المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



حكم الغلط في الأعذار القانونية  
  
3778   09:32 صباحاً   التاريخ: 20-3-2017
المؤلف : مجيد خضر احمد عبد الله
الكتاب أو المصدر : نظرية الغلط في قانون العقوبات
الجزء والصفحة : ص311-319
القسم : القانون / القانون العام / المجموعة الجنائية / قانون العقوبات / قانون العقوبات العام /

الجهل  لغة ، هو انتفاء العلم كلياً أو جزئياً ، أما الغلط ، فهو العلم على نحو يخالف الحقيقة . والجهل على ذلك يمثل وضعا سلبيا مبناه العدم ،على حين  ينطوي الغلط على وضع إيجابي ،على أن دلالته تتعدى إلى إدراك الأمر و لكن فهمه يحصل بصورة مغايرة للواقع . ومن هنا قد تبدو ثمة صلة بين هذا وذاك ،فالغلط جهل بحقيقة الشيء  أو بواقعة (1) .الأمر الذي يقتضينا بحث الحالات التي قد ترد ضمن هذا الإطار   وهي : الغلط في عدم وجود الأعذار (أي الجهل في الأعذار) ،والغلط في الأعذار، والغلط بواقعة حدود العذر (تجاوز حدود العذر ). والبحث في هذه الحالات سيشمل الأعذار المعفية والمخففة معاً من دون تخصيص وإفراد ، وذلك لعدم اختلافهما في الحكم إلاّ نادراً مما سوف نشير إليه .

أولاً- الغلط في عدم وجود الأعذار (الجهل في العذر)

 تفترض حالة الجهل بوجود العذر القانوني أو  الغلط في عدم وجوده ،أن يتوافر نص قانوني يقضي بوجود السبب أو الواقعة التي يقوم بها العذر، و توافر كل الشروط التي يحدّدها القانون لقيامه، على حين ينتفي علم الجاني بذلك و يعتقد على سبيل الغلط أن القانون لا يقرر له عذرا معفياً أو مخففا يستحق بموجبه الإعفاء أو التخفيف من عقوبة الجريمة التي اقترفها (2) . ويتعين في هذه الحالة التمييز بين افتراضين :

الأول- حالة الغلط في القانون . وفيها يقدم الجاني على فعله جاهلاً قيام عذر قانوني معفى أو مخفف لمصلحته ، معتقداً أنه  يرتكب جريمة مجردة من العذر المعفى أو المخفف من العقاب ، كما لو أقدمت الزوجة على إخفاء زوجها الهارب من الخدمة العسكرية أو الذي ارتكب جريمة ما ،معتقدة على سبيل الغلط قيامها بفعل جرمي خال من الأعذار المعفية من العقاب ، بأن كانت تجهل أن المادة (273) (3) من قانون العقوبات العراقي تعفيها من العقاب على فعلها الجرمي ، وكذا المادة (247) (4) منــــــــــــه .

أما الثاني –فهو حالة الغلط في الوقائع . وفيها يقدم الجاني على  فعله جاهلا بأن الوقائع التي صاحبته تقوم عليها أعذار قانونية معفية أو مخففة للعقاب ، كما لو أقدمت إمرأة  على إخفاء شخص أو ساعدته على الاختفاء أو الاختباء ليتوارى عن السلطات المختصة ويهرب من وجه العدالة ، متصوّرة أنه شخص غريب لجأ إليها لمساعدته وهو متنكر بملابسه وهيأته ، ثم يظهر لاحقاً أنه زوجها أو أخوها (5) ،أو كما لو أقدم شخص على سرقة خاتم ظنّه ذهباً ،فتبين أنه خاتم مزيّف وليس ذهباً ،جاهلاً بأن المادة (427/1) من قانون العقوبات الأردني  تخفف العقوبة عليه لتفاهة الشيء المسروق (6) . وإن تحديد أهمية الغلط بعدم توافر العذر القانوني ( الجهل بوجوده ) تقتضي التمييز بين نوعين من الأسباب المؤدية إلى  هذا النوع من الغلط الذي يكون أساسه الجهل :-

النوع الأول -  أن يكون الجهل بوجود العذر أساسه خطأ شخصي حصل بسبب  أو عدم الاحتياط ونحوه ، أي حصل نتيجة تقصير الجاني أو قصور  فهمه للقانون أو الوقائع و الظروف .

النوع الثاني-   أن يكون الجهل بوجود العذر ناجم عن قوة قاهرة طبيعية أو حالة ضرورة ونحوها . والعبرة دائماً في حالة الغلط في تفسير حكم من أحكام القانون أوالجهل بوجوده تكون بما أراده القانون بغير اعتبار لتقدير الجاني أو تصوّره ، وإن المشرّع متى اتجه إلى تقرير عذر من الأعذار القانونية المعفية أو المخففة للعقاب بصدد جريمة معينة ، فإن الأمر يكون ملزما وساريا على أطراف الدعوى كافة ، فلا يؤثر الغلط بهذا العذر في توافره وسريانه ، بمعنى أن الجاني يستفيد من الإعفاء ويستحقه ولو اعتقد عدم وجوده ، وذلك ما لم يتعدَّ الحدود المقررة لذلك العذر . ويقول الفقيه الإيطالي ( مانزيني ) في ذلك  أنه :- (( حيث يوجد ظرف استبعد القانون بسببه العقاب ، أي رأى أن  العقاب مع وجوده غير لازم يكون من الطبيعي ألاّ يوقع العقاب ولو كان الفاعل جاهلاً وجود هذا الظرف )).  والعلة في ذلك أن الأعذار القانونية لا شأن لها بمكونات الجريمة وعناصرها ومن ثم لا علاقة لها بفكرة انتفاء القصد أو عدم انتفائه . إذ إن هذه الأعذار القانونية نظام تبرره ضرورات عملية مهمة في تحقيق أهداف سياسة العقاب والمصلحة الاجتماعية ، ومن ثم لا يكون سائغاً القول باستبعاد العذر متى كانت كل الشروط والأوضاع المحددة لقيامه في القانون متوافرة ، لمجرد انتفاء علم الجاني بذلك ، إذ القول بغير ذلك ينطوي على تجاهل معيب لتلك الضرورات التي يقدّرها المشرّع ويتكفل بالنص عليها صراحة في ثنايا القانون على وفق مقتضيات المصلحة الاجتماعية العامة (7) . وخلاصة الحكم على هذه الحالة على وفق الرأي الراجح في الفقه ، أن الجاني يستفيد من الأعذار القانونية المعفية أو المخففة للعقاب ، وإنّ الجهل أو الغلط فيها لا يحول دون الاستفادة منها . وذلك لأن المشرع يقرر الأعذار القانونية لاعتبارات نفعية لا علاقة لها بنفسية الجاني وقصده ، ويجعله منوطا بتوافر شروط موضوعية بعيداً عن علم الجاني و إرادته ، ولكن الأمر يكون مختلفاً إذا ما تطلب المشرع عناصر شخصية إلى جانب الشروط والعناصر الموضوعية ، استثناءً من الأصل ، كما لو تطلب المشرع قصداً خاصاً لدى الجاني وتخلّف لديه ، فإنه لا يستفيد من العذر في هذه الحالة . ومثال ذلك الأم الجانية التي تقتل وليدها حديث العهد بالولادة إذا حملت به سفاحا دون أن يكون الدافع إلى ذلك اتقاء العار الذي اشترطته المادة (407) من قانون العقوبات العراقي ، والمادة ( 332) من قانون العقوبات الأردني لقيام العذر المخفف ، إذ إن الأم إذا تخلّف لديها هذا الشرط الشخصي فإنها لا تستفيد من العذر المخفف الوارد في النصين المذكورين آنفا  (8) . ويشار إلى أن قانون العقوبات اللبناني  قد نص في المادة ( 224) منه على أنه :- (( أولاً – إذا وقع الغلط على أحد الظروف المشددة لم يكن المجرم مسؤولاً عنه . ثانيا – وهو بعكس ذلك يستفيد من العذر الذي جهل وجوده )) . بمعنى أن المبدأ في الفقرة ( ثانياً ) الذي تحدث عن العذر يقع على النقيض مما هو مقرر للظروف المشددة فيما يتعلق بالمسهمين والآثار . بمعنى أكثر دقة أن الغلط في الأعذار أو الجهل فيها يحول دون استفادة الجاني منها . وإن المشرع اللبناني لم يضع أي قيد أو حد أو شرط لهذه الحالة قياساً على ما افترضه بالنسبة للظروف المشددة ، سواء أكان هذا العذر موضوعياً ، ومثاله ما قررته محكمة النقض اللبنانية بقولها : (( إذا أقر مرتكب التزوير في الأوراق الخاصة بجرمه قبل الاستعمال والملاحقة ، وكان يجهل ما يترتب على إقراره من إعفاء للعقاب ، فانه يعفى من ذلك سنداً فإنه للمادة ( 472/ 1) رغم جهله الأمر ، وإذا حصل الإقرار  عن الجرم بعد استعمال المزور وقبل الشكوى أو الملاحقة فيستفيد من العذر المخفف وفقا للفقرة الثانية من المادة المذكورة )) ، أم كان هذا العذر شخصياً ومثاله ما قررته المحكمــــة بقولها (( من يسرق مال أبيه وهو يظنه لغريب يستفيد حكماً من إعفاء العقوبة المنصوص عليه في المادة (674 ) ، وكذلك (( من يُخفي فارّاً من وجه العدالة ملاحقاً بجناية وهو لا يعرفه ثم يتبين أن هذا الأخير من درجات القربى للمختبىء المنصوص عليها في المادة ((222/2))  يستفيد من الإعفاء ))  (9)  . والحق ، أن قانون العقوبات العراقي جاء بنص مشابه في المادة (36)  يغنينا ذكره عن الخوض في تفصيله كما فعلنا بالنسبة للنص اللبناني الذي أشرنا أليه ، فقد نصت هذه المادة على أنه (( إذا جهل الفاعل وجود ظرف مشدد يغير من وصف الجريمة فلا يُسأل عنه ولكنه يستفيد من العذر ولو كان يجهل وجوده )).

ثانيا – الغلط في وجود الأعذار

تفترض هذه الحالة أن العذر غير متوافر ولا وجود له – قانوناً – في حين يعتقد الجاني على سبيل الغلط اعتقادا خاطئاً توافر هذا العذر المعفي أو المخفف للعقاب (10) . والغلط في وجود العذر من حيث محله ، إما أن يكون غلطاً في القانون ، و اما أن يكون غلطا في بعض الوقائع المادية ، ومن ثم يتعين التمييز بين هذين الإفتراضين :-

الأول – حالة الغلط في القانون

ومبناها الاعتقاد بوجود ما لم يقرره القانون ، أو تفسير أحد النصوص بما لا أساس له في الحقيقة ، كأن يظن الجاني بأن القانون يقرر عذرا ما وهو في الواقع غير مقرر ، أو أنه مقرر بصورة أخرى وشروط مختلفة غير التي اعتقدها على سبيل الغلط ، أو يعتقد بأن النص على العذر مقرر بناءً على واقعة أوسبب أو صفة يظنها فيه شخصياً – خلافاً  للحقيقة  ولِما نص عليه القانون – أو يظن أن تأثير العذر ينصرف إلى عقوبة جريمة يقترفها وهو في الحقيقة ينصرف إلى غيرها . وبكلمة واحدة أن الجاني قد يتصور أن الشروط والأوضاع التي يتطلبها القانون لتوافر العذر القانوني متحققة من جانبه ، في حين أنها تكون منتفية كليا أو جزئيا (11) . ومن قبيل ذلك أن يطرأ في ذهن الجاني الذي أقدم على قتل زوجته وشريكها ، أن قانون العقوبات العراقي في المادة ( 409) يلتمس له العذر في قتلهما ويقرر إعفاءه تماما من العقاب ، على حين يكتفي المشرع في هذا النص بمجرد تخفيف العقوبة عنه على وفق شروط محددة في النص . أو كما لو بادر الموظف أو المكلف بخدمة عامة الذي قبل الرشوة إلى إبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية بالجريمة قبل اتصال المحكمة بالدعوى ، معتقداً على سبيل الغلط أن الشق الأول من المادة ( 311) من قانون العقوبات العراقي تعفيه من العقوبة أسوة بالراشي آن الوسيط ،أو يقوم بالإبلاغ أو الاعتراف بالجريمة بعد اتصال المحكمة بالدعوى وقبل انتهاء المحاكمة فيها معتقداً على سبيل الغلط أن الشق الثاني من المادة المذكورة تخفف العقوبة عنه أسوة بالراشي أو الوسيط .

الثاني – حالة الغلط في الوقائع

وهذا النوع من أنواع الغلط ينصب على بعض الوقائع الخارجية ، أي الوقائع المنفصلة عن عناصر الأنموذج القانوني لعذر من الأعذار ، إذ يعتقد الجاني على سبيل الغلط وجودها بخلاف الواقع ، إذ  لو كان هذا الاعتقاد صحيحا وحقيقيا لتواجد العذر فعلا . ومن قبيل ذلك اعتقاد المرأة التي كانت زوجة شخص مطلوب للمحاكمة أنها ما زالت في عصمته وعلى ذمته ، فتخفيه عن السلطات المختصة متصورة أنها تستفيد من العذر المعفي لهذه الحالة ، ثم يتبين انه طلقها قبل واقعة الإخفاء . أو تخفي زوجة الشخص الهارب من الخدمة العسكرية أو من العدالة شخصاً ظانّةً أنه زوجها فيتبين أنه شقيقه التوأم وأنها لم تتمكن من تمييزه نتيجة السرعة وحراجة الموقف والشّبه الشديد بينه وبين زوجها (12) . وقد يكون الغلط متعلقا بتوافر الوقائع التي يقوم عليها أحد الأعذار القانونية المخففة للعقاب في وقت لا تكون فيه هذه الوقائع متوافرة فعلا ، كما لو وجّه اتهام إلى شخص بقتل زوجته وثبت أنه كان يعتقد حين ارتكب فعله الجرمي أنها متلبسة بالزنا ، ثم يظهر أن الرجل الذي كان يجلس بجوارها في الضوء الخافت هو شقيقها ولم يكن في ذلك الجلوس ما يشين (13) .

والحكم في حالة الاعتقاد – خلافا للحقيقة والصواب – في وجود العذر المعفي نتيجة الغلط في وجود العذر أو الغلط في حقيقة وجوده على وفق رأي جانب من الفقه – هو الرجوع إلى المبادئ القانونية العامة التي تقرر أنه لا تأثير للغلط في الأعذار المعفية على أركان الجريمة – محل العذر – ولا سيما على ركنها المعنوي ، فلا يحول ذلك دون قيام المسؤولية الجنائية وتوقيع العقوبة ، ولا تستبعد أيضاً المسؤولية المدنية في صورة التعويض إذا كان لها محل موجب ، إذ إن الأعذار القانونية المعفية لا تدخل في تكوين الأنموذج القانوني للجريمة التي ينصب عليها تأثير العذر الذي يكمن في مجرد استبعاد أورفع العقاب منها . إذ الأصل أن الأعذار تتميز باستقلالها عن البنيان القانوني للجريمة ، فالأعذار لا يثور البحث فيها إلا في وقت لاحق على قيام جريمة معينة ، وهي تفترض أصلا وجود جريمة قائمة وشخص مسؤول عنها  (14) . إما حكم الغلط في الأعذار المخففة على وفق الرأي الراجح في الفقه ، فهو الاعتداد بغلط الجاني وافتراض توافر الوقائع التي توهم وجودها وتخفيف مسؤوليته على أساسها . وقد ذهب دعاة هذا الرأي إلى قياس ذلك الحكم على حكم الغلط في الإباحة ، فإذا كان الاعتقاد بتوافر الوقائع التي يقوم عليها سبب الإباحة ينفي القصد الجرمي ويحول دون توقيع العقاب ، فإن الاعتقاد بتوافر الوقائع التي يقوم عليها سبب التخفيف يجعل القصد الجرمي متعلقا بالجريمة ذات العقاب المخفف ، فيكون من شأنه تخفيف العقاب . هذا إلى جانب كون الوقائع التي يقوم عليها عذر التخفيف هي – في الجريمة الاعتيادية - عناصر سلبية يلزم انتفاؤها وعلم الجاني علماً صحيحاً بهذا الانتفاء لكي يحصل إيقاع العقوبة الاعتيادية ، وإذا لم يتضمن علمه هذه العناصر السلبية ، أي لم يعلم بانتفاء الوقائع التي يقوم عليها لكونه اعتقد توافرها على سبيل الغلط ، فإن القصد الجرمي المتطلب في الجريمة الاعتيادية لا يعد متوافراً لديه ، ثم لا يُسأل عن الجريمة الاعتيادية ، إنما تقتصر مسؤوليته على الجريمة ذات العقوبة المخففة (15) . يبقى أن نشير إلى أنه لا محل للنظر في مدى توافر ( حسن نية ) الفاعل في مجال الأعذار المعفية ، بخلاف ما عليه الأمر في أحوال الغلط في الإباحة عموما ، إذ لا أهمية أواعتبار للسبب الذي ينجم عنه الغلط في العذر ، إذ إن حكم العذر المعفي يسري على إطلاقه من دون قيود ، ومن دون النظر أو البحث عن السبب الذي أدى إلى حصول الغلط ، بمعنى أن الاعتقاد الخاطئ أو الغلط في وجود العذر سواء أكان بحسن نية أم بسوء نية ، لا يسري بحق الفاعل حتى لو كان اعتقاد الفاعل مبنياً على أسباب معقولة تبرره . ومع    ذلك ،فليس ثمة ما يمنع المحكمة – إعمالا للقواعد العامة – من الاعتداد بالغلط في الأعذار بالنظر إلى أسبابها بوصفه مسوّغاً لتخفيف العقاب متى وجدت موجبا لذلك (16) . وذهبت محكمة التمييز في العراق إلى عدّ الغلط في وجود الظرف المخفف بمثابة ظرف مخفف ، مؤكدة منهجها بعدم المساواة بين الغلط في الإباحة أو ( العذر ) والإباحة نفسها أو ( العذر ) نفسه ، عادّة ذلك ظرفاً قضائياً مخففاً لا أكثر . فقد قررت بصدد إحدى القضايا التي توهم الفاعل غلطاً وجود باعث شريف في فعله خلافا للحقيقة أن (( اعتقاد القاتل بارتكاب المجني عليه فعلاً مخالفاً للآداب مع شقيقته يعتبر ظرفاً قضائياً مخففاً لا باعثاً شريفاً )) (17) . وذلك الاتجاه نجده في قرار آخر لها قالت فيه :- (( إذا كان الدافع لارتكاب الجريمة هو اعتقاد المتهم بأن المجني عليه قد ارتكب الفعل الشنيع مع شقيقته دون رضاها فلا يجوز فرض العقوبة عليه استدلالا بالمادة ( 130 عقوبات ) لأن القتل يصبح باعثه الانتقام وليس الباعث الشريف الذي يكمن في غسل العار غير أن هذا لا يحول دون استدلال المحكمة بالمادة / 132عقوبات ))(18) ، بيد أن محكمتنا العليا سكتت عن تقرير هذا الاتجاه وتأكيده في قرار آخر قررت فيه بأنه (( إذا أقدم المتهم على قتل شقيقته اعتقاداً منه بإدخالها لشخص غريب في دارها ، وثبت بطلان هذا الاعتقاد ، وكون القتيلة قد مانعت في دخول المذكور وطردته بمساعدة من ضرتها الساكنة معها في الدار ، فلا يستفيد عند ذاك من العذر القانوني )) (19) . ونعتقد أن الأمر مرهون في النهاية بالأسباب المعقولة والمسوّغات المقبولة التي تسوّغ وتبرر إقدامه على الفعل وتحمله مثلما تحمل الرجل المعتاد في مثل ظروفه على الاعتقاد بأن فعله تقوم فيه الأسباب والوقائع التي يتأسس عليها العذر ، فإن كانت الأسباب بمثل هذا الوصف ساغ للمحكمة عدّ فعله قد تحقق فيه ظرف قضائي مخفف يجوز لها استخدامه ،    و إلاّ فلا يسوّغ لها عدّ الظرف القضائي متوافراّ  إذا لم تكن هناك معقولية في الأسباب كما يبين ذلك القرار الأخير المذكور .

ثالثا – الغلط في حدود الأعذار ( تجاوز حدود الأعذار )

    إن لهذه الحالة صلة واضحة بحالة الغلط في العذر أو الجهل فيه ، إذ التجاوز-  بشكل عام – قد ينطوي على جهل بحقيقة الأمر ، أو العلم به على خلاف الحقيقة والواقع ، الأمر الذي يقتضي بحث الموضوع بدقة ، دفعاً للغموض وتجنباً للخلط والالتباس (20) . لعل من الصعوبة بمكان تصوّر حالة التجاوز في الحدود المقررة للأعذار القانونية ولا سيما المعفية من الناحية العملية -بصفتها قاعدة عامة – لما يتميز به نظام الأعذار من ذاتية واستقلال واختلاف في الشروط والأوضاع التي يتعين توافرها لسريان الإعفاء بالنسبة لكل عذر بذاته . بيد أن ذلك لا يمنع من الاهتداء إلى إيجاد ثمة قاعدة تنفع وتعين في تأصيل حكم التجاوز في الأعذار وتحديد مسألة تطبيقه كلّما دعت الحاجة وعرض الأمر،  وبالنسبة لكل حالة على حدة .

ومفاد هذه القاعدة (( أن إنتاج العذر أثره أصلا رهن بتوافر جميع الشروط  التي يحددها له القانون ، فان تخلّف أحدها انتفى العذر نفسه ،وظلّت الواقعة خاضعة لنص التجريم ومبقية على مسؤولية مرتكبها كاملة ، كما كان عليه الأمر ابتداءً )) (21) . بمعنى أن التزام الحدود القانونية المقررة في كل عذر يستتبع ترتيب أثره ، وهو وجوب – أو جواز – الحكم باستبعاد عقاب الجاني . وهكذا ، إذا تخلف أحد الشروط التي حدّدها النص لقيام العذر المعفي من العقاب في جريمة ما ، فإن الفاعل لن يستفيد من ذلك العذر، ويتحمل المسؤولية كاملة عن جريمته من دون إعفاء أو تخفيف . ومثال ذلك أن يكون إبلاغ مرتكب إحدى جنايات تزييف العملة عن الجريمة قد حدث بعد استعمال العملة المقلدة أو المزيفة ، أو بعد شروع السلطات في التحقيق ، أو اقتصر إبلاغه على معلومات غير دقيقة أو غير صحيحة لا تجدي نفعا في تحديد هوية الجناة والقبض عليهم ، وذلك خلافاً للشروط التي حددتها المادة (303) من قانون العقوبات العراقي للإعفاء من الجريمة .

وبناء على ما تقدم ، يتعلق التجاوز في حدود الأعذار المعفية بالشروط والأوضاع  التي يحددها القانون لتوافر كل أنموذج من نماذج العذر على انفراد ، فالإعفاء من العقاب بمقتضى هذا النظام ليس مطلقاً ، بل له حدوده وضوابطه التي لا ينبغي تجاوزها . ثم أنه نظام استثنائي مقيد بتحقيق أغراض معينة مستمدة من ضرورات فردية ومصالح   اجتماعية ، الأمر الذي يقتضي وجوب عدم التجاوز في ممارسته الحد الضروري لحماية المجتمع وأفراده . وإن مسألة التجاوز في حدود العذر المعفي – بلا ريب – لا صلة لها باركان الواقعة الجرمية التي يسري عليها الإعفاء ، إذ إن أثر هذا التجاوز ينصب على كيان العذر نفسه ، أما الجريمة فهي قائمة لا مساس بأركانها أو بعناصرها سواء تخلّف العذر بسبب تجاوز حدوده القانونية أم توافر (22) . ومن ثم لا تأثير في حالة الغلط بحدود العذر في عدم سريانه بحق الفاعل ولا في تحمله مسؤولية هذا التجاوز . وفي النهاية ، لا بد من اقتراح صيغة نص يعالج حالة التجاوز المذكورة ضمانا لحسن تطبيق نظام العذر وإرساءً لأحكامه وأصوله على أسس واضحة وسليــــــمة . ويقول النص المقترح : _ (( إن تجاوز الجاني الحدود القانونية للعذر يحول دون استفادته منه . وللمحكمة تخفيف العقوبة إذا كان التجاوز قد صدر عن حسن نيّة وبني على أسباب معقولة )) .

______________________

1 - عماد فتحي محمد السباعي-النظرية العامة للاعذار المعفية في القانون الجنائي-رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق في جامعة القاهرة-1986 –ص510 ومابعدها

2 - عماد فتحى محمد  السباعى –المصدر السابق –ص511

3-تنص المادة (273) على أن((1.كل من أخفى أو آوى بنفسه أو بواسطة غيره شخصاً فرّ بعد  القبض عليه أو صدر بحقه أمر بالقاء القبض أو كان متهماً  فى جناية أو جنحة او محكوماً عليه وكان عالماً بذلك يعاقب…3 -لايسرى حكم هذه المادة على أصول أو فروع الشخص الهارب ولا على زوجه أو إخوته أو أخواته )) . وتلاحظ المادة (84/1)من قانون العقوبات الأردنى ،والتى نصت على ذات الأمر.

4- تنص المادة (247)على أن ((يعاقب…كل من كان ملزماً قانوناً بإخبار أحد المكلفين بخدمة عامة عن أمر ما أو إخباره عن أمور معلومة له فامتنع قصداً عن الإخبار بالكيفية المطلوبة وفى الوقت الواجب قانوناً وكل مكلف بخدمة عامة منوط به البحث عن الجرائم أو ضبطها أهمل الإخبار عن جريمة اتصلت بعلمه وذلك كله ما لم يكن رفع الدعوى معلقا على شكوى أو كان الجانى زوجاً للمكلف بالخدمة العامة أو من أصوله أو فروعه أو إخوته أو أخواته أو من فى منزله هؤلاء من الأقارب بحكم المصاهرة)).

5- د. نظام توفيق المجالي-شرح قانون العقوبات/القسم العام-مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع-عمان/الأردن-1997-ص426

6-د. كامل السعيد-شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات-ط1-الناشر الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع-عمان/الأردن-2002-ص308.

7 - عماد فتحي محمد السباعي – المصدر السابق – ص 512- 517 .

8- د. كامل السعيد – شرح الاحكام العامة – ص 308 وما بعدها . ينظر د. نظام توفيق المجالي – المصدر السابق – ص 426 .

9 - القاضي القاضي فريد الزغبي-الموسوعة الجزائية-المجلد الثالث/في الحقوق الجزائية العامة(الضابط المعنوي والفعل الجرمي)-ط3-دار صادر للطباعة والنشر-بيروت-1995– ص 387 وما بعدها .

10- عماد فتحي محمد السباعي – المصدر السابق – ص 517 .

11- المصدر السابق – ص 518 .

12- المصدر السابق – ص 518 – 520 .

13- د. شرح قانون العقوبات اللبناني/القسم العام-المجلد الأول-ط3-منشورات الحلبي الحقوقية-بيروت/لبنان-1998.ص 577 .

14 - عماد فتحي محمد السباعي – المصدر السابق – ص 521 هامش (2) وص 522 .

15- د. محمود نجيب حسني-شرح قانون العقوبات/القسم العام-ط5-مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي-1982– ص 578 .

16- عماد فتحي محمد السباعي – المصدر السابق – ص 522 وما بعدها . 

17- قرار محكمة التمييز في العراق 22 / هيئة عامة ثانية / 72 في 1/4/ 1972 . ذكره الاستاذ ابراهيم المشاهدي – ص 78 .

18 - قرارمحكمة التمييز رقم 528 / جنايات اولى / 86-87 في 25/1/ 1987- ذكره الاستاذ ابراهيم المشاهدي  -المصدر السابق – ص 56 .

19- قرار محكمة التمييز رقم 151/ موسعة ثانية / 85-86 في 21/ 4/ 1986- ذكره الاستاذ ابراهيم المشاهدي – المصدر السابق – ص 55 .

20 - عماد فتحي محمد السباعي – المصدر السابق – ص 523 هامش (1).

21- المصدر السابق – ص 524.

22- المصدر السابق –ص 526.

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .