المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



تفسير الاية (229-230) من سورة البقرة  
  
6431   11:36 صباحاً   التاريخ: 1-3-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [البقرة : 229 ، 230] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

 

بين سبحانه عدد الطلاق فقال {الطلاق مرتان} أي الطلاق الذي يملك فيه الرجعة مرتان وفي معناه قولان ( أحدهما ) أنه بيان تفصيل طلاق السنة وهو أنه إذا أراد طلاقها ينبغي أن يطلقها في طهر لم يقربها فيه بجماع تطليقة واحدة ثم يتركها حتى تخرج من العدة أو حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها ثانية عن ابن عباس ومجاهد ( والثاني ) إن معناه البيان عن عدد الطلاق الذي يوجب البينونة مما لا يوجبها وفي الآية بيان أنه ليس بعد التطليقتين إلا الفرقة البائنة ولفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر أي طلقوا دفعتين .

وقوله {فإمساك بمعروف} تقديره فالواجب إذا راجعها بعد التطليقتين إمساك بمعروف أي على وجه جميل سائغ في الشريعة لا على وجه الإضرار بهن {أو تسريح بإحسان} فيه قولان (أحدهما) أنه الطلقة الثالثة (والثاني) أنه يترك المعتدة حتى تبين بانقضاء العدة عن السدي والضحاك وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله {ولا يحل لكم} خطاب الأزواج {أن تأخذوا} في حال الطلاق واستبدال {مما آتيتموهن} أي أعطيتموهن من المهر {شيئا} .

 ثم استثنى الخلع فقال {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} معناه إلا أن يغلب على ظنهما أن لا يقيما حدود الله لما بينهما من أسباب التباعد والتباغض وقال ابن عباس هو أن يظهر من المرأة النشوز وسوء الخلق بغضا للزوج وقال أبوعبد الله إذا قالت المرأة له لا أغتسل لك من جنابة ولا أبر لك قسما ولأوطئن فراشك ولأدخلن عليك بغير إذنك إذا قالت له هذا حل له أن يخلعها وحل له ما أخذ منها .

وعلى الجملة إذا خاف أن تعصي الله فيه بارتكاب محظور أو إخلال بواجب وأن لا تطيعه فيما يجب عليها فحينئذ يحل له أن يخلعها وروي مثل ذلك عن الحسن وقال الشعبي هو نشوزها ونشوزه {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله} أي فإن ظننتم أن لا يكون بينهما صلاح في المقام {فلا جناح عليهما} أي فلا حرج ولا إثم عليهما وهذا يفيد الإباحة وفي قوله {عليهما} وإن كانت الإباحة للزوج وجهان (أحدهما) إن الزوج لو خص بالذكر لأوهم أنها عاصية وإن كانت الفدية له جائزة فبين الأذن لهما في ذلك ليزول الإيهام عن علي بن عيسى (والآخر) أن المراد به الزوج وإنما ذكر معه المرأة لاقترانهما كقوله {نسيا حوتهما} وقوله {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} وإنما هومن الملح دون العذب فجاز للاتساع قال الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن وهذا أليق بمذهبنا لأن الذي يبيح الخلع عندنا هوما لولاه لكانت المرأة عاصية وأقول أن الذي عندي في ذلك أن جواز وقوع العصيان منها هو السبب في إباحة الخلع ورفع الجناح إنما تعلق بالخلع لا بأسبابه والوجه الأول أولى بالاختيار وأشد ملائمة لظاهر الآية والوجه الأخير مرغوب عنه لعدوله عن سنن الاستقامة إذ لا يكون الاثنان واحدا في الحقيقة .

 {فيما افتدت به} أي بذلت من المال واختلف في ذلك فعندنا إن كان البغض منها وحدها وخاف منها العصيان جاز أن يأخذ المهر وزيادة عليه وإن كان منهما فدون المهر وقيل أنه يجوز الزيادة على المهر والنقصان من غير تفصيل عن ابن عباس وابن عمر ورجاء بن حيوة وإبراهيم ومجاهد وقيل المهر فقط عن ربيع وعطا والزهري والشعبي ورووه عن علي والخلع بالفدية على ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن تكون المرأة عجوز أو دميمة فيضار بها الزوج لتفتدي نفسها فهذا لا يحل له الفداء لقوله {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج} الآية ( والثاني ) أن يرى الرجل امرأته على فاحشة فيضار بها لتفتدي نفسها فهذا جائز وهو معنى قوله {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} ( والثالث ) أن يخافا ألا يقيما حدود الله لسوء خلق أو قلة نفقة من غير ظلم أو نحو ذلك فيجوز لهما جميعا الفدية على ما مر تفصيله .

 {تلك حدود الله} أي أوامره ونواهيه وما نصب من الآيات في الخلع والطلاق والرجعة والعدة {فلا تعتدوها} أي فلا تجاوزوها بالمخالفة {ومن يتعد حدود الله} أي يتجاوزها بأن يخالف ما حد له {فأولئك هم الظالمون} واستدل أصحابنا بهذه الآية على أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد لا يقع لأنه قال الطلاق مرتان ثم ذكر الثالث على الخلاف في أنها قوله {أو تسريح بإحسان} أو قوله {فإن طلقها} ومن طلق ثلاثا بلفظ واحد فإنه لم يأت بالمرتين ولا بالثالثة كما أنه لما أوجب في اللعان أربع شهادات فلو أتى بالأربع بلفظ واحد لما أتى بالشروع ولم يحصل حكم اللعان وكذلك لورمي في الجمار بسبع حصيات دفعة واحدة لم تجزىء عنه بلا خلاف وكذلك الطلاق .

والآية الثانية : {فَإِن طلَّقَهَا فَلا تحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتى تَنكِحَ زَوْجاً غَيرَهُ فَإِن طلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وتِلْك حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنهَا لِقَوْم يَعْلَمُونَ} :

فقد بين سبحانه حكم التطليقة الثالثة فقال {فإن طلقها} يعني التطليقة الثالثة على ما روي عن أبي جعفر وبه قال السدي والضحاك وقيل هو تفسير قوله {أو تسريح بإحسان} عن مجاهد وهذا على مذهب من جعل التسريح طلاقا {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} أي لا تحل هذه المرأة أي لا يحل نكاحها لهذا الرجل الذي طلقها حتى تزوج زوجا غيره ويجامعها واختلف في ذلك فقيل العقد علم بالكتاب والوطء بالسنة عن الجبائي وقيل بل كلاهما علم بالكتاب لأن لفظ النكاح يطلق عليهما فكأنه قيل حتى يتزوج ويجامعها الزوج ولأن العقد مستفاد بقوله {زوجا غيره} والنكاح مستفاد بقوله {حتى تنكح} وإنما أوجب الله ذلك لعلمه بصعوبة تزوج المرأة على الرجل حتى لا يعجلوا بالطلاق وأن يتثبتوا قال أبو مسلم وهذا من الكنايات الفصيحة والإيجاز العجيب .

 {فإن طلقها} الزوج الثاني {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} أي فلا جناح على الزوج وعلى المرأة أن يعقدا بينهما عقد النكاح ويعودا إلى الحالة الأولى فذكر النكاح بلفظ التراجع {إن ظنا} أي إن رجيا وقيل علما وقيل اعتقدا {أن يقيما حدود الله} في حسن الصحبة والمعاشرة وأنه يكون بينهما الصلاح {وتلك} إشارة إلى الأمور التي بينها في النكاح والطلاق والرجعة {حدود الله} أوامره ونواهيه {يبينها} يفصلها {لقوم يعلمون} خص العالمين بذكر البيان لهم لأنهم هم الذين ينتفعون ببيان الآيات فصار غيرهم بمنزلة من لا يعتد به ويجوز أيضا أن يكونوا خصوا بالذكر تشريفا لهم كما خص جبرائيل وميكائيل بالذكر من بين الملائكة وتدل الآية على أنه إذا طلقها الثالثة فلا تحل له إلا بعد شرائط الزوج الثاني ووطئه في القبل وفرقته وانقضاء عدتها .

وصفة الزوج الذي يحل المرأة للزوج الأول أن يكون بالغا ويعقد عليها عقدا صحيحا دائما واختلف في التحليل على ثلاثة أقاويل فمنهم من قال إذا نوى التحليل يفسد النكاح ولا تحل للأول عن مالك والأوزاعي والثوري وروي نحوه عن أبي يوسف واحتجوا بقوله ( لعن الله المحلل والمحلل له ) ومنهم من قال إذا لم يشرط في العقد حل وإذا شرطه يفسد ولا يحل عند الشافعي ومنهم من قال يصح العقد ويبطل الشرط وتحل للأول ولكن يكره ذلك وهو الظاهر من مذهب أبي حنيفة وأهل العراق وقال محمد يصح النكاح ولا تحل للأول وفي قوله {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} دلالة على أن النكاح بغير ولي جائز وإن المرأة يجوز لها أن تعقد على نفسها لأنه أضاف العقد إليها دون وليها .

___________________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص103-107 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هاتين الآيتين (1) :

 

{ الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَو تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ} . كان للعرب في الجاهلية طلاق ، وعدة مقدرة للمطلقة ، ورجعة للمطلَّق أثناء العدة ، ولكن لم يكن للطلاق عدد معين ، فربما طلق الرجل امرأته مائة مرة وراجعها ، وتكون المرأة بذلك ألعوبة بيد الرجل يضارها بالطلاق والرجوع متى شاء . . وجاء في بعض الروايات ان رجلا قال لامرأته : لا أقربك أبدا ، ومع ذلك تبقين في عصمتي ، ولا تستطيعين الزواج من غيري . . قالت له : وكيف ذلك ؟ قال :

أطلقك ، حتى إذا قرب انقضاء العدة راجعتك ، ثم طلقتك ، وهكذا أبدا .

فشكته إلى النبي ( صلى الله عليه واله ) فأنزل اللَّه سبحانه : الطلاق مرتان ، أي ان الطلاق الذي شرّع اللَّه فيه الرجوع للمطلق هو الطلاق الأول والثاني فقط ، أما الطلاق الثالث فلا يحل الرجوع بعده ، حتى تنكح المطلقة زوجا غير المطلَّق ، كما في قوله :

فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره .

{فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَو تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ} . إذا طلق الرجل زوجته للمرة الثانية فهو مخير بين أحد أمرين ، ما دامت في العدة : الأمر الأول ان يرجعها إلى عصمته بقصد الإصلاح ، وحسن المعشر ، وهذا هو الإمساك بمعروف . الأمر الثاني ان يدعها وشأنها ، حتى تنقضي عدتها ، على أن يؤدي إليها ما لها عليه من حق مالي ، ولا يذكرها بعد المفارقة بسوء ، ولا ينفّر منها من أراد الزواج بها بعد انقضاء العدة ، وهذا هو التسريح بإحسان .

وتسأل : ان كثيرا من المفسرين قالوا : المراد من التسريح الطلقة الثالثة ، واستشهدوا بحديث عن الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله ) . . فلما ذا عدلت عن قولهم هذا ، وفسرت التسريح بالإهمال وترك المراجعة ؟ .

الجواب : ان لفظ التسريح بذاته يمكن أن يراد منه الطلقة الثالثة ، ويمكن أن يراد منه السكوت عن المطلقة وعدم مراجعتها ، ولكن مراعاة السياق . ترجح المعنى الثاني ، وهو عدم المراجعة ، ذلك ان قوله تعالى : {فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} هو تفريع عن الإمساك ، ويكون المعنى إذا طلقها بعد الإمساك ، ورجع إليها أثناء عدتها من الطلاق الثاني تكون الطلقة ثالثة ، ولا يحل للمطلق أن يرجع إليها ، حتى تنكح زوجا غيره ، ولا يصح أن يكون تفريعا عن التسريح بمعنى الطلاق الثالث ، إذ يكون المعنى على هذا فان طلقها للمرة الرابعة بعد أن طلقها الطلقة الثالثة ، والمفروض انه لا طلاق رابع في الإسلام ، أما الحديث الذي فسر التسريح بالطلقة الثالثة فغير ثابت .

الطلاق ثلاثا :

اتفقت المذاهب السنية الأربعة على ان من قال لزوجته : أنت طالق ثلاثا ، أوقال : أنت طالق . أنت طالق . أنت طالق يقع بذلك ثلاث طلقات ، وتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره . . وقال الإمامية : تقع طلقة واحدة فقط ، ويحل له الرجوع إليها ما دامت بالعدة .

وجاء في تفسير المنار عن ابن حنبل في مسنده ، ومسلم في صحيحه ، ان طلاق الثلاث كان واحدة على عهد رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله ) وأبي بكر وبعض السنين من خلافة عمر . . ولكن عمر بدا له ، وقال : ان الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم . . ثم نقل صاحب تفسير المنار عن ابن القيّم ان الأصحاب كانوا مجمعين على أن لا يقع بالثلاث مجتمعة الا واحدة من أول الإسلام إلى ثلاث سنين من خلافة عمر ، وأيضا أفتى به بعد عمر جماعة من الصحابة والتابعين وأتباع تابعيهم ، وان الفتوى بذلك تتابعت في كل عصر ، حتى كان من أتباع الأئمة الأربعة من أفتى بذلك .

{ولا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً } . ( مما ) من للتبعيض ، وما من صيغ العموم ، وكذلك شيء هنا ، لأنها نكرة في سياق النفي تشمل اليسير والكثير ، والمعنى ان الزوج إذا كان هو الكاره الراغب في الطلاق والفراق فليس له أن يسترجع شيئا مما كان قد ملكها إياه هبة أو تستحقه عليه مهرا أو نفقة ، قال تعالى : {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } [النساء : 20] .

هذا إذا كان هو الكاره الراغب في فراقها ، أما إذا كانت هي الكارهة له الراغبة في فراقه فلا مانع أن تبذل له ما يرضيه ، كي يطلقها ، سواء أكان المبذول بقدر المهر ، أو أقل ، أو أكثر ، ويسمى هذا الطلاق المبني على البذل منها طلاقا خلعيا ، لا يحق له الرجوع إليها في العدة ما دامت مستمرة على البذل ، فان رجعت عنه أثناء العدة ساغ له أن يرجع هو بدوره في الطلاق ان شاء .

وإلى هذا الطلاق الخلعي أشار سبحانه بقوله :

{إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } . هذا استثناء من عدم جواز الأخذ منهن عوضا عن الطلاق . . وحدود اللَّه هي الحقوق والواجبات التي لكل من الزوجين للآخر وعليه ، والمعنى أيها الأزواج لا تأخذوا شيئا من مطلقاتكم بسبب من الأسباب إلا بسبب واحد ، وهو أن تكون هي الكارهة للزوج ولا تطيق عشرته ، بحيث يؤدي نفورها منه إلى معصية اللَّه في التقصير بحقوق الزوج ، وقد يخاف الزوج أيضا أن يقابلها بالإساءة أكثر مما تستحق ، ففي هذه الحال يجوز لها أن تطلب الطلاق من الزوج ، وتعوضه عنه بما يرضيه ، كما يجوز له أن يأخذ ما افتدت به نفسها .

وفي الحديث ان ثابت بن قيس كان متزوجا بنت عبد اللَّه بن أبي ، وكان هو يحبها ، وهي تبغضه ، فأتت النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) وقالت : يا رسول اللَّه لا أنا ولا ثابت ، لا يجمع رأسي ورأسه شيء ، وقد كان ثابت قد أصدقها حديقة ، فقال ثابت : والحديقة ؟ فقال لها الرسول : ما تقولين ؟ . فقالت : نعم . . وأزيده .

قال الرسول : لا ، الحديقة فقط ، فاختلعت منه .

وهنا أسئلة تفرض نفسها :

السؤال الأول : لما ذا جاء بضمير التثنية في قوله : الا أن يخافا ألا يقيما حدود اللَّه ، وبضمير الجمع في قوله : فان خفتم ، ولم يوافق بين الضميرين في الجملتين ؟ .

الجواب : الضمير في يخافا ويقيما راجع إلى الزوجين ، وفي خفتم إلى الحكام والمصلحين ، والمعنى : ان خاف الزوجان والحكام والمصلحون من ترك إقامة الحدود يرتفع المحذور من بذل الزوجة ، وأخذ الزوج ، والغرض هو بيان ان المسوغ للبذل والعطاء الخوف المعقول التي ظهرت دلائله وأماراته للجميع ، لا لخصوص الزوجين فقط .

السؤال الثاني : لما ذا ثنّى ضمير عليهما في قوله : فلا جناح عليهما ، مع العلم بأن المفهوم من السياق انه لا جناح على الزوج في الأخذ منها عوضا عن الطلاق ، ولا دخل للزوجة في ذلك ؟

الجواب : التثنية هنا للإشارة إلى انه لا حرج على الزوجة فيما أعطت ، ولا على الزوج فيما أخذ ، هذا ، إلى أن جواز الأخذ يستلزم جواز العطاء ، وبالعكس .

السؤال الثالث : إذا تراضيا على الخلع ، وبذلت مالا كي يطلقها ، والحال عامرة ، والأخلاق ملتئمة بينهما ، فهل تصح المخالعة ، ويحل للزوج أن يأخذ الفدية ؟ .

قالت المذاهب الأربعة : يصح الخلع ، وتترتب عليه جميع الأحكام والآثار ، ومنها جواز أخذ الفدية .

وقال الإمامية : لا يصح الخلع ، ولا يملك المطلق الفدية ، ولكن يصح الطلاق ، ويقع رجعيا مع اجتماع شروطه ، واستدلوا على فساد الخلع وعدم جواز أخذ الفدية بأن الآية الكريمة علقت جواز ذلك على الخوف من الوقوع في المعصية إذا استمرت الزوجية .

أما قوله تعالى : {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء : 4] فان المراد به ما تعطيه المرأة لزوجها هبة مجانية ، لا عوضا عن الطلاق ، فالآية أجنبية عن الخلع .

السؤال الرابع : إذا أساء معاملتها بقصد أن تبذل له ، وتفتدي نفسها ، فبذلت وطلقها على هذا الأساس ، فهل يقع الخلع صحيحا ، ويحل له ما افتدت به نفسها ؟ .

قال أبو حنيفة : الخلع صحيح ، والعوض لازم ، والزوج آثم .

وقال الشافعي ومالك : الخلع باطل ، والعوض مردود ( المغني لابن قدامة ج 7 ص 55 طبعة 3 ) . لقوله تعالى : {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ } [النساء : 19] .

وقال الإمامية : لا يصح الخلع ، ويحرم أخذ المال المبذول ، ولكن يقع الطلاق رجعيا مع توافر شروطه . أما نحن فنميل إلى انه يقع لغوا ، لا خلعا ولا طلاقا ، لأن المبني على الفاسد فاسد . . وقد فصلنا ذلك في الجزء السادس من كتاب فقه الإمام جعفر الصادق ، باب الخلع ، فقرة أحكام الخلع .

( فان طلقها ) للمرة الثالثة ( فلا تحل له ) أي للمطلَّق ثلاثا ( من بعد ) الطلقة الثالثة ، لا بالرجعة ، ولا بعقد جديد {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها} الزوج الثاني {فَلا جُناحَ عَلَيْهِما} أي على الزوج الأول والمرأة المطلقة من الزوج الثاني {أَنْ يَتَراجَعا } بعقد جديد { إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ } من الحقوق الزوجية .

ومحصل المعنى ان من طلق زوجته ثلاث مرات فلا تحل له ، حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ، ويدخل بها الثاني المحلل حقيقة ، فقد جاء في الحديث : لا تحل للأول ، حتى يذوق الثاني عسيلتها .

ويشترط أن يكون المحلل بالغا ، وان يكون الزواج دائما لا منقطعا ، ومتى تحققت الشروط ، ثم فارقها الثاني بموت أو طلاق ، وانقضت عدتها جاز للأول أن يعقد عليها ثانية .

________________________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص346-350 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

 

قوله تعالى : {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} ، المرة بمعنى الدفعة مأخوذة من المرور للدلالة على الواحد من الفعل كما أن الدفعة والكرة والنزلة مثلها وزنا ومعنى واعتبارا .

والتسريح أصله الإطلاق في الرعي مأخوذ من سرحت الإبل وهو أن ترعيه السرح ، وهو شجر له ثمر يرعاه الإبل ، وقد استعير في الآية لإطلاق المطلقة بمعنى عدم الرجوع إليها في العدة ، والتخلية عنها حتى تنقضي عدتها على ما سيجيء .

والمراد بالطلاق في قوله تعالى : {الطلاق مرتان} ، الطلاق الذي يجوز فيه الرجعة ولذا أردفه بقوله بعد : {فإمساك} "إلخ" ، وأما الثالث فالطلاق الذي يدل عليه قوله تعالى : {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} الآية .

والمراد بتسريحها بإحسان ظاهرا التخلية بينها وبين البينونة وتركها بعد كل من التطليقتين الأوليين حتى تبين بانقضاء العدة وإن كان الأظهر أنه التطليقة الثالثة كما هو ظاهر الإطلاق في تفريع قوله : {فإمساك} "إلخ" ، وعلى هذا فيكون قوله تعالى بعد : {فإن طلقها} "إلخ" ، بيانا تفصيليا للتسريح بعد البيان الإجمالي .

وفي تقييد الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان من لطيف العناية ما لا يخفى ، فإن الإمساك والرد إلى حبالة الزوجية ربما كان للإضرار بها وهو منكر غير معروف ، كمن يطلق امرأته ثم يخليها حتى تبلغ أجلها فيرجع إليها ثم يطلق ثم يرجع كذلك ، يريد بذلك إيذاءها والإضرار بها وهو إضرار منكر غير معروف في هذه الشريعة منهي عنه ، بل الإمساك الذي يجوزه الشرع أن يرجع إليها بنوع من أنواع الالتيام ، ويتم به الأنس وسكون النفس الذي جعله الله تعالى بين الرجل والمرأة .

وكذلك التسريح ربما كان على وجه منكر غير معروف يعمل فيه عوامل السخط والغضب ، ويتصور بصورة الانتقام ، والذي يجوزه هذه الشريعة أن يكون تسريحا بنوع يتعارفه الناس ولا ينكره الشرع ، وهو التسريح بالمعروف كما قال تعالى في الآية الآتية {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} ، وهذا التعبير هو الأصل في إفادة المطلوب الذي ذكرناه ، وأما ما في هذه الآية أو تسريح بإحسان ، حيث قيد التسريح بالإحسان وهو معنى زائد على المعروف فذلك لكون الجملة ملحوقة بما يوجب ذلك أعني قوله تعالى : {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} .

بيانه : أن التقييد بالمعروف والإحسان لنفي ما يوجب فساد الحكم المشرع المقصود ، والمطلوب بتقييد الإمساك بالمعروف نفي الإمساك الواقع على نحو المضارة كما قال تعالى : {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا} ، والمطلوب في مورد التسريح نفي أن يأخذ الزوج بعض ما آتاه للزوجة من المهر ، ولا يكفي فيه تقييد التسريح بالمعروف كما فعل في الآية الآتية فإن مطالبة الزوج بعض ما آتاه زوجته وأخذه ربما لم ينكره التعارف الدائر بين الناس فزيد في تقييده بالإحسان في هذه الآية دون الآية الآتية ليستقيم قوله تعالى : {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} ، وليتدارك بذلك ما يفوت المرأة من مزية الحياة التي في الزوجية والالتئام النكاحي ، ولو قيل : أو تسريح بمعروف ولا يحل لكم "إلخ" ، فاتت النكتة .

قوله تعالى : {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} ، الخوف هو الغلبة على ظنهما أن لا يقيما حدود الله ، وهي أوامره ونواهيه من الواجبات والمحرمات في الدين ، وذلك إنما يكون بتباعد أخلاقهما وما يستوجبه حوائجهما والتباغض المتولد بينهما من ذلك .

قوله تعالى : {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} ، العدول عن التثنية إلى الجمع في قوله : {خفتم} ، كأنه للإشارة إلى لزوم أن يكون الخوف خوفا يعرفه العرف والعادة ، لا ما ربما يحصل بالتهوس والتلهي أو بالوسوسة ونحوها ، ولذلك عدل أيضا عن الإضمار فقيل ألا يقيما حدود الله ، ولم يقل فإن خفتم ذلك لمكان اللبس .

وأما نفي الجناح عنهما مع أن النهي في قوله : {ولا يحل لكم أن تأخذوا} "إلخ" ، إنما تعلق بالزوج فلأن حرمة الأخذ على الزوج توجب حرمة الإعطاء على الزوجة من باب الإعانة على الإثم والعدوان إلا في طلاق الخلع فيجوز توافقهما على الطلاق مع الفدية ، فلا جناح على الزوج أن يأخذ الفدية ، ولا جناح على الزوجة أن تعطي الفدية وتعين على الأخذ فلا جناح عليهما فيما افتدت به .

قوله تعالى : {تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله} "إلخ" ، المشار إليه هي المعارف المذكورة في الآيتين وهي أحكام فقهية مشوبة بمسائل أخلاقية ، وأخرى علمية مبتنية على معارف أصلية ، والاعتداء والتعدي هو التجاوز .

وربما استشعر من الآية عدم جواز التفرقة بين الأحكام الفقهية والأصول الأخلاقية ، والاقتصار في العمل بمجرد الأحكام الفقهية والجمود على الظواهر والتقشف فيها ، فإن في ذلك إبطالا لمصالح التشريع وإماتة لغرض الدين وسعادة الحياة الإنسانية فإن الإسلام كما مر مرارا دين الفعل دون القول ، وشريعة العمل دون الفرض ، ولم يبلغ المسلمون إلى ما بلغوا من الانحطاط والسقوط إلا بالاقتصار على أجساد الأحكام والإعراض عن روحها وباطن أمرها ، ويدل على ذلك ما سيأتي من قوله تعالى : {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة : 231] .

وفي الآية التفات عن خطاب الجمع في قوله : {ولا يحل لكم} ، وقوله : {فإن خفتم} إلى خطاب المفرد في قوله : {تلك حدود الله} ، ثم إلى الجمع في قوله : {فلا تعتدوها} ، ثم إلى المفرد في قوله : {فأولئك هم الظالمون} ، فيفيد تنشيط ذهن المخاطب وتنبيهه للتيقظ ورفع الكسل في الإصغاء .

قوله تعالى : {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} إلى آخر الآية ، بيان لحكم التطليقة الثالثة وهو الحرمة حتى تنكح زوجا غيره ، وقد نفى الحل عن نفس الزوجة مع أن المحرم إنما هو عقدها أو وطؤها ليدل به على تعلق الحرمة بهما جميعا ، وليشعر قوله تعالى : {حتى تنكح زوجا غيره} ، على العقد والوطء جميعا ، فإن طلقها الزوج الثاني فلا جناح عليهما أي على المرأة والزوج الأول أن يتراجعا إلى الزوجية بالعقد بالتوافق من الجانبين ، وهو التراجع ، وليس بالرجوع الذي كان حقا للزوج في التطليقتين الأوليين ، وذلك إن ظنا أن يقيما حدود الله .

ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله تعالى : {وتلك حدود الله} ، لأن المراد بالحدود غير الحدود .

وفي الآية من عجيب الإيجاز ما يبهت العقل ، فإن الكلام على قصره مشتمل على أربعة عشر ضميرا مع اختلاف مراجعها واختلاطها من غير أن يوجب تعقيدا في الكلام ، ولا إغلاقا في الفهم .

وقد اشتملت هذه الآية والتي قبلها على عدد كثير من الأسماء المنكرة والكنايات من غير رداءة في السياق كقوله تعالى : {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} ، أربعة أسماء منكرة ، وقوله تعالى : {مما آتيتموهن شيئا} كنى به عن المهر ، وقوله تعالى : {فإن خفتم} ، كنى به عن وجوب كون الخوف جاريا على مجرى العادة المعروفة ، وقوله تعالى : {فيما افتدت به} ، كنى به عن مال الخلع ، وقوله تعالى : {فإن طلقها} ، أريد به التطليقة الثالثة ، وقوله تعالى : {فلا تحل له} ، أريد به تحريم العقد والوطء ، وقوله تعالى : {حتى تنكح زوجا غيره} ، أريد به العقد والوطء معا كناية مؤدبة ، وقوله تعالى : {أن يتراجعا} ، كنى به عن العقد .

وفي الآيتين حسن المقابلة بين الإمساك والتسريح ، وبين قوله إن يخافا ألا يقيما حدود الله وبين قوله : {إن ظنا أن يقيما حدود الله} ، والتفنن في التعبير في قوله : فلا تعتدوها وقوله : {ومن يتعد} .

_____________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج2 ، ص199-202 .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

 

إمّا الحياة الزوجيّة أو الطّلاق بالمعروف :

ذكرنا في تفسير الآية السابقة إنّ الإسلام قرّر قانون (العدّة) و(الرّجوع) لإصلاح وضع الاُسرة ومنع تشتتّها وتمزّقها ، لكنّ بعض المسلمين الجدد استغلّوا هذا القانون كما كانوا عليه في الجاهليّة ، وعمدوا إلى التضييق على الزّوجة بتطليقها المرّة بعد الاُخرى والرّجوع إليها قبل انتهاء العدّة ، وبهذه الوسيلة ضيّقوا الخناق على النساء .

هذه الآية تحول بين هذا السّلوك المنحط وتقرّر أنّ الطّلاق والرّجوع مشروعان لمرّتين ، أمّا إذا تكرّر الطّلاق للمرّة الثالثة فلا رجوع ، والطّلاق الأخير هو الثالث ، والمراد من عبارة {الطّلاق مرّتان{ هو أنّ الطّلاق الّذي يُمكن معه الرّجوع مرّتان والطّلاق الثالث لا رجوع بعده ، وتضيف الآية {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} .

فعلى هذا يكون الطّلاق الثالث هو الأخير لا رجعة فيه ، وبعبارة اُخرى أنّ المحبّة والحنان المتقابل بين الزّوجين يمكن إعادتهما في المرّتين السابقتين وتعود المياه إلى مجاريها ، وفي غير هذه الصّورة إذا تكرّر منه الطّلاق في المرّة الثالثة فلا يحقّ له الرّجوع إلاّ بشرائط معيّنة تأتي في الآية التالية .

ويجب الإلتفات إلى أنّ (إمساك) يعني الحفظ و(تسريح) بمعنى إطلاق السّراح ومجيء جملة (تسريح بإحسان) بعد جملة (الطّلاق مرّتان) إشارة إلى الطّلاق الثالث الّذي يفصل بين الزّوجين لابدّ أن يكون مع مراعاة موازين الحقّ والإنصاف والقيم الأخلاقيّة (جاء في أحاديث متعدّدة أنّ المراد من قوله (تسريح بإحسان) هو الطّلاق الثالث) (2) .

فعلى هذا يكون المراد من التسريح بإحسان أن يؤدّي للمرأة حقوقها بعد الانفصال النهائي ، ولا يسعى الإضرار بها عملاً وقولاً بأن يعيبها في غيابها أو يتّهمها بكلمات رخيصة ويُسقط شخصيّتها وسمعتها أمام الناس ، وبذلك يحرمها من إمكانيّة الزّواج المجدّد ، فكما أنّ الصّلح والرّجوع إلى الزّوجة يجب أن يكون بالمعروف والإحسان والمودّة ، فكذلك الانفصال النهائي يجب أن يكون مشفوعاً بالإحسان أيضاً ، ولهذا تضيف الآية الشريفة (ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً) .

فعلى هذا الأساس لا يستطيع الزّوج عند الانفصال النهائي أن يأخذ ما أعطاها من مهرها شيئاً ، وهذا المعنى أحد مصاديق التسريح بإحسان .

وقد ذُكر هذا الحكم بالتفصيل في سورة النّساء الآيات 20 و21 حيث يأتي ذكره .

وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ مفهوم هذه الجملة أوسع من (المهر) وقالوا أنّه يشمل كلّما أعطاه الزوج من الهدايا لزوجته أيضاً (3) .

وممّا يستجلب النظر في مورد الرّجوع والصّلح هو التعبير بـ (المعروف) ولكن في مورد الفرقة والإنفصال ورد التعبير (بإحسان) الّذي يفهم منه ما هو أعلى وأسمى من المعروف ، وذلك من أجل جبران ما يتخلّف من المرارة والكآبة لدى المرأة بسبب الانفصال والطّلاق (4) .

وتستطرق الآية إلى ذكر مسألة (طلاق الخلع) وتقرّر أنّه في حالة واحدة تجوز استعادة المهر وذلك عند رغبة المرأة نفسها بالطّلاق (5) حيث تقول الآية {إلاّ أن يخافا ألاّ يُقيما حدود الله} ثمّ تضيف {فإن خفتم ألاّ يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} .

أي الفدية أو التعويض الّذي تدفعه المرأة للتّخلّص من الرّابطة الزّوجية ، هذه الحالة تختلف عن الاُولى في أنّ الطّالب للفرقة هي المرأة نفسها ويجب عليها دفع الغرامة والتعويض للرّجل الّذي يريد ويطلب بقاء العُلقة الزوجيّة ، وبذلك يتمكّن الزّوج بهذه الغرامة والفدية أن يتزوّج مرّة اُخرى ويختار له زوجة ثانية .

والجدير بالذكر أنّ الضّمير في جملة {ألاّ يُقيما} الوارد بصورة التثنية إشارة إلى الزّوجين ، ولكنّ في جملة {فإن خفتم} ورد بصيغة الجمع للمخاطب ، وهذا التفاوت يمكن أن يكون إشارة إلى لزوم نظارة حكّام الشرع على هذا اللّون من الطّلاق ، أو إشارة إلى أنّ تشخيص عدم إمكانيّة استمرار الحياة الزوجيّة مع رعاية حدود الإلهيّة لا يمكن أن تكون بعهدة الزّوجين ، لأنّه في كثير من الحالات يظنّ الزوجين ولأسباب نفسيّة وحالات عصبيّة عدم إمكانيّة إدامة الحياة الزّوجيّة لأسباب تافهة ، ولهذا يجب أن تُطرح المسألة على العرف ومن له علاقة بهذين الزّوجين يثبت بهذه الصورة جواز الطّلاق الخلعي .

وفي ختام الآية تشير إلى مُجمل الأحكام الواردة فيها وتقول : {تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظّالمون} .

والآية الثانية : {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِما أَن يَتَرَاجَعَآ إن ظَنَّآ أَن يُقِيَما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْم يَعْلَمُونَ}

فقد جاء في الآية السابقة إجمالاً أنّ للمرأة وللرجل بعد الطلاق الثاني أحد أمرين : إمّا أن يتصالحا ويرجعا إلى الحياة الزوجية ، وإمّا أن ينفصلا إنفصالاً نهائياً .

هذه الآية حكمها حكم الفقرة التابعة لمادّة قانونية .

فهذه الآية تقول إن حكم الانفصال حكم دائمي ، إلاَّ إذا اتخذت المرأة زوجاً آخر ، وطلّقها بعد الدخول بها ، فعندئذ لها أن ترجع إلى زوجها الأوّل إذا رأيا أنهما قادران على أن يعيشا معاً ضمن حدود الله .

ويستفاد من الرّوايات عن أئمّة الدّين أنّ لهذا الزّواج الثاني شرطين ، أوّلاً : أن يكون هذا الزّواج دائميّاً ، والثاني : أن يتبع عقد الزّواج الاتصال الجنسي ، ويمكن استفادة هذين الشرطين من مفهوم الآية أيضاً ، أمّا الأوّل وهو أن يكون العقد دائميّاً فلجملة (فإن طلّقها) الشاهدة على هذا المعنى ، لأنّ الطّلاق لا يكون إلاّ في العقد الدائمي ، وأمّا الوطيء فيمكن أن يُستفاد من جملة (حتّى تنكح زوجاً غيره) لأنّ المستعمل في سيرة اُدباء العرب أنّهم حينما يقولون (نكح فلاناً فلانة) فيُمكن أن يراد منه مجرّد العقد ، أمّا لو قيل (نكح زوجته) فهذا يدلّ على الوطىء (لأنّه حسب الفرض أنّها زوجته فعندما يقال (نكح) في مورد الزوجة فلا يعني سوى العمليّة الجنسيّة) (6) مضافاً إلى أنّ المطلّق ينصرف إلى الفرد الغالب والغالب في عقد الزواج هو إقترانه بالوطىء ، ومضافاً إلى ما تقدّم فإنّ لهذا الحكم فلسفة خاصّة لا تتحقّق بمجرّد إجراء العقد كما سنشير إلى ذلك لاحقاً .

____________________________

1- الامثل  ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص14 و 20 .

2 ـ تفسير العياشي : ج 1 ص 116 . من لا يحضره الفقيه ، ج3 ، ص502 .

3 ـ تفسير الكبير : ج 9 ص 99 .

4 ـ الميزان : ج 2 ص 234 ذيل الآية مورد البحث .

5 ـ وهو الطلاق الخلعي المشروح في كتب الفقه .

6 ـ تفسير الكبير : ج 6 ص 104 .ذيل الاية مورد البحث .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .