتة، الطبعة الاولى 2000، ص134.

32- انظر : د. حسنين عبيد ، مصدر سابق ، ص121.

33- انظر في تحليل وتفسير هذه الفقرة : د. ضاري محمود خليل وباسيل يوسف ، مصدر سابق ، ص163. 

34- نصت المادة (34) من قانون العقوبات العراقي على ان (الجريمة تكون عمدية … ب- اذا توقع الفاعل نتائج إجرامية لفعله فاقدم عليه قابلاً المخاطرة بحدوثها) وبذلك اعتبر المشرع القصد الاحتمالي مساويا من الناحية القانونية للقصد المباشر . انظر : د. ماهر عبد شويش ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، مصدر سابق ، ص311.

35- انظر : محمد سعدي ، العدالة الجنائية الدولية ، بين قوة الخطاب وخطاب القوة ، 2002 ، ص217 . على شبكة الانترنت http:// www. ahir. Org. th/arabic/majalla/pdf, 2002  

36- انظر : د. محمود صالح العادلي ، مصدر سابق ، ص69. 

37-  انظر : د. السيد ابو عيطة ، مصدر سابق ، ص223.

 

 

 

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .