المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6767 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

القصور التشريعي ونمط تعاطى القضاء العربي مع جرائم المعلوماتية أوجه القصور التشريعي في مصر وغيرها من الدول العربية
2024-02-25
في حجّية المرسل.
15-8-2016
ما معنى الهم ؟
29-09-2015
السيد رضا شبر
16-8-2017
الخلأ والملأ
1-07-2015
صداقة الاطفال
27-6-2016


الهجرة الى يثرب  
  
2306   02:37 مساءاً   التاريخ: 5-12-2016
المؤلف : محمد الشيرازي
الكتاب أو المصدر : لأول مرة في العالم
الجزء والصفحة : الفصل الرابع
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / السيرة النبوية / سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام /

قرار الهجرة:

أمر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها واللحوق بإخوانهم من الأنصار وقال (صلى الله عليه وآله): إن اللّه قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها.

فخرجوا ارسالاً، وأقام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة.

فكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من قريش من بني مخزوم أبو سلمة بن عبد الأسد وأسمه عبد اللّه، هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة، وكان قد قدم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من أرض الحبشة، فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار خرج إلى المدينة مهاجراً، وحبست عنه أمرأته أم سلمة.

ثم كان أول من قدمها بعد أبي سلمة: عامر بن ربيعة ومعه أمرأته ليلى بنت أبي خيثمة.

ثم عبد اللّه بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، احتمل بأهله وبأخيه، وكانت أُمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، فغلقت دار بني جحش هجرة، فمر بها عتبة بن ربيعة والعباس بن عبد المطلب، وأبو جهل ابن هشام وهم مصعدون إلى مكة، فنظر إليها عتبة بن ربيعة تخفق أبوابها ليس فيها ساكن، فلما رآها كذلك تنفس الصعداء ثم قال:

وكل دار وإن طـــالت سلامتها *** يوماً ستدركها النكباء والحوب

كل امرئ بلقاء الموت مرتهن ***  كـــأنه غرض للموت منصوب

وكان بنو غنم بن دودان أهل اسلام، وقد أوعبوا إلى المدينة مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) رجالهم ونساؤهم.

فمن رجالهم: عبد اللّه بن جحش، وأخوه، وعكاشة بن محصن، وشجاع، وعتبة بن وهب، وأربد بن جبيرة، ومنقذ بن نباتة، وسعيد بن قيس، ومحرز بن نضلة، ويزيد بن رقيش، وقيس بن جابر، وعمرو بن محصن، ومالك بن عمرو، وصفوان بن عمرو، وغيرهم.

ومن نسائهم: زينب بنت جحش، واُم حبيبة بنت جحش، وحمنة بنت جحش وجذامة بنت جندل، واُم قيس بنت محصن، واُم حبيب بنت ثمامة، وآمنة بنت ثمامة،

وقال بن جحش في ذلك شعراً:

لنحــن الاُلى كنـــــا بها ثم لم نزل *** بمكـــة حتى عــــاد غثاً سمينها

بها خيـمت غنم بن دودان وابتنت *** وما أن غدت عنم وخف قطينها

إلى اللّه تغــدو بيـن مثنــى وواحد *** ودين رســـــول اللّه بالحق دينها

ثم تتابع المهاجرون فنزل حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وأبو مرثد كناز بن حصين وابنه مرثد الغنويان حليفا حمزة بن عبد المطلب على كلثوم بن هدم بقباء، وقيل: بل نزلوا على سعد بن خيثمة وقيل: بل نزل حمزة على أسعد بن زرارة أخي بني النجار، ونزل عبيدة بن الحارث بن المطلب وأخواه الطفيل والحصين ابنا الحارث على عبداللّه بن مسلمة ونزل مصعب بن عمير على سعد بن معاذ وهكذا.

القرار الأخير:

فلما رأت قريش أن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين اليهم وقد ساقوا الذراري والاطفال والأموال إلى الأوس والخزرج فعرفوا أن الدار دار منعة، وأن القوم أهل حلقة وبأس وشوكة، فخافوا خروج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إليهم ولحوقه بهم، فاجتمعوا في دار الندوة، ولم يتخلف أحد من ذوي الرأي والحجى منهم ليتشاوروا في أمره.

فاعترضهم إبليس في صورة شيخ كبير طاعن في السن عليه بت له، فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفاً على بابها قالوا: من الشيخ؟

قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى أن لا يعدمكم منه رأياً ونصحاً.

قالوا: أجل فادخل.

فدخل معهم، وقد اجتمع فيها أشراف قريش، فقال بعضهم لبعض: ان هذا الرجل(1) قد كان من أمره ما قد رأيتم، وإنّا واللّه لا نأمنه على الوثوب علينا بمن اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأياً. فتشاوروا.

ثم قال قائل منهم: احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه باباً ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين قبله: زهير والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت، حتى يصيبه ما أصابهم.

فقال الشيخ النجدي: لا واللّه ما هذا لكم برأي، واللّه لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتموه دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم ثم يكاثرونكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأي، فانظروا في غيره.

فتشاوروا في أمره ثم قال قائل منهم: نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا، فإذا خرج عنا فواللّه ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت.

قال الشيخ النجدي: لا واللّه ما هذا لكم برأي، ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به؟ واللّه لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل على حي من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسير بهم اليكم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد، أديروا فيه رأياً غير هذا.

فقال أبو جهل: واللّه إن لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد.

قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟

قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شاباً جليداً نسيباً وسيطاً فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفاً صارماً، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه، فنستريح منه. فانهم اذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعاً فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم.

قال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل، هذا الرأي لا رأي غيره، فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له.

جبرئيل وإفشاء المؤامرة:

فأتى جبرئيل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فتلا هذه الآية: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30] (2) ثم قال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه وأمره بالهجرة وان يبيت علياً (عليه السلام) مكانه.

فدعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) لوقته وقال له: يا علي ان جبرائيل هبط عليّ بهذه الآية آنفاً، يخبرني إن قريشاً اجتمعت على المكر بي وقتلي، وانه أوحى إليّ عن ربي عز وجل ان أهجر دار قومي وان انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي، وانه أمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي تفديني بنفسك، وتخفي عليهم أمري، فما أنت قائل و صانع؟

قال علي (عليه السلام): أو تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبي اللّه؟

قال: نعم، فتبسّم علي (عليه السلام) ضاحكاً وأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً للّه على ذلك، فلما رفع رأسه قال له: يا نبي اللّه امض لما اُمرت، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومرني بما شئت اكن فيه لمسرتك، واقع منه بحيث مرادك، وما توفيقي الاّ باللّه.

فشكره رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على ذلك وقال له: فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي.

ليلة المبيت:

لما أنام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) على فراشه وعزم على الخروج التفت إليه يودّعه وهو يقول: أخبرك يا علي ان اللّه تعالى يمتحن أولياءه على قدر ايمانهم ومنازلهم من دينه، فأشدّ الناس بلاءاً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وقد امتحنك يابن العم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم (عليه السلام) والذبيح إسماعيل(عليه السلام)، فصبراً صبراً، فإنّ رحمة اللّه قريب من المحسنين.

ثم ضمّه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى صدره وبكى وجداً به، وبكى علي (عليه السلام) جشعاً لفراق رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ثم أوصاه بوصاياه وأمره في ذلك بالصبر حتى صلّى العشائين ثم خرج (صلى الله عليه وآله) في فحمة العشاء الآخرة، والرصد من قريش قد أطافوا بداره.

القرآن ومبيت علي (عليه السلام):

نام علي (عليه السلام) على فراش رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) موطّناً نفسه على القتل، فأوحى اللّه تعالى إلى جبرئيل وميكائيل: اني آخيتُ بينكما وجعلتُ عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بحياته؟ فاختار كل منهما الحياة وأحبّاها.

فأوحى اللّه عزّوجل إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب (عليه السلام) آخيتُ بينه وبين محمد (صلى الله عليه وآله) فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه، فكان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي: بخّ بخّ، من مثلك يابن أبي طالب؟ يباهي اللّه بك الملائكة، فأنزل اللّه عزّ وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207] (3).

ليلة الهجرة:

أطاف المشركون بدار رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفيهم أبو جهل بن هشام، فقال وهم على بابه: انّ محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم فجُعِلَت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان لكم منه الذبح، ثم بُعثتم من بعد موتكم فجُعِلت لكم نار تحرقون فيها.

فخرج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في هذه الحال وقد أخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: نعم أنا أقول ذلك، أنت أحدهم، وأخذ اللّه على أبصارهم عنه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو (صلى الله عليه وآله) يتلو هذه الآيات من سورة يس: {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } [يس: 1 - 3] (4) إلى قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } [يس: 9] (5) حتّى فرغ من الآيات، فلم يبق منهم رجل إلاّ وقد وضع على رأسه التراب، ثم انصرف (صلى الله عليه وآله) إلى حيث أراد أن يذهب.

وعلى رواية: أتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون ههنا؟

قالوا: محمّداً.

قال: خيّبكم اللّه، قد واللّه خرج عليكم محمّد، ثم ما ترك منكم رجلاً إلاّ وقد وضع على رأسه التراب، وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟!

قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب.

ثم جعلوا يطّلعون فيرون علياً (عليه السلام) على الفراش متسجياً ببرد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فيقولون: واللّه إنّ هذا لمحمّد نائم عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا. فقام عليّ (عليه السلام) من الفراش. فقالوا: واللّه لقد كان صدقنا الذي كان حدّثنا به.

فقال لهم علي (عليه السلام): ما شأنكم؟

قالوا: أين محمّد؟

قال: أجعلتموني عليه رقيباً؟! ألستم قلتم: نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم.

فأقبلوا على أبي لهب الذي كان يمنعهم عن مداهمة البيت ليلاً يلومونه ويقولون له: أنت تخدعنا منذ الليلة، ثم تفرَّقوا في طلبه.

وكان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يمشي تلك الليلة على أطراف قدميه كي يخفي اثره حتى حفيت قدماه، ورأى (صلى الله عليه وآله) في طريقه أبابكر فاصطحبه وذلك لعلل مذكورة في المفصّلات.

تاريخ الهجرة:

وكانت الليلة التي خرج فيها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) مهاجراً من مكة ليلة الخميس أول ليلة من شهر ربيع الأول بعد أن انقضت مدّة ثلاث عشرة سنة من مبعثه الشريف، وفيها كان مبيت علي (عليه السلام) على فراشه، وكان خروجه من غار ثور ليلة الرابع من شهر ربيع الأول، حيث توجّه فيها إلى المدينة، ووصلها يوم الإثنين في الثاني عشر من شهر ربيع الأول أي: بعد اثنتي عشرة ليلة خلت منه، فنزل بقبا ينتظر قدوم علي (عليه السلام) عليه، فقد أمره النبي (صلى الله عليه وآله) بعد المبيت على فراشه أن يبقى في مكة حتى يؤدّي الودائع والأمانات التي كانت للناس عنده، ثم يحمل الفاطميّات معه ويلتحق بالنبي (صلى الله عليه وآله)، وهكذا فعل علي (عليه السلام).

فعن أبي رافع انه قال: كان علي (عليه السلام) يجهّز النبي (صلى الله عليه وآله) حين كان في الغار يأتيه بالطعام والشراب، وخلّفه النبي (صلى الله عليه وآله) ليخرج إليه أهله فأخرجهم، وأمره أن يؤدي عنه أماناته ووصاياه وما كان بمؤتمن عليه من مال، وأن يقضي عنه ديونه وينجز عداته، فلما أداها قام على الكعبة فنادى برفيع صوته: (يا أيها الناس هل من صاحب أمانة؟ هل من صاحب وصيّة؟ هل من عِدة له قِبَل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)؟ فلما لم يأت أحد لحق بالنبي (صلى الله عليه وآله).

المشركون يطلبون الرسول (صلى الله عليه وآله):

ولما فوجئ المشركون بمغادرة الرسول (صلى الله عليه وآله) داره، وانّ النائم في فراشه هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) أذكوا عليه العيون، وركبوا في طلبه الصعب والذلول.

وخرجوا يقتصون أثره، وأخذوا معهم القافة حتى وصلوا إلى الغار، وكان اللّه تعالى قد أمر العنكبوت فنسجت على وجه الغار، وأرسل حمامتين وحشيتين فوقفتا على وجه الغار، وباضتا في أسفل النقب، فكان ذلك مما صد المشركين عنه، فلما أتوا الغار طارت الحمامتان ورأوا البيض ونسج العنكبوت فقالوا: لو دخل هاهنا لتكسر البيض ولم يكن عليه نسج العناكب، فصرفهم اللّه عزّ وجل بذلك عنه.

الجائزة لمن جاء بالرسول (صلى الله عليه وآله):

ولما يئس المشركون من الظفر برسول اللّه (صلى الله عليه وآله) جعلوا لمن جاء به دية كاملة أي: مائة من الإبل جائزة لذلك، فجدّ الناس في الطلب {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].

وكان ممّن جدّ في طلبه سراقة بن مالك بن جعشم حيث يقول:

جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) دية كاملة لمن قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي من بني مدلج، إذ أقبل رجل منهم حتّى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفاً أسودة بالساحل، أراها محمداً وأصحابه.

قال سراقة: فعرفت أنهم هم، لكني أردتُ الحصول على الجائزة لوحدي.

فقلت: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا.

ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت فأمرتُ جاريتي أن تخرج بفرسي من وراء أكمة فتحبسها عليَّ، فأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فخططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها، فدفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم.

فلما رآني رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أقترب منهم، رفع يديه نحو السماء وقال: (اللّهمّ اكفني شرّ سراقة بما شئت).

فساخت قوائم فرسي، فثنيت رجلي ثم اشتددت وقلت: يا محمد اني علمت ان الذي أصاب قوائم فرسي انما هو من قِبلك، فادع اللّه أن يطلق لي فرسي، فلعمري ان لم يصبكم خير منّي لم يصبكم منّي شرّ.

فدعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فأطلق اللّه عزّوجل فرسه، فعاد في طلب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) حتّى فعل ذلك ثلاث مرّات، كل ذلك يدعو رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فتأخذ الأرض قوائم فرسه.

فلما أطلقه اللّه في الثالثة قال: يا محمد هذه ابلي بين يديك فيها غلامي، وان احتجت إلى ظهر أو لبن فخذ منه، وهذا سهم من كنانتي علامة عليه، وأنا ارجع فأردّ عنك الطلب.

فقال (صلى الله عليه وآله): لا حاجة لنا فيما عندك.

قال الرجل: ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم ان سيظهر أمر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، وكان الكتاب معه إلى يوم فتح مكّة، فجاء بالكتاب فوفى له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وكان يوم وفاء وبرّ.

مع بريدة الأسلمي:

وممّن جدّ في طلب الرسول (صلى الله عليه وآله) بريدة بن الحصيب الأسلمي، فقد ركب في سبعين راكباً من أهله من بني سهم يطلبه، فالتقى به فبادره الرسول (صلى الله عليه وآله) قائلاً: من أنت؟

قال: أنا بريدة.

فقال (صلى الله عليه وآله): برد أمرنا وصلح.

ثم قال (صلى الله عليه وآله): وممّن أنت؟

قال: من أسلم.

فقال (صلى الله عليه وآله): سلمنا.

ثم قال (صلى الله عليه وآله): ممّن؟

قال: من بني سهم.

وهنا التفت إليه النبي (صلى الله عليه وآله) وقال له: خرج سهمك.

فأعجب بريدة تفاؤل الرجل وحسن أخلاقه وأحبّه في قلبه، وتلهّف للتعرّف عليه فقال له: ومن أنت؟

فقال (صلى الله عليه وآله): أنا محمد بن عبداللّه رسول اللّه.

فلم يتريَّث بريدة لما سمع ذلك حتّى قال: (أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأشهد أنَّ محمّداً رسول اللّه) فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعاً.

فقال (صلى الله عليه وآله): الحمد للّه لقد أسلمت بنو سهم طائعين غير مكرهين.

عند اُم معبد:

ثم مضى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فيمن معه فمروا بخيمة اُم معبد الخزاعية، وكانت امرأة جلدة برزة تحتبي بفناء الخيمة ثم تطعم وتسقي من مر بها، فسألها (صلى الله عليه وآله): هل عندها شيء يشترونه؟

فقالت: واللّه لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى، والشاء عازب، وكانت سنة شهباء.

فنظر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: ما هذه الشاة يا اُم معبد؟

فقالت: هذه شاة خلّفها الجهد عن الغنم.

فقال (صلى الله عليه وآله): هل بها من لبن؟

قالت: هي أجهد من ذلك.

قال (صلى الله عليه وآله): أفتأذنين لي أن أحلبها.

قالت: نعم، بأبي واُمّي، إن رأيت بها حليباً فاحلبها.

فدعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بالشاة فمسح بيده ضرعها وذكر اسم اللّه وقال: اللّهمّ بارك لها في شاتها، فتفاجأت عليه ودرّت واجترّت، فدعا بإناء لها يُربض الرهط فحلب فيه ثجاً حتى علته الرغوة، فسقاها فشربت حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب (صلى الله عليه وآله) آخرهم، فشربوا جميعاً عللاً بعد نهل، ثم حلب فيه ثانياً حتى ملأ الإناء.

فلما رأت اُمّ معبد ذلك قالت: إنّ لي ولداً له سبع سنين وهو كقطعة لحم لا يتكلّم ولا يقوم، فأتته به، فأخذ (صلى الله عليه وآله) تمرة وقد بقيت في الوعاء ومضغها وجعلها في فيه، فنهض في الحال، ومشى وتكلّم، وجعل نواها في الأرض فصارت في الحال نخلة، وقد تهدّل الرطب منها، وكان كذلك صيفاً وشتاءاً، وأشار من الجوانب فصار ما حَولها مراعي، ثم ارتحلوا عنها.

فقلّما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً يتساوكن هزالاً. فلما رأى اللبن وما إلى ذلك عجب وقال: من أين لكِ هذا والشاء عازب حيال، ولا حلوبة في البيت؟!

فقالت: لا واللّه، إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك، كان من حديثه كيت وكيت.

قال: واللّه إني لأراه صاحب قريش الذي تطلبه، صِفيه لي يا اُمّ معبد.

فقالت: رأيتُ رجلاً ظاهر الوضاءة حسن الخلق، أبلج الوجه، لم تعبه ثجلة ـ ويروى نحلة بالنون والحاء ـ ولم تزر به صعلة، كأن عنقه ابريق فضّة، وسيم جسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر، في عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلّم سما به وعلاه البهاء، وكأن منطقه خرزات نظم ينحدرن، حلو المنطق فصل، لا نزر ولا هذر، أجهر الناس وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة لا  تشنؤه عين من طول ولا تقتحمه من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفنّد.

فقال: هذا واللّه صاحب قريش الذي ذكروا لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولو كنت أنا وافقته لالتمست أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، فإنه صادق في قوله انه رسول اللّه، فليس هذا إلا من فعل اللّه، ثم قصده فآمن هو وأهله.

ويروى: أن الشاة التي لمس رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ضرعها وحلبها بيده بقيت عند اُمّ معبد حتى كان زمن الرمادة في سنة ثمان عشرة من الهجرة.

قالت اُم معبد: هاجرت وأسلمت، وكنا نحلبها صبوحاً وغبوقاً وما في الأرض قليل ولا كثير.

انتظار المسلمين للرسول (صلى الله عليه وآله):

وبلغ المسلمين خروج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من مكة إلى المدينة، فجعلوا يفدون كل غداة إلى الحرة فينظرون حتى يردّهم حر الظهيرة. فانقلبوا يوماً بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم ينظر لأمر يريده، فبصر برسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن نادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، هذا جدكم الذي تنتظرون.

فبادر المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين وسار حتى نزل بـ (قبا) في (بني) عمرو بن عوف) فكبّر المسلمون فرحاً بقدومه، وسمعت الوجبة والتكبير في بني عمرو بن عوف، فنزل على كلثوم ابن الهدم، وقيل: على سعد بن خيثمة، بـ (قبا) وبقي هناك ينتظر قدوم علي (عليه السلام).

وكان علي (عليه السلام) قد خرج بالفواطم(6) بعد أن أدّى ودائع كانت عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) للناس، وقضى ديونه وأنجز عداته، فلما قدم المدينة رآه النبي (صلى الله عليه وآله) وقد تورّمت قدماه وأصبحتا يقطران دماً، فاعتنقه وبكى رحمة لما به، ثم دعا له (عليه السلام) بالعافية، ومسح رجليه فلم يشكهما بعد ذلك.

ثم نزل (عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله) بقبا، وبقي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بعد قدوم علي (عليه السلام) في بني عمرو بن عوف يوماً أو يومين، وفي مدة بقائه بقبا أسّس مسجد قباء، وهو أول مسجد اُسِّس على التقوى بعد النبوّة بالمدينة المنوّرة.

أول جمعة بالمدينة:

فلما كان يوم الجمعة ركب بأمر اللّه له، فاجتمعت إليه بنو عمرو بن عوف فقالوا: يا رسول اللّه أقم عندنا فإنّا أهل الجدّ والجلد، والحلقة والمنعة.

فقال (صلى الله عليه وآله): خلّوا عنها فإنها مأمورة.

وبلغ الأوس والخزرج خروج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فلبسوا السلاح وأقبلوا يعدون حول ناقته، لا يمرّ بحيّ من أحياء الأنصار إلا وثبوا وأخذوا بزمام ناقته وطلبوا منه النزول عليهم، وهو (صلى الله عليه وآله) يقول لهم: خلوا سبيلها، فإنها مأمورة.

حتى مرّ (صلى الله عليه وآله) ببني سالم عند الزوال من يوم الجمعة، فتعرضت له بنو سالم فقالوا: يا رسول اللّه هلم إلينا فإنا أهل الجد والجلد، والحلقة والمنعة، فبركت ناقته عند مسجدهم فنزل في مسجدهم الذي خطه (صلى الله عليه وآله) لهم ونصب قبلته وصلّى بهم الجمعة وخطبهم، وكان أول مسجد خطب فيه بالجمعة، وصلّى إلى بيت المقدس، وكان الذين صلّوا معه في ذلك الوقت مائة رجل.

عند أبي أيوب:

ثم ركب النبي (صلى الله عليه وآله) ناقته وعلي (عليه السلام) معه لا يفارقه يمشي بمشيه، فأرخى زمامها لا يحركها وهي تنظر يميناً وشمالاً، فلم تزل ناقته سائرة، ولا يمر بدار من دور الأنصار إلاّ رغّبوه في النزول عليهم وأخذوا بخطام راحلته وقالوا: هلم إلى العوذ والعدة والسلاح والمنعة، فكان يجيبهم (صلى الله عليه وآله) بعد التشكّر منهم: خلوا سبيلها فإنها مأمورة.

فلم تزل سائرة به حتى وصلت إلى موضع مسجده اليوم فبركت، ولم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلاً، ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول عند باب أبي أيوب فنزل عنها، ولم يكن آنذاك مسجداً، فجعل الناس يكلمون رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في النزول عليهم، فبادر أبو أيوب الأنصاري إلى رحله فحلّه وأدخله منزله، فجعل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يقول: (المرء مع رحله).

وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته فحوّلها إلى منزله، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أي بيوت أهلنا أقرب؟

فقال أبو أيوب: أنا يا رسول اللّه، هذه داري، وهذا بابي.

قال (صلى الله عليه وآله): فانطلق فهي لنا مقيلاً.

قال: قوما على بركة اللّه، فنزل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) معه(7) في دار أبي أيوب، حتى بُني له مسجده، وبُنيت له مساكنه ومنزل علي (عليه السلام)، فتحوّلا إلى منازلهما.

وقيل: انه لما بركت ناقة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على باب أبي أيوب الأنصاري ولم يكن أفقر منه في المدينة انقطعت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي (صلى الله عليه وآله) فنادى أبو أيوب: يا اُماه افتحي الباب، فقد قدم سيد البشر، وأكرم ربيعة ومضر، محمد المصطفى، والرسول المجتبى.

فخرجت وفتحت الباب وكانت عمياء فقالت: واحسرتاه ليت كانت لي عين أبصر بها وجه سيّدي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فدعا (صلى الله عليه وآله) لها فانفتحت عيناها، وكانت أول معجزة النبي (صلى الله عليه وآله) في المدينة.

وفي رواية: انه لما أقبل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة لم يُر الناس فرحوا بشيء مثل فرحهم به، حتى ان النساء والصبيان والإماء كانوا يقولون: هذا رسول اللّه، قد جاء رسول اللّه.

وعن بعضهم انه قال: شهدته (صلى الله عليه وآله) يوم دخل المدينة فما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوء من يوم دخل علينا، وشهدته يوم مات فما رأيت يوماً قط كان أقبح ولا أظلم من يوم مات.

المسجد النبوي الشريف:

وكان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يصلّي في المربد بأصحابه، فقال لأسعد بن زرارة: اشتر هذا المربد من أصحابه، ـ وكان ليتيمين ـ فساوم اليتيمين عليه، فقالا: هو لرسول اللّه. فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): لا، إلاّ بثمن.

فاشتراه (صلى الله عليه وآله) بعشرة دنانير، وكان فيه ماء مستنقع، فأمر به رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فسيل، وأمر باللبن فضرب، فبناه مسجداً، وبنى منازله ومنازل أصحابه حول المسجد، وخط لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ولحمزة (عليه السلام) مثل ما خطّ له ولأصحابه، فبنوا فيه منازلهم، وكل منهم شرع منه باباً إلى المسجد، فكانوا يخرجون من منازلهم فيدخلون المسجد.

فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) وقال: ان السلام يخصّك بالسلام ويأمرك بسدّ الأبواب إلاّ بابك وباب علي بن أبي طالب ، فإنه يحل له فيه ما يحل لك، فتأثر أصحاب الأبواب من ذلك.

فقال لهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): ما أنا أمرتُ بسدّها، ولكن اللّه أمر بسدّ أبوابكم وترك باب علي (عليه السلام).

فقالوا: رضينا وسلمنا للّه ولرسوله.

بناء المسجد:

ولما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) ببناء المسجد طفق ينقل معهم اللبن وكان يقول وهو ينقل اللبن:

(هذا الحمال لا حمال خيبر، هذا وربّنا أبرّ وأطهر).

أي: هذا المحمول من اللبن أبرّ عند اللّه وأطهر يعني: أبقى ذخراً وأدوم منفعة من التمر والزبيب والطعام المحمول من خيبر الذي يغتبطه حاملوه، وكان يقول أيضاً: (اللّهمّ انّ الأجر أجر الآخرة، فارحم الأنصار والمهاجرين).

وأخذ المسلمون يرتجزون وهم يعملون، فقال بعضهم:

لئن قعدنا والرسول يعمل لذاك منا العمل المضلل

والنبي (صلى الله عليه وآله) يقول: (لا عيش إلاّ عيش الآخرة، اللّهمّ ارحم الأنصار والمهاجرين).

فدخل عمّار بن ياسر وقد أثقلوه باللبن، فقال: يا رسول اللّه قتلوني، يحملون عليَّ ما لا يحملون.

فتبسَّم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ونفض وفرة عمّار بيده وكان رجلاً جعداً وقال له: (ويح ابن سميّة، ليسوا بالذين يقتلونك، انما تقتلك الفئة الباغية).

وارتجز علي بن أبي طالب (عليه السلام) يومئذ وهو يقول:

لا يستوي من يعمر المساجدا ***  يدأب فيها قائماً وقاعداً

                     ومن يرى عن التراب حائداً

وجعلت قبلته إلى بيت المقدس، وجعل له ثلاثة أبواب، وقيل: أكثر من ثلاثة، وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخّره مائة ذراع، وفي الجانبين مثل ذلك أو دونه، وجعل أساسه قريباً من ثلاثة أذرع، وجعل عمده الجذوع، وسقّفه بالجريد، وجعل عضادتيه الحجارة، وقيل له: ألا تسقفه؟ فقال: لا، عريش كعريش موسى، وبنى بيوتاً إلى جنبه باللبن وسقفها بالجريد والجذوع لنفسه ولأصحابه.

وكان في مؤخر المسجد موضع مظلل يأوي إليه المساكين يسمّى (الصفّة).

وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يدعوهم بالليل فيفرقهم على أصحابه، ويتعشى طائفة منهم معه، وأجرى (صلى الله عليه وآله) في مسجده نهراً.

مغادرة بيت أبي أيوب:

ثم انتقل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من بيت أبي أيوب إلى مساكنه التي بنيت له، وقيل: ان مدة مقامه في بيت أبي أيوب بالمدينة إلى أن بنى المسجد وبيوته: كان من شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة، واستجمع له إسلام هذا الحي من الأنصار، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها، إلا ما شذّ وندر.

___________

(1) أي: الرسول(صلى الله عليه وآله).

(2) الانفال : 30.

(3) البقرة : 207.

(4) يس : 1 ـ 3.

(5) يس : 9.

(6) اُمه وبنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبنت الزبير.

(7) راجع مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 131 ط.




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).