صلة الانبياء بعالم الغيب ما هو الا حصيلة تخيُّلاتهم ورجوعهم إلى بواطنهم وتعمّقهم في نفوسهم والتفكير في اصلاح اممهم |
802
10:58 صباحاً
التاريخ: 12-1-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-1-2017
803
التاريخ: 24-8-2019
3420
التاريخ: 24-8-2019
532
التاريخ: 22-8-2019
522
|
[جواب الشبهة] :
إنّ «الوحيَ» الذي هو أهَمُّ طريقٍ من طُرُق إتّصال الاَنبياء بعالمِ الغيب ليس ناشئاً عن الغريزة أو العقل بل هو علم خاص يفيضُ به اللهُ تعالى على الاَنبياء خاصّة، ليبَلّغُوا الرسالاتِ الاِلَهيّة إلى البشر.
إنّ القرآنَ يصفُ الوحيَ قائلاً: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: 193، 194].
إنّ هذه الآية تفيد أنّ معرفةَ الاَنبياء بالرّسالات الاِلَهيّة ليست نابعةً وناشئةً من استخدام أشياء كالحواسّ الظاهريّة وما شابه ذلك، بل ينزل به مَلَك الوحيِ على قلب النبي.
وعلى هذا الاَساس لا يمكن تحليل حقيقة الوحي المعقّدة وتفسيرها بالمقاييس العادية.
وفي الحقيقة إنّ نزول الوَحْي هو أحدُ مظاهر الغيب الّتي يجبُ الاِيمانُ بها وإنْ لم تتضَح لنا حقيقةُ هذه الظاهرة كما يقول: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3].
إنّ الّذين يريدونَ مقايسة كلّ شيء، وتفسيرها بالمقاييس الماديّة والاَدوات الحِسيّة، ويريدون صَبَّ الحقائق الغيبيّة في قوالب حِسّية يفسرون ظاهرة «الوحي» بصور مختلفة، جميعها باطلة في نظرنا، وفيما يأتي نقدُ هذه التفسيرات والتحليلات في عدة نقاط:
أ: ثمت فريق يعتبر الاَنبياء من نوابغ البشر، ويعتبرون الوحي حصيلة التفكير، ونتيجةً لفعاليات حواسّهم الباطنية.
إنّ حقيقة «الروح الاَمين» في تصور هذا الفريق هي روحُ هؤلاء النوابغ الزكية، ونفوسُهم الصافية النقية، وإنّ الكتب السماويّة كذلك ليست سوى أفكارهم السامية وتصوّراتهم الراقية.
إنّ هذا النوع من التفسير والتحليل لظاهرة الوحي ليس سوى الانبهار بالعِلم التجريبيّ الجديد الذي يعتمد الاَساليب الحسيّة ـ لا غير ـ وسيلةً لتفسير كلِّ حقائقِ الوجودِ.
إنّ المشكلة الهامّة في هذه النَظَريّة هي منافاتُها لما قاله الاَنبياء والرُسُلُ الاِلَهيّون.
فالاَنبياء والرُسُل يصرِّحون ويعلنُون باستمرار بأنّ ما أتوا به إلى البشر ليس إلاّ الوحي الاِلَهيّ.
وعلى هذا الاَساس يكون التفسيرُ السالفُ للوحي مستلزماً لتكذيب الاَنبياء، وهذا ممّا لا يليقُ بمقامِ الاَنبياء الرفيع ومنزلِتهم المرموقة، وصدقهم، وصلاحهم الذي أخبر بها التاريخُ الثابتُ.
وبعبارةٍ أُخرى: إنّ المصلِحِين على نوعين:
مصلحون يَنسبون برامجَهم إلى الله، ومصلحون آخرون يَنسبُون برامجهم إلى أنفسهم، ويَطْرحونها على المجتمع على أنّها وليدةُ عقولِهِم، وأفكارهم. وقد تكون كلتا الطائفتين مخلِصتين، تتسمان بالاِخلاص والخير. وعلى هذا لا يمكن عد هذين الصنفين من رِجالِ الاِصلاحِ صنفاً واحداً.
ب : ثمّت فريقٌ آخرٌ يعتبر الوحيَ ـ منطلقاً من نفسِ الدافعِ الذي ذُكر في النظرية المتقدّمة ـ نتيجةَ تجَلّي الحالات الرُّوحِيّة في النبي.
إنّ النبيَّ ـ حسب زَعْم هذا الفريق ـ بِسبَبِ إيمانه القويّ باللهِ، وفي ضوءِ عبادَتهِ الكثيرة للهِ يصل إلى درجة يجدُ في ذاتهِ طائفةً من الحقائق العالية ويتصوّر أنّ هذه الحقائق أُفيضت وأُلقيت إليه من عالم الغيب فيما لا يكون لِما توصل إليه من الحقائق المذكورة من منشأٍ سوى نفسه ذاته ليس إلاّ.
إنّ أصحاب هذه النظرية يقولون: نحن لانشُكُ مطلقاً في صدق الاَنبياء بل نعتقد بأنّهم شاهدُوا حقائق عالية، ولكنّ الكلامَ هو في منشأ هذه الحقائق العالية.
فالاَنبياء يتصوّرون أنّ منشأ هذه الحقائق هو عالم الغيب، الخارج عن هذا العالم المادي، أي أنّ هذه الحقائق قد أُلقيتْ إليهِم من ذلك العالَم، على حين يكون منشأ ذلك أنفسهم، لا غير.
إنّ هذه النظرية ليست كلاماً جديداً بل هي في الحقيقة طرحٌ مجدَّدٌ لاَحدى النظريّات التي كانت مطروحةً في العَهد الجاهليّ حول الوحي ولكن في لباسٍ جديدٍ.
وحاصلُ هذه النظرية هو أنّ الوحيَ ما هو الاّ حصيلة تخيُّلات الاَنبياءِ، ورجوعهم إلى بواطنهم وتعمّقهم في نفوسهم، وأنّهم بسبب كثرة ا لتفكّر في الله، وعبادته، والتفكّر في إصلاح أُممهم، وأقوامهم تمثّلت هذه الحقائق دفعة أمام عيونهم، فَظَنُّوا أنّها أُلقِيَت إليهم مِن عالَم الغيب.(1) وهذا هو ـ بشكلٍ من الاَشكال وبنحومّا ـ نفسُ تصوُّر الجاهليّين حول الوحي إذ قالوا: {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} [الأنبياء: 5].
إنّ القُرآنَ الكريم ردَّ على هذه النظرية بشدّةٍ وأكَّدَ على أنّ النبيَّ صَدقَ في ادّعائهِ رؤيةَ مَلَكِ الوَحي، فهو لم يخطأ لا في قلبهِ ولا في بصره إذ يقول: { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } [النجم: 11]
ويقول: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17].
وهذا يعني أنّ النبي رأى حقاً (مَلَك الوحي) بعين الرأس وبعين القلب، بعين الظاهِر وبعين الباطن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السيد محمد رشيد رضا، الوحي المحمّدي ص 66.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|