أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-3-2017
4364
التاريخ: 20-6-2016
2273
التاريخ: 7-3-2017
2275
التاريخ: 20-6-2016
1984
|
قبل كل شيء يجب ان نحاول الاجابة على سؤال غاية في الاهمية الا وهو:
ما هي التأثيرات القانونية للاعمال غير المشروعة الصادرة عن المنظمات الدولية ؟ إن الدول والمنظمات الدولية ... لا تجيبنا على هذا السؤال بشكل وافي وحتى ضمن ما يسمى بالقانون الدولي العرفي التقليدي، فليس هناك لحد الآن نظرية مطبقة بشكل عام، ومتطورة بشكل تام تحدد التبعات القانونية للانشطة التي تخرق القانون الدولي والصادرة عن المنظمات الدولية، فبعض هذه الانظمة غير مطبق، والآخر باطل –غير معمول به- وبعض آخر يثير الالتزام بالتعويض، ولكن لا يوجـد نظام عام وموحـد، وهو الامر الذي آثـاره البروفسـور (Wengler) في تقريره الى معهد القانون الدولي الخـاص بموضوع الاصـلاح القـانوني في عام (1965)، وعلى الرغم من مرور عدة عقود، ونهضة الحياة الدستورية الدولية التي تبعت الحرب العالمية الثانية، الا ان هذا الواقع لم يتغير كثيراً.(1) وهو الامر الذي يجعل من محاولة البحث في هذا الموضوع امراً مبرراً. وقبل التعمق اكثر في دراسة هذه المشكلة يتحتم علينا ان نبين ما المقصود بعبارة "الافعال غير المشروعة للمنظمات الدولية"، وفي الحقيقة يمكن ان نقسم هذه الافعال على قسمين الاول يتضمن تلك الافعال المرتكبة من قبل المنظمات الدولية والتي يمكن ان ترتكبها الدول ايضاً، وهي تشمل على سبيل المثال لا الحصر:
انكار العدالة، سوء استخدام الاقليم، خرق التزامات معاهدةٍ ما، وان تبعات هذا الصنف من الافعال هي ذاتها بالنسبة للمنظمات الدولية وكذلك بالنسبة للدول، فهي تحل بالنسبة للمنظمات الدولية بالمصطلحات نفسها، وكذلك بالنسبة الى مدى التبعات المترتبة على الفعل المتسم بالقانونية، اما الصنف الثاني من الافعال غير المشروعة والذي قد تتورط فيه المنظمة الدولية فهو الذي يثار فقط في سياق، او ضمن المنظمات الدولية بصفتها شخصاً قانونياً معنوياً دولياً، ومن هذه الافعال –على سبيل المثال- التقسيم الخاطئ للنفقات بين الاعضاء، اتخاذ قرار متبنى من قبل الاغلبية الا انه لا يقع ضمن اهداف واختصاصات المنظمة، ايقاف او تعطيل العضوية بطريقة تتنافى مع انظمة الهيئة وقوانينهــا.(2) على الرغم من اشارتنا الى عدم وجود نظرية عامة موحدة تعالج الفعل غير المشروع الصادر عن المنظمة الدولية وتحدد اثره الا انه هناك محاولات جادة لمعالجة وتحديد اثر الفعل غير المشروع الصادر عن المنظمات الدولية قد صيغت في فقرات محددة ضمن اتفاقيات متصلة بمنظمات دولية – منها على سبيل المثال- الفقـرات التي جاءت في الاتفاقيات التأسيسيـة للسوق الاوربية، فالمـادة (173) من الاتفاقية التأسيسية للسوق الاوربية المشتركة منحت محكمة العدل سلطة قضائية لمراقبة شرعية افعال المجلس واللجنة، كما انها منحت السلطة القضائية للمحكمة اختصاصات واسعة جداً بحيث اصبح من الصعب تصور وقوع فعل غير مشروع يخرج عن قائمة اختصاصاتها، وكذلك تضمن ميثاق هافانا الخاص بمنظمة التجارة العالمية المادة (96) والتي تضمنت الفقرات الآتية:
(1- قد تطلب المنظمة بما ينسجم مع الترتيبات الواردة في المادة (96) فقرة (2) من ميثاق الامم المتحدة من محكمة العدل الدولية آراء نصح تخص المسائل القانونية الناشئة ضمن فعاليات المنظمــة.
2- ان اي قرار للمؤتمر وفقاً لهذا الميثاق في حالة إضراره بمصالح ايً من الاعضاء يكون خاضعاً للمراجعة التي تقوم بها محكمة العدل الدولية من خلال الطلب.
3- وانتظاراً لا علان نصح المحكمة، فان قرار المؤتمر سيأخذ نفاذيةً وتأثيراً تامين الا عندما يجد المؤتمر ان الضرر الواقع على العضو ذي العلاقة سيكون من الصعب اصلاحه.
4- تعتبر المنظمة نفسها ملزمة برأي المحكمة الخاص بأية مسألة تحال اليها، اما في حال كون القرار غير منسجم مع رأي المحكمة، فيصار الى تعديل القرار ذي العلاقة)(3).
وكذلك تضمن دستور المحكمة الادارية التابعة للامم المتحدة نصوصاً مشابهة –بالمضمون نفسه- فيما يخص الفعل غير المشروع الصادر عن المنظمة الدولية وقد ورد ذلك في المواد (2، 8، 9) من دستور المحكمة، الا انه يتوجب علينا إثارة ملاحظة غاية في الاهمية وهي ان جميع هذه النصوص تعالج الافعال غير المشروعة التي تحدث ضمن نطاق المنظمة الدولية(4) . ويأخذ العمل غير المشروع الصادر عن المنظمة الدولية صوراً مختلفة فقد يصيب دولةً ما، وقد يصيب منظمة دولية اخرى ولا نجد فروقات بين الصورتين، فكلتاهما –اي المنظمة الدولية والدولة- شخص من اشخاص القانون الدولي، ومن ثم فهما يخضعان للأحكام ذاتها ولكن بقي ان نشير الى ان العلاقة بين المنظمات الدولية قد تخضع الى اتفاقات خاصة ومن ثم فان نظام المسؤولية قد يكون خاضعاً لهذه الاتفاقــات.
اما الدولة التي يصيبها العمل غير المشروع والذي تترتب عليه مسؤولية المنظمة الدولية فقد تكون دولةً عضواً في المنظمة او غير عضو فيها وهنا يجب ان نميز بين الحالتين، فاذا كانت الدولة التي ارتكب في مواجهتها الانتهاك هي دولة عضو فأن مسؤولية المنظمة في هذه الحالة تكون مؤكدة، لان الدولة المدعية لن تواجه بمشكلة الاعتراف بالمنظمة وبشخصيتها القانونية، وفي هذه الحالة تكون مسؤولية المنظمة تجاه الدولة العضو محكومة بميثاق المنظمة المنشئ لها وبلوائحها الداخلية، وهذا يعني انه في حالة تعارض مع القواعد العامة في القانون الدولي المتعلقة بالمسؤولية الدولية فان الاحكام التي يتضمنها ميثاق المنظمة، وتلك التي يتضمنها القانون الداخلي للمنظمة تكون لها الاولوية في التطبيق على ما عداها من قواعد في هذا الخصوص ان القواعد العامة المتعلقة بالمسؤولية الدولية ليست من النظام العام وبالتالي يجوز الاتفاق على خلافهــا(5). اما اذا كانت الدولة المدعية غير عضو في المنظمة ففي هذه الحالة يرى البعض ان مسؤولية المنظمة لا تثور قبل هذه الدولة الا اذا اقرت الاخيرة بتمتع المنظمة بالشخصية الدولية او ان يكون هناك اتفاق خاص بين الطرفين ينظم موضوع المسؤولية ويحدد وسيلة تقديم المطالبات ويوضح الاسس والقواعد التي بموجبها يتم تقدير التعويض، ويبني هذا الاتجاه رأيه هذا على ان المنظمة الدولية تنشأ بالأصل بالاستناد الى اتفاق بين الدول المؤسسة، لذلك فهي تتمتع بشخصية قانونية في مواجهة الدول الاطراف في الميثاق المنشئ لها، وليس تجاه سائر اعضاء الجماعة الدولية، وهذا يعني انها شخصية محدودة النطاق فهي لا تسري الا في مواجهة الدول الاعضاء او الدول غير الاعضاء التي اعترفت بالمنظمة، ولا يخرج عن الفرض المتقدم الا المنظمات فوق الاممية، إذ يرى انصار هذا الاتجاه انها لا تحتاج الى الاعتراف بها من جانب الدول غير الاعضاء لانها تتمتع بالشخصية الدولية في مواجهة الجميع، كما هو الحال بالنسبة الى الجماعة الاوربية للفحم والصلب فهي من المنظمات التي تتمتع بسلطات واسعة واختصاصات ملزمة تجاه الدول الاعضاء مما اعطاها هذا الوصف(6). ومن الامور المهمة التي يجب ان نتوقف عندها هو تحديد وقت هذا الاعتراف، فهل يجوز للدولة التي لم تعترف بالشخصية القانونية الدولية للمنظمة قبل وقوع العمل غير المشروع المنسوب الى المنظمة ان تعترف بها في وقت لاحق لوقوع العمل ام ان هذه الدولة لا يمكنها إثارة مسؤولية المنظمة الا بالنسبة للتصرفات اللاحقة على الاعتراف ؟ والإجابة بطبيعة الحال تعتمد كلياً على تحديد طبيعة الاعتراف بالمنظمة الدولية وقد انقسم الفقه حول طبيعة الاعتراف الى اتجاهين، يذهب الاول الى ان الاعتراف بالمنظمة هو تصرف كاشف، ومن ثم يكون للدولة غير العضوان تسأل المنظمة عن كل التصرفات غير المشروعة التي قامت بها سواء كان ذلك قبل الاعتراف ام بعده، اما الاتجاه الثاني فيذهب الى ان الاعتراف هو اجراء منشيء، ولهذا لا توجد امكانية لمسألة المنظمة عن الافعال الصادرة عنها قبل حصول الاعتراف على اساس ان المنظمة لم تكن متمتعة بالشخصية القانونية وقت وقوع العمل غير المشروع، كما انها في علاقتها بالدولة المدعية غير خاضعة للقانون الدولي، وعليه فهي غير أهل للمساءلة عما يصدر عنها من تصرفات، هذا فضلاً عن ان قواعد القانون الدولي تسري على المنظمات الدولية بأثر فوري، ولا يمكن تطبيقها بأثر رجعي بمقتضى عمل منفرد صادر عن احد اطراف النزاع.(7) ويذهب الاستاذ الدكتور (عبد العزيز سرحان) الى مذهب ثالث مفاده ان المنظمة الدولية تكون مسؤولة عن اعمالها غير المشروعة طبقاً للقانون الدولي في واجهة الدول الاعضاء فيها او غير الاعضاء سواءٌ اعترفت بها هذه الاخيرة ام لم تعترف، ويستند في هذا الرأي الى ان مسألة الاهلية هذه لن تناقش مطلقاً من قبل الطرفين، إذ ان المنظمة الدولية لن تناقش هذه المسألة فسائر المنظمات الدولية تحرص على ان يعترف لها بالشخصية الدولية، كما ان الدولة المدعية من غير المعقول ان تشير هذه المسألة لأن هذا الامر لا يحقق لها اي مصلحة بل على العكس ففي هذه الحالة سترد دعواها، كما ان مجرد تحريك دعوى المسؤولية الدولية ضد المنظمة يعد اعترافاً ضمنياً من جانب الدولة بهذه المنظمة، ومن ثم فهي اهل لتحمل المسؤولية الدولية عن اعمالها وفقاً للقانون الدولي.(8) وهذا المذهب الثالث مذهب منطقي جداً، كما انه يبعدنا عن الدخول في دائرة الجدل الفقهي، فمن الطبيعي ان تحجم المنظمة الدولية عن الدفع بعدم تمتعها بالشخصية الدولية في مواجهة الدول غير الاعضاء، وذلك لانها تحرص باستمرار على التمسك بتلك الشخصية في مواجهة سائر اعضاء الجماعة الدولية، وهي ترغب في الحصول على مزيد من الاعتراف بها من جانب كل اعضاء هذه الجماعة، ومن ناحية اخرى فأن الدولة المدعية ستمسك عن اثارة الدفع بعد تمتع المنظمة بالشخصية الدولية، وذلك لتحقيق مصلحة او كسب مادي، فبعد اثبات مسؤولية المنظمة ستحصل الدولة المدعية على التعويض الذي ستكون المنظمة في حلٍ من ادائه لهذه الدولة لو انها دفعت بعدم تمتعها بالشخصية القانونية الدولية. وبنظرة اكثر شمولية للموضوع سنجد ان المنظمة الدولية، وبحسب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في قضية تعويض الاضرار 1949 تتمتع بأهلية التقاضي على الصعيد الدولي، وبحق تقديم المطالبات الدولية ضد اشخاص القانون الدولي، وذلك نتيجةً لتمتعها بالشخصية القانونية الدولية، وهذا يؤدي بطبيعة الحال الى امكانية مسائلتها دولياً وعّدها خصماً مدعى عليه في نزاع متعلق بالقانون الدولي فمن يملك سلطة التصرف يتحمل تبعة المسؤولية، كما ان الرأي الاستشاري سالف الذكر والآراء المختلفة التي الحقت به لم يتضمن ايٌ منها تأكيد حق المنظمة الدولية في تحريك دعوى فحسب بل انه يجعل المنظمة الدولية طرفاً في دعوى المسؤولية الدولية سواء وصفها مدعية او مدعى عليها، مما يترتب عليه ان يكون تبرير وضع المنظمة كطرف مدعى عليه في دعوى المسؤولية ايسر من الحالة التي تعرضت لها محكمة العدل الدولية في قضية تعويض الاضرار، وذلك لان أهلية التعويض عن النتائج الضارة المترتبة على العمل غير المشروع طبقاً للقانون الدولي لا تتوقف على الفصل في كون التعويض ضرورياً لتحقيق اهداف المنظمة ام لا في حين ان منح المنظمة أهلية التمتع بحق معين،ومن ثم مباشرتها لهذا الحق يتوقف على مدى ارتباط هذا الحق بحاجات المنظمة، وبالتالي يجب ان يصب في احد روافد اختصاصاتها التي تملكها لاجل تحقيق اهدافها، وهذا يؤدي بنا الى نتيجة غاية في الاهمية، وهي ان اهلية المنظمة للوفاء بالتزاماتها تكون مطلقة، وذلك لان الالتزام القانوني يجب الوفاء به.(9) ومن كل ما تقدم يتبين لنا ان الحق الذي تملكه المنظمة الدولية عندما تكون مدعية في دعوى المسؤولية الدولية، والذي يمكنها من مطالبة الطرف المسؤول بتعويض الضرر او الاضرار التي نجمت عن العمل غير المشروع طبقاً لاحكام القانون الدولي، هو ليس بالحّق المطلق، بل هو مقيد بضرورة ان يكون التعويض المطلوب بالقدر الذي يتفق واهداف المنظمة وحاجاتها، وبعبارة ادق إن مقدار التعويض المقضي به في هذا الفرض يكون دائماً في حدود الضرر الذي اصاب المنظمة، اما عند ظهور المنظمة طرفاً مدعى عليه في دعوى المسؤولية الدولية فإن الامر مختلف لان مسؤوليتها عن تعويض الاضرار التي اصابت اطراف آخرين تكون مطلقة دائماً، إذ لا يوجد ارتباط هنا بين مقدار التعويض واهداف المنظمة، لان آثار هذا الامر لا ترتبط بالطرف المدعى عليه وإنما بالطرف المدعى، وعليه فإن التزام المنظمة في هذه الحالة لا يكون مقترناً بقيد او معلق على شرطٍ معين، وانما يصبح الوفاء واجب الاداء وبصفة مطلقة. وقد اكد القضاء الدولي في مناسبات عديدة مبدأ تحمل المنظمة للمسؤولية الدولية عن تصرفاتها غير المشروعة، إذ صدرت عن محكمة العدل الدولي جملة من الآراء الاستشارية التي تؤكد ذلك، منها الرأي الصادر في 13 تموز 1954 بشأن آثار احكام المحكمة الادارية للامم المتحدة، حيث اكدت المحكمة مسؤولية المنظمة عن تنفيذ العقود التي ابرمتها مع موظفيها، كما اكدت المحكمة هذا الامر من جديد في رأيها الاستشاري الصادر في 20 تموز 1962 بشأن بعض نفقات الامم المتحدة، إذ انها ايدت مبدأ المسؤولية القانونية للمنظمة الدولية في مواجهة الغير، كما اكدت الصفة الملزمة للالتزامات التعاقدية التي تبرمها المنظمة بواسطة ايٌ من ممثليها، حتى ولو تجاوز الاخير حدود اختصاصاته (10).
____________________
1-E. Lauterpacht, The Legal effect of Illegal Acts of International organizations, Cambridge Essay in International Law, 1965, P.88.
2- E. Lauterpacht, M.A., LL.B., op.cit, P.97.
3- Ibid, P.97.
4- E. Lauterpacht, op. cit, P.98.
5- د. مفيد شهاب- سند ونطاق حصانات وامتيازات الموظفين الدوليين – المجلة المصرية للقانون الدولي – العدد (43) لسنة 1982– ص113.
6- د. عبد العزيز محمد سرحان- الاصول العامة للمنظمات الدولية – الطبعة الاولى – دار النهضة العربية – مصر – 1968 ص4167-418.
7- د. محمد طلعت الغنيمي- الاحكام العامة في قانون الامم (دراسة في كل من الفكر المعاصر والفكر الاسلامي) – المعارف بالاسكندرية – 1971 ص230-232.
8- د. عبد العزيز سرحان– مصدر سابق – ص419.
9- C. Eagleton, op.cit, PP.401-404.
10- د. مفيد شهاب– مصدر سابق – ص110-111.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|