أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-2-2020
713
التاريخ: 4-2-2020
367
التاريخ: 20-11-2014
1492
التاريخ: 6-08-2015
786
|
قد ظهر أنّ مذهب الإمامية طبقاً للبراهين العقلية ، والآيات القرآنية ، والسُنة القطعية ، هو عموم علمه تعالى بالأشياء ، وأنّه لا يتصوّر الجهل والبداء في حقّه أصلاً ، كما دريته درايةً كاملة .
وأمّا ما ورد في روايات أهل العصمة والطهارة ، من إثبات البداء له تعالى فهو بمعنى الإبداء ، أي أبدى الله شيئاً كذا ، للناس بعدما أخفاه عليهم ، وهذا أمر معقول لا غبار عليه ، و...رواية البزنطي عن الرضا ( عليه السلام ) في الجهة الثانية القائلة بكفر مَن اعتقد تعلّق علمه بالشيء بعد كونه .
وممّا يدل على مرادنا أيضاً رواية أبي بصير وسماعة (1) : ( مَن زعم أنّ الله عزّ وجلّ يبدو له في شيء لم يعلمه أمس ، فابرؤوا منه ) ، ورواية ابن سنان عنه أيضاً (2) : ( إنّ الله يقدّم ما يشاء ، ويؤخّر ما يشاء ، ويمحو ما يشاء ، ويثبت ما يشاء ، وعنده أُمّ الكتاب ، وقال : فكلّ أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه ، ليس شيء يبدو له إلاّ وقد كان في علمه ، إنّ الله لا يبدو له من جهل ) .
وروى الصدوق في عقائده (3) عن الصادق ( عليه السلام ) : ( مَن زعم أنّ الله بدا له من شيء بداء ندامة ، فهو عندنا كافر بالله العظيم ) . وصحيحة عبد الله بن سنان (4) عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) : ( ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو له ) . ورواية عمرو (5) عنه ( عليه السلام ) : ( إنّ الله لم يبدُ له من جهل ) ، لكن الذين طبع الله على قلوبهم، ولا يخافون الله ، ولا يستحيون من الناس ، ينسبون إلى الإمامة القول البداء ، أي ظهور الشيء لله تعالى بعد خفائه عليه ، سبحانك هذا بهتان عظيم ، ولا يوجد من الإمامية قائل بذلك ، فضلاً عن أن يكون ذلك معتقد جميعهم .
ثمّ إنّنا نذكر جملةً من كلمات بعض علمائنا الأعلام ؛ توضيحاً للمراد / وتعميماً للانتفاع، وردّاً على هؤلاء المتقوّلين ، فنقول : قال شيخنا الأَجلّ المفيد ( 336 أو 338 ـ 413 ) في كتابه أوائل المقالات (6) :
أقول : في معنى البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله ، من الإفقار بعد الإغناء ، والإمراض بعد الإعفاء ، والإماتة بعد الإحياء ، وما يذهب أهل العدل خاصّة من الزيادة في الآجال والأرزاق ، والنقصان منها بالأعمال ، فأمّا إطلاق لفظ البداء فإنّما صرت إليه بالسمع الوارد عن الوسائط بين العباد وبين الله عزّ وجلّ ، ولو لم يرد به سمع أعلم صحّه ، ما استجزتُ إطلاقه (7) ، كما أنّه لو لم يرد على سمع ، بأنّ الله يغضب ويرضى ويحب ويعجب لَما أطلقت ذلك عليه سبحانه ، ولكنّه لمّا جاء السمع به صرت إليه على المعاني التي لا تأباها العقول ، وليس بيني وبين كافة المسلمين في هذا الباب خلاف ، وإنّما خالف مَن خالفهم في اللفظ دون ما سواه ... وهذا مذهب الإمامية بأسرها انتهى .
وله كلام طويل آخر في توضيح هذه المسألة ، في شرحه على عقائد الصدوق رحمه الله حيث قال : فالمعنى في قول الإمامية : بدا لله في كذا ، أي ظهر له فيه ، ومعنى ظهر فيه أي ظهر منه ، وليس المراد منه تعقّب الرأي ووضوح أمر كان قد خفي عنه ... إلخ .
ونظيره كلام الشيخ الصدوق ، والسيد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، وغيرهم من أعيان الطائفة وأعاظم الملّة قدّس الله أسرارهم (8) .
ولسيدنا الأُستاذ العظيم الفقيه الأُصولي العلاّمة الخوئي ـ دام ظله ـ كلمةً حول معنى البداء وتحليله في مدخل تفسيره ( البيان ) ينبغي نقل بعضها تتميماً للفائدة ، قال ـ دام ظله الوارف ـ (9) : ثمّ إنّ البداء الذي تقول به الشيعة الإمامية إنّما يقع في القضاء غير المحتوم ، أمّا المحتوم منه فلا يتخلّف ، ولابدّ من أن تتعلّق المشيئة بما تعلّق به القضاء ، توضيح ذلك : أنّ القضاء على ثلاثة أقسام :
الأَوّل : قضاء الله الذي لم يُطلع عليه أحداً من خلقه ، والعلم المخزون الذي استأثر به لنفسه ، ولا ريب أنّ البداء لا يقع في هذا القسم ، بل ورد في أخبار كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) أنّ البداء إنّما ينشأ من هذا العلم .
الثاني : قضاء الله الذي أخبر نبيّه وملائكته بأنّه سيقع حتماً ، ولا ريب في أنّ هذا القسم أيضاً لا يقع فيه البداء ، وإن افترق عن القسم الأَوّل بأنّ البداء لا ينشأ منه .
الثالث : قضاء الله الذي أخبر نبيّه وملائكته بوقوعه في الخارج ، إلاّ أنّه موقوف على أن لا تتعلّق مشيئة الله بخلافه ، وهذا القسم هو الذي يقع فيه البداء {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39].
وقد دلّت على ذلك روايات كثيرة ... إلى أن قال : والبداء إنّما يكون في القضاء الموقوف المعبّر عنه بلوح المحو والإثبات ، فلا يستلزم نسبة الجهل إلى الله تعالى .
فالقول بالبداء هو الاعتراف الصريح ، بأنّ العالم تحت سلطان الله وقدرته في حدوثه وبقائه ، وأنّ إرادة الله نافذة في الأشياء أزلاً وأبداً ، بل وفي القول بالبداء يتّضح الفارق بين العلم الإلهي وبين علم المخلوقين ، فعلم المخلوقين ـ وإن كانوا أنبياء أو أوصياء ـ لا يحيط بما أحاط به علمه تعالى ، فإنّ بعضاً منهم ـ وإن كان عالِماً بتعليم الله إيّاه ـ بجميع عوالم الممكنات ـ لا يحيط بما أحاط به علم الله المخزون الذي استأثر به لنفسه ، فلا يعلم إلاّ ما أخبره الله على نحو الحتم .
والقول بالبداء يوجب انقطاع العبد إلى الله ، وطلبه إجابة دعائه منه ، وكفاية مهمّاته وتوفيقه للطاعة ، وإبعاده عن المعصية ، فإنّ إنكار البداء والالتزام بأنّ ما جرى به قلم التقدير كائن لا محالة ـ كما يراه اليهود ومَن يحذو حذوهم ـ يلزمه يأس المعتقِد بهذه العقيدة عن إجابة دعائه ، فإنّ ما يطلبه العبد من ربّه إن كان قد جرى قلم التقدير بإنفاذه ، فهو كائن لا محالة ، ولا حاجة إلى الدعاء والتوسّل ، وإن كان قد جرى القلم بخلافه ، لم يقع أبداً ولم ينفعه الدعاء، فيترك التضرّع إلى خالقه .
وهذا هو سرّ ما ورد في روايات كثيرة (10) عن أهل البيت ( عليهم السلام ) ، من الاهتمام بشأن البداء ، كقول الصادق ( عليه السلام ) في رواية هشام بن سالم : ( ما عُظّم الله عزّ وجلّ بمثل البداء ) ، وقوله ( عليه السلام ) في رواية محمد بن مسلم : ( ما بعث الله عزّ وجلّ نبياً حتى يأخذ عليه ثلاث خصال : الإقرار بالعبودية ، وخلع الأنداد، وأنّ الله يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ) .
والسرّ في هذا الاهتمام ، أنّ إنكار البداء يشترك بالنتيجة مع القول ، بأنّ الله غير قادر على أن يغيّر ما جرى عليه قلم التقدير ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ، فإنّ كلا القولين يؤيّس العبد من إجابة دعائه ، وذلك يوجب عدم توجّهه في طلباته إلى ربّه ، مع أنّ القرآن يحثّ العبد بالتوجّه إلى ربّه .
أقول : ولنِعم ما قال الصادق ( عليه السلام ) في رواية مالك الجهني (11) : ( لو عَلم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ، ما فتروا عن الكلام فيه ) . وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، الذي كل يوم هو في شأن .
______________________
(1) بحار الأنوار 4 / 111.
(2) بحار الأنوار 4 / 121.
(3) العقائد للصدوق / 73.
(4) الكافي 1 / 148.
(5) الكافي 1 / 148.
(6) أوائل المقالات / 53.
(7) أقول : ففي صحيح البخاري 4 / 146 بإسناده عن أبي عمرة ، أنّ أبا هريرة سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( إنّ ثلاثة في بني إسرائيل : أبرص وأعمى وأقرع بدا لله عزّ وجلّ أن يبتليهم ، فبعث إليهم مَلَكاً ، فأتى الأبرص ... ) إلخ .
(8) لاحظ الجزء الرابع من البحار وتعاليقه .
(9) البيان / 271.
(10) ذكرها المجلسي في الجزء الرابع من البحار .
(11) أُصول الكافي 1 / 148.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|