المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

إيجاد قيمة الوحدة الفلكية
26-2-2022
في نفي الحال
1-07-2015
الوصف النباتي للبن
2023-02-04
Velocity Saturation
20-5-2017
مميزات استخدام الغاز الطبيعي
1-2-2023
اهمية البصمة الوراثية
26-4-2017


فتح مكة  
  
2699   03:03 مساءً   التاريخ: 7-2-2017
المؤلف : حسين الشاكري
الكتاب أو المصدر : من سيرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)
الجزء والصفحة : ج2، ص99-131
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / السيرة النبوية / سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-6-2019 1660
التاريخ: 7-2-2017 2509
التاريخ: 16-11-2018 2071
التاريخ: 20-5-2021 7448

لقد التزم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون بكل بنود الاتفاق التي اشتمل عليها كتاب الصلح بينه وبين قريش في الحديبية، ولكن قريشا قد استخفت بقوة المسلمين بعد معركة مؤتة، وجرها هذا الاستخفاف إلى ارتكاب حماقة أصبح بعدها عهد الموادعة ملغيا. فقد جاء في كتب السيرة والتاريخ: إن عهد الحديبية قد أعطى الحق لكل من أراد من العرب أن يدخل في عهد محمد أن يدخل في عهده، كما يحق لمن أراد أن يدخل في عهد قريش أن يدخل فيه، وكانت بين بني بكر وخزاعة أحقاد قديمة وحروب متواصلة، فلما تم صلح الحديبية دخلت خزاعة في عهد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كما كانت حليفة لجده عبد المطلب من قبل، ودخل بنو بكر في عهد قريش، ومضى الناس على ذلك، وهم يحسبون أنهم قد أصبحوا آمنين على دمائهم وأموالهم وانحاز كل من القبيلتين إلى فريق من المتصالحين. فلما كانت معركة مؤتة تخيل بنو الديل (أو الدؤل) من بني بكر بن عبد مناة أحلاف قريش أن الفرصة قد سنحت لهم ليقتصوا من خزاعة حليفة المسلمين لثاراتهم القديمة، وظنوا أن المسلمين بعد تلك النكسة التي أصيبوا بها لم يعد في مقدورهم أن يناصروا من دخل في عهدهم كخزاعة وغيرها، وحرضهم على ذلك عكرمة ابن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وحويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص وغيرهم من وجوه قريش، ودسوا إليهم الرجال والسلاح، وبيتوا خزاعة وهم على ماء لهم يدعى الوتير، فقتلوا منهم عشرين رجلا وذلك في شعبان من السنة الثامنة للهجرة، فالتجأت خزاعة إلى الحرم، ثم إلى دار بديل بن ورقاء في مكة وشكوا إليه نقض قريش وبني بكر عهدهم لرسول الله. ويدعي المؤلفون في السيرة: أن أبا سفيان كان كارها لهذا العدوان لأنه يشكل نقضا لعهد الصلح بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وكان مما لا بد منه أن تستنجد خزاعة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فذهب جماعة منهم إلى المدينة فلما دخلوا على الرسول أنشد عمرو بن سالم الخزاعي قوله:

لاهـــم إني ن،،،اشد محمدا *** خلق أبينـا وأبيه الأملـدا

 إن قريشا أخلفوك الموعدا *** ونقضوا ميثاقك المؤكدا

 هــــم بيتونا بالهجير هجدا *** نتلوا القرآن ركعا سجدا

ولما انتهى من أبياته جلس يقص على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما حدث عليهم من بني بكر وقريش ويستنصره على قريش وبني بكر، كما قص عليه أعضاء الوفد ما جرى عليهم من قريش وأحلافها. وجاء في رواية الواقدي: أنه قال عند ذلك: لا نصرت إن لم أنصر خزاعة في ما أنتصر منه لنفسي، وأيقن أن قريشا قد نقضت العهد من جانبها، ولم يعد العهد قائما لأنه لا يقوم إلا بطرفين، وقام من ساعته وندب المسلمين في المدينة وخارجها لأن يكونوا مستعدين عندما يدعوهم إلى الخروج معه، من غير أن يعرفوا وجهته التي يريدها. وتوالت الوفود عليه حتى اجتمع في المدينة خلال العشرة الأولى من شهر رمضان نحو عشرة آلاف مقاتل، وندمت قريش على ما صنعت مع خزاعة، وأدركت أن ذلك نقض للعهد من جانبها، فمشى الحرث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة ومعهما جماعة إلى أبي سفيان، فقالوا له: إن هذا الأمر لا بد له أن يصلح، وأنه إن لم يصلح لا يردعكم إلا محمد في أصحابه، وقال لهم أبو سفيان، إن هندا قد رأت رؤيا كرهتها وأفظعتها وخافت من شرها، لقد رأت كأن دما أقبل من الحجون يسيل حتى وقف بالخندق مليا، ثم كأن ذلك الدم لم يكن، فكره القوم هذه الرؤيا، وقالوا: هذا هو الشر. وتم الاتفاق بينهم على أن يشد أبو سفيان الرحال إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويكلمه في الأمر قبل أن تستنجد به خزاعة، لعله يجدد العهد فيما بينهم وبينه ويزيد في أمد الهدنة، ولم يكونوا قد علموا بوفد خزاعة إلى النبي، وخرج أبو سفيان من مكة ومعه مولى له على راحلتين وأسرعا في مسيرهما وهو يحسب أنه أول خارج من مكة بعد ذلك الحدث الذي أطاح بعهد الصلح بينهم وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال لأصحابه حينما جاءه وفد خزاعة: لكأنكم بأبي سفيان قد جاءكم يطلب تجديد العهد وزيادة أمد الهدنة، وقال لبني خزاعة بعد أن أخبروه بما جرى لهم: ارجعوا وتفرقوا في الأودية. فلما أتوا الأبواء تفرقوا كما أمرهم رسول الله، فذهب بعضهم باتجاه الساحل على غير الطريق العام، ولزم الطريق العام بين مكة والمدينة بديل بن أم أحرم ومعه نفر من قومه، فالتقوا بأبي سفيان وهو في طريقه إلى المدينة، فلما رآهم أيقن أنهم قد سبقوه إلى محمد، فقال لهم: منذ كم عهدكم بيثرب، قالوا لا عهد لنا بها، فأيقن أنهم كتموه. وظل الخوف يساور أبا سفيان أن يكون بديل قد سبقه إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء إلى مراقد إبلهم وفت من بعرها فوجد فيها النوى، كما وجد في مكانها أثرا لعجوة يثرب. فأيقن بعد ذلك أن القوم قد سبقوه، وأن مسعاه لا يجديه شيئا، لكنه تابع مسيره. ولما انتهى إلى المدينة، قصد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلب منه أن يجدد العهد ويزيد في أمده، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ألهذا جئت يا أبا سفيان؟ قال: نعم قال: فهل حدث عندكم ما يوجب ذلك؟ قال: معاذ الله فنحن على موقفنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل. وقام من مجلس النبي ودخل على ابنته (رملة) المكناة بأم حبيبة، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تزوج منها وهي في الحبشة بعد وفاة زوجها أو تنصره على اختلاف الروايات في ذلك، فلما أراد الجلوس على الفراش الذي يجلس عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طوته دونه، فقال لها: أرغبت بهذا الفراش عني، أم رغبت بي عنه؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنت امرؤ نجس مشرك، فقال لها: لقد أصابك بعدي شر يا أم حبيبة، فقالت له: إن الله هداني بالإسلام، وأنت سيد قريش وكبيرها، وأنت لا تزال تتنكر للإسلام، وتعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر ولا يغني شيئا، فقال لها: وهذا أعجب منك تريدين أن أترك دين آبائي وأتبع دين محمد.! ثم قام من بيتها وقد استولى عليه الغضب من هذا الموقف الذي لم يكن يتوقعه من أقرب الناس إليه. ولما يئس أبو سفيان - بعد محاولات عدة لا أريد شرحها - ركب ناقته متجها نحو مكة، وكانت قد طالت غيبته فظنت قريش بأنه قد دخل في الإسلام، ولما انتهى إلى مكة ودخل على زوجته هند وأخبرها بما جرى له في المدينة ركلته برجلها في صدره، وقالت: قبحت من رسول قوم. ولما أصبح ذهب إلى الكعبة وحلق رأسه عند صنميه اساف ونائلة، وذبح لهما ومسح بالدم على رأسيهما، ثم قال موجها كلامه لهما: إني لا أفارق عبادتكما حتى أموت على ما مات عليه آبائي. ولما اجتمع عليه الناس، أخبرهم بما جرى له في رحلته، وما عجز عنه فاعتبرته قريش فاشلا في رحلته، وساورها الخوف من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكنها انطوت على نفسها وظلت تراقب ما ستنجلي عنه الأيام القادمة.

 عزم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على غزو مكة ولكنه أخفى أمره إلا من خلص أصحابه، ومنع أحدا أن يخرج من المدينة مخافة أن يتسرب خبر استعداده لقريش، وكان يحب (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدخل مكة فاتحا بدون حرب ولا قتال، ودعا الله سبحانه أن يمنع قريش العيون والأخبار.

ومع هذا التحفظ والتكتم الشديد عن سائر الناس، فقد تسرب نبأ مسيره إلى حاطب بن بلتعة، وكان من المسلمين، فكتب إلى قريش سرا يخبرهم بالذي عزم عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وأعطى الكتاب إلى امرأة من مزينة وأعطاها مبلغا من المال في مقابل إيصال الكتاب إلى قريش فضمت الكتاب في شعر رأسها، وخرجت باتجاه مكة. فنزل الوحي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبره بما صنع حاطب، فأرسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا والزبير وأمرهما أن يجدا السير في طلب المرأة قبل أن تفوتهما، فخرجا مسرعين حتى أدركاها بذي الحليفة على أميال من المدينة، فاستنزلاها والتمسا الكتاب في رحلها فلم يجدا شيئا معها، ثم قالا لها: والله لتخرجن الكتاب أو لنكشفنك، ثم اخترط علي(عليه السلام) سيفه وأقبل عليها وقال لها: أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنك ثم لأضربن عنقك. فلما رأت الجد منه قالت: اعرض بوجهك عني، فلما أعرض عنها كشفت قناعها وأخرجت الكتاب من عقيصتها ودفعته إليه. فجاء به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجمع المسلمين حتى امتلأ بهم المسجد فوقف بينهم وقال: أيها الناس لقد كنت سألت الله أن يخفي أخبارنا عن قريش، وأن رجلا منكم كتب إليهم كتابا يخبرهم بخبرنا، فليقم صاحب الكتاب قبل أن يفضحه الوحي، فلم يقم أحد، ولما أعاد النبي مقالته قدم حاطب بن بلتعة وهو يرتعد كالسعفة في مهب الريح العاصف وقال: أنا صاحبه يا رسول الله، ومضى يعتذر إلى النبي ويقول: يا رسول الله والله إني لمسلم مؤمن بالله ورسوله ما غيرت وما بدلت، ولكني كنت امرؤ ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة وأصبح لي بين أظهرهم أهل وولد فصانعتهم.

فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإخراجه من المسجد، فجعل الناس يدفعونه في ظهره حتى أخرجوه وهو يلتفت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يتكلم فرق له وأرجعه إلى المسجد وأوصاه أن لا يعود لمثلها. ولما تم تجهيز الجيش، خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة في العشرة الأولى من شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة الشريفة في عشر آلاف مقاتل من المهاجرين والأنصار وغيرهم من القبائل، كأسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وأشجع، وسليم، وغيرهم، ومعهم نحو من ألف فرس، وعقد للمهاجرين ثلاثة ألوية: فأعطى عليا (عليه السلام) لواء وأعطى الزبير بن العوام لواء، ولسعد بن أبي وقاص لواء ثالثا. وكان العباس بن عبد المطلب، ومخرمة بن نوفل، قد خرجا من مكة يريدان المدينة وهما يظنان أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يزال فيها، فلقياه في السقيا، فمضى العباس ورفيقه مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأرسل العباس أهله وثقله إلى المدينة. ولما بلغ (صلى الله عليه وآله وسلم) الظهران قال العباس: يا سوء صباح قريش، والله لئن بغتها محمد في بلادها، ودخل مكة عنوة إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر، ثم ركب بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البيضاء وسار عليها ليرى أحدا متجها إلى مكة فيخبرهم بمكان رسول الله لعلهم يأتونه ويطلبون منه الأمان، وفيما هو يسير وإذا به يسمع صوت أبي سفيان، وكانت قريش قد أرسلته يتجسس لهم أخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، ولما سمع صوته العباس قال: يا أبا حنظلة، فعرفه أبو سفيان، وقال: لبيك يا أبا الفضل، فقال له: ويحك هذا رسول الله في عشرة آلاف مقاتل وهو مصبحكم، فقال: بأبي وأمي هل من حيلة؟ قال: نعم تركب معي عجز هذه البغلة لكي أذهب بك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه إن ظفر بك دون ذلك ليقتلنك، فقال: والله إني أرى ذلك. فأردفه خلفه واتجه نحو معسكر المسلمين، وكانوا قد أوقدوا النيران ليلا، وكلما مر به على جماعة من المسلمين قالوا: عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على بغلة رسول الله، وهو يسير نحو خيمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما انتهى إليها أدخله على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان، وهم بعض المسلمين بضرب عنقه. ولكن العباس قال: يا رسول الله إني قد أجرته، ثم لزمه وقال: والله لا يناجيه الليلة غيري، ثم التفت إلى عمه العباس، وقال: إذهب به فقد أجرناه، فليبت عندك حتى تغدو به علينا إذا أصبحت. قال العباس: فلما أصبح غدوت به على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فالتفت إليه، وقال: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا لا إله إلا الله؟ قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك، وأكرمك، قد كان يقع في نفسي أنه لو كان مع الله إله لأغنى عنا. ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ قال: بأبي وأمي ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك، أما هذه إن في النفس منها شيئا حتى الآن، فقال له العباس: ويحك تشهد وقل: لا إله إلا الله محمد رسول الله قبل أن تقتل - كما جاء في رواية الواقدي والطبري - فشهد على كره منه حينما أدرك أن الموت ينتظره لحظة بعد لحظة، وفي نفسه الخبيثة من نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أشياء وأشياء وظلت تلك الأشياء في نفسه إلى أن مات. وكانت تبدو منه بين الحين والآخر فلتات تدل على كفره، وعلى أنه من أخبث المشركين وأشدهم حقدا على الإسلام ونبي الإسلام، كما يبدو ذلك لكل من تتبع تأريخه الأسود منذ أن ادعى الإسلام كرها حتى النفس الأخير من حياته.

ولعل كلمته الدالة على كفره وشركه يوم أن استولى عثمان على الخلافة التي ألقاها في نفر من بني أمية: تلاقفوها يا بني أمية تلاقف الكرة بيد الصبيان فوالذي يحلف به أبو سفيان، لا جنة ولا نار، وإنما هو الملك، خير دليل على كفره. ثم التفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عمه العباس وقال له: انصرف به واحبسه عند حطيم حتى تمر به جنود الله فيراها. فقال العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان يحب الفخر فاجعل له شيئا يفخر به على قومه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كلماته الخالدة التي انبعثت من قلبه الكبير وكان أبو سفيان وزوجته هند من أشد الناس عداوة لله ورسوله، وأمر من ينادي بالناس: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل داره وأغلق عليه بابه فهو آمن. وبعد أن أعطاه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الميزة إرضاء لعاطفة الفخر والغرور في نفسه، أخذه العباس إلى المكان الذي عينه له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يمر ذلك الجيش العظيم الذي لم تعهد له مكة نظيرا من قبل. ثم مرت به القبائل والكتائب والرايات يتلو بعضها بعضا، ولقد طويت عن تفاصيلها روما للاختصار، فمن يرد التفاصيل فيراجع كتب السيرة. فلما أطلت كتيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسط سواد شديد وغبرة من سنابك الخيل وجعل الناس يمرون، وأبو سفيان يقول للعباس: أما مر محمد بعد؟ والعباس يقول له: لا، وفيما هم كذلك، وأبو سفيان يهزه الحقد والبغض وإذا بركب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أطل عليهما وكان على ناقته القصواء. فقال له العباس: هذا هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أبا سفيان في كتيبته الخضراء، فجعل أبو سفيان ينظر ويرتعد، وكان قد حشد في تلك الكتيبة وجوه الصحابة من المهاجرين، والأنصار، والألوية والرايات، وكلهم منغمسون في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق، وفي الكتيبة ألفا دارع، وراية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع سعد بن عبادة الأنصاري وهو أمام الكتيبة، فقال أبو سفيان للعباس: ما رأيت مثل هذه الكتيبة قط ولا أخبرنيه مخبر، سبحانه الله ما لأحد بهؤلاء طاقة ولا يدان، ولقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما يا أبا الفضل فقال له العباس: ويحك ليس بملك وإنما هي النبوة. ولما حاذاهما حامل اللواء سعد نادى: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة، اليوم أذل الله قريشا، ولما حاذاهما الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ناداه أبو سفيان: لقد أمرت بقتل قومك يا رسول الله، أن سعدا يقول: اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة، اليوم أذل الله قريشا، فأنت أبر وأرحم الناس وأوصلهم. ثم قال له (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض أصحابه من المهاجرين: يا رسول الله إنا لا نأمن سعدا، ونخشى أن تكون له في قريش صولة، فوقف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وناداه: يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز الله قريشا، وأرسل عليا إلى سعد بن عبادة ليأخذ اللواء منه ويدخل به مكة، وهو ينادي كما أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اليوم يوم المرحمة اليوم تصان الحرمة. وفي شرح النهج للواقدي: أن العباس قال لأبي سفيان: إذهب ويحك فأدرك قومك قبل أن يدخل عليهم رسول الله بجيشه، فخرج أبو سفيان مسرعا حتى دخل مكة من كداء وهو ينادي: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، حتى انتهى إلى زوجته هند فسمعته ينادي، فقالت له: قبحك الله من رسول قوم، وجعلت تقول: ويحكم اقتلوا وافدكم قبحه الله من وافد قوم، وأبو سفيان يقول: ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإني رأيت من الرجال، والكراع والسلاح، ما ليس لأحد به طاقة، وإن محمدا قدم في عشرة آلاف مقاتل ودارع، أسلموا تسلموا.

 وفي رواية المبرد في الكامل: أنها أمسكت برأسه وقالت لهم: اقتلوه. وخرج الكثير من أهل مكة إلى ذي طوى (1) ينظرون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى تلك الحشود التي التفت من حوله، وأصر جماعة على المقاومة بالرغم من تحذير أبي سفيان لهم، منهم: صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو بمن معهم من بني بكر، وهذيل، وأعدوا العدة للحرب، وأقسموا بما يعبدون أن لا يدخلها محمد عنوة أبدا. وكان من بين المتحمسين رجل من بني الدؤل، يدعى حماس بن قيس بن خالد فقد أسرع إلى بيته وجعل يصلح سيفه وسلاحه، فقالت له امرأته: لماذا تعد سلاحك؟ قال: لمحمد وأصحابه، وإني لأرجو أن أخدمك منهم خادما، فقالت له: ويحك لا تفعل، ولا تقاتل محمدا، وإني والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء، ومضى مسرعا مع صفوان وجماعته لم يلتفت لكلام زوجته واتجه مع أصحابه إلى الخندمة أحد المسالك المؤدية لمكة، وكان خالد بن الوليد قد أمره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدخل مكة بمن معه من المسلمين من ذلك المسلك، وقد نهاه أن يقاتل أحدا إلا إذا قاتلوه، فعارضه صفوان بمن معه من قريش وأحلافها، واشتد القتال بينهم، فقتل في أول جولة من قريش وأحلافها من المشركين ثمانية وعشرون رجلا، وانهزم صفوان ومن معه وكان من بين المنهزمين حماس بن قيس، وجاء مسرعا إلى بيته كالمدهوش من الخوف، فأغلق عليه بابه، فقالت له زوجته: أين الخادم الذي وعدتني به؟ قال لها: ويحك لقد جاء محمد بجيش لا طاقة لأحد عليه، وقد قال من دخل داره وأغلق عليه بابه فهو آمن، دعي هذا وأغلقي الباب، قالت: ألم أنهك عن قتال محمد؟ إنه ما قاتلكم مرة إلا وظهر عليكم. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد خطط لدخول مكة من جهاتها الأربع، ودخل علي (عليه السلام) باللواء من الجهة التي دخلها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما نص على ذلك جماعة من المؤرخين في سيرهم. ودخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة بتلك الحشود التي تنساب من خلفه إلى أكبر معقل من معاقل الشرك، والفيلق الدراع الذي يحف به ينتظر منه ولو إيماءة حتى لا يدع بمكة أحدا يمشي على أرضها، وتمثلت له في تلك اللحظات وهو على أبواب مكة فصول طوال مروعة ذاق فيها الأمرين خلال ثلاثة عشر عاما، خرج منها في نهايتها مطرودا يكمن في الكهوف نهارا ويسير ليلا خوفا من القتل والتعذيب. وبدلا من أن يدخلها عليهم بزهو الفاتح ونشوة المنتصر، دخلها بخضوع العبد الشاكر، قد طأطأ رأسه حتى ليكاد يلصق برحله تواضعا لله واعترافا بلطفه وجميل صنعه. ونزل بالأبطح، وضربت له خيمة فيه، ومعه من زوجاته أم سلمة وميمونة، وأصدر أمره بقتل جماعة من المشركين وأهدر دمهم، وهم ستة من الرجال وأربعة من النساء وقيل: أحد عشر رجلا، منهم عبد الله بن سرح، وعكرمة بن أبي جهل، ووحشي قاتل عمه حمزة، وكعب بن زهير بن أبي سلمى، وهبار بن الأسود، وعبد الله بن ربيعة. وأما النساء اللواتي أهدر دمهن: هند بنت عتبة، وسارة مولاة بني هاشم، وجاريتان لابن خطل كانتا تغنيان وتهجوان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). كل واحد من هؤلاء له قصة مفصلة من الخيانة والغدر، ولون من ألوان الإساءة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى الإسلام والقيم الأخلاقية، أو الاعتداء على الحرمات، فراجع التفاصيل في كتب السيرة. ولم يقتل من الرجال الذين أمر بقتلهم سوى أربعة، وعفا عن الباقين. ثم إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا براحلته، بعد أن اغتسل وصلى، فأدنيت إلى باب الخيمة التي ضربت له بالحجون، وخرج منها يريد الكعبة، ومحمد بن مسلمة آخذا بزمامها، فتقدم على راحلته حتى انتهى إلى البيت فاستلم الركن وكبر، فكبر المسلمون لتكبيره وعجوا بالتكبير حتى ارتجت مكة، وأشار إليهم أن اسكتوا، والمشركون فوق الجبال ينظرون، ثم طاف بالبيت على راحلته وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، مرصوصة بالرصاص، وكان هبل أعظمها وهو باتجاه الكعبة من ناحية بابها، واسافة ونائلة منصوبان أحدهما على الصفا والآخر على المروة حيث ينحرون ويذبحون الذبائح، فجعل كلما مر بصنم منها يشير بقضيب في يده ويقول: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] ، فيقع الصنم لوجهه. ثم أمر بهبل فكسر وهو واقف عليه، ثم جلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ناحية من نواحي المسجد وأرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة، يطلب منه مفتاح الكعبة، وكان المفتاح بيد أمه، فامتنعت عن تسليمه إياه، فقال: والله ليأتينك غيري فيأخذه منك، فدفعته إليه، فجاء به فتناوله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبسط العباس يده ليأخذه وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أجمع لنا بين السقاية والحجابة، فقال: إني أعطيكم ما ترضون فيه، ولا أعطيكم ما ترزؤون منه، وأمر أن تفتح الكعبة ففتحت له ودخلها، وكانت التماثيل والصور قد ملأت جدرانها من الداخل، فأمر من كان معه أن لا يدع صورة إلا محاها ولا تمثالا إلا كسره، وبعد تنظيف داخل الكعبة صلى فيها. ثم خرج منها وأخذ بعضادتي الباب وأشرف على الناس، وبيده مفتاح الكعبة وأهل مكة قيام تحته، وبعضهم جلوس على الأرض، فخطب وقال: الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ألا أن كل مأثرة أو دم أو ربا في الجاهلية فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة الكعبة، وسقاية (الحاج) الحج. ثم التفت إلى قريش، وقال يا معشر قريش، إن الله سبحانه قد أذهب نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس لآدم وآدم من تراب، ثم تلا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13] (2). ثم وجه حديثه إلى أهل مكة ثانية وسألهم: ماذا ترون أني فاعل بكم وما تظنون؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت وأصبح أمرنا بيدك. فقال: إني أقول لكم ما قاله أخي يوسف لإخوته: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92] إذهبوا فأنتم الطلقاء. واطمأن المكيون على مصيرهم بعد هذا الإعلام العام، وبعد أن أصبحوا في قبضته وحياتهم جميعا رهن إشارة أو كلمة واحدة يوجهها لتلك الألوف المدججة بالسلاح القادرة على إبادتهم جميعا في لحظات معدودات.

ولكنه بعث رحمة للعالمين، فعفا عنهم جميعا، وضرب بذلك للعالم كله وللأجيال في كل عصر وزمان أروع الأمثلة في الرحمة، والترفع عن الحقد والانتقام. ثم استدعى عثمان بن طلحة، وكان قبل هجرته إلى المدينة التقى به ورأى مفتاح الكعبة بيده، فقال له يوم ذلك: لعلك ترى هذا المفتاح بيدي يوما أضعه حيث شئت، فقال له عثمان: لقد هلكت قريش إذن وذلت، فأجابه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): بل عمرت وعزت، فلما استدعاه يوم الفتح ليسلمه مفتاح الكعبة قال له: ألست الذي قلت لك في مكة قبل الهجرة كذا وكذا؟ فقال: نعم يا رسول الله، ثم سلمه مفتاح الكعبة وقال: خذوها يا بني طلحة، خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، وانتقلت سدانة الكعبة من بعده إلى أخيه شيبة وتوارثها أولاده من بعده. وفيما كان مفتاح الكعبة بيده قال: ادعوا لي عمر بن الخطاب، فلما جاءه قال (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا الذي كنت وعدتكم به، وهو بذلك يشير إلى موقف عمر المخالف يوم الحديبية الذي سبق أن وعدهم بأنهم سيدخلون مكة فاتحين، وكان عمر قد قال: ما شككت منذ أن أسلمت إلا حين رجعنا من الحديبية ولم ندخل مكة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وعدنا بدخلوها ولم يتمكن من ذلك. ولما جاء وقت صلاة الظهر أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلالا أن يؤذن فوق الكعبة، فلما شرع في الآذان وبلغ إلى قوله أشهد أن محمدا رسول الله، رفع صوته، فقال جماعة من قريش، ليتنا متنا قبل هذا اليوم ولم نسمع بلالا ينهق فوق الكعبة، وتكلم آخرون بما ينم عن حقدهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه. وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من المسجد إلى الصفا والمروة، فجلس يدعو الله سبحانه ويبتهل إليه، ورآه الأنصار يدعو ربه ويشكره فخيل إليهم أنه قد يترك المدينة ويتخذ مكة وطنا له، فعرف ما دار بينهم، وبعد أن فرغ من دعائه التفت إليهم قال: معاذ الله، المحيا محياكم والممات مماتكم، فاطمأن الأنصار أن رسول الله لا يفضل عليهم أحدا. ورجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المسجد، والتف حوله أهل مكة يبايعونه على الإسلام رجالا ونساء عدا أفراد قلائل خرجوا من مكة خوفا من القتل، فبايع الرجال على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله ، وعلى السمع والطاعة لله ولرسوله، وأقبل رجال مكة أفواجا يتزاحمون على البيعة والدخول في الإسلام، وجاءه رجل ليبايع فأخذته الرعدة والخوف، فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعطف ورحمة وقال له: هون عليك فإني لست بملك، وإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة. ولما انتهت بيعة الرجال أقبل على بيعة النساء، وكانت الطريقة التي استعملها في بيعتهن أن وضع بين يديه أناء فيه ماء، فإذا أسلمن يدخل يده في الماء ثم يخرجها منه فيدخلن أيديهن فيه، وقيل إنه كان يضع على يده ثوبا وبعد الاقرار بالشهادتين يمسحن أيديهن على ذلك الثوب، ويشترط عليهن أن لا يشركن بالله شيئا، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه، ولا يعصينه بمعروف. وجاء في كتب السيرة: إنه بعد أن فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة وفي غداة اليوم الثاني عدت خزاعة حليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رجل من المشركين ينتسب إلى بني هذيب فقتلوه، وحين علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك قام في الناس خطيبا. وكان مما قال: أيها الناس إن الله سبحانه حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام إلى يوم القيامة، لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما، أو يقطع فيها شجرا، ولم تحلل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد يكون بعدي، ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها، ثم رجعت كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فمن قال لكم إن رسول الله قد قاتل فيها فقولوا: إن الله أحلها لرسوله ولم يحلها لكم، يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر أن نفع، لقد قتلتم قتيلا لأدينه من مالي، فمن قتل بعد مقالي هذا فأهله يخير النضرين، إن شاؤوا قدم قاتله وإن شاؤوا فديته. ثم أدى دية القتيل. وأكبرت قريش جميع مواقفه من مكة وأهلها التي تجلى فيها تعظيم مكة وتقديس الكعبة، وعطفه، وسماحته، وعفوه العام الذي شمل أشد الناس عداوة له، فمالت قلوبهم إليه، وأقبلوا على الإسلام بكل رغبة، ويقول بعضهم لبعض: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يترك في داره صنما إلا حطمه، واستسلم سادتها وأتباعهم، وعلت كلمة الله في جنباتها، وأنزل الله على رسوله قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) (3). وحدث ابن هشام في سيرته، إنه بينما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يطوف بالبيت بعد أن دخل مكة فاتحا، أقبل عليه فضالة بن عمير بن الملوح الليثي وهو يحدث نفسه بقتله، فلما أقبل عليه قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أفضالة؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: بماذا كنت تحدث نفسك قال: لا شيء، لقد كنت أذكر الله، فضحك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: استغفر الله، قال فضالة: ووضع يده على صدري فسكن قلبي. وأضاف ابن هشام: أن فضالة كان يقول بعد ذلك: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله أحد أحب إلي منه، ثم رجعت إلى أهلي فمررت على امرأة كنت أتحدث إليها، فقالت: هلم إلى الحديث فقلت: لا، ثم انبعث يقول:

 قالت هلم إلى الحديث فقلت لا *** يــأبى عليــك الله والإســــلام

 لو مــا رأيت محمـــدا وقبيلــه *** بالفتـــح يوم تكســـر الأصنام

لرأيت ديـــن الله أضحــــى بينا *** والشرك يغشى وجهه الأظلام

 وجاء في طبقات ابن سعد وغيرها من كتب السيرة: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أقام بمكة خمسة عشر يوما ينظم خلالها شؤون مكة، ويفقه أهلها في الدين. ثم استعمل عليها عتاب بن أسيد، وترك معاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه.

________

(1) جبل مطل على مكة.

(2) سورة الحجرات الآية 13.

(3) سورة النصر.

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).