أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-4-2022
2223
التاريخ: 22-11-2016
2717
التاريخ: 25-7-2016
4656
التاريخ: 25-7-2016
2477
|
وهو أحد الأساليب التربوية للعقيدة ، تربط الأفراد المنتسبين إليها برموزها، لكونهم التجسيد المثالي أو الكامل لتوجهاتها، وهم المنارة التي تبعث أنوارها، وعليه فهي تحث الأفراد على الاقتداء بهم بغية التأثر بأخلاقهم والتزود من علومهم.
قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:21] لأنّ سيرة الرسول (صلى الله عليه واله)هي التجسيد الواقعي الكامل للرسالة، ولما كان الرسول (صلى الله عليه واله)ـ كما وصفه القرآن الكريم ـ يمثل قمةً في مكارم الأخلاق: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:4] توجّب على المسلمين أن يدرسوا أخلاقه ويهتدوا بسنته ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
كان رسول اللّه (صلى الله عليه واله) يستمد خُلقه من اللّه تعالى ومن كتابه الكريم، قال تعالى :
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف:199]
وروي أنّه لمّا نزلت هذه الآية الجامعة لمكارم الأخلاق، سأل الرسول (صلى الله عليه واله)جبرئيل (سلام الله عليه)عن ذلك فقال: (لا أدري حتى أسأل العالم ثم أتاه فقال : يا محمد إنَّ اللّه يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك)(1).
لقد دعا الرسول (صلى الله عليه واله) إلى التحلّي بمكارم الأخلاق كالتواضع والجود والأمانة والحياء والوفاء... وما إلى ذلك، كما نهى عن مساوئ الأخلاق كالبخل والحرص والغدر والخيانة والغرور والكذب والحسد والغيبة. وهكذا جهد لتقويم كل خلق شائن، والشواهد كثيرة ..، قال الإمام علي (عليه السلام): (ولقد كان (صلى الله عليه واله) يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه)(2).
فالرسول (صلى الله عليه واله) وهو الرمز الأكبر للعقيدة الإسلامية، يحرص أشد الحرص على هداية الناس إلى سواء السبيل؛ لأنَّ عملية البناء الحضاري للإنسان تصبح عبثا لا طائل تحته من دون عملية التوجيه والهداية. وأهل البيت: هم نجوم الهداية الأبدية لهذه الاُمة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (..ألا إنّ مثل آل محمد (صلى الله عليه واله) كمثل نجوم السماء إذا خوى نجمٌ طلع نجمٌ..) (3).
والهداية ـ بلا شك ولا شبهة تستلزم النجاة ـ هي الغاية المنشودة للإنسان المسلم، ومن هنا يكمن المعنى العميق، والتشبيه البليغ، في حديث الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله): (إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له) (4).
وصفوة القول، إن لأهل البيت (عليهم السلام) : دورا كبيرا في بناء الإنسان المسلم، وانقاذه من شتى أنواع الانحدار والضلال وليصل به إلى شاطئ النجاة.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (اُنظروا أهل بيت نبيكم، فالزموا سمتهم، واتَّبعوا أثرهم، فلن يُخرجوكم من هدىً، ولن يعيدوكم في ردىً..) (5)، وقال (عليه السلام) أيضاً: (نحن النمرقة الوسطى بها يلحق التالي وإليها يرجع الغالي)(6) ولقد سار الاَئمة الاَطهار (عليهم السلام) على نهج النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) وسنته، فقاموا بدور حضاري مشهود في إشاعة وترسيخ الاَخلاق الفاضلة، والردع عن الاخلاق الذميمة، وكانوا يركزون على الجوهر بدلاً من المظهر، ويعتبرون تحلية الجوانح بالأخلاق الفاضلة أفضل وأولى من تحلية الجوارح بالملابس الفاخرة، فأصبح سلوكهم لنا أُسوة ومواقفهم قدوة، فعن الاِمام الصادق (عليه السلام): (خطب علي (عليه السلام) الناس وعليه إزار كرباس غليظ، مرقوع بصوف، فقيل له في ذلك، فقال: يخشع القلب، ويقتدي به المؤمن) (7).
والباحث يجد أن قضية الاخلاق قد احتلت مساحةً كبيرةً من آثار أهل البيت (عليهم السلام) كنهج البلاغة والصحيفة السجادية وغيرهما لما لهذه القضية الجوهرية من دور مهم في البناء التربوي للاِنسان المسلم، عن جرّاح المدائني أنّه قال: قال لي أبو عبدالله (عليه السلام): (ألا أُحدّثك بمكارم الاَخلاق؟ الصفح عن الناس، ومواساة الرّجل أخاه في ماله، وذكر الله كثيراً) (8).
وفي الوقت الذي يردع فيه آل البيت (عليهم السلام) كل انحراف أخلاقي، فإنّهم يسترون على الناس معائبهم، ولا يستغلون ذلك ذريعة للتشهير بهم والنيل منهم، فمن كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) للاَشتر لمّا ولاّه مصر: (وليكن أبعد رعيّتك منك، وأشنأهم عندك، أطلبهم لمعائب الناس، فإنّ في الناس عيوباً، الوالي أحقُّ من سَتَرها، فلا تكشفنَّ عمّا غاب عنك منها، فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك.. فاستر العورة ما استطعت..) (9). وكانوا يتبعون أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، فعن الحسين بن علي (عليهما السلام) أنه قال لرجل اغتاب رجلاً: (يا هذا كفّ عن الغيبة فإنّها أدام كلاب النّار) (10).
وقال رجل للاِمام علي بن الحسين (عليهما السلام): إنّ فلاناً ينسبك إلى أنّك ضالٌّ مبتدع، فقال له الاِمام (عليه السلام): (ما رعيت حقّ مجالسة الرجل، حيثُ نقلت إلينا حديثه، ولا أدّيت حقّي حيثُ أبلغتني من أخي ما لست أعلمه !.. واعلم أنّ من أكثر عيوب الناس شهد عليه الاِكثار، أنّه إنّما يطلبها بقدر ما فيه)(11).
وكان من دعائه (عليه السلام): (اللهمَّ إنّي أُعوذ بك من هيجان الحرص وسَورة الغضب وغلبة الحسد وضعف الصبر وقلّة القناعة وشكاسة الخُلق..)(12).
وهذا الموقف التربوي العجيب:
ليس الاقتداء وقفاً على ميدان الخلق الفردي والاجتماعي، بل له أُفق واسع سعة آفاق الحياة، فكم سيتعلّم الحكماء والساسة من دروس صانعي التاريخ ومهندسي الفكر ! لننظر في هذا الحدث ـ الذي قد يبدو صغيراً ـ في تاريخ أمير المؤمنين (عليه السلام)، متطلّعين إلى ما يعكسه من صورة القائد القدوة والامام الأسوة، وإلى ما يمكن ان نستلهم منه في جوانب حياتنا، فردية كانت، أو اجتماعية:
قام أعرابيٌّ يوم الجمل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أتقول أنّ الله واحد ؟
قال: فحمل الناس عليه وقالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب ؟!
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (دعوه فإنّ الذي يريده الاَعرابي هو الذي نريده من القوم !» ثم قال (عليه السلام): (يا أعرابي إنّ القول في أنّ الله واحد على أربعة أقسام؛ فوجهان منها لا يجوزان على الله عزَّ وجل، ووجهان منها يثبتان فيه. فامّا اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: واحد، يقصد به باب الاعداد، فهذا مالا يجوز، لاَنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الاَعداد، أما ترى أنّه كفر من قال: إنّه ثالث ثلاثة، وقول القائل: هو واحد من الناس يريد به النّوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز لاَنه تشبيه، وجلّ ربّنا وتعالى عن ذلك. وأمّا الوجهان الذي يثبتان فيه: فقول القائل: هو واحد ليس له في الاشياء شبه كذلك ربّنا. وقول القائل: إنّه عزّ وجل أحديّ المعنى يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم، كذلك ربّنا عزَّ وجلَّ) (13).
وكنظرة مقارنة، كم يكون البَّون شاسعاً بين ما فعله الاِمام علي (عليه السلام) مع الاَعرابي، مع ما فيه (عليه السلام) من تقسّم القلب، كما وصفه أصحابه، نتيجة للفتنة التي عصفت بالمسلمين في الجمل، وبين ما فعله عمر بن الخطاب مع الاَصبغ بن عسل حين سأله عن متشابه القرآن، مع أنّ عمر كان يعيش مطمئناً في المدينة، نقل ابن حجر، أنّه قدم المدينة على عهد عمر بن الخطاب رجل يدعى الاَصبغ بن عسل، سأله عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر وضربه بدرّته حتى أدمى رأسه، وأسقط عطاءه، ونهى عن مجالسته ـ ثم ـ قرر نفيه إلى البصرة، وكتب إلى عامله عليها، أبو موسى الاَشعري: (أما بعد فإنّ الاَصبغ تكلّف ما كُفي وضيّع ما وُلي، فإذا جاء كتابي فلا تبايعوه، وإن مرض فلا تعودوه، وإن مات فلا تشهده) (14).
أهل البيت (عليهم السلام) الاَسوة بعد النبي صلى الله عليه و آله وسلم أهل البيت (عليهم السلام) هم أحد الثقلين الذين أوصى الرسول صلى الله عليه و آله وسلم أبناء أُمته بالتمسك بهما، والسير على خطاهما: (إنّي قد تركت فيكم الثّقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله حبلٌ متينٌ ممدود من السماء إلى الاَرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) (15).
_____________
1ـ مجمع البيان ، للطبرسي 3 : 89 ـ منشورات مكتبة الحياة عام 1980 م.
2ـ نهج البلاغة ، صبحي الصالح : 228 / خطبة 1(ص)0.
3ـ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ( سلام الله عليه ): 84.
4ـ المراجعات ، للسيد عبدالحسين شرف الدين : 23 المراجعة الثامنة ، وفي هامش (3(ع)) اخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد.
5ـ المراجعات، للسيد عبدالحسين شرف الدين: 23 المراجعة الثامنة، وفي هامش (37) اخرجه الطبراني في الاَوسط عن أبي سعيد.
6ـ شرح النهج، لابن أبي الحديد 7: 76.
7ـ شرح النهج 18: 273.
8ـ مكارم الاخلاق، للطبرسي: 113.
9ـ معاني الاخبار، للصدوق: 191.
10ـ نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: 429 كتاب 53.
11ـ تحف العقول: 176 ـ مؤسسة الاعلمي ط 5.
12ـ الاحتجاج، للطبرسي 1 ـ 2: 315 ـ مؤسسة الاعلمي ط 1401 هـ. (5) الصحيفة السجادية الجامعة: 69 ـ مؤسسة الامام المهدي (عج) ـ قم ط1.
13ـ كتاب الخصال، للشيخ الصدوق: 2 | باب الواحد طبع جماعة المدرسين ـ قم. ومعاني الاخبار: 5| باب معنى الواحد.
14ـ الاِصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني 2: 198 ـ دار احياء التراث العربي ط1 عام 1328 هـ.
15ـ بحار الانوار 23: 106. كنز العمال 1: 172 (وللحديث طرق مختلفة عن الفريقين).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|