أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-5-2017
7194
التاريخ: 11-5-2017
6554
التاريخ: 2-3-2017
9078
التاريخ: 25-11-2016
4746
|
قال تعالى : {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة: 228].
بين سبحانه حكم المطلقات والطلاق فقال {والمطلقات} أي : المخليات عن حبال الأزواج بالطلاق وإنما يعني المطلقات المدخول بهن من ذوات الحيض غير الحوامل لأن في الآية بيان عدتهن {يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} معناه ينتظرن بأنفسهن انقضاء ثلاثة قروء فلا يتزوجن لفظه خبر ومعناه أمر والمراد بالقروء الأطهار عندنا وبه قال زيد بن ثابت وعائشة وابن عمر ومالك والشافعي وأهل المدينة قال ابن شهاب ما رأيت أحدا من أهل بلدنا إلا وهو يقول الأقراء الأطهار إلا سعيد بن المسيب والمروي عن ابن عباس وابن مسعود والحسن ومجاهد ورووه أيضا عن علي أن القرء الحيض والمراد بثلاثة قروء ثلاثة حيض وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه واستشهدوا بقوله (عليه السلام) للمستحاضة دعي الصلاة أيام أقرائك والصلاة إنما تترك في أيام الحيض واستشهد من ذهب إلى أن القرء الطهر بقوله تعالى : {فطلقوهن لعدتهن} أي في طهر لم تجامع فيه كما يقال لغرة الشهر .
ويقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما طلق ابن عمر زوجته وهي حائض مرة فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك وتلا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن لقبل عدتهن فأخبر أن العدة الأطهار دون الحيض لأنها حينئذ تستقبل عدتها ولو طلقت حائضا لم تكن مستقبلة عدتها إلا بعد الحيض وروى أصحابنا عن زرارة قال سمعت ربيعة الرأي يقول أن من رأيي أن الأقراء التي سمى الله في القرآن إنما هي الطهر فيما بين الحيضين وليست بالحيض قال فدخلت على أبي جعفر فحدثته بما قال ربيعة فقال كذب لم يقل برأيه وإنما بلغه عن علي (عليه السلام) فقلت أصلحك الله أ كان علي يقول ذلك قال نعم كان يقول إنما القرء الطهر تقرأ فيه الدم فتجمعه فإذا جاء الحيض قذفته قلت أصلحك الله رجل طلق امرأته طاهرة من غير جماع بشهادة عدلين قال إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلت للأزواج قال قلت إن أهل العراق يروون عن علي (عليه السلام) أنه كان يقول هو أحق بردها ما لم تطهر(2) من الحيضة الثالثة فقال : كذبوا.
{ولا يحل لهن} أي للمطلقات اللاتي تجب عليهن العدة {أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} قيل أراد به الحيض عن إبراهيم وعكرمة وقيل : أراد به الحبل عن ابن عباس وقتادة وقيل أراد به الحيض والحبل عن ابن عمر والحسن وهو المروي عن الصادق (عليه السلام) قال قد فوض الله إلى النساء ثلاثة أشياء الحيض والطهر والحمل وهذا القول أعم فالأخذ به أولى وإنما لم يحل لهن الكتمان لئلا يظلمن الزوج بمنع المراجعة عن ابن عباس وقيل بنسبة الولد إلى غيره كفعل الجاهلية عن قتادة.
وقوله {إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر} يعني من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فهذه صفته وحليته وليس هذا بشرط حتى أنها إذا لم تكن مؤمنة يحل لها الكتمان ولكن المراد أن الإيمان يمنع من ارتكاب هذه المعصية كما يقول الرجل لصاحبه إن كنت مؤمنا فلا تظلم وهذا على وجه الوعيد {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} يعني أن أزواجهن أولى بمراجعتهن وهي ردهن إلى الحالة الأولى في ذلك الأجل الذي قدر لهن في مدة العدة فإنه ما دامت تلك المدة باقية كان للزوج حق المراجعة ويفوت بانقضائها وفي هذا ما يدل على أن الزوج ينفرد بالمراجعة ولا يحتاج في ذلك إلى رضاء المرأة ولا إلى عقد جديد وإشهاد وهذا يختص بالرجعيات وإن كان أول الآية عاما في جميع المطلقات الرجعية والبائنة.
{إن أرادوا إصلاحا} لا إضرارا وذلك أن الرجل كان إذا أراد الإضرار بامرأته طلقها(3) واحدة وتركها(4) حتى إذا قرب انقضاء عدتها راجعها وتركها مدة ثم طلقها أخرى وتركها مدة كما فعل في الأولى ثم راجعها وتركها مدة ثم طلقها أخرى فجعل الله الزوج أحق بالمراجعة على وجه الإصلاح لا على وجه الإضرار وإنما شرط الإصلاح في إباحة الرجعة لا في ثبوت أحكامها لإجماع الأمة على أن مع إرادة الإضرار يثبت أحكام الرجعة وقوله {ولهن} أي للنساء على أزواجهن {مثل الذي لهم عليهن} من الحق {بالمعروف} وهذا من الكلمات العجيبة الجامعة للفوائد الجمة وإنما أراد بذلك ما يرجع إلى حسن العشرة وترك المضارة والتسوية في القسم والنفقة والكسوة كما أن للزوج حقوقا عليها مثل الطاعة التي أوجبها الله عليها له وأن لا تدخل فراشه غيره وأن تحفظ ماءه فلا تحتال في إسقاطه.
وروي أن امرأة معاذ قالت يا رسول الله ما حق الزوجة على زوجها قال أن لا يضرب وجهها ولا يقبحها وأن يطعمها مما يأكل ويلبسها مما يلبس ولا يهجرها وروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم من تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا(5) غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقوله {وللرجال عليهن درجة} قيل معناه فضيلة منها الطاعة ومنها أن يملك التخلية ومنها زيادة الميراث على قسم المرأة والجهاد هذا قول مجاهد وقتادة وقيل معناه منزلة في الأخذ عليها بالفضل في المعاملة حتى يقول ما أحب أن أستوفي منها جميع حقي ليكون لي عليها الفضيلة عن ابن عباس وقيل معناه أن المرأة تنال اللذة من الرجل كما ينال الرجل منها وله الفضل بنفقته وقيامه عليها عن الزجاج.
وفي تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم قال حق الرجال على النساء أفضل من حق النساء على الرجال وفي كتاب من لا يحضره الفقيه روي عن الباقر (عليه السلام) قال (جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالت يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة فقال لها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تتصدق من بيتها بشيء إلا بإذنه ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه فإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها فقالت يا رسول الله من أعظم الناس حقا على المرأة قال زوجها قالت فما لي من الحق عليه مثل ما له من الحق علي قال لا ولا من كل مائة واحدة فقالت والذي بعثك بالحق لا يملك رقبتي رجل أبدا ) وقال (عليه السلام) : (لوكنت آمرا أحدا يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها).
{والله عزيز حكيم} أي قادر على ما يشاء يمنع ولا يمنع ويقهر ولا يقهر فاعل ما تدعو إليه الحكمة وقد قيل في الآية إن المطلقة قبل الدخول والمطلقة الحاملة نسختا من هذه الآية بقوله فما لكم عليهن من عدة تعتدونها وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وقيل إنهما مخصوصتان من الآية كما ذكرناه في أول الآية .
________________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص98-101.
2- في نسختين مخطوطتين كما في الوسائل : (مالم تغتسل ) بدل ( مالم تظهر).
3- أي : تطليقة واحدة فراجع (صحيح البخاري ج7ب43).
4- [مدة].
5- ضرب مبرح بكسر الراء أي : شاق.
الانتظار ، والقروء واحدها قرء بضم القاف وفتحها ، ويطلق تارة على حيض المرأة ، وأخرى على طهرها .
المعنى :
{والْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} . لفظ المطلقات عام يشمل بظاهره كل زوجة وقع عليها الطلاق ، آيسة كانت ، أو غير آيسة ، حرة أو مملوكة ، حاملا أو حائلا ، مدخولا بها أولا ، كبيرة أو صغيرة دون التسع . .
ولكن هذا الظاهر غير مراد بالاتفاق ، لأن بعض المطلقات لا عدة عليها بنص القرآن ، وهي التي لم يدخل بها الزوج ، قال تعالى : {إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها} – [الأحزاب 49] .
ومنها الآيسة ، فقد ذهب أكثر فقهاء الشيعة الإمامية إلى انه لا عدة عليها ، وإن كان قد دخل بها الزوج ، وكذلك الصغيرة دون التسع ، وأيضا من المطلقات من تعتد بقرءين كالأمة المملوكة ، وأيضا منهن من تعتد بثلاثة أشهر ، لا بثلاثة قروء ، وهي الشابة في سن من تحيض ولا تحيض ، كما ان الحامل تعتد بوضع الحمل ، قال تعالى : {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [الطلاق: 4].
وعلى هذا يكون المراد بالمطلقات في الآية من دخل بها الزوج بعد أن أكملت التسع ، ولم تكن حاملا ، ولا آيسة ، وكانت من ذوات الحيض . . وقد فسر الإمامية والمالكية والشافعية - فسروا القرء بالطهر ، والمراد بالطهر أيام النقاء بين الحيضتين ، فإذا طلقها في آخر لحظة من طهرها احتسب من العدة ، وأكملت بعده طهرين ، أما الحنفية والحنابلة فقد فسروا القرء بالحيض ، وعليه فلا بد من ثلاث حيضات بعد الطلاق .
{ولا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ} . وفهم هذه الجملة على حقيقتها يتوقف على التمهيد بما يلي :
قسّم فقهاء السنة الطلاق إلى قسمين : سنة وبدعة . . ونترك تفسير طلاق السنة ، وطلاق البدعة إلى فقهاء السنة أنفسهم ، فلقد جاء في كتاب المغني لابن قدامة ج 7 ص 98 الطبعة الثالثة ما نصه بالحرف : (معنى طلاق السنة الطلاق الذي وافق أمر اللَّه ، وأمر رسوله ، وهو الطلاق في طهر لم يصبها فيه) . وفي ص 99 من الكتاب المذكور : (ان طلاق البدعة هو أن يطلقها حائضا ، أوفي طهر أصابها فيه) . وقال الرازي في تفسير الآية 1 من سورة الطلاق :
(فالطلاق حال الطهر لازم ، وإلا لا يكون سنيا) .
وعلى هذا يكون طلاق الزوجة في حال الحيض ، أوفي طهر واقعها الزوج فيه طلاقا غير شرعي ، بل هو بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، أما طلاقها في طهر لم يواقعها فيه فهو على سنة اللَّه ورسوله ، وبهذا يتضح السر في قوله تعالى : {ولا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ} من الطهر والحيض ، لأن معرفة وقوع الطلاق على سنة اللَّه ورسوله ، أو على البدعة والضلالة تتوقف على معرفة حال المطلقة ، وانها هل هي طاهر أو حائض . . وبديهة ان السبيل إلى معرفة هذين الوصفين ، وهما الطهر والحيض منحصر بالمرأة ، ولا وسيلة للمعرفة بالوصفين إلا هي بالذات ، ولذا تصدق فيهما ما لم يعلم كذبها ، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : فوض اللَّه إلى النساء ثلاثة أشياء : الطهر والحيض والحمل ، وفي رواية ثانية والعدة .
والشيعة يتفقون مع السنة على أن الطلاق إذا وقع في الحيض ، أوفي طهر واقعها فيه يكون بدعة ، وإذا وقع في طهر لم يواقعها فيه يكون على سنة
الرسول ( صلى الله عليه واله ) . ولكن الشيعة قالوا : ان طلاق البدعة فاسد لا يقع من الأساس ، وان الطلاق الصحيح الذي تنقطع معه العصمة بين الزوجين هو طلاق السنة ، أي الواقع في طهر لم يصبها فيه . وقال فقهاء السنة : كلا ، إن طلاق البدعة صحيح ، وتترتب عليه جميع الآثار ، ولكن المطلق يأثم . . وبكلمة : ان السنة لا يفرقون بين طلاق السنة وطلاق البدعة من حيث الصحة ، وانما يفرقون بينهما من حيث الإثم والمعصية فقط ، أما الشيعة فقد فرقوا بينهما من حيث الصحة ، لا من حيث الإثم .
{إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ} . هذا تخويف وتهديد على كتمان ما في الرحم ، وليس شرطا لوجوب الصدق ، لأن معناه ان الإيمان يمنع من الكذب ، فهو تماما كمن يقول للكاذب : ان كنت تخاف اللَّه فلا تكذب .
وسبقت الإشارة إلى أن المطلقة أمينة في الطهر والحيض والحمل ، ومعنى هذا ان القول قولها في العدة بقاء وانقضاء ، وبديهة ان حق الزوج في الرجعة يتوقف على بقاء العدة ، كما ان صيانة الأنساب تتصل مباشرة بالطهر والحيض ، وكذلك صحة الطلاق وفساده عند فقهاء الإمامية ، فإذا كانت حائضا وقالت : انها طاهر حين الطلاق لم يقع الطلاق ، وتبقى على العصمة الزوجية ، وإذا قالت : انقضت عدتي بالأقراء ، وكانت بعد لم تنقض فقد فوتت حق الرجعة على الزوج ، وإذا تزوجت في هذه الحال تكون زانية . . ومن أجل هذا وغير هذا نهى اللَّه سبحانه النساء عن كتمان ما في أرحامهن ، وهددهن عليه .
{وبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً} . قوله : {في ذلك} إشارة إلى زمن التربص ، وهو أيام العدة ، ومحصل المعنى ان اللَّه سبحانه بعد أن بيّن وجوب العدة ذكر في هذه الآية حق المطلق في الرجعة على مطلقته ما دامت في العدة إذا كان الطلاق رجعيا ، وهذا الحق ثابت له ، سواء أرضيت أم لم ترض . . ولا تحتاج الرجعة إلى عقد ومهر ، كما انها لا تحتاج إلى شهود عند فقهاء الإمامية ، ويأتي بيان ذلك مع دليلهم في سورة الطلاق .
والمراد بقوله : { إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً} إصلاح حاله معها ، وعدم قصد الإضرار بها من الرجعة .
وتسأل : إذا أرجع الرجل مطلقته أثناء العدة بقصد الإضرار ، لا بقصد الإصلاح ، فهل تكون الرجعة صحيحة تترتب عليها آثار الزوجية ، أو تكون باطلة لا يترتب عليها شيء ؟ .
الجواب : تصح الرجعة ، ويأثم الرجل ، لأن قصد الإصلاح شرط للحكم التكليفي ، وهو إباحة الرجعة وحليّتها ، وليس شرطا للحكم الوضعي ، وصحة الرجعة ، وترتّب الآثار عليها .
{ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} . ليس المراد بالمماثلة هنا الاتحاد في الجنس ، بحيث يستحق هو عليها النفقة والمهر ، كما تستحق هي عليه ذلك ، وانما المراد بالمماثلة الوجوب واستحقاق المطالبة . . وقال الفقهاء : حقه عليها أن تطيعه في الفراش ، وحقها عليه أن يملأ بطنها ، ويكسو جلدها ، وقال صاحب تفسير المنار ، يرجع في تفسير وتحديد حق الزوج على الزوجة ، وحق الزوجة على الزوج إلى ما جرت عليه عادة الناس إلا ما كان منه محرما في الشريعة . .
فما يراه العرف حقا لأحد الزوجين فهو كذلك عند اللَّه .
والذي نستظهره من سياق الآية ان الحق الذي عليها هو العدة والصدق في الاخبار عنها ، وعدم الاعتراض على الرجعة المستوفية للشروط ، والحق الذي لها أن يقصد الرجل من إرجاعها الإصلاح ، لا الإضرار ، وحسن الصحبة ، لا سوء المعاملة . . أما سائر الحقوق الأخرى التي لكل من الزوجين على الآخر فالآية أجنبية عنها ، وتستفاد من أدلة مستقلة عن الآية .
{ولِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} . اختلف العلماء والمفسرون في المراد من هذه الدرجة التي امتاز بها الرجل عن المرأة . . فقيل : هي العقل والدين . وقيل :
هي الميراث . وقيل : هي السيادة ، أي ان عليها ان تسمع من الرجل وتطيع . .
ومن الطريف ان بعضهم فسر الدرجة باللحية ، كما جاء في أحكام القرآن للقاضي أبي بكر الأندلسي ، وغير بعيد أن يكون المراد بالدرجة جعل الطلاق والرجعة بيد الرجل ، دون المرأة .
بين الرجل والمرأة في الشريعة الاسلامية :
لقد سبق الإسلام الشرائع والقوانين كلها إلى تحريز المرأة ، واقرار حقوقها
بعد ان كان الرجل يعاملها معاملة السلع والحيوانات ، حتى في أوروبا وأميركا إلى عهد قريب . . وإذا ميز الإسلام الرجل عن المرأة بأشياء فان هذا التمييز تفرضه الفروق الطبيعية بينهما ، أو مصلحة الجماعة ، وليس من العقل والعدل المساواة في كل شيء بين من تهتم بالفساتين والموضة وتسريحات الشعر وما إليها ، وبين من يشعر بالمسؤولية عنها وعن أولادها ، ويتحمل المصائب والمشاق من أجلها وأجلهم . . ومهما يكن ، فان فقهاء الإسلام ذكروا فروقا بين الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية نشير إلى جملة منها فيما يلي :
1 - ان دية المرأة نصف دية الرجل .
2 - الطلاق والرجعة بيد الزوج دون الزوجة .
3 - ليس لها أن تمتنع عن فراشه ، ولا أن تسافر ، وتخرج من بيته إلا برضاه ، وله أن يفعل ما يشاء .
4 - لا تجب عليها صلاة الجمعة ، حتى ولو تحققت الشروط الموجبة بالنسبة إلى الرجل .
5 - لا يجوز لها أن تتولى الإمرة ، ولا القضاء إلا عند أبي حنيفة في حقوق الناس خاصة دون حقوق اللَّه .
6 - لا يجوز أن تكون إماما في الصلاة للرجال ، ويجوز أن يكون الرجل إماما للنساء .
7 - لا تقبل شهادتها إطلاقا في غير الأموال ، لا منفردة ولا منضمة إلى الرجال إلا في مسألة الولادة ، وتقبل في الأموال منضمة إلى الرجال ، على أن تكون شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد .
8 - للأنثى من الميراث سهم ، وللذكر سهمان .
9 - على المرأة أن تستر عن الرجال الأجانب شعرها وجميع بدنها ما عدا الوجه والكفين ، ولا يجب على الرجل أن يستر عن النساء سوى القبل والدبر .
10 - لا جهاد عليها ، ولا جزية ، ولا تقتل في الحرب ما لم تقاتل .
11 - لا تشارك الأم الأب في الولاية على وليدهما الصغير في الزواج ، ولا التصرف في أمواله ، ويستقل الأب في جميع ذلك .
12 - لا تصح معها المسابقة والرماية (2) .
13 - أفتى الفقهاء بأن من قتل إنسانا عن خطأ يحمل الدية عن القاتل من يتقرب إليه بالأب ، كالإخوة والأعمام وأولادهم ، ويسمون بالعاقلة ، ولا تدخل المرأة معهم .
14 - إذا قتلت امرأة رجلا قتلت به بلا شرط ، وإذا قتل رجل امرأة فلا يقتل بها الا بعد أن يدفع وليها نصف الدية لورثة القاتل .
_________________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص340-345.
2- المسابقة أن يتسابق اثنان على الخيل ، على أن يكون للسابق جعل معين ، والرماية أن يتباريا في الرمي على هدف على أن يأخذ الجعل من يصيب الهدف . وقد أجاز الإسلام ذلك .
الآيات في أحكام الطلاق والعدة وإرضاع المطلقة ولدها، وفي خلالها شيء من أحكام الصلاة.
قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} ، أصل الطلاق التخلية عن وثاق وتقييد ثم استعير لتخلية المرأة عن حبالة النكاح وقيد الزوجية ثم صار حقيقة في ذلك بكثرة الاستعمال.
والتربص هو الانتظار والحبس، وقد قيد بقوله تعالى: {بأنفسهن} ، ليدل على معنى التمكين من الرجال فيفيد معنى العدة أعني عدة الطلاق، وهو حبس المرأة نفسها عن الإزدواج تحذرا عن اختلاط المياه، ويزيد على معنى العدة الإشارة إلى حكمة التشريع، وهو التحفظ عن اختلاط المياه وفساد الأنساب، ولا يلزم اطراد الحكمة في جميع الموارد فإن القوانين والأحكام إنما تدور مدار المصالح والحكم الغالبة دون العامة، فقوله تعالى {يتربصن بأنفسهن} بمنزله قولنا: يعتددن احترازا من اختلاط المياه وفساد النسل بتمكين الرجال من أنفسهن، والجملة خبر أريد به الإنشاء تأكيدا.
والقروء جمع القرء، وهو لفظ يطلق على الطهر والحيض معا، فهو على ما قيل من الأضداد، غير أن الأصل في مادة قرء هو الجمع لكن لا كل جمع بل الجمع الذي يتلوه الصرف والتحويل ونحوه، وعلى هذا فالأظهر أن يكون معناه الطهر لكونه حالة جمع الدم ثم استعمل في الحيض لكونه حالة قذفه بعد الجمع، وبهذه العناية أطلق على الجمع بين الحروف للدلالة على معنى القراءة، وقد صرح أهل اللغة بكون معناه هو الجمع، ويشعر بأن الأصل في مادة قرء الجمع، قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } [القيامة: 16، 17] ، وقوله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106] ، حيث عبر تعالى في الآيتين بالقرآن، ولم يعبر بالكتاب أو الفرقان أو ما يشبههما، وبه سمي القرآن قرآنا.
قال الراغب في مفرداته: والقرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر ولما كان اسما جامع للأمرين: الطهر والحيض المتعقب له أطلق على كل واحد لأن كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد، كالمائدة للخوان والطعام، ثم قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به، وليس القرء اسما للطهر مجردا ولا للحيض مجردا، بدليل أن الطاهر التي لم تر أثر الدم لا يقال لها: ذات قرء، وكذا الحائض التي استمر بها الدم لا يقال لها: ذلك، انتهى.
قوله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر} ، المراد به تحريم كتمان المطلقة الدم أو الولد استعجالا في خروج العدة أو إضرارا بالزوج في رجوعه ونحو ذلك وفي تقييده بقوله: {إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر} مع عدم اشتراط أصل الحكم بالإيمان نوع ترغيب وحث لمطاوعة الحكم والتثبت عليه لما في هذا التقييد من الإشارة إلى أن هذا الحكم من لوازم الإيمان بالله واليوم الآخر الذي عليه بناء الشريعة الإسلامية فلا استغناء في الإسلام عن هذا الحكم، وهذا نظير قولنا: أحسن معاشرة الناس إن أردت خيرا، وقولنا للمريض: عليك بالحمية إن أردت الشفاء والبرء.
قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا}، البعولة جمع البعل وهو الذكر من الزوجين ما داما زوجين وقد استشعر منه معنى الاستعلاء والقوة والثبات في الشدائد لما أن الرجل كذلك بالنسبة إلى المرأة ثم جعل أصلا يشتق منه الألفاظ بهذا المعنى فقيل لراكب الدابة بعلها، وللأرض المستعلية بعل، وللصنم بعل، وللنخل إذا عظم بعل ونحو ذلك(2).
والضمير في بعولتهن للمطلقات إلا أن الحكم خاص بالرجعيات دون مطلق المطلقات الأعم منها ومن البائنات، والمشار إليه بذلك التربص الذي هو بمعنى العدة، والتقييد بقوله {إن أرادوا إصلاحا}، للدلالة على وجوب أن يكون الرجوع لغرض الإصلاح لا لغرض الإضرار المنهي عنه بعد بقوله: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا}، الآية.
ولفظ أحق اسم تفضيل حقه أن يتحقق معناه دائما مع مفضل عليه كأن يكون للزوج الأول حق في المطلقة ولسائر الخطاب حق، والزوج الأول أحق بها لسبق الزوجية، غير أن الرد المذكور لا يتحقق معناه إلا مع الزوج الأول.
ومن هنا يظهر: أن في الآية تقديرا لطيفا بحسب المعنى، والمعنى وبعولتهن أحق بهن من غيرهم، ويحصل ذلك بالرد والرجوع في أيام العدة، وهذه الأحقية إنما تتحقق في الرجعيات دون البائنات التي لا رجوع فيها، وهذه هي القرينة على أن الحكم مخصوص بالرجعيات، لا أن ضمير بعولتهن راجع إلى بعض المطلقات بنحو الاستخدام أو ما أشبه ذلك، والآية خاصة بحكم المدخول بهن من ذوات الحيض غير الحوامل، وأما غير المدخول بها والصغيرة واليائسة والحامل فلحكمها آيات أخر.
قوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة}، المعروف هو الذي يعرفه الناس بالذوق المكتسب من نوع الحياة الاجتماعية المتداولة بينهم، وقد كرر سبحانه المعروف في هذه الآيات فذكره في اثني عشر موضعا اهتماما بأن يجري هذا العمل أعني الطلاق وما يلحق به على سنن الفطرة والسلامة، فالمعروف تتضمن هداية العقل، وحكم الشرع، وفضيلة الخلق الحسن وسنن الأدب.
وحيث بنى الإسلام شريعته على أساس الفطرة والخلقة كان المعروف عنده هو الذي يعرفه الناس إذا سلكوا مسلك الفترة ولم يتعدوا طور الخلقة، ومن أحكام الاجتماع المبني على أساس الفطرة أن يتساوى في الحكم أفراده وأجزاؤه فيكون ما عليهم مثل ما لهم إلا أن ذلك التساوي إنما هو مع حفظ ما لكل من الأفراد من الوزن في الاجتماع والتأثير والكمال في شئون الحياة فيحفظ للحاكم حكومته، وللمحكوم محكوميته، وللعالم علمه، وللجاهل حاله، وللقوي من حيث العمل قوته، وللضعيف ضعفه ثم يبسط التساوي بينها بإعطاء كل ذي حق حقه، وعلى هذا جرى الإسلام في الأحكام المجعولة للمرأة وعلى المرأة فجعل لها مثل ما جعل عليها مع حفظ ما لها من الوزن في الحياة الاجتماعية في اجتماعها مع الرجل للتناكح والتناسل.
والإسلام يرى في ذلك أن للرجال عليهن درجة، والدرجة المنزلة.
ومن هنا يظهر: أن قوله تعالى: وللرجال عليهن درجة، قيد متمم للجملة السابقة، والمراد بالجميع معنى واحد وهو: أن النساء أو المطلقات قد سوى الله بينهن وبين الرجال مع حفظ ما للرجال من الدرجة عليهن فجعل لهن مثل ما عليهن، من الحكم، وسنعود إلى هذه المسألة بزيادة توضيح في بحث علمي مخصوص بها.
_____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج2 ، ص196-199.
2- قال ابن فارس : الباء والعين واللام اصول ثلاثة فالأول : الصاحب يقال للزوج البعل .... ومن ذلك البعال وهو ملاعبة الرجل أهله . والثاني : الحيرة والدهشة يقال بعل الرجل اذا دهش والثالث : البعل من الارض المرتفعة التي لا يصيبها المطر في السنة الا مرة واحدة . انتهى بتصرف وما ذكره قدس سره هو عن مفردات الراغب الاصفهاني .
حريم الزّواج أو العدّة :
كان الكلام في الآية السّابقة عن الطّلاق، وهنا تذكر الآية بعض أحكام الطّلاق وما يتعلّق به حيث ذكرت خمسة أحكام له في هذه الآية.
في البداية ذكرت الآية عدّة الطّلاق {والمطّلقات يتربّصن في أنفسهن ثلاثة قروء}.
(قروء) جمع (قُرء) تُطلق على الحيض وعلى النقاء منه، ويُمكن الإستفادة من كلا هذين المعنيين مفهوماً كليّاً يجمع بينهما، وهو الإنتقال من حالة إلى حالة اُخرى ويرى «الرّاغب» في المفردات أنّ «القرء» في الحقيقة هي كلمة يُراد منها الإنتقال من حالة الحيض إلى الطّهر، وبما أنّ كلا هذين العنوانين مأخوذان في معنى الكلمة، فتُستعمل أحياناً بمعنى الحيض واُخرى بمعنى الطّهر، ويُستفاد من بعض الرّوايات وكثير من كتب اللّغة أنّ القُرء تعني الجمع بين الحالتين، وبما أنّ حالة الطّهر يجتمع في المرأة مع وجود دم الحيض في رحمها فتطلق هذه المفردة على الطّهر(2) وعلى كلّ حال فقد ورد التّصريح في الروايات أنّ المقصود بالقروء الثلاثة في الآية أن تطهر المرأة ثلاث مرّات من دم الحيض(3).
وبما أنّ الطّلاق يُشترط فيه أن تكون المرأة في حالة الطّهر الّذي لم يجامعها زوجها فيه فيُحسب ذلك الطّهر مرّة واحدة، وبعد أن ترى المرأة دم الحيض مرّة وتطهر منه حينئذ تتم عدّتها بمجرّد أن ينتهي الطّهر الثالث وتشرع ولو للحظة في العادة، فيجوز لها حينئذ الزّواج، ومضافاً إلى الروايات في هذا المجال يُمكن استنباط هذه الحقيقة من نفس الآية مورد البحث لأنّ :
أوّلاً : (قُرء) تستبطن جمعان : قروء وأقراء، وما كان جمعه قروء فهو طُهر، وما كان جمعه أقراء فهو بمعنى الحيض(4).
ثانياً : القُرء في اللّغة بمعنى الجمع، كما تقدّم وهي أنسب لحالة الطّهر، لأنّ الدم يتجمّع في هذه الحالة في الرّحم بينما يخرج ويتفرّق عند العادة الشهريّة(5).
الحكم الثاني المستفاد من هذه الآية هو قوله تعالى {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كنّ يؤمنّ بالله واليوم الآخر}.
الإسلام قرّر أن تكون المرأة بنفسها هي المرجع في معرفة بداية العدّة ونهايتها حيث إنّ المرأة نفسها أعلم بذلك من الآخرين، وفي الرّواية عن الإمام الصّادق (عليه السلام)في تفسير الآية محلّ البحث قال : «قد فوّض الله إلى النساء ثلاثة أشياء : الحيض والطّهر والحمل»(6).
ويمكن أن يُستفاد من الآية هذا المعنى أيضاً، لأنّ الآية تقول {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهنّ} ويخبرن بخلاف الواقع، وهذا يعني أن كلامهنّ مقبول.
وجملة (ما خلق الله في أرحامهنّ) كما ذهب إليه جماعة من المفسّرين يمكن أن يراد بها معنيان : (الجنين) و(العادة الشهريّة) لأنّ كلا هذين المعنيين قد جعلهما الله في أرحام النساء أي يجب على المرأة أن لا تكتم حملها وتدّعي العادة الشهريّة بهدف تقليل مدّة العدّة (لأنّ عدّة الحامل وضع حملها) وهكذا يجب عليها أن لا تخفي وضع حيضها وتبيّن خلاف الواقع، ولا يبعد استفادة كلا هذين المعنيين من العبارة أعلاه.
الحكم الثالث المستفاد من الآية هو أنّ للزّوج حقّ الرّجوع إلى زوجته في عدّة الطّلاق الرّجعي، فتقول الآية : {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحاً}(7).
وبهذا يستطيع الزّوج استئناف علاقته الزوجية بدون تشريفات خاصّة إذا كانت المرأة في عدّة الطّلاق الرّجعي، فإذا قصد الرّجوع يتحصّل بمجرّد كلمة أو عمل يصدر منه بهذا القصد، وجملة : (إن أرادوا إصلاحاً) في الحقيقة هي لبيان أنّ هدف الرّجوع يجب أن يكون بنيّة الإصلاح لا كما كان عليه الحال في العصر الجاهلي من أنّ الزّوج يستخدم هذا الحق لغرض الإضرار بالزّوجة حيث يتركها في حالة معلّقة بين الزّواج والطّلاق.
فهذا الحقّ يكون للزّوج في حالة إذا كان نادماً واقعاً وأراد أن يستأنف علاقته الزّوجيّة بجديّة، ولم يكن هدفه الإضرار بالزّوجة.
ضمناً يُستفاد ممّا ورد في ذيل الآية من مسألة الرّجوع هو أنّ حكم العدّة و الإهتمام بحساب أيّامها يتعلّق بهذه الطائفة من النساء، وبعبارة اُخرى أنّ الآية تتحدّث بشكل عام عن الطّلاق الرّجعي ولهذا فلا مانع من أن تكون بعض أقسام الطّلاق بدون عدّة أصلاً.
ثمّ تبيّن الآية حكماً رابعاً وتقول : {ولهنّ مثل الّذي عليهنَّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجة}.
يقول الطبرسي في مجمع البيان أنّه يستفاد من هذه العبارة العجيبة والجامعة فوائد كثيرة جدّاً(8)، فهي قد جرّت البحث إلى مسائل أهم بكثير من الطّلاق والعدّة، وقرّرت مجموعة من الحقوق المتبادلة بين الرّجال والنساء فتقول : كما أنّ للرّجال حقوقاً على النساء، فكذلك للنساء حقوق على الرّجال أيضاً، فيجب عليهم مراعاتها، لأنّ الإسلام اهتمّ بالحقوق بصورة متعادلة ومتقابلة ولم يتحيّز إلى أحد الطّرفين.
وكلمة (بالمعروف) التي تأتي بمعنى الأعمال الحسنة المعقولة والمنطقيّة تكرّرت في هذه السلسلة من الآيات اثنا عشر مرّة (من الآية مورد البحث إلى الآية 241) كيما تحذّر النساء والرّجال من عاقبة سوء الاستفادة من حقوق الطّرف المقابل، وعليهم إحترام هذه الحقوق والاستفادة منها في تحكيم العلاقة الزوجيّة وتحصيل رضا الله تعالى.
جملة {وللرّجال عليهنّ درجة} تكمّل القاعدة السابقة في الحقوق المتقابلة بين الرّجل والمرأة، وفي الواقع أنّ مفهومها هو أنّ مسألة العدالة بين الرّجل والمرأة لا تكون بالضّرورة بمعنى التساوي في الحقوق وأن يكونا في عرض واحد، فهل يلزم أن يكون الجنسان متساويين تماماً في الواجبات والحقوق ؟
لو أخذنا بنظر الإعتبار الإختلافات الكبيرة بين الجنسين على صعيد القوى الجسميّة والروحيّة لاتّضح الجواب عن السؤال.
المرأة بطبيعة مسؤوليتها الحسّاسة في إنجاب الأبناء وتربيتهم تتمتّع بمقدار أوفر من العواطف والمشاعر والإحساسات، في حين أنّ الرجل وطبقاً لهذا القانون اُنيطت به مسؤولية الواجبات الإجتماعيّة التي تستلزم قوّة الفكر والابتعاد عن العواطف والأحاسيس الشخصيّة أكثر، ولو أردنا إقامة العدالة فيجب أن نضع الوظائف الإجتماعيّة التي تحتاج إلى تفكّر وتحمّل أكثر بعهدة الرّجال، والوظائف والمسؤوليّات التي تحتاج إلى عواطف وإحساسات أكثر بعهدة النّساء، ولهذا السبب كانت إدارة الاُسرة بعهدة الرّجل ومقام المعاونة بعهدة المرأة، وعلى أيّ حال فلا يكون هذا مانعاً من تصدّي المرأة للمسؤوليّات الإجتماعيّة المتوائمة مع قدراتها الجسميّة وملكاتها البيولوجيّة فتؤدّي تلك الوظائف والمسؤوليّات إلى جانب أداء وظيفة الاُمومة في الاُسرة.
وكذلك لا يكون هذا التفاوت مانعاً من تفوّق بعض النّساء من الجهات المعنويّة والعلميّة والتقوائيّة على كثير من الرّجال.
فما نرى من إصرار بعض المثقّفين على مقولة التساوي بين الجنسين في جميع الاُمور هو إصرار لا تؤيّده الحقائق على أرض الواقع حيث ينكرون في دعواهم هذه الثّوابت العلميّة في هذا المجال، فحتّى في المجتمعات التي تنادي بالمساواة بين الجنسين في مختلف المجالات نشاهد عملاً بوناً شاسعاً مع نداءاتهم، فمثلاً الإدارة السياسيّة والعسكريّة لجميع المجتمعات البشريّة هي في عهدة الرّجال (إلاّ في موارد استثنائيّة) حيث يُرى هذا المعنى أيضاً في المجتمعات الغربيّة التي ترفع شعار المساواة دائماً.
وعلى كلّ حال، فالحقوق التي يختّص بها الرّجال مثل حقّ الطّلاق أو الرّجوع في العدّة أو القضاء (إلاّ في موارد خاصّة اُعطي فيها حقّ الطّلاق للزّوجة أوحاكم الشرع) ترتكز على هذا الأساس ونتيجة مباشرة لهذه الحقائق العمليّة.
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ جملة : {للرّجال عليهنّ درجة} ناظرة إلى مسألة الرّجوع في عدّة الطّلاق فقط(9)، ولكن من الواضح إنّ هذا التفسير لا يتوائم وظاهر الآية، لأنّ الآية ذكرت قبل ذلك قانوناً كليّاً حول حقوق المرأة ووجوب رعاية العدالة بجملة {ولهنّ مثل الّذي عليهنَّ بالمعروف} ثمّ أوردت العبارة مورد البحث بشكل قانون كلّي آخر بعد ذلك.
وأخيراً تقول الآية : {والله عزيز حكيم} وهذا إشارة إلى ما يرد في هذا المجال من إشكالات وتساؤلات وأنّ الحكمة الإلهيّة والتدبير الرّباني يستوجبان أن يكون لكلّ شخص في المجتمع وظائف وحقوق معيّنة من قبل قانون الخلقة ويتناسب مع قدراته وقابليّاته الجسميّة والرّوحيّة، وبذلك فإنّ الحكمة الإلهيّة تستوجب أن تكون للمرأة في مقابل الوظائف والمسؤوليّات الملقاة على عاتقها حقوقاً مسلّمة كيما يكون هناك تعادل بين الوظيفة والحقّ.
_____________________
1-الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص5-9.
2- وسائل الشيعة ، ج22 ، ص187و202.
3 ـ تفسير نور الثقلين : ج 1 ص 230 و231. ووسائل الشيعة ، ج22 ، ص116.
4 ـ قاموس اللّغة مادة (قرء) .
5 ـ لسان العرب : مادة «قُرء».
6 ـ مجمع البيان : ج 1 ص 326 في ذيل الآية المبحوثة. وسائل الشيعة ، ج22 ، ص222 ،ح28440.
7 ـ «بعولة» جمع «بعل» بمعنى الزوج ويقول الراغب في مفرداته بأن البعض يرى اطلاقها على الزوج والزوجة. (تفسير الكبير : ج 6 ص 93) وقيل أن هذه المفردة تعطي معنى العلو والأفضلية.
8 ـ مجمع البيان : ج 1، ص 327.
9 ـ تفسير في ظلال القرآن : ج 1 ص 360.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|