أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2017
11224
التاريخ: 13-2-2017
8236
التاريخ: 7-2-2017
7487
التاريخ: 10-2-2017
3202
|
قال تعالى : { لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء : 148-149] .
{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ} قيل في معناه أقوال أحدها : لا يحب الله الشتم في الانتصار {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين ، عن الحسن ، والسدي ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام . ونظيره : {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} . قال الحسن : ولا يجوز للرجل إذا قيل له : يا زاني! أن يقابل له بمثل ذلك من أنواع الشتم . وثانيها : إن معناه لا يحب الله الجهر بالدعاء على أحد إلا أن يظلم إنسان فيدعو على من ظلمه ، فلا يكره ذلك ، عن ابن عباس ، وقريب منه قول قتادة . ويكره رفع الصوت بما يسوء الغير إلا المظلوم يدعو على من ظلمه . وثالثها : إن المراد لا يحب أن يذم أحدا أحد ، أو يشكوه ، أو يذكره بالسوء ، إلا أن يظلم ، فيجوز له أن يشكو من ظلمه ، ويظهر أمره ، ويذكره بسوء ما قد صنعه ، ليحذره الناس ، عن مجاهد .
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه الضيف ينزل بالرجل ، فلا يحسن ضيافته ، فلا جناح عليه في أن يذكره بسوء ما فعله {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا} لما يجهر به من سوء القول {عَلِيمًا} بصدق الصادق ، وكذب الكاذب ، فيجازي كلا بعمله . وفي هذه الآية دلالة على أن الرجل إذا هتك ستره ، وأظهر فسقه ، جاز إظهار ما فيه . وقد جاء في الحديث : " قولوا في الفاسق ما فيه ، يعرفه الناس ، ولا غيبة لفاسق " . وفيها ترغيب في مكارم الأخلاق ، ونهي عن كشف عيوب الخلق ، وإخبار بتنزيه ذاته تعالى ، عن إرادة القبائح ، فإن المحبة إذا تعلقت بالفعل ، فمعناها الإرادة .
ثم خاطب سبحانه جميع المكلفين فقال {إِنْ تُبْدُوا} أي تظهروا {خَيْرًا} أي : حسنا جميلا من القول ، لمن أحسن إليكم ، شكرا على إنعامه عليكم . {أَوْ تُخْفُوهُ} أي : تتركوا إظهاره . وقيل : معناه إن تفعلوا خيرا ، أو تعزموا عليه . وقيل : يريد بالخير المال ، أي : تظهروا صدقة ، أو تخفوها {أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ} معناه : أو تصفحوا عمن أساء إليكم ، مع القدرة على الانتقام منه ، فلا تجهروا له بالسوء من القول الذي أذنت لكم في أن تجهروا به . {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا} أي : صفوحا عن خلقه ، يصفح لهم عن معاصيهم {قَدِيرًا} أي : قادرا على الانتقام منهم .
وهذا حث منه سبحانه لخلقه على العفو عن المسيء ، مع القدرة على الانتقام والمكافأة ، فإنه تعالى مع كمال قدرته ، يعفو عنهم ذنوبا أكثر من ذنب من يسئ إليهم . وقد تضمنت الآية التي قبلها إباحة الانتصاف من الظالم ، بشرط أن يقف فيه على حد الظلم ، وموجب الشرع .
____________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 225-226 .
قال تعالى في تحريم الغيبة : { ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [الحجرات - 12 ].
ومما قاله في تحريم الظلم : { أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } [الأعراف - 44 ] . وقال في الآية التي نفسرها : { لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } .
وإذا عطفنا هذه على آية الغيبة يكون المعنى لا يذكر بعضكم بعضا بالعيوب والسيئات إلا من كان مظلوما فله أن يعلن ظلامته ، ويجهر بسيئات من ظلمه .
ومعنى الظلم معروف ، أما الغيبة المحرمة فقد حددها الفقهاء بأن تذكر غيرك بما يكره في حال غيابه عنك ، كهتك عرضه والتفكه به وإضحاك الناس منه ، سواء أكان ذلك بما هو فيه ، أم كان كذبا وافتراء . . واستثنوا من تحريم الغيبة الظالم لغيره ، والظالم لنفسه بتجاهره بالفسق وعدم مبالاته بما يقول ، ويقال له ، وفي مكاسب الشيخ الأنصاري ان موارد الاستثناء لا تنحصر في عدد ، لأن الغيبة إنما تحرم إذا لم يكن في التشهير مصلحة أقوى وإلا وجب الإعلان والتشهير تغليبا لأقوى المصلحتين ، « كما هي الحال في كل معصية من حقوق اللَّه وحقوق الإنسان ، وقد نبه على ذلك أكثر من واحد » .
وعلى هذا تجوز شرعا الإضرابات والمظاهرات ضد حكام الجور ، بل قد تجب إذا انحصر الطريق في رفع الظلم بها ، على شريطة ان لا تؤدي إلى الشغب والإضرار بالغير ، لأن اللَّه سبحانه لا يطاع من حيث يعصى ، فالإسلام يرعى للإنسان قداسته وكرامته ، حتى يعتدي على كرامة غيره ، وعندها ترتفع عنه وعن كرامته الصيانة والحصانة ، ويحل هتكه وإذلاله .
وتجدر الإشارة إلى ان الظلم لا يختص بحكام الجور وأعوانهم ، فأي إنسان اعتدى على غيره بفعل أو قول ، أو منعه حقه ، أو مطله به فهو ظالم ، قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) : ليّ الواجد ظلم . وفي حديث آخر : الواجد يحل عرضه .
والواجد هو الذي لا يفي بالدين مع قدرته على الوفاء . . وروى أهل البيت عن جدهم (صلى الله عليه وآله) : « من عامل الناس ، فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم - فهو ممن كملت مروءته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته » . حتى الكاذب والمخلف بوعده لا حرمة له . . وهكذا يحفظ الإسلام حقوق الفرد ما دام قائما بحقوق الإنسانية التي تتمثل فيه وفي غيره ، ومتى هانت عليه كان أهلا للاحتقار والهوان .
{ إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ } . هذا ترغيب في الخير سرا وعلانية . { أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهً كانَ عَفُوًّا قَدِيراً } . أجل ، يحسن العفو عن المسيء ، ولكن حين يكون العفو عنه خيرا له ، ولا ضرر فيه على المجتمع ، أما إذا كان وسيلة إلى تشجيع المسيء على الإساءة والى انتشار الفساد فان العقاب هو المتعين ، والا اختل النظام ، وساد الأشرار ، واستحالت الحياة ، قال تعالى : { ولَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الأَلْبابِ } . وقال : { وقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ } .
_________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص477-478 .
قوله تعالى : { لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } ، قال الراغب في مادة « جهر » يقال لظهور الشيء بإفراط لحاسة البصر أو حاسة السمع ، أما البصر فنحو رأيته جهارا ، قال الله تعالى : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً } { أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً } ـ إلى أن قال ـ وأما السمع فمنه قوله تعالى : { سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ }. والسوء من القول كل كلام يسوء من قيل فيه كالدعاء عليه ، وشتمه بما فيه من المساوئ والعيوب وبما ليس فيه ، فكل ذلك لا يحب الله الجهر به وإظهاره ، ومن المعلوم أنه تعالى منزه من الحب والبغض على حد ما يوجد فينا معشر الإنسان وما يجانسنا من الحيوان ، إلا أنه لما كان الأمر والنهي عندنا بحسب الطبع صادرين عن حب وبغض كني بهما عن الإرادة والكراهة وعن الأمر والنهي.
فقوله { لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ } كناية عن الكراهة التشريعية أعم من التحريم والإعانة.
وقوله { إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } استثناء منقطع أي لكن من ظلم لا بأس بأن يجهر بالسوء من القول فيمن ظلمه من حيث ظلم ، وهذه هي القرينة على أنه إنما يجوز له الجهر بالسوء من القول يبين فيه ما ظلمه ، ويظهر مساوئه التي فيه مما ظلمه به ، وأما التعدي إلى غيره مما ليس فيه ، أو ما لا يرتبط بظلمه فلا دليل على جواز الجهر به من الآية.
والمفسرون وإن اختلفوا في تفسير السوء من القول فمن قائل إنه الدعاء عليه ، ومن قائل إنه ذكر ظلمه وما تعدى به عليه وغير ذلك إلا أن الجميع مشمول لإطلاق الآية فلا موجب لتخصيص الكلام ببعضها.
وقوله { وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً } في مقام التأكيد للنهي المستفاد من قوله { لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ } ، أي لا ينبغي الجهر بالسوء من القول من غير المظلوم فإن الله سميع يسمع القول عليم يعلم به.
قوله تعالى : { إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً } الآية لا تخلو عن ارتباط بما قبلها فإنها تشمل إظهار الخير من القول شكرا لنعمة أنعمها منعم على الإنسان ، وتشمل العفو عن السوء والظلم فلا يجهر على الظالم بالسوء من القول.
فإبداء الخير إظهاره سواء كان فعلا كإظهار الإنفاق على مستحقه وكذا كل معروف لما فيه من إعلاء كلمة الدين وتشويق الناس إلى المعروف ، أو كان قولا كإظهار الشكر على المنعم وذكره بجميل القول لما فيه من حسن التقدير وتشويق أهل النعمة.
وإخفاء الخير منصرفه إخفاء فعل المعروف ليكون أبعد من الرئاء وأقرب إلى الخلوص كما قال : { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ } : ( البقرة : 271 ) .
والعفو عن السوء هو الستر عليه قولا بأن لا يذكر ظالمة بظلمه ، ولا يذهب بماء وجهه عند الناس ، ولا يجهر عليه بالسوء من القول ، وفعلا بأن لا يواجهه بما يقابل ما أساء به ، ولا ينتقم عنه فيما يجوز له ذلك كما قال تعالى : { فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ } : ( البقرة : 194 ) .
وقوله { فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً } سبب أقيم مقام المسبب والتقدير : إن تعفوا عن سوء فقد اتصفتم بصفة من صفات الله الكمالية ـ وهو العفو على قدرة ـ فإن الله ذو عفو على قدرته ، فالجزاء جزاء بالنسبة إلى بعض الشروط ، وأما إبداء الخير وإخفاؤه أي إيتاؤه على أي حال فهو أيضا من صفاته تعالى بما أنه الله تعالى ، ويمكن أن يلوح إليه الكلام .
_________________________
1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص106-107 .
في هذه الآية إشارتان إلى التكاليف الأخلاقية الإسلامية :
الأولى : تبيّن أنّ الله لا يحبّ التجاهر بالكلام البذيء ، ولا يرضى بما يصدر من كلام عن عيوب الناس وفضائح أعمالهم ، فتقول الآية : {لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ ...}.
إن عدم الرضى من نشر فضائح أعمال الناس ، نابع من حقيقة أنّ الله هو ستار العيوب ، فلا يجب أن يقوم عباده بكشف سيئات الآخرين من أمثالهم أو الإساءة إلى سمعتهم ، وممّا لا يخفى على أحد هو أنّ لكل إنسان نقاط ضعف خفية ، ولو انكشفت هذه العيوب لساد المجتمع جو من سوء الظن بين أفراده ، فيصعب عندئذ قيام التعاون بين هؤلاء الأفراد ، لذلك منع الإسلام وحرّم التحدث عن نقائص أو فضائح أعمال الآخرين دون وجود هدف سليم ، لتبقى الأواصر الاجتماعية قوية مستحكمة ، ورعاية للجوانب الإنسانية الأخرى في هذا المجال .
وتجدر الإشارة إلى أنّ كلمة «سوء» تشمل كل أنواع القبح والفضيحة ، والمقصود من عبارة «الجهر ... من القول» هو كل حالة من الكشف والفضح اللفظي ، سواء كان بصورة شكوى ، أو على شكل حكاية أو لعن أو ذم أو غيبة .
وقد استدل بهذه الآية ـ أيضا على تحريم الغيبة ، إلّا أن مفهومها لا ينحصر بهذه الصفة الأخيرة ، بل يشمل كل أنواع الكلام البذيء والمذموم .
إلّا أنّ الآية الكريمة لم تحرم القول بالسوء تحريما مطلقا ، فقد استثنت حالة يمكن فيها أن يصار إلى الكشف والفضح ، وهذه الحالة هي إذا وقع الإنسان مظلوما حين قالت الآية : {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} وبهذا الدليل يستطيع المظلوم ـ في مقام الدفاع عن نفسه ـ أن يكشف فضائح الظالم ، سواء عن طريق الشكوى أو فضح مساوئ الظالم أو توجيه النقد له ، أو استغابته ، ولا يسكت على الظلم حتى استعادة حقوقه من الظالم.
وحقيقة هذا الاستثناء هي أنّ الله أراد به أن يسلب من الظالمين فرصة إساءة استغلال حكم المنع والتحريم ، ولكي لا يكون هذا الحكم سببا في سكوت المظلوم عن المطالبة بحقه من الظالم .
واضح من الآية بأنّ عملية الكشف والفضح يجب أن تنحصر في إطار بيان مساوئ الظالم لدى الدفاع عن المظلومين أو لدى دفاع المظلوم عن نفسه .
ولكي تسد الآية الطريق على كل انتهازي كاذب يريد إساءة استغلال هذا الحكم بدعوى وقوع الظلم عليه أكّدت على أنّ الله يراقب أعمال البشر ويعلم ويسمع بكل ما يصدر عنهم من أفعال حيث تقول الآية : {وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً} .
وفي الآية التالية يشير القرآن الكريم إلى النقطة المواجهة لهذا الحكم ، حيث يبيح التحدث عن محاسن الأفراد أو كتمانها (على عكس المساوئ التي يجب أن تكتم إلّا في حالة استثنائية) كما تبيح ـ أو بالأحرى تحثّ ـ الفرد على إصدار العفو على من ارتكب السوء بحقّه ، لأنّ العفو عند المقدرة من صفات الله العزيز القدير الذي يعفو عن عباده مع امتلاكه القدرة على الانتقام بأي صورة شاء ، فتقول الآية في هذا المجال : {إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً} .
_________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 352-353 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|