المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6767 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



مؤمرة قريش لاغتيال النبي(صلى الله عليه وآله) وهجرته الى يثرب  
  
2456   04:57 مساءً   التاريخ: 6-2-2017
المؤلف : حسين الشاكري
الكتاب أو المصدر : من سيرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)
الجزء والصفحة : ج1، ص134-156
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / السيرة النبوية / سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-15 1138
التاريخ: 9-6-2021 3211
التاريخ: 22-6-2021 3747
التاريخ: 6-2-2017 2196

اجتمع طواغيت قريش ومشيختهم في دار الندوة، ليتخذوا القرار المناسب بشأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعد المداولات وطرح الآراء ارتأى أبو جهل بن هشام أن تختار قريش من كل قبيلة فتى من فتيانها الأشداء، ويعطى كل واحد منهم سيفا ماضيا، ويعمدوا إليه بأجمعهم فيضربونه ضربة رجل واحد، فإذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل كلها، ولم يعد باستطاعة أحد من بني هاشم أن يطلب بدمه، فيختارون ديته على القتل، فاستحسن الجميع هذا الرأي، واتفقوا على الفتية وعلى الليلة التي يتم فيها تنفيذ مؤامراتهم. وفي تلك الليلة أوحى الله تعالى إلى رسوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الأنفال: 30] (1).

وهنا تبدأ قصة من أروع ما عرفه تاريخ الفداء والتضحية، فالشجعان والأبطال يثبتون في المعارك في وجه أعدائهم ويدافعون بما لديهم من قوة وسلاح وعتاد مع أنصارهم وأعوانهم، ويأخذهم الحماس ولا يشعرون بذلك، وقد تضطرهم المعارك إلى أن يثبتوا في مقابل العدو منفردين، أما أن يخرج الإنسان إلى الموت طائعا مطمئنا بدون سلاح ولا عتاد وكأنه خرج ليعانق غادة حسناء فينام على فراش تحف به المخاطر والأهوال، أعزل من كل شيء إلا من إيمانه وثقته بربه وحرصه على سلامة قائده كما حدث لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، حينما عرض عليه ابن عمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر المبيت على فراشه ليتمكن هو من الفرار والتخلص من مؤامرة قريش، فهذا لم يحدث في تاريخ البطولات، ولم يعرف من أحد في تاريخ المغامرات والتضحيات في سبيل المبدأ والعقيدة.

هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يثرب ومبيت علي (عليه السلام) على فراشه:

لقد أخبر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن عمه علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي آخى بينه وبينه حينما آخى بين المهاجرين في مكة قبل هجرتهم إلى يثرب. وأخبره بما اتفقت عليه قريش من اغتياله ليلا وهو في فراشه، فأجابه على الفور: أو تسلم يا رسول الله إن فديتك بنفسي؟ لم يفكر علي (عليه السلام) في نفسه بل انصب كل تفكيره على سلامة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ولو عرض نفسه للهلاك والموت المؤكد، فأجابه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم بذلك وعدني ربي، فرحب علي (عليه السلام) بالأمر، وتقدم إلى فراش الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مطمئن النفس، اتشح ببرده الحضرمي الذي كان يتشح به. وأحاط القوم بالدار وهم من أشجع فتيان الأشداء، وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بينهم وانسل وهم لا يرونه وأخذ حفنة من التراب وجعل ينثرها على رؤوسهم وهم لا يشعرون، وهو يقرأ هذه الآية. { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 9] (2). هذا ما ذكره ابن هشام في سيرته، والطبري في تاريخه، وابن سعد في طبقاته . وكان بعضهم يقذف فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحجارة وهم لا يشكون أنه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) راقد في فراشه، وعلي (عليه السلام) يتضور من شدة الألم ولكنه كان ساكنا وثابتا لا يتحرك. ولما كان الثلث الأخير من الليل، وهو الموعد المقرر، هجموا على الدار، هجمة رجل واحد، فثار علي بن أبي طالب (عليه السلام) في وجوههم، فقالوا: علي هذا؟

قال: نعم، وقالوا: أين محمد؟ قال: لا أدري أين ذهب، أو تركتموني حارسا عليه. فلما هجموا عليه بسيوفهم، وفي مقدمتهم خالد بن الوليد، وثب علي (عليه السلام) فهمزه بيده، فجفل خالد وقفز أمامه قفزا فأخذ منه السيف وشد عليهم فأجفلوا أمامه إجفال الغنم، وخرجوا من الدار خائبين. وقال اليعقوبي في تاريخه (3): إن الله سبحانه وتعالى في تلك الليلة التي بات فيها علي (عليه السلام) على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أوحى إلى ملكين من ملائكته المقربين، وهما جبرئيل وميكائيل، إني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه على نفسه؟ (وفي رواية: فأيكما يفدي صاحبه؟ فاختار كل منهما الحياة).

فأوحى لهما: هلا كنتما كعلي بن أبي طالب، لقد آخيت بينه وبين محمد وجعلت عمر أحدهما أطول من الآخر، فاختار علي الموت، وآثر أخاه محمدا بالحياة ونام في مضجعه اهبطا فاحفظاه من عدوه، فهبطا يحرسانه في تلك الليلة وهو لا يعلم، وجبريل يقول: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، من مثلك يباهي به الله ملائكة سبع سماوات (4)؟ في موقف أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الذي لا مثيل له، قال تعالى مادحا له: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207] كما نص على ذلك الرازي في تفسيره، وتجد تفسير ذلك في كتابنا - علي في الكتاب والسنة - ج 1 ص 57، تفسير الآية 207 من سورة البقرة مفصلا فراجع. في حين إن أبا بكر عندما التجأ مع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الغار كان الرسول يطمئنه ويمنيه السلامة بواسطة الوحي، ومع ذلك فلقد كان يبكي ويرتعش من الخوف، وكاد أن يفقد وعيه، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول له: لا تحزن إن الله معنا. وجاء في تاريخ ابن جرير: إن أبا بكر لم يكن يعلم بخروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولما افتقده جاء إلى علي (عليه السلام) وسأله عنه، فأخبره أنه بطريقه إلى غار حراء في جبل ثور وقال له: إذا كانت لك إليه حاجة فألحق به، فخرج مسرعا فلحق به في الطريق قبل أن يدخل الغار.

إختفاؤه في الغار:

ولما دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر الغار، قضت حكمة الله ومشيئته، بأن تنسج العنكبوت على بابه، وأن تلتجئ إلى باب الغار حمامتان بريتان، وتعشعشان فيه. ومضت قريش جادة في طلبه (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعها أهل الخبرة بالقيافة وتتبع الأثر فمضى هؤلاء يتتبعون أثره إلى أن بلغوا الغار، فانقطع الأثر عنهم، فنظروا إلى الغار فرأوا العنكبوت قد غطت بابه بنسيجها، ونظروا إلى الحمامتين في جانب من جوانب بابه، فقال بعضهم لبعض: إن عليه العنكبوت قبل ميلاد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وفي الليلة الثانية جاء علي (عليه السلام) وهند بن أبي هالة فدخلا الغار، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هندا أن يبتاع له ولصاحبه أبي بكر بعيرين. وقد أقاما في الغار ثلاثة أيام، وخلا لها استأجرا دليلا ليقطع بهما المسافة إلى ثرب، على غير الطريق العام مخافة أن يدركهما طلب قريش، وكان الدليل عبد الله بن أريقط الليثي وهو لا يزال على شركه، ولكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وثق به وأمن من غدره. فلما حان موعد خروجهما من الغار أتاهما الدليل ببعيريهما، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بطعامهما في جراب، وأخذ بهم الدليل على طريق الساحل.. إلى آخر الحديث في السيرة.

في طريقه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يثرب:

ومر الركب في طريقه على خيمة أم معبد الخزاعية، وكانت تقري الضيف، فسألوها تمرا أو لحما يشترونه منها، فلم يجدوا عندهما شيئا، فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى. فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى شاة في جانب الخيمة وقال: ما هذا الشاة يا أم معبد؟ قالت: هي شاة خلفها الجهد عن الغنم. فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك. فقال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ فقالت: نعم فداك أبي وأمي إن رأيت بها حلبا. فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالشاة فمسح ضرعها بيده الشريفة وذكر اسم الله، ثم قال: بارك الله في شاتها، فدرت من ساعتها، فدعا بإناء كبير فحلب فيه فسقاها وسقى أصحابه حتى رويت، ورووا، وشرب هو آخرهم، ثم قال: ساقي القوم آخرهم شرابا. فأصبحت هذه قاعدة أخلاقية . ثم حلب في الإناء حتى امتلأ وتركه لها وارتحل، وما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا حبلا عجفا هزلا، فلما رأى اللبن تعجب وقال: من أين لكم هذا، والشاة عازبة ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك وقصت عليه القصة. فقال: والله إني لأظنه صاحب قريش الذي يطلب، صفيه لي. قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، مبتلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة ولم تزر بن صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صورته صحل، أصور أكحل أزج أقرن، شديد سواد الشعر، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثافة، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هذر، أجهر الناس وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة لا تشنؤه من طول ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابث ولا مفند، ولما انتهت من وصفه. قال لها أبو معبد: والله هذا صاحب قريش، ولو وافقته يا أم معبد لالتمست أن أصحبه، ولأفعلن إذا وجدت إلى ذلك سبيلا، وأخيرا هاجر أبو معبد وزوجته إلى يثرب وأسلما.

سراقة يعترض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

وجاء في طبقات ابن سعد: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بينما هو في طريقه إلى يثرب عرض له سراقة بن مالك بن خثعم وهو على فرس له فدعا عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرسخت قوائم فرسه في الأرض، فقال: يا محمد ادع الله أن يطلق فرسي وأرجع عنك، وأرد من ورائي، فدعا له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فانطلق الفرس، فرجع ووجد المشركين يلتمسون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لهم: ارجعوا فقد استبرأت لكم خبره فلم أجد له أثرا، فرجعوا وتابع ركب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طريقه يقطع السهول والجبال والأودية، ويتحمل حر الهاجرة، ورمال الصحراء الحارقة، وجهد السير الحثيث، خلال سبعة أيام من رحلتهم قطعوا بها القسم الأكبر من المسافة بين مكة والمدينة، وأصبحوا في أمان من خطر قريش، فلما انتهوا إلى قبيلة بني سهم، استقبله رئيسها وشيخها بريدة، يرحب بقدوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحيه، وقد سبقه الخبر بطريقه إلى يثرب. وكذلك لما وصل الركب إلى قبيلة غفار خرج إليه واستقبله جندب بن جنادة - أبو ذر الغفاري - مع زعماء من أسلم من غفار، يرحبون بمقدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما دنا منه الركب أسرع أبو ذر إلى ناقته، وأخذ بخطامها وهو يكاد يطير فرحا بلقائه، وأخبره أن غفار قد أسلم أكثرها، وتركوا الشرك وعبادة الأصنام.

وصول الركب إلى قبا واستأنف الركب طريقه:

 فلما قارب المدينة، ووصل منطقة قبا استقبله بنو عمرو بن عوف، فنزل في دار كلثوم بن الهدم. ثم كتب إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) برد الأمانات إلى أهلها والقدوم بالفواطم، وأرسله مع أبي واقد الليثي، وكان ذلك لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، سنة ثلاث وخمسين من ولادته (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومكث في قبا خمسة عشر يوما، يؤسس بناء المسجد المعروف إلى اليوم بمسجد قبا وهو أول مسجد أسس على التقوى، كما نزلت الآية الشريفة بشأنه: (لمسجد أسس على التقوى) إلى آخر الآية المباركة، وكذلك منتظرا قدوم علي بن أبي طالب (عليه السلام) والفواطم.

خروج علي من مكة بالفواطم ووصوله إلى قبا:

فلما وصل إلى علي (عليه السلام) كتاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قام من ساعته وأعلن رد الأمانات إلى أهلها وتهيأ للهجرة، وابتاع ركائب له ولمن معه من النسوة من الفواطم وغيرهن، وأمر من كان قد بقي في مكة من ضعفاء المؤمنين أن يتسللوا ليلا إلى ذي طوى، فرادى وجماعات وخرج علي (عليه السلام) بالركب وفيه الفواطم وهن: فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمه فاطمة بنت أسد الهاشمية، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، كما نص على ذلك بعض المؤرخين، وتبعتهم (بركة) خادمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم أيمن وابنها أيمن مولى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو واقد الليثي الذي جاء بالكتاب، وكان يسوق الرواحل، وهو يقول:

ليس إلا الله فارفع ضنكا *** يكفيك رب الناس ما أهمكا

فلما قارب ضجنان أدركه طلب قريش، وكانوا ثمانية فرسان ملثمين معهم مولى لصخر بن أمية (أبو سفيان) واسمه جناح فقال علي (عليه السلام) لأبي واقد وأيمن: انتحيا الإبل واعقلاها، وتقدم وانزل النسوة واستقبل القوم بسيفه، وهو راجل، فقالوا: أظننت يا غدار أنك ناج بالنسوة، ارجع لا أبا لك. قال علي (عليه السلام): فإن لم أرجع (أفعل). قالوا: لترجعن راغما، ودنو من المطايا ليثيروها فحال علي (عليه السلام) بينهم وبينها، فأهوى له جناح بالسيف فراغ عن ضربته، فضرب علي (عليه السلام) جناحا على عاتقه فقده نصفين، حتى دخل السيف إلى كتف فرسه، وشد على أصحابه وهو راجل وهم فرسان، شدة ضيغم وهو يقول:

خلوا سبيل الجاهد المجاهد *** آليت لا أعبد غير الواحد

فتفرقوا عنه، وقالوا: احبس نفسك عنا يا ابن أبي طالب. فقال لهم: إني منطلق إلى أخي وابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمن سره أن أفري لحمه وأريق دمه فليدنو مني. ثم أقبل علي (عليه السلام) على أبي واقد وأيمن، بعد أن ولوا مندحرين، وقال لهما: أطلقا مطاياكما، وسار بالركب ظافرا قاهرا، حتى نزل ضجنان، فلبث بها يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين، وباتوا ليلتهم يصلون ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، كما ذكرهم الله سبحانه في محكم كتابه المجيد، حتى طلع الفجر، فلما صلوا صلاة الفجر سار بهم حتى قدموا قبا - القريبة من يثرب - حيث كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في استقباله ومعه الفواطم، ومكث مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس.

دخول النبي الى يثرب:

وخرج (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه يوم الجمعة، فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف، فصلاها عندهم ومعه مائة من المسلمين، وبعد صلاة الجمعة، دعا براحلته فركبها، والتف حوله المسلمون وهم مدججون بالسلاح عن يمينه وشماله. ولما دخل الركب الميمون الطاهر المدينة المنورة، استقبله أهلها بالترحاب والأهازيج والأشعار منها:

طلع البدر علينا * من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا * ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا * جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة * مرحبا يا خير داع.

 وكلما مر الركب بحي من أحياء الأنصار، يستقبله زعماء الحي آخذين بزمام الناقة التي يركبها، ويطلبون منه النزول بينهم ويتوسلون ويلحون، ويقولون: إنزل على الرحب والسعة يا نبي الله، إلى القوة والمنعة والثروة، فيدعو لهم بالخير، ويقولن: دعوا الراحلة تسير فإنها مأمورة، فانطلقت وما زالت تسير به إلى أن انتهت إلى موضع المسجد الحالي، مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوقفت هناك وبركت، ووضعت جرانها على الأرض، وذلك بالقرب من باب دار خالد بن زيد بن كليب، المعروف بأبي أيوب الأنصاري، وهو أفقر رجل بيثرب (5) فبركت عنده، فاستقبله أبو أيوب فرحا مستبشرا وأدخل الرحل إلى منزله، ونزل (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال: المرء مع رحله. ويروى: أن أم خالد استقبلته وكانت عمياء فسلمت عليه وقالت: يا ليتني كنت أبصر لأرى طلعتك البهية، فمسح (صلى الله عليه وآله وسلم) على عينيها فأبصرت. وسأل عن المربد، وهو المحل الذي بركت فيه الناقة، بجوار دار أبي أيوب الأنصاري فأخبره معاذ بن عفراء بأنه لغلامين يتيمين من بني النجار يقال لهما: سهل وسهيل، وقال له معاذ: إني سأرضيهما من مالي، وكان فيه نخل وقبور من قبور المشركين في الجاهلية، فأمر بقطع النخيل، ونبش القبور وبنى فيه المسجد (6) وكان يصلي فيه قبل إكمال بنائه حيث أدركته الصلاة، وكان يعمل هو بنفسه والمهاجرون والأنصار في بنائه وكان بعضهم يرتجز ويقول:

لئن قعدنا والنبي يعمل *** لذاك منا العمل المضلل

وجاء في سيرة ابن هشام: أن عليا (عليه السلام) كان يرتجز ويقول:

لا يستوي من يعمر المساجدا *** يدأب فيها قائما وقاعدا

ومن يرى عن الغبار حائدا وأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند أبي أيوب الأنصاري سبعة أشهر، وفي رواية: من ربيع الأول إلى شهر صفر من السنة الثانية، حتى تم بناء المسجد ومنازله، فانتقل إليها مع زوجته زمعة بنت الأسود، وكانت أول امرأة تزوجها بعد خديجة (عليها السلام).

انتهت المرحلة الأولى من حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى وصوله يثرب سالما.

المؤاخاة:

حينما استقر بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) المقام بالمدينة المنورة كان أول عمل قام به هو أنه آخى بين المهاجرين والأنصار من أصحابه. فكان كلما يفد المهاجر من مكة إلى المدينة يجد الاستعداد الكامل لاستقباله والترحيب الحار به من قبل أهل المدينة، كما يجد الضيافة الكريمة والمأوى الكامل، حتى وصل الحال أن يشاطر أحد الأنصار أخاه المهاجر أمواله ومسكنه وحتى أثاث منزله، وربما يقوم بما يؤمن له العيال من زوجة وغيرها. ولقد سبق من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن آخى بين المهاجرين أنفسهم في مكة قبل هجرتهم إلى المدينة كما جاء في السيرة الحلبية، فقد آخى بين عمه حمزة وبين زيد بن الحارثة، وبين الزبير وابن مسعود، وبين أبي بكر وعمر، وبين عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، وهكذا، وقد ترك عليا لنفسه. فقال له: أما ترضى يا علي أن أكون أخاك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: فأنت أخي في الدنيا والآخرة. وروى البلاذري عن ابن عباس وغيره: لما نزل قوله سبحانه وتعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10]  آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الأشكال والأمثال.

________

(1) سورة الأنفال الآية: 30.

(2) سورة يس الآية: 9.

(3) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 29.

(4) أنظر المجلد الثاني من تاريخ اليعقوبي: ص 29، وأسد الغابة لابن الأثير: 6 / 25، والشبلنجي في نور الأبصار: ص 77، والمناوي في كنوز الحقايق: ص 31، والغزالي في إحياء علوم الدين كما جاء في فضائل الخمسة من الصحاح الستة: 2 / 210.

(5) بحار الأنوار: 19 / 121، ومناقب بن شهرآشوب: 1 / 185.

(6) وقد جعل (صلى الله عليه وآله وسلم) طوله سبعين ذراعا في ستين، وقيل مائة ذراع في مثلها وحدوده إلى الآن معينة بأسطوانات المسجد.

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).